الجميلي: خطط الجهاز لاغتيال بوش وتفجير سفينة لإغلاق قناة السويس

مدير شعبة أميركا في مخابرات البعث العراقي يفتح لـ«الشرق الأوسط» دفاترها

TT

الجميلي: خطط الجهاز لاغتيال بوش وتفجير سفينة لإغلاق قناة السويس

الرئيس جورج بوش الأب في الكويت عام 1993 (غيتي)
الرئيس جورج بوش الأب في الكويت عام 1993 (غيتي)

لم تكن المرة الأولى التي أحاور فيها ضابط مخابرات. وأعرف هذا العالم المعتم بالظلال والقسوة والضربات القاتلة. لم يكن جهاز المخابرات العراقية يتساهل أبداً مع من يصنّفهم في خانة الأعداء. ويمكن القول إن النظام كان خائفاً ومخيفاً. وفي مخاطبة أعداء الداخل والخارج كان يمارس عنفاً صارخاً ومدوياً. أصابتني روايات سالم الجميلي، مدير شعبة أميركا في المخابرات العراقية، بنوع من الذهول. لن أشرح الأسباب وأفضّل أن أتركه يروي.

قبل عام 1980 لم يكن لجهاز المخابرات العراقي نشاط واضح في العمليات الخاصة باستثناء استهداف شخصيات فلسطينية سارت على المنهج الاستسلامي مع إسرائيل (بالتعاون مع صبري البنا أبو نضال) وشخصيات عراقية (من أعداء الحزب والثورة) كانوا من الأطراف الرئيسية المشاركة في ثورة 17 تموز 1968 الذين أبعدهم صدام حسين بعد 30 يونيو (تموز) من الشهر نفسه واستقروا خارج العراق. هكذا اغتيل حردان عبد الغفّار التكريتي (نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع السابق) الذي اغتيل في الكويت عام 1971 وعبد الرزاق النايف (رئيس الوزراء بعد عودة البعث إلى السلطة) الذي اغتيل عام 1978 في لندن. كذلك محاولة اغتيال الدكتور إياد علاوي (رئيس الوزراء بعد إطاحة البعث) عام 1978 من قِبل ضابط العمليات (م.ج). في الواقع كانت العملية ما نسميه تهشيم رأس بأمر من الرئيس صدام حسين شخصياً وليست عملية اغتيال؛ لأن المهاجم استخدم الفأس ولم يستخدم السلاح رغم توافره في محطة المخابرات في لندن. والحقيقة أن المنفّذ يمتلك من الشجاعة والقدرة على تنفيذ مهامه بكل دقة؛ إذ لم تُسجّل عليه أي حالة من الفشل خلال مسيرته العملياتية، ولم يكلّف مهمة ويغادر المكان دون أن يسلب روح الضحية.

التحوّل الكبير الذي طرأ على عمل المخابرات في مجال العمليات الخاصة بدأ منذ اندلاع الأزمة مع إيران بعد مجيء الخميني إلى السلطة عام 1979. سعى الجهاز بمرور الوقت إلى تطوير قدراته الدفاعية في مجال مكافحة العمليات والتخريب أولاً، ثم توافرت خبرات ممتازة في مجال الهجوم سواء في عمليات الاغتيال أو استخدام المتفجرات أو المواد السميّة.

اياد علاوي... أمر صدام بـ "تهشيم رأسه" فاكتفى الضابط المنفّذ باستخدام الفأس (غيتي)

في عام 1980 انتهجت إيران الخمينية سياسة «تصدير الثورة» وترافق سلوكها العدائي مع جملة من العمليات الإرهابية داخل الأراضي العراقية وعلى الحدود بهدف تقويض نظام الحكم. استشعر جهاز المخابرات الخطر القادم من إيران؛ لذلك سعى بسرعة إلى تطوير قدرات شعبة المتفجرات في مديرية العمليات الخاصة، وطلب من مركز البحوث الفنية الذي أشرف على تأسيسه الدكتور نعيم العضاض، العمل على توفير المعدات الفنية الخاصة بالمتفجرات، سواء كانت أجهزة توقيت أم أجهزة التفجير اللاسلكي التي استوردها من الخارج، وأصبح الجهاز قادراً على الرد على إيران.

في اجتماع عُقد بناءً على دعوة من مدير الجهاز برزان التكريتي فوجئ المشاركون بشخص يتحدث اللهجة المصرية. علمنا لاحقاً أنه الدكتور عبد المنعم محمود أحمد، الخبير في مجال البحوث الكيميائية والبيولوجية، وأنه يشغل منصب المستشار الفني لمدير الجهاز. وفهمنا أن الرجل هو المسؤول عن تطوير الأبحاث في مجالات عدة، منها المواد السميّة والكيماوية، إضافة إلى إشرافه على كادر التصنيع الخاص بالعبوات المتفجرة. واتضح أن انضمامه إلى جهاز المخابرات لم يكن في إطار التعاون الاستخباري المصري – العراقي، إنما ورد اسمه خلال زيارة لوفد من وزارة الدفاع إلى مصر للاستعانة بخبراء مصريين لتطوير قدرات الجيش في السلاح الكيماوي.

خلال المباحثات لفت المصريون انتباه الوفد العراقي إلى وجود مجموعة من الأساتذة الجامعيين من مصر يعملون في الجامعات العراقية ويمكن الإفادة من خبراتهم وأشاروا إلى اسم الدكتور عبد المنعم. وكان الرجل يمتلك إمكانات فذة وسبق له أن عمل في الجيش المصري ووصل إلى رتبة لواء، كما شغل منصب مدير مصنع كيماوي في مصر.

سالم الجميلي

أسس الدكتور عبد المنعم المختبرات الخاصة بجهاز المخابرات في منطقة سلمان باك بالتعاقد مع شركات سويسرية وألمانية. كما أسس مديرية البحوث الجنائية التي لعبت دوراً بارزاً في حسم معارك شرق البصرة عام 1981، وحظي بتكريم من الرئيس صدام حسين (سيارة مرسيدس).

في عام 1986 تم تأسيس «مشروع الغافقي» الذي انتقلت إليه مهام تصنيع المواد المتفجرة تحت إشراف الدكتور عبد المنعم وبمشاركة فنيين فلسطينيين. استمر عبد المنعم في العمل في جهاز المخابرات إلى فترة متأخرة وقد اعتقلته القوات الأميركية بعد الغزو ومات في السجن. وقد استفاد الجهاز أيضاً من خبرات فلسطينية وبموافقة الرئيس الراحل ياسر عرفات.

كان لا بد من سؤال الجميلي عما ذُكر في 1993 عن عملية أعدتها المخابرات العراقية لاغتيال الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إبان زيارته للكويت، وها هو يؤكدها ويحكي تفاصيلها كاشفاً عن أن العملية كانت تتضمن تفجير سيارة يتبعه هجوم انتحاريين يرتدون سترات ناسفة.

عندما علم جهاز المخابرات ببرنامج زيارة بوش الأب إلى الكويت، رفع الجهاز إلى الرئيس اقتراحاً للموافقة على تنفيذ عملية انتحارية تستهدف قتل الزائر في مدينة الكويت. وكان الغرض من العملية معاقبة بوش على ما فعلته أميركا في عهده بحق العراق وجيشه.

كانت الخطة تقضي بتفخيخ سيارة لاند كروز مع أربعة أفراد جميعهم يحملون أحزمة ناسفة، ثلاثة منهم من مديرية العمليات الخاصة وآخر من الكويتيين البدون وكانت مهمته دليلاً في الصحراء لتهريب السيارة والمنفذين وإدخالهم إلى الكويت. كان من المقرر أن يتم تفجير السيارة عن بعد بهدف تعطيل الموكب وإرباكه، ومن ثم تنفيذ المرحلة الثانية من الهجوم بأحزمة الانتحاريين الناسفة.

قام مشروع الغافقي (م 16) بتفخيخ السيارة باستخدام 100 كلغ من المتفجرات وإخفائها بطريقة لا يمكن كشفها. وبهدف التأكد من دقة إخفاء المتفجرات وعدم كشفها؛ عرضوا السيارة على أكثر من معرض للسيارات في بغداد لفحصها وتحديد ما إذا كانت تعرّضت لحادث أو وجود آثار تعديلات أجريت عليها أو أي إصلاحات، وبعد فحصها أقرّوا بسلامتها.

14 متهماً في قضية محاولة اغتيال الرئيس بوش في الكويت... انتهت محاكمتهم بإدانة خمسة عراقيين وكويتي بالإعدام عام 1993 (غيتي)

كان مقرراً إدخال السيارة إلى الكويت بعد المرور بدولة خليجية، وهي وصلت فعلاً إلى الكويت. ارتبك أحد المنفذين وأبلغ السلطات الكويتية وتم اعتقال جميع المشاركين وفشلت العملية. كان رد الفعل الأميركي مهاجمة مبنى المخابرات بـ22 صاروخاً بعيد المدى في يونيو (حزيران) 1993.

أعدت المخابرات العراقية أيضاً خطة لتفجير سفينة مفخخة في قناة السويس بهدف تعطيل الملاحة فيها، وها هو الجميلي يسترجع القصة.

تعتبر قناة السويس الممر الرئيسي لمرور قوات التحالف الدولي إلى منطقة الخليج العربي؛ لذلك تم إعداد مخطط لإغلاق القناة من خلال تفجير باخرة محملة بالحديد السكراب والإسمنت في منتصف قناة السويس لمنع مرور القوات الأميركية فيها. تم شراء الباخرة من ميناء مومباي في الهند من قِبل دائرة المشاريع في جهاز المخابرات بإشراف مدير الشعبة (س.ع.ت). كان من المقرر تحميلها بالإسمنت من ميناء عدن في اليمن، حيث تواجد الفريق المخابراتي المكوّن من 14 ضابطاً، بينهم ضابط انتحاري من دائرة العمليات الخاصة. وكانت الخطة تقضي بوضع 100 كلغ من المتفجرات شديدة الانفجار في مكان يؤدي إلى إغراق السفينة فوراً وسط القناة. استكملت كل مراحل التخطيط في ميناء عدن بإشراف ضابط المخابرات (ح.ك.ح) وكان يحمل اسماً مستعاراً هو سعد عبد العزيز.

خطط العراق لتفجير سفينة في قناة السويس لمنع القوات الأميركية من استخدامها (رويترز)

أشير هنا إلى أن الضابط الانتحاري كان قد ترك وصية تتعلق بالاهتمام بعائلته المكوّنة من زوجته وابنته في حال استشهاده، إلا أن مدير الجهاز أعطاه حق القفز في مياه القناة لحظة التفجير والتوجه إلى السفارة العراقية في القاهرة التي تسلّمت أمراً باستقباله وتسفيره فوراً إلى بغداد. ووضعت خطة كي يكون الضابط في نقطة تسمح له بالقفز سالماً في لحظة الانفجار.

لم يكن الإسمنت متوافراً في اليمن؛ لذلك جرى تحميل السفينة بكميات كبيرة من الحديد السكراب، وكان ذلك من أسباب تأخرها عن التحرك في الوقت المحدد. قبل يوم من مغادرة السفينة باتجاه قناة السويس أمر الرئيس صدام حسين بوقف العملية. ونظراً لعدم وجود اتصالات بين بغداد والخارج اضطر أحد ضباط المخابرات (خ.ش) إلى السفر إلى عمان لتأمين الاتصال بالمسؤول عن العملية في عدن، والطلب إليه إعادة الباخرة إلى الميناء في حال كانت انطلقت منه؛ وذلك لأسباب تتعلق بقرار مجلس الأمن الدولي القاضي بوقف النار والتزام العراق بإيقاف كل الأعمال العدائية والإرهابية في الخارج. ولحسن الحظ كانت السفينة ما زالت في ميناء عدن. لو نفذت العملية لترتب على العراق دفع تعويضات بمليارات الدولارات.

بعد صدور أمر إيقاف العملية كانت المهمة الأصعب هي نزع المتفجرات من الباخرة والتخلص منها في البحر وإفراغها من الحمولة وتغيير اسم الباخرة، وقد استلزم ذلك نحو ستة أشهر. كان قبطان السفينة يونانياً وطاقمها هندياً، لكنهم لم يعرفوا ما يدور على السفينة.

 

استهداف شحنة معدات نووية إسرائيلية

رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن وقائد أركان الجيش الإسرائيلي رفائيل إيتان خلال الإعلان عن تدمير مفاعل تموز العراقي في 9 يونيو 1981 (غيتي)

كان لجهاز المخابرات مصدر برتبة نقيب طيّار يعمل في قاعدة همدان الجوية في إيران على صلة قوية مع أحد الأكراد الإيرانيين من جماعة عبد الرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني. كان الاسم الحركي للطيار في ملفات الجهاز (داريوش). قدّم لنا داريوش معلومات مهمة عن لقاءات سرية جرت بين مختصين من الموساد الإسرائيلي والقوات الجوية الإسرائيلية مع ضباط من القوات الجوية الإيرانية وجهاز اطلاعات (المخابرات الإيرانية) في فرنسا، حيث طلبت الموساد من إيران الحصول على صور جوية بزوايا محددة عن مفاعل تموز النووي الواقع في جنوب بغداد، ومعلومات عن طبيعة الدفاعات الجوية المحيطة بالمفاعل؛ وذلك بهدف وضع خطة هجوم جوي لتدميره. في الوقت ذاته وصلت إلى الجهاز أيضاً معلومات أخرى تؤكد وجود خطة إسرائيلية لشن هجوم جوي على مفاعل تموز كان مصدرها أحد أجهزة المخابرات الصديقة التي لدينا علاقة تعاون استخباري معها.

تم تقديم المعلومات إلى الرئاسة مع مقترحات بشأن الإجراءات المطلوب اتخاذها لحماية المفاعل، منها ضرورة نشر صواريخ متطورة حوله وتأمين مظلة جوية، ولكن القدرات الجوية العراقية لم تكن ملائمة لتوفير تلك الإجراءات بسبب انشغالها بالحرب مع إيران حتى اختارت إسرائيل التوقيت المناسب ودمرته في السابع من يونيو 1981.

في نهاية عام 1982 وصلت إلى محطتنا في لندن معلومات من مصدر بريطاني من أصل لبناني يعمل في ميناء لندن، عن وجود شحنة معدات نووية في أحد مخازن ميناء لندن بانتظار شحنها إلى إسرائيل، ونظراً لرغبة المخابرات الجامحة في الثأر من الهجوم الإسرائيلي على مفاعل تموز النووي؛ فقد اتخذ القرار على الفور بوضع خطة لتدمير الشحنة، وتم إيفاد اثنين من ضباط المخابرات إلى لندن، أحدهما متخصص بصناعة المتفجرات (خ.أ.ف) والآخر متخصص في الاتصالات، وتم تصنيع عبوة حارقة تعمل عن بعد، لم تكن العبوة متفجرة تحسباً من كشف العملية.

تسلل الضابطان ليلاً إلى الميناء بمساعدة المصدر اللبناني وتوجهوا إلى موقع الشحنة، وتم زرع العبوة الحارقة التي فُجّرت عن بعد، وأدى ذلك إلى احتراق الشحنة والمخزن بالكامل. كان في انتظار المنفذين سيارة مع سائق توجّه بها الضابطان إلى المطار لمغادرة لندن، إلا أنهما فوجئا بإلقاء القبض عليهما قبل المغادرة بوقت قصير، واتضح أن سائق السيارة قد ارتكب خطأً، عندما كان متواجداً في زاوية ميتة ولدى فتح باب السيارة أدى انعكاس الضوء على مرآة عاكسة عند الحارس الذي ساوره الشك وأخذ رقم السيارة؛ مما سهّل تعقب المنفذين وبالتالي تم القبض عليهما والحكم عليهما بالسجن ثلاث سنوات.

 

ملف اغتيال دي كوييار

انزعج صدام من انحياز دي كوييار فأمر بتصفيته (غيتي)

عندما تسلّم الجميلي مهامه مديراً لشعبة أميركا في الجهاز وجد في درج المكتب ملفاً ضخماً وعليه عبارة سري جداً. تصفحه فعثر على معلومات تفصيلية عن مقر إقامة المبعوث السابق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كوييار. تضمن الملف خرائط وصوراً ومخططات توضح مدخل المسكن والطرق المؤدية إليه مع وصف كامل لموقع الدار والمنطقة المحيطة والإجراءات الأمنية. كما تضمن معلومات شخصية تفصيلية عن حياته وأصدقائه وتحركاته والمناسبات التي يحتفل بها والأماكن التي يتردد عليها. استفسر من المدير السابق للشعبة فأجابه بـ«أن دي كوييار لعب دوراً خبيثاً جداً بإعلانه أن العراق يتحمل مسؤولية نشوب الحرب العراقية – الإيرانية، وطالب العراق بدفع تعويضات حرب لإيران. وذكر المدير السابق أن دي كوييار دخل في صفقة تفاوض مع إيران قادها مساعده الدبلوماسي الإيطالي جيان دومينيكو بيكو لإطلاق سراح المحتجزين الغربيين لدى (حزب الله) اللبناني في مقابل أن ترفع أميركا حظر توريد السلاح والمعدات الخاصة بالطائرات الحربية. تم إطلاق المحتجزين، فحمّل دي كوييار العراق مسؤولية الحرب، مخالفاً بذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 589 القاضي بوقف العمليات الحربية. وكانت الصفقة تمت مع كل من عماد مغنية ومصطفى بدر الدين وهاشمي رفسنجاني. كان الرئيس صدام حسين منزعجاً جداً من انحياز دي كوييار الغريب لإيران؛ لذلك أمر بتصفيته. وهكذا تم جمع هذه المعلومات بناءً على طلب مديرية العمليات الخاصة. توقف التنفيذ إثر صدور أمر من الرئيس في 1994 بوقف العمليات الخاصة». وواضح أن عدم وجود أي إشارة خطية إلى أمر الرئيس باغتيال دي كوييار سببه أن هذه الأوامر لا تُسجّل على الورق، وهكذا عاش دي كوييار حتى مشارف المائة عام.

حاملة الطائرة الأميركية "نيميتز"... خطط العراق لمهاجمتها بطائرة انتحارية (غيتي)

في 2003 وقبيل الغزو الأميركي للعراق وضع جهاز المخابرات بالتنسيق مع الاستخبارات العسكرية خطة للهجوم على حاملة الطائرات الأميركية «نيميتز» في مياه الخليج باستخدام طيّار انتحاري يقود طائرة من طراز «ميغ 25». وبسبب قدرة القوات الأميركية على تعطيل كل القواعد الجوية، تم نقل الطائرة الانتحارية من القاعدة إلى مكان خارجها ووضعت في شارع عام مخصص للسيارات قرب قاعدة بلد الجوية. تم التأكد نظرياً من قدرة الطائرة على الإقلاع من المكان، لكن حين حاول الطيار الإقلاع وقبل ثانيتين من ارتفاعها لامس إطارها الخلفي حافة الشارع، ما أدى إلى احتراقها واستشهاد الطيار (الجبوري) وفشلت العملية.



«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

TT

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

أبنية مدمرة في منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
أبنية مدمرة في منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

أعاد «حزب الله» تفعيل معادلة «بيروت مقابل تل أبيب» التي كثيراً ما رفعها، عبر استهداف وسط إسرائيل في رد منه على المجزرة التي ارتكبتها الأخيرة في منطقة البسطة وسط بيروت، في وقت يخوض فيه الطرفان مواجهات برية عنيفة في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، عند محور بلدة الخيام التي لم يتمكّن الجيش الإسرائيلي حتى الآن من السيطرة عليها، بينما اشتدت وتيرة الاشتباكات على محور شمع – طيرحرفا، في القطاع الغربي.

صورة وزعها الإعلام الحربي في "حزب الله" عن معادلة "بيروت - تل أبيب"

هذا في وقت تواصلت فيه الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، إذ شن الطيران الإسرائيلي، بعد ظهر الأحد، غارتين جويتين على منطقة الكفاءات في الضاحية، بعد نحو ساعة من إصداره إنذاراً بالإخلاء. وقالت «الوكالة الوطنية للإعلام»، إن الغارتين على الكفاءات تسببتا بدمار هائل على رقعة جغرافية كبيرة، بدءاً من المباني المجاورة لمدارس المهدي واستكمالاً باتجاه طريق عام الجاموس». وأفادت بأن سحب الدخان الكثيفة غطت أجواء المنطقة المستهدفة، مع انبعاثات لروائح كريهة.

تسارع عملية الخيام

تتسارع وتيرة العملية البرية الإسرائيلية للتوغل في الخيام على وقع الغارات والتفجيرات والقذائف الإسرائيلية، في موازاة استمرار القصف الإسرائيلي على قرى الجنوب حيث يسجل سقوط مزيد من القتلى والجرحى.

و أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن بلدة الخيام شهدت ليلة من أصعب الليالي وأعنفها منذ بدء الاجتياح البري عليها، حيث استمر الجيش الإسرائيلي بعملية توغله في البلدة تحت غطاء ناري كثيف، إذ قصفت مدفعيته مختلف أحيائها وشن طيرانه الحربي غارات مسبباً دماراً هائلاً في الأحياء والممتلكات. كما فخخ المنازل والمحال التجارية، وفجر حياً كاملاً في الجهة الغربية من البلدة.

وعلى وقع هذه المواجهات، تلقى بعض سكان المنطقة اتصالات هاتفية من الجيش الإسرائيلي عبر مجيب آلي، محذراً إياهم من الظهور في المناطق المشرفة على أماكن واجودهم، ومهدداً أن أي شخص سيقوم بالتصوير سيعد هدفاً.

دير ميماس

أما في ديرميماس التي مر الجيش الإسرائيلي عبرها باتجاه الخيام، فقد نفذ عدة عمليات تفجير تحت دير مار ميماس، وأغار طيرانه على الوادي والجبال المحيطة بالبلدة تحت قلعة شقيف وعلى ضفاف نهر الليطاني.

وأكد رئيس البلدية جورج نكد أن القوات الإسرائيلية كانت قد وصلت من جهة كفركلا إلى تلة لوبيا الواقعة بين القليعة ودير ميماس، ونصبت فيها حاجزاً، وأن هناك ما يقارب الـ20 شخصاً في البلدة بينهم سيدة حامل على وشك الولادة، ويجري التواصل مع «الصليب الأحمر الدولي» من أجل نقلها إلى بيروت.

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعاد قطع طريق الخردلي بالكامل الذي يوصل النبطية بمرجعيون، من خلال الإغارة عليه، والتسبب بفجوة كبيرة، لمنع مرور أي من السيارات والآليات.

شمع طيرحرفا

وفي القطاع الغربي، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» عن «اشتداد وتيرة الاشتباكات بين المقاومة والعدو الإسرائيلي على محور شمع، طيرحرفا، شمع، حيث يعمد العدو إلى قصف البلدات المذكورة، بينما يكثف الطيران الاستطلاعي والمسّير بالتحليق فوق أرض المعركة الدائرة».

وأفادت «الوطنية» بأن فرق الدفاع المدني التابع لجمعية «كشافة الرسالة» الإسلامية والهيئة الصحية الإسلامية تحتاج لرافعات من النوع الكبير للمساعدة في رفع الأنقاض من المباني التي تتعرض للقصف الإسرائيلي؛ لأن الآليات المتاحة لا تفي بالغرض المطلوب.

وبعد الظهر، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن دبابة إسرائيلية متمركزة في ضهور البياضة تقوم بقصف البياضة وبيوت السياد والمنصوري، وبتمشيط سهل المنصوري. وأشارت إلى «اشتباكات في ضهور البياضة للجهة الجنوبية بين المقاومة وقوة إسرائيلية تحاول التوغل والتقدم نحو الطريق العام لبلدة البياضة للالتفاف على البلدة، كونها منطقة استراتيجية تكشف سهلي صور والناقورة. إلا أن المقاومة وجهت نيران رشاشاتها وقذائفها الصاروخية باتجاه القوة الإسرائيلية المعادية محققة إصابات، الأمر الذي دفع بالعدو إلى قصف محيط البياضة والمنصوري وبيوت السياد»، ليعود بعدها ويعلن «حزب الله» أن دمّر دبابة «ميركافا» عند الأطراف الشرقية لبلدة البياضة.

بيانات الحزب

أعلن الحزب في بيانات متفرقة، أنه «في سياق التصدي لمحاولات العدو التوغل ضمن المناطق الحدودية جنوب لبنان، استهدف مجاهدو المُقاومة 4 مرات تجمعاً للقوات الإسرائيلية شرق مدينة الخيام، برشقة صاروخية»، كما تعرّض تجمع للقوات الإسرائيلية في موقع المطلة، لاستهداف برشقة صاروخية، أعقبه هجوم جويّ بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة، على غرفة عمليّات مُستحدثة للاحتلال في مستوطنة المطلة، وأصابت أهدافها بدقّة»، بحسب بيان «حزب الله».

كذلك، أعلن الحزب عن استهدافه مرتين، تجمعاً لقوات الجيش الإسرائيلي في مستوطنة كريات شمونة، وتجمعاً في مستوطنة المنارة برشقات صاروخية.

وفي البقاع الغربي، أعلن بيان لـ«حزب الله» تصدي المقاتلين لطائرة مسيّرة إسرائيليّة من نوع «هرمز 450» في أجواء البقاع الغربي، بصاروخ أرض – جو، وأجبروها على المغادرة.

رداً على مجزرة بيروت

وهزّت صواريخ «حزب الله» قلب تل أبيب في رد على المجرزة التي ارتكبتها إسرائيل في منطقة البسطة في بيروت، بينما بلغت عمليات الحزب حتى بعد ظهر الأحد 36 عملية.

قوات الأمن الإسرائيلية تقوم بمعاينة موقع أصيب بصواريخ «حزب الله» وأدى إلى تضرُّر أحد المنازل (إ.ب.أ)

وقال مصدر أمني إن استهداف «حزب الله» تل أبيب يعكس إعادة تفعيل معادلة «تل أبيب مقابل بيروت» التي سبق أن أعلن عنها أمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله، وأعاد التأكيد عليها الأمين العام الحالي نعيم قاسم، مشيراً إلى أن «حزب الله» الذي تلقى ضربات قاسية يحاول أن يثبت من خلال ذلك استمرار قوته الصاروخية، وإرباك عمل المنظومات الدفاعية الإسرائيلية.

250 صاروخاً

وفيما بدا واضحاً ارتفاع عدد الصواريخ التي أطلقها «حزب الله» باتجاه إسرائيل مقارنة مع الأيام الماضية، واتساع رقعة المساحة التي استهدفتها، أفادت «القناة 14» الإسرائيلية بأن «حزب الله» أطلق، الأحد، أكثر من 250 صاروخاً باتجاه إسرائيلي، قال الجيش الإسرائيلي، بعد الظهر، إن «حزب الله» أطلق نحو 160 مقذوفاً من لبنان نحو شمال ووسط إسرائيل ما تسبب في إصابة عدة أشخاص، وإحداث أضرار في المباني والسيارات.

وفيما أفيد عن تعليق العمل بمطار بن غوريون لوقت قصير، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن «انفجارات عنيفة سُمعت في تل أبيب الكبرى بعد استهدافها بصواريخ من لبنان للمرة الثانية»، بينما دوّت صافرات الإنذار في نهاريا وعكا والجليل الأعلى مع إطلاق رشقات صاروخية باتجاهها، بينما سجل وقوع بعض الأضرار في حيفا ونهاريا جراء الصواريخ.

وأفاد الإعلام الإسرائيلي بأن 5 أشخاص أصيبوا في وسط إسرائيل نتيجة سقوط شظايا صاروخ أطلقه «حزب الله».

وبينما أعلن الجيش الإسرائيلي عن انطلاق صافرات الإنذار في شمال البلاد ووسطها، قال في بيان: «حتى الثالثة بعد الظهر، عبر نحو 160 مقذوفاً أطلقتها جماعة (حزب الله) الإرهابية من لبنان إلى إسرائيل، الأحد»، بينما أفادت خدمة الإسعاف الإسرائيلية (نجمة داود الحمراء) بأن بين الجرحى شخصاً إصابته ما بين «متوسطة إلى خطيرة».

وفي بيانات متفرقة، أعلن «حزب الله»، الأحد، أنه قصف «هدفاً عسكرياً» في مدينة تل أبيب وقاعدة استخبارات عسكرية قربها وأخرى بحرية في جنوب إسرائيل، غداة غارة إسرائيلية عنيفة على وسط العاصمة اللبنانية بيروت أودت بحياة 29 شخصاً، وإصابة 66 شخصاً، وفق حصيلة نهائية أعلنت عنها، الأحد، وزارة الصحة.

وفي بيان آخر، قال الحزب إن مقاتليه شنّوا، صباح الأحد، «للمرّة الأولى، هجوماً جويّاً بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة، على قاعدة أشدود البحريّة» التي تبعد 150 كيلومتراً عن الحدود مع لبنان، إضافة إلى تنفيذه «عمليّة مركّبة»، صباح الأحد، على «هدف عسكريّ في مدينة تل أبيب، بصليةٍ من الصواريخ النوعيّة، وسربٍ من المُسيّرات الانقضاضية».

وفي بيان ثالث، قال الحزب «إن مقاتليه استهدفوا قاعدة غليلوت (مقر وحدة الاستخبارات العسكرية 8200) التي تبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 110 كيلومترات، في ضواحي مدينة تل أبيب، بصليةٍ من الصواريخ النوعية».

واستهدف مقاتلو المقاومة برشقة صاروخية «قاعدة بلماخيم»، بحسب ما أعلن «حزب الله»، مشيراً إلى أن هذه القاعدة هي قاعدة أساسية لسلاح الجوّ الإسرائيلي، تحتوي على أسراب من الطائرات غير المأهولة والمروحيات العسكرية، ومركز أبحاث عسكري، ومنظومة «حيتس» للدفاع الجويّ والصاروخي، وتبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 140 كلم، جنوب مدينة تل أبيب.

إسرائيليون يقومون بمعاينة أحد المواقع التي استهدفتها صواريخ «حزب الله» في محيط تل أبيب وأدت إلى أضرار في المنازل والسيارات (أ.ف.ب)

وسبق هذه العمليات النوعية، استهداف «حزب الله» بصواريخ مستوطنات حتسور هاجليليت ومعالوت ترشيحا وكفار بلوم وكريات شمونة، وتجمعاً لقوات الجيش الإسرائيلي في مستوطنة المنارة، و«مرابض مدفعية في مستوطنة ديشون التي تعتدي على أهلنا وقرانا»، بحسب بيان «حزب الله».