قال الشيخ صالح بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن يوم عرفة يوم عظيم يجتمع فيه المسلمون على صعيد واحد، وتتراءى فيه معاني الإيمان والتقوى في أبهى صورها، إذ يُستدعى إلى الأذهان جوهر الدين، وأركانه، ومراتبه، وما ينبغي أن يتحلى به المسلم من صفات العبودية الخالصة لله، حاثاً الحجيج على الإكثار من الثناء على الله، وذكره، ودعائه في هذا اليوم الذي يُعدُّ موطناً لإجابة الدعاء ومضاعفة الحسنات.
جاء ذلك في خطبة عرفة التي ألقاها الشيخ ابن حميد في مسجد نمرة بمشعر عرفات، الخميس، وتقدَّم المصلين فيها الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة نائب رئيس لجنة الحج المركزية، والشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء، والشيخ عبد اللطيف آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، والدكتور توفيق الربيعة وزير الحج والعمرة.
وأكد الشيخ صالح بن حميد أن ما توليه القيادة السعودية من عناية واهتمام بالغين بعمارة الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة، وما تقدمه للحجاج ممثَّلةً في أجهزتها الخدمية والأمنية من رعاية وعناية فائقتين؛ مكّن لهم أداء شعائرهم بأمن وطمأنينة ويسر، مُشدداً على وجوب الالتزام بالأنظمة والتعليمات والتوجيهات المنظمة للحج، وهو جزء من تحقيق مقاصد الشريعة، ويُعدُّ واجباً دينياً وأخلاقياً وسلوكاً حضارياً يُعبّر عن روح التعاون والانضباط، وسهولة أداء المناسك دون عناء أو مشقة.
وحثَّ إمام المسجد الحرام، في مستهل الخطبة، المسلمين على تقوى الله بفعل أوامره وترك مناهيه، فهي سبب خيري الدنيا والآخرة، وتكون بالتمسك بدينه والعمل بشرعه خوفاً من عقابه ورجاءَ حسن ثوابه، مشيراً إلى أن دين الإسلام على ثلاث مراتب أعلاها رتبة الإحسان، وثانيها الإيمان.

وتابع خطيب عرفة: «والإيمان قولٌ باللسان واعتقادٌ بالجنان وعملٌ بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومنه صلة الأرحام، وبر الوالدين، وقول الصدق، وطيب اللفظ، والوفاء بالعقود والعهود، وحسن الأخلاق، والصبر عند البلاء، والشكر عند النعماء، والتوبة والندم بعد المعصية والجفاء».
وواصل الشيخ بن حميد: «بالإيمان تحصل النجاة والفوز بخيري الدنيا والآخرة، ويتضمن الإيمان بالله رباً وخالقاً ومدبراً للكون متصفاً بالصفات العلا والأسماء الحسنى، ومن الإيمان بالملائكة الكرام لا يعصون الله فيما أمر»، متابعاً: «الإيمان بما أنزل الله من الكتب ومنها التوراة والإنجيل وجعل الله القرآن الكريم مهيمِناً على ما تقدمه من الكتب، ونؤمن برسل الله عليهم السلام، والإيمان باليوم الآخر يوم القيامة يوم الجزاء والحساب وما فيه من الجنة لأولياء الله، وما فيه من النار والعذاب لأعدائه، والإيمان بأن الله قدَّر جميع الوقائع والحوادث وسجَّل جميع الكائنات في اللوح المحفوظ وشاءها وخلقها».
وأوضح إمام المسجد الحرام أن «شهادة (أن لا إله إلا الله) تتضمن أن العبادة حقٌّ لله وحده لا يُصرف شيء منها لغيره سبحانه ولو كان من الملائكة أو الأنبياء أو الصالحين أو الأولياء»، مضيفاً: «في تحقيق التوحيد والعبادة لله عزة النفس؛ فلا ذلَّ إلا لله تعالى، والشهادة تقتضي طاعة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في أمره، وتصديقه في خبره، والسير على طريقته، فلا يعبَد الله إلى بما جاء به».
وتابع خطيب عرفة: «وفي تقرير الرسالة المحمدية رَفعٌ لما يكون من نزاع بين الأمة، وتوحيد لمصدر التلقي فيها، وفيه تتحد العبادات ولا تختلف طرائق أدائها فنَسْلَم من البدع بعبادة الله بما لم يَرِد في الكتاب والسنة، وبذا يجتمع الخلق وتتآلف القلوب».

وأضاف الشيخ ابن حميد: «إقامة الصلاة تكون صلةً بين العبد وربه، وطريقاً لاستشعار العبد لمراقبة ربه له، وبذلك يتدرب على القيام بالمهام والمسؤوليات، وفي الصلاة طهارة الظاهر والباطن والطهارة المعنوية والحسية، وفي صلاة الجماعة ترابط المجتمع ومحبة بعضهم لبعض».
وزاد إمام المسجد الحرام: «إيتاء الزكاة بدفع جزء من المال المعلوم في مصارف محدودة، تعود على المجتمع بالنفع وتزداد به حركة الاقتصاد، وفيها تطهير للنفوس من البخل والشح والأنانية، وتدريب للنفس على البذل والعطاء، وتفقُّد حاجة المحتاجين، وتقوية الصلات الاجتماعية، وربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض بما يجلب المحبة ويزرع الألفة ويحقق التكافل الاجتماعي».
ولفت خطيب عرفة إلى أن «صوم شهر رمضان يتضمن تعويد النفوس على الصبر ومقاومة الشهوات واستشعار حاجة المعدومين، وتربية النفوس للتخلص من العادات السيئة، وفيه التقليل من طغيان محبة الدنيا على القلب والتواضع وصحة الأبدان»، منوهاً بأن «حج بيت الله يتضمن التذكير باليوم الآخر، وتعظيم الرب وأوامره في النفوس مع قبولها بالتسليم والرضا، وفيه الانتظام مع الجماعة، وإطعام الطعام، وتنظيم الوقت وتوظيفه فيما ينفع».
واختتم الشيخ صالح بن حميد بالقول: «يومكم هذا يوم فاضل يعتق الله فيه الرقاب من النار، ويدنو فيباهي الملائكة بأهل الموقف؛ فأكثِروا من الثناء على الله وذكره ودعائه سبحانه فإنه من مواطن إجابة الدعاء»، داعياً الله للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، سائلاً إياه التوفيق لولاة أمورهم لكل خير، وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين وولي العهد خير الجزاء على ما قدّماه ويقدمانه للإسلام والمسلمين.
إثر ذلك أدى حجاج بيت الله الحرام صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً؛ اقتداءً بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم.

