اختتمت لجان «الحوار الوطني»، في مصر، أسبوع اجتماعاتها الأول، بانعقاد جلسات المحور المجتمعي، والذي عقد، الخميس، 4 جلسات، لمناقشة قضايا تتعلق بـ«الهوية المصرية»، وكذلك ما يتعلق ببعض القضايا الأُسرية، ومن بينها الوصاية على أموال الأطفال القُصّر.
واستحوذت المناقشات المتعلقة بـ«الحفاظ على الهوية المصرية»، على القدر الأكبر من اهتمام الأحزاب السياسية المشارِكة في الحوار، وسط حضور كثيف لمثقفين وفنانين مصريين بارزين، وتباين لافت في وجهات النظر حول «سبل الحفاظ على الهوية المصرية، في ظل تحديات عدة تطول الأجيال الشابة».
وانطلقت اجتماعات لجان «الحوار الوطني» في المحاور الثلاثة (السياسي، والاقتصادي، والمجتمعي)، على الترتيب، الأحد الماضي، ومن المقرر أن يتواصل انعقاد اللجان المختلفة بالترتيب نفسه على مدى 3 أيام أسبوعياً، من دون أن يحدد «مجلس أمناء الحوار الوطني» أفقاً زمنياً لانتهاء جلسات الحوار، الذي من المنتظر أن يرفع توصياته الختامية إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وقال ضياء رشوان، المنسق العام لـ«الحوار الوطني»، خلال كلمته في الجلسة الأولى بلجنة الثقافة والهوية الوطنية، الخميس، إن «هناك تعدداً للجهات التي تؤثر على الهوية الوطنية»، مضيفاً أن «الأزمة الكبرى هي التعليم، والأنواع الكثيرة للتعليم بما تحمله من لغة». وأوضح أن «الإمساك بالهوية الوطنية يبدأ من التعليم».
وتتنوّع في مصر أنظمة التعليم، إذ تدير وزارة التربية والتعليم آلاف المدارس، في حين يتلقى مئات الآلاف من الطلاب تعليمهم عبر مدارس خاصة ودولية. ووفق مراقبين، «لا تتحكم وزارة التربية التعليم في معظم المناهج المقدَّمة فيها، كما يلتحق آلاف الطلاب بتعليم ذي صبغة دينية، إذ يشرف الأزهر الشريف على آلاف المدارس والمعاهد الدينية المنتشرة في المحافظات المصرية، فيما تشرف الكنائس المصرية على عدد من المدارس».
من ناحيته أكد الدكتور أحمد زايد، مقرر لجنة الثقافة والهوية الوطنية بـ«الحوار الوطني»، أن «الحوار الوطني يستهدف وضع خريطة طريق للجمهورية الجديدة»، مشيراً إلى أن «الثقافة تدخل في كل المسارات والمحاور، خصوصاً أنها العمود الفقري للمجتمع، وتتداخل في السياسة والاقتصاد وكل مناحي الحياة». وأضاف زايد أن «الهوية المصرية تعرضت لكثير من الإشكاليات، وخصوصاً على مستوى العولمة التي عرَّضت الهوية لإشكاليات كبيرة، بجانب (طغيان) عالم الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وكذا التفسيرات المختلفة للحداثة والدين»، موضحاً أن «هذه سياقات تدفع الجميع إلى طرح تساؤلات دائمة عن تعريف الهوية والحفاظ عليها»، مؤكداً أن «المثقفين لم يصلوا إلى إجابة حاسمة حول هذا السؤال حتى الآن».
وحازت قضية اللغة العربية والهوية المصرية جانباً معتبراً من مناقشات المحور المجتمعي، الخميس، وتباينت آراء المشاركين بشأن «الاهتمام باللغة العربية في المناهج التعليمية»، وانتقدوا الميل الواضح، خلال السنوات الماضية، لـ«الاهتمام بتدريس اللغات الأجنبية، على حساب اللغة العربية». وعدَّ مشاركون ذلك «خطراً على الهوية الوطنية».
وحملت نيفين مسعد، مقرر لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بـ«الحوار الوطني»، على ما وصفته بـ«التشوهات التي باتت تعانيها الهوية المصرية، ومنها حتى لغة الشارع أو اللغة العامية»، وقالت، خلال مشاركتها، إن «اللهجة العامية لم تعد تشبهنا»، مؤكدة الحاجة إلى «الالتفاف حول هذا الأمر وبث مسلسلات كرتون ورسوم متحركة مصرية؛ حتى لا يستورد أبناؤنا لغات أجنبية، مع إعادة الاعتبار إلى حصة القراءة الحرة».
في المقابل، أكدت كريمة الحفناوي، ممثلة «الحركة المدنية» التي تضم 12 حزباً معارضاً وعدداً من الشخصيات العامة، أن «الهوية الثقافية أمن قومي»، وشددت على «ضرورة وضع استراتيجية ثقافية جديدة لـ(الثقافة التنويرية)»، مؤكدة الحاجة إلى «ثورة ثقافية؛ للوقوف في وجه ما يواجهنا من الغزو الثقافي».
وقدَّمت أحزاب ومكونات سياسية عدة مشارِكة في «الحوار الوطني»، عدداً من المقترحات، للحفاظ على الهوية المصرية، من بينها إنشاء هيئة عليا للحفاظ على الهوية المصرية، وتدشين مؤشر لقياس الهوية الوطنية، في حين اقترح بعض المشاركين استحداث «هيئة وطنية لتطوير الشخصية المصرية».
من جانبها أكدت الكاتبة فريدة الشوباشى، عضو مجلس النواب المصري «البرلمان»، إحدى المشارِكات في جلسات المحور المجتمعي، «أهمية انطلاق (الحوار الوطني) في هذا المحور، بمناقشة قضية الهوية الوطنية»، معتبرة تلك القضية «ركيزة لمناقشة بناء المستقبل كله». وأضافت، لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر «تميزت، عبر قرون، بقدرتها على الحفاظ على هويتها، مع استيعاب الثقافات الوافدة»، لكنها حذّرت من خطورة ما تتعرض له الشخصية المصرية من غزو ثقافي وافد، إضافة إلى التأثير الذي وصفته بـ«الخطير والواسع» لتيارات «التأسلم السياسي»، داعية إلى «ترسيخ ثقافة المواطنة، وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين».
في سياق متصل، خلصت المناقشات، التي جَرَت في جلسة قضايا «الولاية على المال»، المُدرَجة على جدول «لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي»، إلى التوصية بـ«إنشاء صندوق لاستثمار وإدارة أموال الأطفال القُصّر، مع وضع آليات للمراقبة على تلك الأموال وتسهيل استثمارها»، كما أوصت المناقشات كذلك بـ«نقل الوصاية للأم مُباشرة بعد وفاة الأب، وتغليظ عقوبة عدم رعاية الأطفال، وحماية الدولة المصرية للأطفال المعاقين من أُسرهم، وخاصة في حالات الاستغلال في أنشطة مخالِفة للقانون مثل (التسول)».
يُذكَر أن الرئيس المصري دعا، في أبريل (نيسان) من العام الماضي، إلى إجراء «حوار وطني» يضم أحزاب وقوى المعارضة المصرية، وشخصيات أكاديمية وعامة، وعُقدت الجلسة الافتتاحية في الثالث من مايو (أيار) الحالي.