في المشاعر المقدسة متعددة هي مشاهد العطاء والبذل في خدمة حجاج بيت الله الحرام، وإن اختلفت المشاهد يبقى المضمون حاضراً يحكي ملحمة الشعب السعودي بكل أطيافه في الكرم والجود وخدمة ضيوف الرحمن، مع ما سخّرته الحكومة السعودية من إمكانات في مختلف المسارات يفوق التوقعات والمأمول، وفق ما أجمع عليه الحجاج الذين التقتهم «الشرق الأوسط» خلال رحلتهم الإيمانية.
وجابت «الشرق الأوسط» المشاعر المقدسة، ورصدت كيف يسارع السعوديون في القطاعات المشارِكة في الحج، والمتطوعون، في عرض خدماتهم على الحجاج وتقديم يد العون لهم في الإرشاد والتوجيه، ومنهم مَن يقدم المشروبات الباردة وبعض الوجبات الخفيفة، وآخرون يضمدون جرح مصاب ومساعدته على السير لإكمال نسكه.
وأكد الحجاج أن ما لمسوه يصعب على الكلمات وصفه من مشاهد الحفاوة والرعاية والاهتمام، رغم أنه كان يكفي على حد قولهم «الابتسامة والكلمة الطيبة»، اللتان يجدونهما من جميع أفراد القطاعات الأمنية والصحية والخدمية وهم يقدمون المساعدة لهم «رغم وقوفهم لساعات طوال تحت أشعة الشمس، ما يبرهن على أنهم سعداء بما يقومون به، ويثبت في مخيلتنا ما تناقله السلف لنا في أزمنة سابقة عن هذا الكرم».
يقول التونسي حسين معتوق (65 عاماً): «منذ قدومي والناس هنا تحتفي بنا. لم نشعر بالزحام رغم الكثافة البشرية الكبيرة. نسير بسلاسة ونجد مَن يعيننا على مشقة الحج التي كانت تقال قديماً، إلا أن ذلك بات اليوم أكثر راحةً وسلاسةً ويسراً مع كم الخدمات المُقدَّمة في كل مكان نذهب إليه، مع توفر كل ما نحتاج إليه... جهود مهما شكرنا لن نفيها حقها. عمل كبير وجبار في التنظيم والتيسير على الحجاج».
وأضاف: «لا تكاد تسير بضعة أمتار إلا وتجد مَن يقدم لك الماء والمأكولات لكي يهون عليك مشقة الطريق وحرارة الطقس، وكذلك رذاذ الماء على طول خطوط المشاة أمر جميل، ناهيك عن جهود أمنية كبيرة أسهمت في سهولة تنقلاتنا». وأضاف: «ستظل رحلتي للحج عالقةً في الذاكرة... سأرويها للأهل والأصدقاء بشوق بالغ للعودة مرة أخرى إن أمد الله في عمري».
وعام بعد آخر تشهد رحلة ضيوف الرحمن الإيمانية اهتماماً شاملاً، إلا أنه بلغ ذروته في سنوات «رؤية 2030» التي جعلت من أهدافها خدمة مزيد من ضيوف الرحمن، وتقديم خدمات ذات جودة عالية لهم بدءاً من قدومهم من بلدانهم حتى مغادرتهم عقب أدائهم فريضتَي الحج والعمرة سالمين غانمين.
الحاج الأردني حازم الزير (60 عاماً) قال: «ننعم بخدمات عظيمة في كل مراحل رحلتنا لأداء المناسك. أسأل الله أن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان خير الجزاء لما يقدّمانه للإسلام والمسلمين في شتى أنحاء المعمورة، والقائمين على خدمة ضيوف الرحمن»، في الوقت الذي امتدح فيه المنشآت الضخمة والبنى الحضارية للمشاعر التي قال إنه حرص على توثيقها بالصوت والصورة، و«ستكون عالقةً في الذكرى لأجمل رحلة في العمر».
وأضاف الأردني الزير ذو الأصول الفلسطينية، الذي يعمل في مجال التجارة: «هذه هي المرة الأولى التي آتي فيها للحج، وما وجدناه لن تفيه الكلمات من واجب الشكر والعرفان للسعودية وأهلها لتسهيل أداء النُّسك علينا. اليوم رمينا جمرة العقبة الكبرى في منشأة الجمرات... مشروع عملاق ومكيف، لم نشعر داخله بحرارة الطقس ولا صعوبة الحركة، بل كانت هناك انسيابية كبيرة وراحة، وهناك خدمات وتقنيات رقمية استفدنا منها كثيراً».
وأسهمت «رؤية 2030» بنقلة نوعية في مختلف الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام، في ظل التطور المتسارع في مشروعات البنية التحتية للمدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، والمشاعر المقدسة، امتداداً لدور المملكة التاريخي في خدمة ضيوف الرحمن والزوار، وتأمين احتياجاتهم، منذ اللحظة الأولى التي تطأ فيها أقدامهم أراضي المملكة، وإلى أن يغادروها سالمين وغانمين، بعد أداء مناسكهم بكل يُسر وسهولة.
وأكد محمد معاجيني، رئيس مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول العربية (أشرقت)، حرصهم عبر ذراعي الشركة «رحلات ومنافع» و«إكرام الضيف» على الارتقاء بالخدمات المقدمة للحجاج، وإطلاق عديد من البرامج والمبادرات التي تهدف لتوفير أجود الخدمات وأرقاها، وإثراء رحلة الحاج لتحقيق «رؤية المملكة 2030»، تلبيةً لتوجيهات القيادة السعودية التي وضعت تجويد الخدمة وتوفير سبل الراحة لحجاج بيت الله الحرام هدفاً رئيسياً يسعى الجميع لتحقيقه حتى يؤدي الحجاج نسكهم ويعودوا إلى بلدانهم بأجمل الذكريات عن ما وجدوه من خدمات وحفاوة وترحاب.
من جهته، قال مازن أبو عيش «رئيس مركز حجاج» روسيا لـ«الشرق الأوسط»: «ضيوف الرحمن، بهم نحتفي، وبخدمتهم نعتزّ، واستقبالهم شرف، وإكرامهم واجب، ورضاهم وراحتهم غاية وهدف»، مشيراً إلى أنهم حرصوا على تهيئة كل ما يحتاجه الحاج من أماكن مريحة للنوم والراحة، والمأكل والمشرب، وتقديمها بأفضل طريقة ممكنة، مع الأخذ في الاعتبار جميع الاشتراطات الوقائية والاحترازية التي وُضعت من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الحج والعمرة، ووزارة الصحة، والمديرية العامة للدفاع المدني، وغيرها من الجهات ذات العلاقة؛ حرصاً على سلامة وأمن وصحة وراحة ضيوف الرحمن.
بينما قالت لينا خشيم، مسؤولة إدارة شؤون المساهمين في «أشرقت» لـ«الشرق الأوسط» إن كل هدفهم رضا ضيوف الرحمن من خلال تقديم خدمات ذات جودة عالية، وإثراء تجربتهم الدينية من خلال زيارتهم المواقع الإسلامية، وتعريفهم بتراث وثقافة السعودية وجهودها في خدمة الحجاج والمعتمرين والزوار.
ودأبت السعودية على الاهتمام بضيوف الرحمن وزوار الحرمين الشريفين منذ تأسيسها من خلال تسخير إمكاناتها البشرية والمادية والتقنية لراحة الحجاج، ليأدوا مناسكهم بيسر وطمأنينة منذ وصولهم حتى مغادرتهم إلى بلدانهم سالمين آمنين.
وأُطلق برنامج «خدمة ضيوف الرحمن» في عام 2019 من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، امتداداً لشرف خدمة الحرمين الشريفين، ويعد أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030»، ويتمثل دور البرنامج في إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتَي الحج والعمرة، والارتقاء بالخدمات المُقدَّمة لضيوف الرحمن، والعمل على إثراء وتعميق تجربتهم.
وتأتي مبادرة «طريق مكة» التي تنفذها وزارة الداخلية السعودية ضمن برنامج «خدمة ضيوف الرحمن» أحد برامج «رؤية 2030» لتقديم خدمات ذات جودة عالية من خلال إنهاء إجراءاتهم في بلدانهم بسهولة ويسر وسلاسة وانسيابية في كامل التجربة، مجهزة بأحدث التقنيات، وبتعاون وتكامل بين الجهات الحكومية الشريكة.
وخصصت مبادرة «طريق مكة»، التي طبقت في موسم هذا الحج للعام السادس عبر 11 مطاراً دولياً في 7 دول، منظومة عمل من الجهات الشريكة والمتطوعين لاستقبال ضيوف الرحمن القادمين من الدول المستفيدة، بتخصيص مسارات قدوم لهم، وحافلات خاصة لنقلهم وأمتعتهم إلى مقار سكنهم في منطقتَي مكة المكرمة والمدينة المنورة، يحفهم الترحيب والضيافة والأمن والأمان في رحلة وتجربة إيمانية ستظل في ذاكرتهم أعواماً عديدة.
وفي إطار «رؤية 2030»، لا يتوقف طموح السعودية عند حُسن ضيافة وخدمة الحجاج والمعتمرين، حيث تسعى خلال السنوات المقبلة إلى أن تكون جميع إجراءات الحجاج إلكترونية، بداية من القدوم وحتى المغادرة سالمين إلى بلدانهم، مع الارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.
وشهدت عملية انتقال ضيوف الرحمن بين المشاعر المقدسة انسيابية تامة خلال أدائهم شعيرة الحج العظيمة، وسط متابعة مباشرة من أفراد مختلف القطاعات الأمنية التي أحاطت طرق المركبات ودروب المشاة لتنظيمهم حسب خطط تصعيد وتفويج الحجيج.
وأدى أكثر من 1.8 مليون حاج، (السبت)، الموافق التاسع من شهر ذي الحجة، ركن الحج الأعظم على صعيد عرفات.
وبينما تستعد السعودية لموسم الحج المقبل، لا تتردد في تفعيل أي برنامج أو مبادرة، من شأنها تعزيز الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.