قلق من توقف المساعدات الإنسانية في مخيمات إدلب

عقب إعلان «برنامج الأغذية العالمي» خفض تقديماته نتيجة «أزمة التمويل»

عائلة سورية في خيمتها بقرية حلزون قرب سرمدا بريف إدلب يوم 10 مايو الماضي (أ.ف.ب)
عائلة سورية في خيمتها بقرية حلزون قرب سرمدا بريف إدلب يوم 10 مايو الماضي (أ.ف.ب)
TT

قلق من توقف المساعدات الإنسانية في مخيمات إدلب

عائلة سورية في خيمتها بقرية حلزون قرب سرمدا بريف إدلب يوم 10 مايو الماضي (أ.ف.ب)
عائلة سورية في خيمتها بقرية حلزون قرب سرمدا بريف إدلب يوم 10 مايو الماضي (أ.ف.ب)

أثار إعلان «برنامج الأغذية العالمي» عزمه خفض المساعدات عن أكثر من مليوني شخص في سوريا بدءاً من يوليو (تموز) المقبل بسبب نقص التمويل، قلقاً واسعاً بين النازحين في المخيمات بشمال غربي سوريا، خشية توقف مستحقاتهم من الأغذية والسلال الإغاثية التي يحصلون عليها شهرياً من منظمات دولية شريكة لـ«برنامج الأغذية العالمي».

وقال «برنامج الأغذية العالمي» في بيان الثلاثاء: إن «أزمة التمويل غير المسبوقة في سوريا» أرغمته على تخفيض مساعداته إلى نحو 2.5 مليون شخص بعد أن كان يقدمها لنحو 5.5 مليون شخص يعتمدون على المساعدات التي تقدمها الوكالة لاحتياجاتهم الأساسية من الغذاء. وصرّح كين كروسلي، ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القُطري في سوريا: «بدلاً من زيادة المساعدات أو حتى الإبقاء على السوية نفسها لمواكبة الاحتياجات المتزايدة نحن نواجه مشهداً قاتماً يتمثل في انتزاع المساعدات من الناس في وقت هم في أشد الحاجة إليها».

أطفال في مخيم يؤوي نازحين بريف محافظة إدلب بشمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

«مجحف وغير مسؤول»، بهذه العبارة وصف أبو محمد (45 عاماً) قرار «برنامج الأغذية العالمي» الخاص بوقف المساعدات الإنسانية والغذائية عن أكثر من مليوني سوري. أضاف وهو مستلقٍ على فراشه داخل خيمة سقفها من النايلون وتحيط به أدوية خاصة بالسرطان في مخيم دير حسان، شمال إدلب: إن القرار «سيؤدي إلى كارثة حقيقية إذا ما شرع (برنامج الأغذية العالمي) في تنفيذه. قد تطال المجاعة مئات الآلاف من العائلات السورية، وبخاصة النازحة من مناطقها وتقيم في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة مع عدم توافر فرص العمل لتأمين الغذاء والدواء».

وقال أبو محمد: «معظم العائلات النازحة في شمال غربي سوريا تعاني فقراً وعجزاً. آلاف العائلات لديها إما معاق أو مصاب أو مريض بأمراض خطيرة وهذه العائلات تحتاج إلى مساعدة دائمة ريثما يتوفر حل سياسي شامل للمسألة السورية. فعلى سبيل المثال، عائلتي مكوّنة من 5 أشخاص وأنا مصاب بمرض السرطان، وأحتاج شهرياً إلى ما يقارب 30 دولاراً ثمن دواء، وهذا ما توفره زوجتي من عملها اليومي في الزراعة لدى إحدى الورشات. وفي حال توقفت المساعدات الإنسانية سيتحتم عليها مساعدتي ليس فقط في تأمين الدواء، بل أيضاً في تأمين الغذاء لأسرتنا، وهذا بالطبع أمر صعب... وبالنهاية سيكون مصيري الموت بعد انقطاع الدواء».

طفلان في خيمة بمخيم للنازحين في محافظة إدلب (الشرق الأوسط)

من جانيه، يعيش أبو راغب، وهو مدير أحد المراكز الخاصة بمنكوبي زلزال فبراير (شباط) المدمر، قرب مدينة الدانا (40 كيلومتراً شمال إدلب)، حالة بالغة من الخوف والقلق من أن يطال قرار «برنامج الأغذية العالمي» قرابة 200 عائلة فقيرة تقيم في المركز بعدما دمّر الزلزال منازلهم. قال: إن «شروع (برنامج الغذاء العالمي) في تنفيذ قراره بوقف المساعدات الغذائية خلال الشهر المقبل يعني أننا على موعد مع بداية كارثة ومجاعة حقيقية قد تطال مئات الآلاف من العائلات الفقيرة وبخاصة النازحة؛ إذ تعتمد العائلات النازحة والفقيرة والمهجرة والمنكوبة بشكل رئيسي في غذائها ومعيشتها على المخصصات الإنسانية (سلال غذائية ومنظفات وأغطية) التي تحصل عليها من المنظمات الشريكة للبرنامج الغذائي... على المنظمات الدولية المعنية بالشأن الإنساني توفير حلول سريعة قبل وقوع أي كارثة سببها الجوع والفقر».

في غضون ذلك، أطلقت جهات محلية مسؤولة ومنظمات إنسانية في شمال غربي سوريا، تحذيرات من انتشار الفقر وارتفاع نسبته إلى مستويات خطيرة في أوساط النازحين والعائلات الفقيرة، وهو أمر قد يؤدي إلى مجاعة وكارثة إنسانية. وقالت منظمة «منسقو استجابة سوريا»، التي تهتم بالشأن الإنساني في شمال غربي سوريا، في بيان لها: إن «برنامج الأغذية العالمي» بدأ في إجراءات حذف أكثر من 2.5 مليون مستفيد في سوريا من المساعدات الغذائية، ايتداءً من يوليو (تموز) المقبل، في حال عدم الحصول على التمويل الكافي بعدما وصل عجز البرنامج إلى 98.9 في المائة، كما سيقوم البرنامج بزيادة المدة الزمنية لتقديم المساعدات من شهر واحد إلى أكثر من 40 يوماً في حال استمر العجز في تمويل العمليات الخاصة به خلال الفترة المقبلة.

من جانبه، قال عمر رستم، وهو رئيس دائرة الإغاثة في منطقة الدانا شمال غربي سوريا: إن «قرار برنامج الغذاء العالمي سيكون له آثار ونتائج سلبية للغاية وسيعمق من مأساة السوريين، وخاصة النازحين، وقد يهدد ذلك الأمن الغذائي في منطقة يقطنها ما يقارب ستة ملايين سوري أكثر من نصفهم من النازحين، وهؤلاء يعتمدون في معيشتهم وبشكل رئيسي على السلال الغذائية المقدمة من المنظمات الدولية الشريكة لبرنامج الغذاء العالمي».


مقالات ذات صلة

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي هاربون من الحرب بلبنان يعبرون منطقة المصنع التي استهدفتها إسرائيل (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الغارات على تدمر هي «على الأرجح» الأسوأ في سوريا

قالت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن: «ازدادت الغارات الإسرائيلية في سوريا بشكل كبير، سواء من حيث الوتيرة أو النطاق».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
خاص عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

خاص كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

تسبب الوجود السوري المتنامي بمصر في إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد مشروعاتهم الاستثمارية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لم يشهد سكان غزة، اليوم الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال اللذان أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، فيما قال مسعفون إن 21 شخصاً على الأقل قُتلوا في غارات إسرائيلية جديدة، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال مسعفون إن ثمانية أشخاص قُتلوا في غارة استهدفت منزلاً في حي الشجاعية بمدينة غزة في شمال القطاع. كما قُتل ثلاثة آخرون في غارة بالقرب من مخبز، وقُتل صياد في أثناء توجهه إلى البحر. وقُتل تسعة أشخاص في ثلاث غارات جوية شنتها إسرائيل في وسط وجنوب القطاع.

منطقة عازلة

في الوقت نفسه، توغلت القوات الإسرائيلية أكثر في الشمال، وكثفت القصف في هجوم رئيسي تشنه منذ أوائل الشهر الماضي.

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يهدف إلى منع مقاتلي حركة «حماس» الفلسطينية من شن هجمات وإعادة تنظيم صفوفهم. ويعبّر سكان عن مخاوفهم من أن يكون الهدف هو إخلاء جزء من القطاع بشكل دائم ليكون منطقة عازلة، وهو ما تنفيه إسرائيل.

قال سكان في البلدات الثلاث المحاصرة في الشمال، وهي جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، إن القوات الإسرائيلية فجرت عشرات المنازل.

وذكرت وزارة الصحة بغزة في بيان أن غارة إسرائيلية استهدفت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، وهو إحدى المنشآت الطبية الثلاث التي تعمل بالكاد في المنطقة، مما أسفر عن إصابة ستة من العاملين في المجال الطبي، بعضهم في حالة خطيرة.

وأضافت: «أدى الاستهداف أيضاً إلى تدمير المولد الكهربائي الرئيسي بالمستشفى، وثقب خزانات المياه لتصبح المستشفى من غير أكسجين ولا مياه، الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد على حياة المرضى والطواقم العاملة داخل المستشفى، حيث يوجد فيه 80 مريضاً و8 حالات بالعناية المركزة».

أميركا والفيتو

وعدّ سكان في غزة قرار المحكمة الجنائية الدولية بالسعي إلى اعتقال اثنين من الزعماء الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب بمثابة اعتراف دولي بمحنة القطاع. لكن الواقفين في طابور للحصول على خبز من أحد المخابز في مدينة خان يونس بجنوب القطاع يشكون في أن يكون لهذا القرار أي تأثير.

وقال صابر أبو غالي وهو ينتظر دوره بين الناس: «القرار لا ولن يُنفذ؛ لأن إسرائيل تحميها أميركا، ولها حق الفيتو في كل حاجة، أما إسرائيل فلا ولن تُحاسب».

وقال سعيد أبو يوسف (75 عاماً) إنه حتى لو تحققت العدالة فسيكون ذلك بعد تأخير عقود، «المحكمة الجنائية الدولية اتأخرت كتير، إلنا فوق الستة وسبعين عام بنسمع قرارات اللجنة هذه ولا تنفذ ولا تطبق ولا تعمل إلنا أي شيء».

وشنت إسرائيل حملة عسكرية على غزة رداً على هجوم «حماس» عليها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والذي تشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة.

وقال مسؤولو الصحة الفلسطينيون إن 44 ألف فلسطيني تقريباً قُتلوا في غزة منذ ذلك الحين، وتحول جزء كبير من القطاع إلى ركام.

تعثر جهود الوساطة

وقال ممثلو الادعاء في المحكمة إن هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائياً عن ممارسات تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاحاً في الحرب، في إطار «هجوم واسع وممنهج ضد السكان المدنيين في غزة».

كما أصدرت المحكمة أمر اعتقال لمحمد الضيف، القائد العسكري في «حماس»، الذي تقول إسرائيل إنها قتلته في غارة جوية في يوليو (تموز)، إلا أن «حماس» لم تؤكد أو تنف مقتله.

وتقول إسرائيل إن «حماس» هي المسؤولة عن كل ما يلحق بالمدنيين من أذى في غزة؛ لأن مقاتليها مندسّون بينهم، وهو ما تنفيه الحركة.

وندد سياسيون إسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية بأمري الاعتقال، ورأوا أنهما صدرا بناء على تحيز، واستناداً إلى أدلة كاذبة. وتقول إسرائيل إن المحكمة ليست مختصة بنظر قضايا الحرب. وأشادت «حماس» بأمري الاعتقال بوصفهما خطوة مبدئية صوب تحقيق العدالة.

وتعثّرت جهود الوسيطين، مصر وقطر، بدعم من الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتريد «حماس» التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب، في حين تعهد نتنياهو بأن الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على «حماس».