العراق «يناقل» بين مياه أنهاره لتلافي العطش

صورة جوية تظهر التقاء نهري دجلة والفرات في البصرة (أ.ف.ب)
صورة جوية تظهر التقاء نهري دجلة والفرات في البصرة (أ.ف.ب)
TT

العراق «يناقل» بين مياه أنهاره لتلافي العطش

صورة جوية تظهر التقاء نهري دجلة والفرات في البصرة (أ.ف.ب)
صورة جوية تظهر التقاء نهري دجلة والفرات في البصرة (أ.ف.ب)

يزحف العطش وقلة الموارد المائية بشكل متسارع إلى مناطق واسعة في العراق نتيجة مواسم كثيرة من الجفاف وقلة الأمطار، والأهم من ذلك السياسات المائية المتعسفة التي تنتهجها دول جوار العراق؛ خصوصاً تركيا وإيران، ضده.

وطبقاً للمديرة العامة للسدود، فإن العراق يعتمد بنسبة 70 في المائة من موارده على المياه الآتية من هاتين الدولتين عبر الأنهار المشتركة، وبنسبة 30 في المائة على مياه الأمطار التي تنزل على البلاد في مواسم الشتاء، والتي شهدت انحساراً كبيراً خلال المواسم الثلاثة الماضية. وتصنّف التقارير الأممية العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغيّرات المناخية في العالم.

وبهدف معالجة أزمة المياه المتعددة الأوجه، تمارس السلطات العراقية هذه الأيام نوعاً من «مناقلة» المياه بين أنهر البلاد تبعاً للحاجة إلى ذلك، حيث أعلن وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله، اليوم (الأربعاء)، تحويل جزء من مياه نهر دجلة إلى نهر الفرات بعد تدني مناسيبه.

وقال عبد الله، في مؤتمر صحافي عقده بمحافظة المثنى (280 كيلومتراً جنوب شرقي بغداد): «سيتم إنجاز مشروع ماء السماوة (مركز المحافظة) الكبير في نهاية السنة لنقل المياه عبر الأنابيب لمحطات الإسالة لضمان وصول الحصص المائية ومعالجة التجاوزات». وأشار إلى «تنفيذ الوزارة مشروع نصب المضخات للاستفادة من مياه بحيرة (الثرثار) في تعزيز الواردات في نهر الفرات فضلاً عن تحويل جزء من مياه دجلة باتجاه نهر الفرات».

وأكد الوزير سعي وزارته إلى «الاستفادة من المياه الجوفية في بادية السماوة بشكل علمي ومدروس، وتنفيذ سدود حصاد المياه؛ للاستفادة من المياه لتقوية المياه الجوفية».

في موازاة ذلك، قال عبد الجبار العبيدي، مدير ناحية العظيم التابعة لمحافظة ديالى (شرقاً)، إن «وزارة الموارد المائية قررت زيادة إطلاقات المياه من سد العظيم إلى 40م3/ ثانية بعدما كانت 30م/ثانية من أجل زيادة الإيرادات صوب نهر دجلة ومنه إلى مدن الجنوب التي تعاني من شح كبير في مناسيب المياه مع دخول موسم الصيف وارتفاع درجات الحرارة». وأضاف في تصريحات صحافية أن «زيادة أو تقليل الإطلاقات المائية في جميع سدود ديالى خاضعة لإجراءات اتحادية من قبل لجنة عليا في وزارة الموارد المائية؛ لأنها المسؤول الأول عن تقييم الوضع المائي على مستوى البلاد».

وسبق أن اشتكى العبيدي من أن قلة الخزين المائي في السد قد تتسبب في عدم إمكانية سد حاجة المناطق الزراعية من المياه في الموسم المقبل.

ويهدد الجفاف سدود وبحيرات في محافظة الأنبار غرب البلاد، ونقلت شبكة «رووداو الإعلامية» عن قائمقام مدينة الرمادي، إبراهيم العوسج أن «سد حديثة قد يخرج من الخدمة ويكون ممراً مائياً عادياً خلال 5 أشهر في أقصى حد، وكذلك الحال لبحيرة (الثرثار)، حيث نصبت وزارة الموارد المائية مضخات كبيرة جداً على بحيرة (الثرثار) لأجل سحب الخزين الميت، ومن ثم نقله إلى نهر دجلة». وأضاف أن «كمية المياه الواصلة من تركيا وسوريا الآن، وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ نحو 100 سنة، حيث إن مجمل الكمية الواصلة إلى المحافظة هي 150 متراً مكعباً في الثانية في أحسن الاحتمالات، بينما كانت الإيرادات قبل سنتين 1200 متر مكعب في الثانية».

ويعاني إقليم كردستان الشمالي هو الآخر من مشكلة نقص المياه، فقد قال محافظ أربيل، أوميد خوشناو، في مؤتمر صحافي، إن «ارتفاع درجات الحرارة، وشح المياه في الآبار، فاقم من مشكلة انقطاع المياه في المدينة، وهذه المشكلة مستمرة منذ أكثر من 10 سنوات». وأضاف أن «حكومة إقليم كردستان قد وافقت على تأمين 24 مليار دينار، لمعالجة أزمة المياه، وتأمين مشاريع الماء في أربيل».


مقالات ذات صلة

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

المشرق العربي السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية الأحد عن فقدان منظومة الكهرباء لـ5500 ميغاواط بسبب توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل.

فاضل النشمي (بغداد)
خاص صدام مع ابنته حلا في صورة غير مؤرخة (غيتي) play-circle 01:12

خاص جمال مصطفى: مشوا تباعاً إلى حبل المشنقة ولم يرف لهم جفن

يروي جمال مصطفى السلطان، في الحلقة الثانية من المقابلة الخاصة معه، كيف تلقت أسرة صدام حسين نبأ إعدامه، وقصة زواجه من حلا، كريمة صدام الصغرى، وأكلاته المفضلة.

غسان شربل
شؤون إقليمية إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

ثمة من يعتقد أن إيران ستركز اهتمامها في مناطق نفوذها في العراق بالتزامن مع تهديدات إسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية

المحلل العسكري
خاص عائلة صدام وتبدو حلا إلى يساره (أ.ف.ب) play-circle 03:44

خاص جمال مصطفى: عرفنا في المعتقل بإعدام الرئيس ونقل جثته للتشفي

ليس بسيطاً أن تكون صهر صدام حسين، وسكرتيره الثاني، وابن عشيرته، وليس بسيطاً أن تُسجن من عام 2003 وحتى 2021... فماذا لدى جمال مصطفى السلطان ليقوله؟

غسان شربل
المشرق العربي جانب من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز)

العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع

قالت وزارة الخارجية العراقية إن بغداد وجهت رسائل لمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية و«التعاون الإسلامي» بشأن «التهديدات» الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
TT

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)

أصبح خبر مقتل أطفال في لبنان بشكل يومي في غارات تنفذها إسرائيل بحجة أنها تستهدف عناصر ومقرات وأماكن وجود «حزب الله»، خبراً عادياً يمر مرور الكرام، حتى بعد تحذير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن أكثر من ثلاثة أطفال يقتلون يومياً، ومن أن أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان، في غضون شهرين نتيجة الحرب المستمرة منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتتعاطى إسرائيل مع مقتل الأطفال والمدنيين على أنه «خسائر جانبية»، فتراها في حال حصلت على معلومات عن وجود شخصية معينة من «حزب الله»، في مبنى معين، تُقدم على نسف المبنى كله، غير آبهة بالمدنيين والأطفال الموجودين فيه.

اضطرابات نفسية

وفي مواقف أدلى بها مؤخراً، استهجن المتحدث باسم «اليونيسف»، جيمس إلدر، من أنه «رغم مقتل أكثر من 200 طفل في لبنان في أقل من شهرين، فإن اتجاهاً مقلقاً يبرز ويظهر أنه يجري التعامل دون مبالاة مع هذه الوفيات من جانب هؤلاء القادرين على وقف هذا العنف».

وبحسب المنظمة الدولية فإن «مئات الآلاف من الأطفال أصبحوا بلا مأوى في لبنان، كما أن علامات الاضطراب النفسي أصبحت مقلقة وواضحة بشكل متزايد».

وتشير الدكتورة باسكال مراد، اختصاصية علم النفس والاجتماع، إلى أن «مغادرة مئات الآلاف من الأطفال منازلهم، وتهجير وتشريد قسم كبير منهم؛ يجعلهم يفتقدون للأمان. كما أن فقدانهم أفراداً من عائلاتهم أمام أعينهم، ومعايشتهم الخطر والدمار والقتل اليومي؛ يترك لا شك تداعيات نفسية كبيرة عليهم يفترض الالتفات لمعالجتها بأقرب وقت».

رجل يخلي طفله من مكان قريب من موقع استهداف إسرائيلي لمنطقة رأس النبع في بيروت (رويترز)

وتشدد باسكال مراد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «من أبرز التحديات عند الأطفال راهناً هي تعليمهم كيفية إدارة انفعالاتهم الصعبة، مثل الخوف والقلق والغضب. فهذه الإدارة إذا لم تتحقق، فسيعاني الأطفال في المستقبل من مشاكل نفسية إذا لم تعالج الصدمات التي يعايشونها»، لافتة إلى أنه «لا يجب أن ننسى أيضاً الآثار الصحية للحرب على الأطفال، خصوصاً التلوث الناتج عن التفجيرات والأسلحة المستعملة، إضافة إلى أنهم سيكونون أكثر عرضة للأمراض والفيروسات في مراكز الإيواء».

ويعاني آلاف النازحين الموجودون في مراكز الإيواء، والعدد الأكبر منهم من الأطفال، من البرد وغياب مستلزمات التدفئة مع حلول فصل الشتاء، كما يفتقرون للملابس الملائمة بعد هربهم من منازلهم من دون التمكن من جمع أغراضهم.

التعليم بطعم الحرب

كما أنه رغم الخطة التي وضعتها وزارة التربية بدعم من «اليونيسف» لإعادة نحو 387 ألف طفل في لبنان تدريجياً إلى 326 مدرسة رسمية، لم يتم استخدامها لإيواء النازحين ابتداء من مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فإن العام الدراسي لا يسير بشكل طبيعي عند كل طلاب لبنان، بحيث يدرس قسم كبير منهم على وقع الغارات وخرق الطيران الإسرائيلي لجدار الصوت في كل المحافظات كما يجري التدريس على وقع هدير الطائرات المسيرة التي تملأ الأجواء اللبنانية.

وتقول إحدى معلمات صفوف الروضة في مدرسة تقع بمنطقة الحازمية المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت، التي تتعرض لقصف دائم: «نقول للأطفال إن دوي الانفجارات هو صوت رعد نتيجة حلول فصل الشتاء، ونعمد لوضع أغانٍ تهدئ من روعهم. القسم الأكبر منهم اعتاد الوضع، في حين بعضهم الآخر يجهش بالبكاء كل مرة».

وتشير المعلمة الأربعينية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة الأكبر نواجهها مع الأهالي الذين يتهافتون عند كل غارة لسحب أبنائهم من الصفوف، ما يجعل الوضع التعليمي غير طبيعي على الإطلاق».

وتشدد الناشطة السياسية والدكتورة في علم النفس بالجامعة اللبنانية في بيروت، منى فياض، على أنه «أياً كانت الظروف، لا يمكن وقف التعليم ويفترض على وزارة التربية أن تؤمن التعليم للجميع حتى ولو في خيم».

وعدّت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض التلاميذ الذين لا يستطيعون التوجه إلى المدرسة نتيجة الحرب لا شك سيتأثرون نفسياً إذا رأوا تلاميذ آخرين يداومون بشكل يومي، لكن هذه التأثيرات محصورة بأعمار كبيرة معينة بحيث سيشعر هؤلاء بعقدة نقص وإهمال، وانعدام العناية، لكن الخطورة الحقيقية هي على مستقبل الأجيال، ففي العالم العربي نحو 75 مليون أمّي نتيجة الحروب واللجوء، وكل حرب جديدة ترفع الأعداد مئات الآلاف. من هنا الخطورة على مستقبل العالم العربي ومستقبل لبنان الذي كانت لديه نسبة كبيرة من المتعلمين منتشرة في كل أنحاء العالم بمستويات وخبرات ممتازة».

أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

وتتحدث منى فياض عن «خشية حقيقية من أن يؤدي التسرب المدرسي إلى الانحراف»، مشددة على وجوب القيام بـ«حملات على المؤثرين للضغط والتصدي لسيناريو مثل هذا، وتأمين التعليم للجميع أياً كانت الظروف القائمة».