الفلسطينيون يبحثون عن تحريك مفاوضات السلام عبر بوابة الصين

رئيس الوزراء الصيني لي كيانغ مستقبِلاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بكين الخميس الماضي (أ.ب)
رئيس الوزراء الصيني لي كيانغ مستقبِلاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بكين الخميس الماضي (أ.ب)
TT

الفلسطينيون يبحثون عن تحريك مفاوضات السلام عبر بوابة الصين

رئيس الوزراء الصيني لي كيانغ مستقبِلاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بكين الخميس الماضي (أ.ب)
رئيس الوزراء الصيني لي كيانغ مستقبِلاً الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بكين الخميس الماضي (أ.ب)

لم تشكل استعادة الديمقراطيين الحكم في الولايات المتحدة بعد انتخاب الرئيس جو بايدن في 2021 عودة فعلية بالنسبة للفلسطينيين إلى مفاوضات السلام مع الإسرائيليين، التي توقفت بشكل شبه تام في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، في حين لم ينجح سلفه باراك أوباما في تحريك المفاوضات الراكدة.

وتشعر القيادة الفلسطينية بفقدان للثقة تجاه الإدارات الأميركية، وأشارت في أكثر من مناسبة إلى أن الولايات المتحدة لم تعد راعية لعملية السلام، في حين أكد الرئيس محمود عباس أن السلطة الفلسطينية لن تقبل أن تكون واشنطن الراعي الوحيد لأي مفاوضات سلام مع الإسرائيليين.

ودفعت حالة الجمود الحالية القيادة الفلسطينية إلى طرق أبواب جديدة يمكن من خلالها استئناف مفاوضات السلام مجدداً، وشكلت زيارة عباس إلى بكين الأسبوع الماضي محاولة لإيجاد محاور ضغط جديدة على إسرائيل عن طريق قوة عظمى مثل الصين، وفقاً لمسؤولين ومحللين.

ويرغب الفلسطينيون في إقامة دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 1967. وانسحبت إسرائيل من غزة في 2005، في حين تمارس السلطة الفلسطينية حكماً ذاتياً في الضفة الغربية.

مسلح فلسطيني في مخيم العين قرب مدينة نابلس الجمعة (إ.ب.أ)

وتوقفت مفاوضات السلام التي كانت ترعاها الولايات المتحدة منذ عام 2014.

وخلال اجتماع الرئيس عباس مع نظيره الصيني شي جينبينغ في بكين الأسبوع الماضي، قال الأخير إن بلاده مستعدة للعب دور إيجابي في مساعدة الفلسطينيين ودعم محادثات السلام مع إسرائيل.

وتوسطت الصين في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في مارس (آذار) الماضي.

ويقول عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» والمفوض العام للعلاقات العربية والصين، لوكالة «أنباء العالم العربي» (AWP)، إن «الصين تسعى لتحقيق استثمارات مشتركة في العالم العربي، وهي تدرك أن مثل هذه الاستثمارات لا يمكن أن تتحقق في ظل بيئة غير مستقرة، فلجأت إلى إصلاح العلاقة السعودية - الإيرانية... الصين تدرك أن الاستثمار المشترك لن يتحقق من دون حل القضية الفلسطينية على أساس قرارات الشرعية الدولية».

وأضاف: «الصين دولة عظمى، وتعاظم دورها في الشرق الأوسط بحكم حجم الاستثمارات في الخليج، وهي تحتاج إلى وجود مناخ ملائم للاستثمارات والتنمية... الصين لا تقبل أن تكون مثل أميركا. لديها مبادئ وقيم... شعبها فقير وأصبحت الآن تنافس على زعامة العالم».

عضوية الأمم المتحدة

أبدى الرئيس الصيني شي أيضاً، خلال اجتماعه مع عباس في بكين، دعمه لحصول السلطة الفلسطينية على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، بحسب وسائل إعلام رسمية.

ولا تؤيد الولايات المتحدة حصول الفلسطينيين على العضوية الكاملة للأمم المتحدة، إلا في حال التوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل.

مهرجان شعبي لحركة «حماس» في خان يونس في قطاع غزة في 26 مايو الماضي (رويترز)

وأبلغت رهام عودة، المحللة السياسية الفلسطينية، وكالة «أنباء العالم العربي»، بأن الصين لاعب دولي كبير في المنطقة ويمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في دعم القضية الفلسطينية تحت عدة محاور.

وقالت عودة: «بكين لها حضور قوي في الأمم المتحدة، ويمكن صوتها أن يؤدي مثلاً إلى دعم الفلسطينيين في الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، والتصويت لقرارات أممية لصالح الفلسطينيين».

وترى عودة أن دخول الصين في مفاوضات السلام، بين الفلسطينيين وإسرائيل، سيعطي العملية توازناً أكبر ولا يحصرها تحت النفوذ الأميركي. وتضيف: «تصريحات الرئيس الصيني الأخيرة ركز خلالها على فرض رؤية للسلام، تتمحور حول الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، وتمكين الفلسطينيين من الحصول على تنمية اقتصادية، والمحافظة على الأماكن المقدسة والوضع القائم في القدس».

ومع ذلك، لا تعتقد عودة أن البيئة مهيأة حالياً لاستئناف مفاوضات السلام؛ لأن «الواقع الفلسطيني - الإسرائيلي للأسف غير مشجع ولا يوجد بيئة لنجاح أي محاولات دولية في هذا الملف، وإن كانت محاولة الصين مشجعة وتعطي أجواء إيجابية».

إسرائيل لن تتعامل بجدية

يعتقد سهيل كيوان، المحلل السياسي المقيم في عكا، أن إسرائيل لن تتعامل مع الجهود الصينية بشأن السلام بشكل جدي.

وقال كيوان لـ«أنباء العالم العربي»: «لن يحدث شيء، الصين تحاول أن تدخل للمنطقة بكثافة أكثر عن طريق مبادرة بهذا الشكل، وهي تعرف أنه كلام فقط ليس أكثر، وإسرائيل لن تتعامل مع الموضوع بجدية».

وبحسب كيوان، تتنافس الصين مع الولايات المتحدة على النفوذ وتطمح في مزيد من الصعود على المستوى الدولي.

وقال: «هي (الصين) تريد تعزيز مكانتها في المنطقة ليس أكثر، لكنها تعرف أنه لا يوجد جديد، ولن ينشأ عن هذه المبادرات أي شيء، ويعرف الفلسطينيون ذلك».

وأبدى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، غير أنه قال إن توسع الإسرائيليين في بناء المستوطنات يمثل عقبة أمام السلام.

ووفقاً لمحللين، تعرقل الانقسامات الداخلية الفلسطينية أيضاً عملية السلام، في ظل سيطرة «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) على قطاع غزة.

وقال كيوان إن الصين لن تنجح في تحريك ملف مفاوضات مجمدة منذ نحو عشرات السنوات.

وأضاف: «الحكومة الإسرائيلية الحالية على الأقل ليس لديها أي نوايا خير ولا أي بادرة، على العكس هي حكومة استفزازية وأعلنوا قبل أيام أنهم بصدد بناء خمسة آلاف وحدة سكنية جديدة في المناطق المحتلة، ولا يوجد أي بوادر على حدوث تغيير».

وتابع: «هناك مشاكل عند الفلسطينيين كذلك، يوجد خطان متناقضان تماماً، هناك خط في رام الله، اتجاهه يختلف جذرياً عن الاتجاه الموجود في قطاع غزة فكرياً وميدانياً».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

العالم بلغت نسبة الضحايا المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة 70 % من مجموع القتلى المسجلين لدى وكالات الأمم المتحدة (رويترز)

الأمم المتحدة: 40 % من ضحايا الحروب نساء... و30 % أطفال

يرسم تقرير أممي صورة قاتمة جداً لما عانته النساء في الأزمات المسلحة خلال عام 2023، فقد شكّلن 40 % من مجموع القتلى المدنيين؛ أي ضعف النسبة في 2022.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا مظاهرات أوكرانية في كييف تطالب بتبادل الأسرى (أ.ف.ب)

أوكرانيا: القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب

قال مفوض البرلمان الأوكراني لحقوق الإنسان، ديميترو لوبينيتس، اليوم الأحد، إن القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب الأوكرانيين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
الخليج مندوب فلسطين رياض منصور يتحدث خلال اجتماع لمجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة (أ.ب)

السعودية ترحب بقرار أممي حول التزامات إسرائيل

رحّبت السعودية بقرار للأمم المتحدة يطلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا جانب من اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة «5+5» في روما الخميس (البعثة الأوروبية)

ليبيا: خوري تسارع لتفعيل مبادرتها وسط صراع على ديوان المحاسبة

تسعى المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني خوري إلى جمع الأفرقاء السياسيين على «المبادرة» التي أطلقتها أمام مجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الماضي.

جمال جوهر (القاهرة)

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)
مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

أعلن «مجلس سوريا الديمقراطية» الجناح السياسي للإدارة الذاتية وقوات «قسد»، الاستعداد للحوار مع تركيا بعدما أظهر الصراع الذي يدور في الشمال السوري ما قال مسؤوله إنه «نيات تركيا السيئة»، وأن «قوات سوريا الديمقراطية» ستُدمج في الجيش السوري.

وفي مقابل الحشد والتوعد التركي ضد المسلحين الأكراد، كشف رياض درار رئيس المكتب الاستشاري لمجلس «مسد» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المبعوثين الأميركي سكوت بولز ونظيره الفرنسي فابريس ديبليشان، يعملان على نزع فتيل الحرب مع تركيا وقال: «لأننا نريد فعلاً الوصول إلى استقرار، بالنسبة لتركيا وفصائلها فإنها تهدد بقتال الكرد وقوات (قسد)، حيث إن فصائل (فجر الحرية) لم تشارك في حملة دمشق، واكتفت باحتلال تل رفعت بريف حلب، وحيي الأشرفية وشيخ مقصود بحلب، حيث الغالبية الكردية».

ويرى هذا المسؤول البارز أن «أفضل طريق للسلام مع تركيا هو نزع السلاح من المناطق المهددة، والدخول في حوارات سياسية مباشرة» في إشارة إلى مدينة عين العرب الواقعة بالريف الشرقي لمحافظة حلب شمالاً.

وقال درار: «حتى لا يبقى لدى تركيا حجج وذرائع لهجوم كوباني لأنها رمز للحرية والمقاومة، يريدون كسر إرادتها، وأنقرة تحرض هذه الفصائل على القتال، كما فعلوا في منبج عندما دخلوها ونهبوها».

أفراد من «قسد» خلال تشييع خمسة عناصر قُتلوا في منبج بمواجهات مع فصائل تدعمها تركيا (أ.ف.ب)

ولطالما هددت تركيا بسيطرة فصائل «فجر الحرية» الموالية لها على مدينة عين العرب «كوباني» الواقعة على بعد نحو 160 كيلومتراً شرق محافظة حلب، واستقطبت هذه المدينة الملاصقة للحدود السورية - التركية اهتماماً عالمياً بعد هجوم واسع نفذه «تنظيم داعش» في محاولته للسيطرة عليها في 2 يوليو (تموز) 2014، وباتت نقطة انطلاقة تعاون المقاتلين الأكراد مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي تشكل لقتال «داعش»، والذي نفذ أولى ضرباته على المدينة الكردية دعماً للمقاتلين، وتم إلحاق الهزيمة بالتنظيم المتشدّد بعد معارك عنيفة استمرت نحو 6 أشهر.

نزع فتيل الحرب

وأكد درار أن الوسيطين الأميركي والفرنسي «يعملان لنزع فتيل الحرب، لأننا نريد فعلاً الوصول إلى استقرار أولاً، ثم الذهاب إلى دمشق للتفاوض مع (هيئة تحرير الشام) للوصول إلى نوع من التفاهم لإدارة سوريا بشكل مشترك»، وأشار إلى أن تركيا تريد تقاسم الكعكة السورية «من خلال وجودها وتغييرها الديموغرافي للمناطق الشمالية، لكي تستطيع أن تسيطر على المشاركة، وتدير لعبة التدخل في سوريا من جديد».

وبعد عقود من التهميش، تصاعد نفوذ أكراد سوريا تدريجياً في شمال سوريا، خصوصاً بعد انسحاب قوات النظام السوري من مناطقهم نهاية عام 2012، وتمكنوا من إقامة إدارات ذاتية، وتأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن إنشاء مؤسسات عامة، وإعادة إحياء لغتهم وتراثهم، وافتتاح مدارس يتم فيها تدريس مناهج باللغة الكردية، غير أن المقاتلين الأكراد خسروا بلدات رئيسة منذ إطلاق عملية «ردع العدوان» في 8 من ديسمبر (كانون الأول)، بعد سيطرة فصائل «فجر الحرية» الموالية لتركيا على بلدة تل رفعت وقرى منطقة الشهباء ومدينة منبج بريف حلب الشرقي، وتتقدم نحو مدينة كوباني.

«غياب المجتمع الدولي»

ولفت رئيس المكتب الاستشاري لمجلس «مسد» إلى أن تركيا الوحيدة التي استفادت من هذه التغييرات المتسارعة في سوريا، وتابع درار: «تستطيع أنقرة أن تدخل بكل حرية عندما تكون ذاهبة باتجاه الجوار الحسن، لكنها الآن عبر أسلوب التحريض للفصائل السورية التي تقاتل معها، تفعل شيئاً غير مطلوب، وتغتنم الفرصة بغياب المجتمع الدولي لما يجري في سوريا».

وزير الدفاع التركي مع جنود من الوحدات العسكرية على الحدود التركية - السورية (الدفاع التركية)

ويعتقد المسؤول الكردي أن الولايات المتحدة «غير راضية عن السياسة التركية التصعيدية والعدائية تجاه أكراد سوريا»، ويقول إنه: «توجد إشارات خاصة من أميركا بأن هذا الفعل فاضح وغير مقبول، ولا يمكن أن يسمح به، لكن إردوغان استغل فرصة التشجيع من ترمب عندما مدح تركيا، كما مدح إردوغان بأنه ذكي ويفهم»، موضحاً أن الإدارة الذاتية، بجناحها السياسي «مسد»، شكلت وفداً للتواصل مع الحكومة الجديدة في دمشق.

وقال درار: «يمكننا أن نصل معها إلى نتائج عبر التفاوض، وتوحيد القرار السوري، ومشاركة كل السوريين في المرحلة الانتقالية والحكومة المقبلة»، ويعزو تأخر ذهاب الوفد إلى العاصمة السورية إلى «الحرب التي تجري الآن في مناطقنا، وتهديدات تركيا المتصاعدة، وعندما يتوقف هذا التهديد سيكون الوفد جاهزاً للذهاب إلى دمشق».

وأكد في ختام حديثه استعداد الإدارة الذاتية للاشتراك في الحكومة السورية المقبلة، وفي فعاليات المرحلة الانتقالية، وختم قائلاً: «قوات (قسد) سوف تكون جزءاً من الجيش السوري بعد التسوية، عندما يتشكل الجيش الوطني سنكون جزءاً منه».