لاجئون سوريون يفضلون شظف العيش في لبنان على العودة إلى بلدهم

إبراهيم الكربو وأولاده يقومون بتقشير الثوم (أ.ف.ب)
إبراهيم الكربو وأولاده يقومون بتقشير الثوم (أ.ف.ب)
TT

لاجئون سوريون يفضلون شظف العيش في لبنان على العودة إلى بلدهم

إبراهيم الكربو وأولاده يقومون بتقشير الثوم (أ.ف.ب)
إبراهيم الكربو وأولاده يقومون بتقشير الثوم (أ.ف.ب)

تحت أشعة شمس حارقة في شرق لبنان، ينهمك اللاجئ السوري إبراهيم الكربو مع أطفاله في تقشير فصوص الثوم لتوفير لقمة العيش، في حين فقد الأمل في العودة إلى بلده، رغم ازدياد الحملة ضد اللاجئين في لبنان، وانتقادات السلطات المضيفة، وتراجع المساعدات الدولية.

ويقول الكربو، بينما تفوح رائحة الثوم في أرجاء المخيم في بلدة سعدنايل بسهل البقاع: «قال لي ابني إن يده باتت زرقاء من الثوم... وقلتُ له: (لو أصبحت حمراء، تابع العمل. نريد أن نأكل الخبز)».

يعمل الكربو (48 عاماً) مع خمسة من أطفاله الستة، وجميعهم دون 12 عاماً، في فصل فصوص الثوم عن بعضها عبر الضغط عليها بقوة ثم تقشيرها؛ ما يجعل أيديهم الصغيرة متورمة أحياناً.​

ابراهيم الكربو (أ.ف.ب)

ويوفر العمل للعائلة نحو 20 دولاراً أسبوعياً، بينما لا تكفي مساعدات تحصل عليها من الأمم المتحدة إلا لتغطية الاحتياجات الأساسية، كما يقول الكربو.

ويعيش اللاجئون السوريون في لبنان ظروفاً صعبة، خصوصاً منذ بدء الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ خريف 2019. وزادت الأزمة الاقتصادية من الخطاب العدائي تجاه اللاجئين الذين يتلقون مساعدات من منظمات دولية، في وقت بات فيه أكثر من 80 في المائة من اللبنانيين تحت خط الفقر.

مخيم اللاجئين في سعدنايل (أ.ف.ب)

وبعد حملات توقيف وترحيل للاجئين نفذتها الأجهزة الأمنية خلال العام الحالي، بذريعة عدم حصولهم على المستندات القانونية اللازمة، عرقلت حكومة تصريف الأعمال مؤخراً برنامجاً لتوزيع مساعدات نقدية بالدولار على اللاجئين من الأمم المتحدة.

ويستضيف لبنان، وفق السلطات، أكثر من مليوني لاجئ سوري، بينما لا يتخطى عدد المسجلين لدى الأمم المتحدة 800 ألف.

وتمارس السلطات اللبنانية ضغطاً على المجتمع الدولي ومنظماته، مطالِبةً بإعادة اللاجئين إلى بلدهم بعدما توقفت المعارك في مناطق واسعة في سوريا باتت تحت سيطرة القوات الحكومية.

ويشكل «دعم مستقبل سوريا والمنطقة» محور مؤتمر دولي للمانحين يعقده الاتحاد الأوروبي في بروكسل، في ظل نقص تمويل غير مسبوق، في إطار الاستجابة للأزمة السورية داخل البلاد وخارجها.

«حياة مرّة»

ويعرب الكربو ذو اللحية البيضاء الكثة التي تجعله يبدو أكبر سناً، عن خشيته من العودة إلى مسقط رأسه، في ظل الفوضى والمخاوف الأمنية.

ويضيف: «أتمنى لو أن أحداً من اللبنانيين يرى حال منزلي في الرقة (...) وإلا فلماذا أمكث في خيمة وليس في بيتي؟ ولماذا لا يتعلم أولادي؟ ما الذي يجبرنا على هذه الحياة المرَّة؟».

ويتابع: «أفضِّل أن أموت هنا أمام أولادي... على أن أتركهم»، مشيراً إلى خشية على مصيره في حال ترحيله إلى سوريا، وسط اتهامات من منظمات حقوقية للسلطات بتوقيف عدد من العائدين من لبنان.

قبل نحو 7 سنوات، فر الرجل من مدينته، حيث كان يعمل في مجال البناء، بعدما سيطر تنظيم «داعش» عليها، وجعلها أبرز معاقله في سوريا حتى دحرته منها عام 2016 «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري، ويدعمها «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن.

ورغم أن حلم العودة يراود كثيرين، فإن العديد من اللاجئين يجدون أنفسهم اليوم محاصَرين بين ظروف معيشية سيئة في لبنان وتعذُّر عودتهم، بعدما فقدوا منازلهم جراء المعارك وموارد رزقهم، فضلاً عن عدم توفر الخدمات والبنى التحتية الأساسية. كما يخشى عدد كبير من الشباب اضطرارهم للالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا.

ودفعت الحرب السورية التي تسببت منذ اندلاعها عام 2011 بمقتل أكثر من نصف مليون شخص وأتت على الاقتصاد ومقدراته، بأكثر من 5.5 مليون شخص إلى الفرار من البلاد، فيما نزح عدد مماثل تقريباً داخلها.

قلبي ميت

وتخيم ملامح الحزن واليأس على وجه سعاد، شقيقة الكربو، لدى حديثها عن فقدانها الأمل بعيش حياة طبيعية؛ فبعد فرارها قبل سنوات من حكم «داعش»، فقدت خلال العام الحالي ابنها (12 عاماً) في حادث جرار زراعي خلال موسم جمع البطاطا.

سعاد الكربو فقدت الأمل بعيش حياة طبيعية (أ.ف.ب)

وتقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أشعر بأن الأبواب كلها مغلقة أمامنا. بيتي في سوريا قُصف. إذا عدتُ، فأين أسكن؟ في الشارع؟ الخيمة أفضل. أشعر بأنه بات مستحيلاً أن أعيش حياة كريمة».

وتتابع بحسرة بينما أطفالها الخمسة الآخرون انقطعوا عن التعليم من أجل العمل: «يرافقني الخوف أينما توجهت (...) يئست من الحياة. أنا شبه حية، قلبي ميت لكنني أعيش من أجل أطفالي».

أطفال يلعبون في مجرى مائي في مخيم سعدنايل (أ.ف.ب)

في مخيم مجاور في بلدة سعدنايل، تبدي غفران الجاسم (30 عاماً) قلقها إزاء مستقبل أطفالها الأربعة في لبنان، بعدما امتنعت عن إرسالهم إلى المدرسة لعدم قدرتها على دفع تكلفة النقل.

وتروي الأم التي فرت مع عائلتها من محافظة إدلب شمال غربي سوريا أن اثنين من أطفالها يعانيان من ضعف في عضلة القلب. ويحتاج أحدهما، وهو في السابعة من عمره، إلى زراعة قلب، في عملية مكلفة لا تقوى على تحمل نفقاتها على الإطلاق.

لاجئات وأطفال سوريون في مخيم سعدنايل (أ.ف.ب)

وتقول بينما تغرورق عيناها بالدموع: «أشاهد أولادي وهم يموتون أمام عيني» في ظل عدم تكفل أي جهة بعلاج طفليها المريضين.

على غرار لاجئين كثيرين يشكون من الضغط المادي والنفسي الذي يعانون منه داخل خيام منسية، تقول الجاسم: «ليس بإمكاننا العودة إلى سوريا، لأن زوجي مطلوب للاحتياط (في الجيش)».

وتسأل: «كيف سأُؤَمّن قوت أولادي» حينها؟


مقالات ذات صلة

فيصل بن فرحان وهوكستين يناقشان تطورات لبنان

الخليج وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان (الشرق الأوسط)

فيصل بن فرحان وهوكستين يناقشان تطورات لبنان

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكستين التطورات على الساحة اللبنانية والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (أ.ف.ب)

لبنان يتجه إلى تغيير شروط دخول السوريين

تُبذَل جهود بين لبنان وسوريا لحل تداعيات الإشكالات التي وقعت يومي الخميس والجمعة عند الحدود بين البلدين.

حسين درويش (بعلبك (شرق لبنان))
المشرق العربي مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا متحدثاً إلى الإعلام من موقع اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)

تهديدات متبادلة بين إسرائيل و«حزب الله» بالرد على خروقات وقف إطلاق النار

يتبادل «حزب الله» وإسرائيل الاتهامات بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، حيث اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأحد، الحزب بعدم الالتزام بالشروط.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي النواب اللبنانيون في جلسة تشريعية العام الماضي (الوكالة الوطنية للإعلام)

«حزب الله»: لا فيتو رئاسياً إلا على جعجع

مع بدء العد العكسي لموعد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بدأت مواقف الأفرقاء تتضح تدريجياً، وأعلن «حزب الله» أنه لا فيتو منه على قائد الجيش العماد جوزف عون.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا (أ.ف.ب) play-circle 02:54

تواصل «محدود» بين لبنان وسوريا

تتعاطى الحكومة اللبنانية بحذر وترقب حيال التغيرات في سوريا حيث سُجّل حتى الآن تواصل محدود بين بيروت ودمشق

بولا أسطيح (بيروت)

بلينكن «واثق» من التوصل إلى وقف إطلاق نار قريباً في غزة

نقل طفل فلسطيني مصاب إلى مستشفى الأقصى في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في دير البلح (إ.ب.أ)
نقل طفل فلسطيني مصاب إلى مستشفى الأقصى في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في دير البلح (إ.ب.أ)
TT

بلينكن «واثق» من التوصل إلى وقف إطلاق نار قريباً في غزة

نقل طفل فلسطيني مصاب إلى مستشفى الأقصى في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في دير البلح (إ.ب.أ)
نقل طفل فلسطيني مصاب إلى مستشفى الأقصى في أعقاب غارة جوية إسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في دير البلح (إ.ب.أ)

أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اليوم الاثنين عن «ثقته» في التوصل إلى وقف إطلاق نار في قطاع غزة، سواء خلال ولاية الرئيس جو بايدن أو بعد أن يخلفه دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي في سيول: «إن لم نعبر (بالاتفاق) خط النهاية خلال الأسبوعين المقبلين، فأنا واثق من أنه سيتم إنجاز الأمر في نهاية المطاف... وحين يتم، سيكون على أساس الخطة التي طرحها الرئيس بايدن»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

الدخان يتصاعد في قطاع غزة بعد غارات إسرائيلية الأحد (رويترز)

وبينما تحدث الإعلام الإسرائيلي، أمس، عن توجه رئيس جهاز «الموساد»، ديفيد برنياع، إلى الدوحة لحضور الاجتماعات، برزت توقعات بأن ينضم أيضاً المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، من أجل دفع مساعي تأمين الصفقة قبل تنصيب الرئيس دونالد ترمب.

وقال بلينكن إن «حماس»، «تتعاون بشكل مكثف» من أجل التوصل إلى اتفاق، غير أن الأمر لم يتم بعد. وقال «نريد من حماس أن تتخذ القرارات الأخيرة الضرورية لإنجاز الاتفاق وأن تغير الوضع بصورة جوهرية بالنسبة للرهائن، أن تطلق سراحهم، ولسكان غزة، أن تدخل لهم المساعدات، وللمنطقة ككل، أن توجد فرصة للمضي قدما عمليا باتجاه شيء أفضل».

فتاتان فلسطينيتان تسيران في موقع غارة إسرائيلية على منزل في مدينة غزة الأحد (رويترز)

ونقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن مسؤول في «حماس» قوله إن الحركة وافقت على قائمة بـ34 رهينة قدمتها إسرائيل لمبادلتهم في إطار اتفاق محتمل لوقف النار.

وقام بلينكن بـ12 زيارة إلى الشرق الأوسط منذ هجوم «حماس» غير المسبوق على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والذي أطلق شرارة الحرب المدمرة في قطاع غزة.

فلسطينيون يسيرون وسط أنقاض المباني المدمَّرة في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

كما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نقلاً عن «مصدر رفيع في إحدى الدول الوسيطة» (لم تسمّه)، قوله إن «إسرائيل تحاول إتمام صفقة جزئية تشمل عدداً محدوداً من الرهائن مقابل عدد قليل من الأسرى الفلسطينيين، وتتضمن وقف إطلاق نار لأسابيع قليلة».