مصدر فرنسي لـ«الشرق الأوسط»: احتمالات الحرب الشاملة في لبنان كبيرة جداً

هوكستين: نسعى لإبقاء الصراع بين «حزب الله» وإسرائيل عند أدنى مستوى

خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين (حساب رئاسة الحكومة)
خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين (حساب رئاسة الحكومة)
TT

مصدر فرنسي لـ«الشرق الأوسط»: احتمالات الحرب الشاملة في لبنان كبيرة جداً

خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين (حساب رئاسة الحكومة)
خلال اللقاء الذي جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين (حساب رئاسة الحكومة)

رغم الجواب «المخيب للآمال» الذي قدمه أمين عام «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في خطابه الأخير، على المبادرات الدولية الهادفة إلى وقف الحرب الدائرة عند الحدود الجنوبية للبنان عبر خطابه الأخير الذي تمسك فيه بربط هذه الحرب بالحرب الدائرة في غزة، إلا أن المجتمع الدولي لا يزال يسعى لابتكار صيغة «تنزل (حزب الله) عن الشجرة» وتسمح بإيجاد أرضية يمكن البناء عليها لخفض التصعيد جنوباً، وإطلاق مفاوضات أو حراك يفضي إلى تجنب الحرب الشاملة التي حذر مصدر فرنسي من أن احتمالاتها باتت «كبيرة جداً».

وبينما أكّد مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين أن بلاده تسعى لإبقاء الصراع في جنوب لبنان بين «حزب الله» وإسرائيل عند أدنى مستوى ممكن، مشدّداً على «أهمية عودة سكّان البلدات في الجنوب إلى منازلهم، وكذلك السكّان على الحدود الشماليّة لإسرائيل»، قال دبلوماسي فرنسي رفيع إن بلاده لا تزال تتمسك بإمكانية تحقيق اختراق ما بخصوص خفض التوتر ومنع الحرب.

ويجزم الدبلوماسي أن الجهود الفرنسية لوقف القتال عند الحدود اللبنانية «ليست في اتجاه واحد»، أي أنها ليست منحازة إلى الجانب الإسرائيلي بالتأكيد، مشيراً إلى أن مواقف المسؤولين الفرنسيين الأخيرة «كانت صارمة مع الإسرائيليين تجاه المستوطنين في الضفة الغربية، وفي ضرورة احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان». ويعترف الدبلوماسي الفرنسي بأن بلاده انحازت في البدء إلى الموقف الإسرائيلي «بسبب هول ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وانطلاقاً من حقيقة أن 42 مواطناً فرنسياً قضوا في ذلك اليوم» مشيراً إلى أن الأمور اختلفت اليوم بوجود «تحول واضح وعملي في الموقف الفرنسي».‏ ويشير الدبلوماسي الفرنسي إلى أن الوضع في لبنان بات على درجة عالية من الخطورة. وقال إن كل يوم يمر على هذه الحال، تزداد فيه احتمالات الحرب الشاملة؛ ولهذا نحن لا نستطيع أن ننتظر توقف الحرب في غزة، لإنجاز التهدئة على الحدود اللبنانية. ويوضح الدبلوماسي الفرنسي أن المبادرة التي قام بها الطرف الفرنسي لم تدخل مرحلة الوساطة بعد، مشيراً إلى أن الوضع راهناً هو مرحلة تقديم الطرح للتشاور والبناء عليه وصولاً إلى تأمين البنية التحتية لإطلاق المفاوضات.

هوكستين

وفي حديث لقناة «سي إن بي سي» الأميركية، قال هوكستين: «الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل تبدّل بعد 7 أكتوبر، وعلينا القيام بالكثير لدعم الجيش (اللبناني) وبناء الاقتصاد في جنوب لبنان، وهذا ما يتطلب دعماً دولياً من الأوروبييّن ودول الخليج».

وكان هوكستين قد التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الجمعة، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا، حيث كان قد بحث في «التوترات المستمرة على الحدود اللبنانية الجنوبية وإعادة تأكيد الحاجة إلى حل دبلوماسي دائم يُسهم في تحقيق الاستقرار الدائم وعودة النازحين إلى قراهم».

والسبت، واصل ميقاتي لقاءاته واجتماعاته خلال مشاركته في مؤتمر «ميونيخ»، حيث تركز البحث مع مسؤولي عدد من الدول على وقف الحرب.

واجتمع رئيس الحكومة مع وزير خارجية مصر سامح شكري، في حضور الوزير عبد الله بو حبيب، وجرى التشديد على أولوية وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، ومن ثم العمل على إيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية.

واجتمع ميقاتي أيضاً مع الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في حضور ممثل الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفن كوبمانس، وأثنى على المواقف التي أطلقها في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لا سيما لجهة التشديد على حل الدولتين.

و«الخماسية» تبحث في خيارات... وعقوبات

كشف مصدر دبلوماسي فرنسي أن موفد الرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان ينسق حالياً على مستوى إقليمي لتحديد الاتجاه الذي سوف تسير فيه مساعي اللجنة الخماسية. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن 3 أفكار يجري التركيز عليها حالياً، أولاها المؤتمر الذي يُفترض أن يُعقد في لبنان لجمع الأطراف اللبنانية، وبت الموقف في اتجاه انتخاب رئيس جديد للبلاد. وإذ تجنب المصدر إطلاق صفة الحوار على هذا المؤتمر، فقد أكد ضرورة وجود مؤتمر جامع. ‏أما النقطة الثانية التي يجري البحث فيها فهي ما إذا كان سيُسَمَّى مرشح من قبل اللجنة الخماسية بعد التشاور مع الأطراف اللبنانية أم لا. وأخيراً تبقى النقطة الثالثة المحورية وهي العقوبات التي قد تُفرض على المعرقلين والمدة الزمنية التي قد تُعطى للقيادات اللبنانية قبل التلويح بالعقوبات، مشيرة إلى أن مؤيدي هذا الطرح ينطلقون من أن الخماسية قد استنفدت كل الوسائل الممكنة لإقناع القيادات اللبنانية بالوصول إلى حل ينهي الفراغ الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام.

وأشار المصدر إلى أن ما يقوم به لودريان حالياً هو صياغة موقف موحد الهدف منه إيصال رسالة للفرقاء اللبنانيين بضرورة تحمل مسؤولياتهم وأن الخماسية وبقية أصدقاء لبنان لا يمكن أن يكونوا بديلاً عن القيادات اللبنانية في اختيار رئيسهم، مستغربة اتكال الطبقة السياسية اللبنانية الكامل على الخارج، واقتناعها بأن الخارج هو من سيحل مشكلاتهم واستسلامهم الكامل لهذه الفكرة وعدم القيام بأي تحركات جدية بانتظار ما سيقوم به الخارج.

‏وقال المصدر إن لبنان لا يعاني من أزمة دستورية، فالدستور واضح فيما يخص آلية انتخاب رئيس الجمهورية، ويبقى على الأطراف اللبنانية تحمُّل مسؤولياتها في هذا المجال، مشيراً إلى أن الرسالة الواضحة التي سيحملها لو دريان من قبل اللجنة الخماسية لفريق اللبنانيين هي أنه لا يمكن لكم أن تبقوا من دون رئيس، معتبراً أن ثمة أسباباً داخلية وخارجية تحتم الإسراع في إنهاء الفراغ الرئاسي، ففي الداخل هناك أزمة فعلية يعاني منها لبنان اقتصادياً ومالياً، ويحتاج إلى الانتظام في مؤسساته لإطلاق خطة نهوض وتنفيذها، أما في الخارج فهناك تطورات كبرى تجري في المنطقة، ولا بد من مواكبتها من قبل اللبنانيين فلا يجوز عندما يحين موعد الجلوس إلى الطاولة أن يكون مقعد لبنان شاغراً، وبالتالي إذا لم يكن ثمة من يتكلم من لبنان فسيكون ثمة من يتكلم نيابة عنه.


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.