«مسيرة الأعلام» في القدس غداً... مظاهرة «عدم الثقة بالنفس»

في ذكرى احتلال القدس الشرقية عام 1967

إسرائيليون يحتشدون للاحتفال بيوم القدس في البلدة القديمة في 29 مايو 2022 (غيتي)
إسرائيليون يحتشدون للاحتفال بيوم القدس في البلدة القديمة في 29 مايو 2022 (غيتي)
TT

«مسيرة الأعلام» في القدس غداً... مظاهرة «عدم الثقة بالنفس»

إسرائيليون يحتشدون للاحتفال بيوم القدس في البلدة القديمة في 29 مايو 2022 (غيتي)
إسرائيليون يحتشدون للاحتفال بيوم القدس في البلدة القديمة في 29 مايو 2022 (غيتي)

«مسيرة الأعلام» الإسرائيلية في القدس، في ذكرى احتلال القدس الشرقية عام 1967، وفق التقويم العبري، وتهدد بتفجير الأوضاع الأمنية، المتوترة أصلاً في المدينة المقدسة، جاءت لغرض سياسي ديني، يهدف أصحابه لتكريس القرارات والقوانين الإسرائيلية لضم القدس، واعتبارها «العاصمة الأبدية الموحدة».

فعلى الرغم من مرور 56 سنة على احتلال المدينة، وامتلائها بالمستوطنات والمستوطنين، وعلى الرغم من القوة العسكرية الهائلة لإسرائيل، والمشروعات الضخمة لتهويد المدينة، وضخّ مليارات الدولارات في تطوير «السيادة اليهودية» فيها، تجد المؤسسة الإسرائيلية حاجة لإثبات وجودها، تفعل ذلك بعصبية لا تنجح في إخفائها.

وإذا كان تنظيم المسيرة في البداية بوصفها مظاهرة دينية يتحدثون فيها عن «الانتماء اليهودي»، فإنها، في السنوات الأخيرة، «مظاهرة قوة» تسيطر عليها قوى اليمين المتطرف، تنطلق منها هتافات عنصرية عدوانية، مثل «النقمة»، «ليُمحَ اسم فلسطين»، و«الموت للعرب»... إلخ، وتتخللها عملية اعتداء على المتاجر والمواطنين الفلسطينيين.

وهذا ليس مجرد «استفزاز للفلسطينيين»، بل هو نوع من الاعتراف المبطَّن بأن القدس ليست موحَّدة، وليست عاصمة أبدية.

رجل فلسطيني يواجه المستوطنين وهم يُلوّحون بأعلامهم عند بوابة القدس 2022 (أ.ف.ب)

وقد نشر «معهد القدس لبحث السياسات»، معطيات، الأربعاء، عن أن آخِر الإحصائيات تدلّ على أن ميزان الهجرة اليهودية في القدس ما زال سلبياً، حيث انتقل، عام 2021، للسكن فيها 11,900 شخص، ولكن عدد الذين غادروها كان الضِّعف (22,700 شخص)؛ أي بفارق 10,800.

ومع أن القدس تعتبر مدينة شباب، إذ إن معدل الأعمار فيها 25 عاماً (مقابل المعدل 31 عاماً في إسرائيل)، فإن 35 في المائة من الذين غادروها للسكن في مناطق أخرى، هم شبان في سن 15 - 19 عاماً. ومن يدخل المدينة من أية جهة يصل إلى أحياء القدس الشرقية يجدها مختلفة تماماً عن القدس الغربية؛ ليس فقط بسبب الإهماليْن الحكومي والبلدي المتعمَّد، بل بسبب الهوية أيضاً، فهي مدينة أخرى، سوقها مختلفة، وناسها مختلفون.

والقدس «العاصمة الأبدية» تعتبر أفقر مدينة في إسرائيل، 60 في المائة من سكانها العرب، و31 في المائة من سكانها اليهود، يعيشون تحت خط الفقر. 39 في المائة من عائلاتها، و50 في المائة من أبنائها، يعيشون تحت خط الفقر (مقابل نسبة 21 في المائة من العائلات، و28 في المائة من الأبناء في إسرائيل عموماً).

لافتة الجماعة اليهودية المتطرفة «لهافا» خلف رمز نجمة وهلال مسجد شربجي الصغير أثناء «مسيرة الأعلام» بعد عبور باب العامود إلى المدينة القديمة (غيتي)

وبسبب فرض الاحتلال وجوده «بقوة السلاح»، باتت القدس المدينة الأقل أمناً وأماناً. وأي حدث تشهده، يحتاج إلى مضاعفة قوات الشرطة فيها، ففي عشية المسيرة، هذه السنة، مثلاً، جرى رصد 3300 شرطي في القدس الشرقية وحدها، هذا عدا القوات الخاصة، والمستعربين، وجيش المخابرات، وألوف الكاميرات التي ترصد كل حركة.

وفي إجراء استباقي، شنّت أجهزة الأمن الإسرائيلية حملة اعتقالات واسعة شملت 50 فلسطينياً، وسلَّمت 35 منهم أوامر إبعاد عن المدينة.

السلطات الإسرائيلية بكل قوتها، تخشى من نشاط محافظ القدس عدنان غيث، ابن حركة «فتح» وممثل السلطة الفلسطينية في المدينة، فقد اعتقلته 35 مرة، وتحظر عليه دخول المدينة في السنوات الأخيرة، وتُلاحقه هو وكل من يعمل معه في المحافظة.

وكانت أجهزة الأمن الإسرائيلية قد اعتقلت، خلال عام 2022 المنصرم، 7 آلاف فلسطيني، بينهم 882 طفلاً، و172 امرأة، و3 آلاف شخص من القدس وحدها، وكل ذلك لأنها لم تفلح في إقناع الفلسطينيين بسيادتها، رغم مرور 56 عاماً على الاحتلال، احتفلوا خلالها سنة بعد أخرى بـ«تحرير» و«توحيد» القدس.

من هنا قام اليمين المتطرف بتحويل «مسيرة الأعلام» إلى مظاهرة قوة واستعراض عضلات أمام الفلسطينيين والعالم، يقومون خلالها بإغراق المدينة بغابة من أعلام إسرائيل، ويختارون مساراً جديداً لها، لم يكن قائماً من قبل، هو المسار الذي يجعلهم يدخلون من باب العامود ويمرون في الحي الإسلامي، وبعضهم يهدد بدخول الحَرَم القدسي وباحات الأقصى، للاحتفال بالمناسبة.

رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أعلن تمسكه بالمسيرة وبالمسار الذي اختارته، وهناك 4 وزراء على الأقل في حكومته أعلنوا نيّتهم المشاركة؛ وهم: وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزيرة المواصلات ميري ريغيف، ووزير تطوير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف.

ولأن الفلسطينيين يفهمون الرسالة الإسرائيلية جيداً، يستعدون لرفع صوتهم وإثبات وجودهم هم أيضاً في مدينتهم، سيرفعون أعلام فلسطين على كل بيت، وسيعرقلون بعض مسارات المسيرة، وسيتخذون إجراءات لا يعلنون عنها، هدفها التذكير بأن الوجود الإسرائيلي في القدس «هو احتلال قسري».



بعد الإطاحة بالأسد... الجولاني يضع بصمته على الدولة السورية

رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
TT

بعد الإطاحة بالأسد... الجولاني يضع بصمته على الدولة السورية

رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)
رجال يركبون دراجة خارج سجن صيدنايا وخلفهم علم الثورة السورية (رويترز)

تفرض إدارة العمليات العسكرية في سوريا بقيادة أحمد الشرع المكنى «أبو أحمد الجولاني» سلطتها على الدولة السورية بنفس السرعة الخاطفة التي سيطرت بها على البلاد؛ ففي غضون أيام قليلة نشرت شرطةً، وسلَّمت السلطة لحكومة مؤقتة، وعقدت اجتماعات مع مبعوثين أجانب، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا حُكَّام دمشق الجدد سيلتزمون بعدم إقصاء أحد.

ومنذ أطاحت «هيئة تحرير الشام»، تحت قيادة الشرع وبدعم تحالف من قوات معارضة، ببشار الأسد من السلطة، يوم الأحد، انتقل موظفوها الذين كانوا حتى الأسبوع الماضي يديرون إدارة إسلامية في شمال غربي سوريا إلى مقر الحكومة في دمشق.

وكان تعيين محمد البشير رئيس حكومة «هيئة تحرير الشام» في إدلب رئيساً انتقالياً جديداً للوزراء في سوريا، يوم الاثنين، بمثابة تأكيد على مكانة الهيئة باعتبارها الأقوى بين الفصائل المسلحة التي حاربت لأكثر من 13 عاماً لإنهاء سنوات الأسد الذي حكم بقبضة من حديد.

ورغم أن الهيئة كانت تابعة لتنظيم «القاعدة» قبل فك الارتباط معها عام 2016، فقد نجحت في طمأنة زعماء العشائر والمسؤولين المحليين والسوريين العاديين خلال زحفها إلى دمشق؛ بأنها ستحمي معتقدات الأقليات، وقد حظيت بدعم واسع النطاق. وساعدت هذه الرسالة في تسهيل تقدُّم مقاتلي الفصائل. ويكرر الشرع الرسالة نفسها منذ الإطاحة بالأسد.

وفي مكتب محافظ دمشق، حيث الجدران المزينة بشكل رائع بالخشب المطعَّم والزجاج الملوَّن، قلَّل مسؤول تم جلبه من إدلب لتولي المسؤولية من شأن المخاوف من أن سوريا تتجه نحو شكل إسلامي من أشكال الحكم.

وقال محمد غزال، وهو مهندس مدني يبلغ من العمر 36 عاماً ويرتدي نظارة طبية ولديه لحية كثيفة ويتحدث الإنجليزية بطلاقة تقريباً: «لا يوجد شيء اسمه الحكم الإسلامي. في النهاية، نحن مسلمون، ومؤسساتنا أو وزاراتنا مدنية».

وأضاف: «ليس لدينا أي مشكلة مع أي عرق أو دين. ومَن صَنع المشكلة هو النظام (السابق بقيادة الأسد)».

ورغم ذلك، فقد أثارت الطريقة التي اتبعتها «هيئة تحرير الشام» في تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة، من خلال استقدام كبار الإداريين من إدلب، قلق البعض. وقالت أربعة مصادر من المعارضة وثلاثة دبلوماسيين لـ«رويترز» إنهم يشعرون بالقلق إزاء شمول العملية حتى الآن.

وقال البشير إنه سيبقى في السلطة حتى مارس (آذار) فقط، إلا أن «هيئة تحرير الشام» (التي لا تزال مُصنَّفة جماعة إرهابية لدى الولايات المتحدة، والقوة الإقليمية تركيا، وحكومات أخرى) لم تفصح بعد عن التفاصيل الرئيسية للعملية الانتقالية، بما في ذلك تفكيرها في دستور جديد.

وقال زكريا ملاحفجي أمين عام «الحركة الوطنية السورية» الذي عمل في الماضي مستشاراً سياسياً للمعارضين في حلب: «(انت عم بتجيب من لون واحد. مفروض يكون في تشارك مع الآخرين)... هذه الطريقة ليست صحيحة. المفترض أن تأتي القوى السياسية والعسكرية إلى الطاولة، وترتّب، وتضع حكومة انتقالية بالتشاور مع الآخرين. هذا يعطي دعماً للحكومة».

وأضاف: «المجتمع السوري متعدد الثقافات، (فبصراحة هيك مقلق)».

«خراب... خراب... خراب»

لإدارة هيئات حكومية، قال غزال إنه قدَّم تطمينات للموظفين وحثهم على العودة للعمل. وقال غزال إنها «دولة منهارة. خراب، خراب، خراب».

وتتركز أولوياته للأشهر الثلاثة المقبلة في تشغيل الخدمات الأساسية وتبسيط البيروقراطية. كما ستتم زيادة الرواتب، التي يُقدَّر متوسطها بنحو 25 دولاراً في الشهر لتتماشى مع أجور حكومة الإنقاذ الذي يبلغ الحد الأدنى لأجورها 100 دولار في الشهر.

ورداً على سؤال حول كيفية تمويل هذا، قال: «سوريا دولة غنية للغاية. لكن النظام اعتاد على سرقة الأموال».

كما يتولى رجال شرطة قدموا من إدلب تنظيم حركة المرور في دمشق، في محاولة لاستعادة جانب من الوضع الطبيعي، بعد أن أمرت «هيئة تحرير الشام» الفصائل المسلحة بالخروج من المدينة. وقال أحد المسؤولين الأمنيين (لم يذكر اسمه) إن العبء أصبح كبيراً للغاية، مشيراً إلى أنهم كانوا في السابق يقومون بمهامهم في إدلب فقط.

ورغم أن «هيئة تحرير الشام» هي الأبرز بين الفصائل التي حاربت الأسد، فإن فصائل أخرى لا تزال مسلحة، خاصة في المناطق الواقعة على الحدود مع الأردن وتركيا.

وخلال سنوات الحرب، كانت تقع في كثير من الأحيان صدامات بين فصائل مسلحة، مما يترك إرثاً من التنافسية والعداء يُنظر إليه على أنه أحد المخاطر العديدة التي تهدد الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد.

وقال يزيد صايغ، وهو زميل أول بمركز «كارنيغي» لـ«الشرق الأوسط» إن «(هيئة تحرير الشام) تسعى بوضوح إلى الحفاظ على الزخم على جميع المستويات»، مضيفاً أن أي مجموعة في موقفها تتولى السلطة من نظام منهار في بلد منهك، ستتصرف بشكل عام بالطريقة ذاتها.

وأضاف: «هناك مخاطر متعددة تكمن في تحديد (هيئة تحرير الشام) للأولويات، ووتيرة ما سيأتي بعد ذلك. أحد هذه المخاطر إنشاء شكل جديد من الحكم الاستبدادي، هذه المرة في ثوب إسلامي».

لكنه ذكر أن تقديراته تشير إلى أن تنوُّع المعارضة والمجتمع في سوريا من شأنه أن يجعل من الصعب على مجموعة واحدة احتكار النفوذ.

وقال إن «تركيا، الداعم المؤثر للمعارضة، حريصة أيضاً على أن تكون هناك حكومة قادرة على الفوز بالدعم الدولي».

«سنبقى حتى مارس»

قال مصدر من المعارضة مطَّلع على مشاورات «هيئة تحرير الشام» إن جميع الطوائف السورية سيكون لها تمثيل في حكومة تصريف أعمال. وأوضح المصدر أن من الأمور التي سيتم تحديدها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ما إذا كان ينبغي أن يكون نظام الحكم في سوريا رئاسياً أم برلمانياً.

واندلعت الثورة السورية ضمن ما يُعرَف بانتفاضات الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالحكام في مصر وتونس وليبيا واليمن، وأعقبتها فترات انتقالية مضطربة وعنيفة في كثير من الأحيان.

وفي مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية نُشِرت أمس (الأربعاء)، قال رئيس الوزراء البشير: «سنبقى حتى مارس (آذار) 2025 فقط».

وأوضح أن الأولويات استعادة الأمن وسلطة الدولة، وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وتوفير الخدمات الأساسية.

وعندما سُئِل عما إذا كان الدستور السوري الجديد سيكون إسلامياً، قال إن «هذه التفاصيل» سيتم توضيحها خلال عملية صياغة الدستور.

وقال محمد علاء غانم، وهو ناشط سوري بارز مقيم في واشنطن وعلى اتصال بشخصيات بارزة من المعارضة، إن «هيئة تحرير الشام» مطالَبة بأن «تتحلى بالذكاء، وأن تنفذ الانتقال بشكل صحيح، لا أن يتملكها الغرور، وتهيمن بشكل كامل على الحكومة الجديدة».

وحثت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن «هيئة تحرير الشام» على عدم تولي القيادة بشكل تلقائي في سوريا، وإنما تبني عملية لا تقصي أحداً لتشكيل حكومة انتقالية، وفقاً لمسؤولين أميركيين ومساعد في الكونغرس مطلعين على الاتصالات الأميركية الأولى مع الهيئة.

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن الانتقال في سوريا يجب أن يؤدي إلى «حكم موثوق وشامل وغير طائفي»، بما يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم «2254».

ويدعو هذا القرار، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2015، إلى عملية بقيادة سوريا تتولى الأمم المتحدة تسهيلها، والتأسيس لحكم غير طائفي في غضون 6 أشهر، وتحديد جدول زمني لعملية صياغة دستور جديد.

كما يدعو إلى انتخابات حرة ونزيهة.