دخل زعماء الخط الأول في العراق على خط إيجاد حل لأزمة الموازنة المالية الناتجة عن خلاف مع «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، فيما يبدو أن هوة الخلاف لا تزال واسعة بين الطرفين.
ورغم أن الخلاف يتعلق بفقرتين فقط من مواد الموازنة، فقد عدت حكومة إقليم كردستان ما حدث (تعديلهما في لجنة المالية البرلمانية) بمثابة استهداف سياسي لإقليم كردستان، ما يهدد كل الاتفاقيات السياسية الموقعة بين المركز والإقليم (بغداد وأربيل)، خصوصاً وثيقة الاتفاق السياسي التي تشكلت الحكومة الحالية بموجبها، وكان «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أحد أطرافها الفاعلة.
اقرأ أيضاً
وفي إشارة إلى عدم حدوث توافق بين الطرفين واستمرار الخلافات، فقد عد زعيم «تيار الحكمة الوطني» عمار الحكيم عدم تلبية الموازنة المالية العامة للبلاد «طموح» كافة القوى السياسية العراقية أمراً «طبيعياً». وذكر الحكيم في لقاء متلفز أن «الاتفاق على الموازنة رغم كل التعقيدات سيكون دليلًا على نجاح التجربة السياسية الحالية في العراق». وتابع أن «ائتلاف إدارة الدولة العراقية حالياً تجسيد للتفاهم بين المكونات السياسية، وأنه يأمل في إقرار الموازنة الجديدة لتكون الأكبر في تاريخ العراق». وكانت قد توالت طوال الأيام القليلة الماضية الاجتماعات الرسمية، سواء من قبل قادة «الإطار التنسيقي» الشيعي أو قيادة «ائتلاف إدارة الدولة»، فضلاً على اللقاءات والاتصالات غير الرسمية، لتقليص مساحة الخلاف، لكن لم تعلن حتى الآن رئاسة البرلمان موعداً جديداً لغرض التصويت على الموازنة.
مجلس النواب-الدائرة الاعلامية
اللجنة المالية تصوت على بعض فقرات الموازنة الخلافيةhttps://t.co/MC5oHLO2sc pic.twitter.com/hGk3zSFPJ7
— مجلس النواب العراقي (@Parliament_iq) May 25, 2023
وكانت حكومة إقليم كردستان وقيادة «الحزب الديمقراطي الكردستاني» قد اعترضتا على تعديلات أُجريت من قبل اللجنة المالية على الفقرات الخاصة بالإقليم في الموازنة المالية، ووصفت تلك التعديلات بأنها «مخالفة» للقوانين والدستور والاتفاقات المبرمة بين أربيل وبغداد التي تمخض عنها تشكيل الحكومة الاتحادية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني.
وفي هذا السياق، عبّر عدد من الخبراء والأكاديميين في أحاديث لـ«الشرق الأوسط» عن رؤاهم لطبيعة الخلافات حول الموازنة المالية وطبيعة التوافقات السياسية.
البكيري: مخالفة دستورية
أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين في بغداد الدكتور ياسين البكري يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الخلاف على الموازنة ليس مالياً بل هو خلاف سياسي، (تكتيكي واستراتيجي) في آن واحد». وأضاف البكري أن «المواطن العراقي هو من يدفع ثمن خلافات سياسية وفساد وهدر مالي»، مبيناً في الوقت نفسه أن «التعديل الذي أجرته اللجنة المالية في البرلمان لمشروع الموازنة غير دستوري بموجب المادة 62 ثانياً والكثير من قرارات المحكمة الاتحادية». وسأل: «لماذا تعقد اتفاقات قبل تشكيل الحكومة وينكل بها بعد التشكيل». وأشار إلى أن «الاتفاق السياسي لا يعني بالضرورة أنه كان عادلاً ودستورياً، ولكن لماذا يجري التفاوض وكتابة وتوقيع اتفاق غير عادل ومخالف للقواعد يتوافق عليه المتحالفون». وأوضح البكري أن «الهدف من هذا الخلاف يتمحور حول نقاط ثلاث؛ الأولى، هدف تكتيكي يتمثل في المخاوف من صعود أسهم السوداني قبيل انتخابات مجالس المحافظات، بينما الهدف الثاني هو استراتيجي يتلخص في تفريغ محتوى النظام الاتحادي (الفيدرالي) وتجريفه، بما يخص إقليم كردستان أو الأقاليم لو استحدثت وفق الدستور الاتحادي، كون الطبقة السياسية تفكر بعقلية مركزية، ومحاولة لاستثمار تخلخل موازين القوى الداخلية الحالي، والتكفير عن خطأ يعتقده الآباء المؤسسون بمنح الإقليم، والأقاليم لو استحدثت صلاحيات واسعة في الدستور يضعف من قوة المركز». أما الهدف الثالث فطبقاً لما يرى البكري فإنه «يرتبط بقوى الجذب، والاستقطاب الإقليمي في صراع المحاور الإقليمية يهدف لعزل السليمانية عن أربيل».
الدعمي: ضغط على الحكومة
ومن جهته، يرى أستاذ الإعلام الدولي الدكتور غالب الدعمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث هو مواقف سياسية هدفها الضغط على الحكومة تحديداً للاستجابة أو لإضافة فقرات جديدة تصب من حيث المنفعة للذين يعترضون على الموازنة» مبيناً أن «ما يطرح بشأن كردستان ليس صحيحاً، حيث لم تحدث أية تغيرات في حصة كردستان بالمطلق، لكنها أضافت بعض الفقرات، وأعتقد أن هذا هو الهدف». وتابع: «الاعتراض مثلما يقال من أجل الوسط والجنوب غير صحيح في الواقع، وبكل صراحة لو أن نصف الموازنة المخصصة للوسط والجنوب تُصرف بشكل حقيقي لأبناء تلك المناطق لشعر بها أبناء تلك المناطق، لكن الذي يحدث هو أن فقرات الموازنة تذهب للفساد وليس للمواطن». وتابع الدعمي أن «الموازنة هي سياسية قبل أي شيء آخر، وأن أي اعتراض على الموازنة هو اعتراض سياسي بالدرجة الأولى رغم قناعتي أن هناك ظلماً كبيراً لأبناء الوسط والجنوب بسبب السياسات الفاشلة التي يتحملها بعض المحافظين وبعض النواب والحكومات كلها من 2003 وحتى اليوم».