وزير الرياضة السوري لـ«الشرق الأوسط»: التجربة السعودية بوصلة نهوضنا

سامح قال إن التحول الحالي هو انعكاس لرؤية جديدة قائمة على الشراكة والكفاءة

محمد سامح وزير الرياضة السوري الجديد (الشرق الأوسط)
محمد سامح وزير الرياضة السوري الجديد (الشرق الأوسط)
TT

وزير الرياضة السوري لـ«الشرق الأوسط»: التجربة السعودية بوصلة نهوضنا

محمد سامح وزير الرياضة السوري الجديد (الشرق الأوسط)
محمد سامح وزير الرياضة السوري الجديد (الشرق الأوسط)

بعد نحو خمسة عقود من العمل تحت مظلة الاتحاد الرياضي العام، تدخل الرياضة السورية اليوم مرحلة جديدة مع استحداث وزارة الشباب والرياضة، في تحول مؤسسي يعكس تغيّراً جذرياً في النظرة إلى الرياضة بوصفها أداة تنموية واستثمارية لا مجرد نشاط تنافسي. وفي ظل تحديات ما بعد الحرب، وانهيار أجزاء واسعة من البنية التحتية الرياضية، وتعقيدات العمل الإداري، وغياب التخطيط الاستراتيجي، يأتي هذا التحول محاولة لإعادة هيكلة القطاع ودمجه ضمن مشروع وطني أوسع يستهدف الشباب والرياضة في آن معاً.

وفي حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»، تحدث وزير الشباب والرياضة في سوريا، محمد سامح، عن الخلفيات التي فرضت هذا التحول، والملامح الأولى للهيكلية الجديدة، وخطط إعادة الإعمار، وموقع التجربة السعودية في استراتيجية الوزارة، كما يجيب عن تساؤلات الشارع الرياضي بشأن واقع المنتخبات الوطنية، وأزمة اتحاد كرة القدم وتحديات استقلالية الاتحادات.

الجماهير السورية تترقب عودة النشاط الرياضي في جميع أرجاء البلاد (الشرق الأوسط)

* بعد أكثر من 55 عاماً على تأسيس الاتحاد الرياضي العام، تم إنشاء وزارة الشباب والرياضة في سوريا، ما الذي فرض هذا التحول؟ وهل هو مؤشر على رؤية جديدة في التعامل مع القطاع الرياضي؟

- نعم، إنشاء وزارة الشباب والرياضة لم يكن قراراً شكلياً أو إدارياً عابراً؛ بل هو تحول جوهري فرضته مقتضيات المرحلة، واستحقاقات الواقع الرياضي والشبابي في سوريا. الاتحاد الرياضي العام، رغم ما قدمه في العقود السابقة، بات يعاني من بنية تنظيمية مغلقة، ومحدودية في الرؤية، وترهل إداري، وافتقار إلى عقلية التخطيط الاستراتيجي الحقيقي. كما أن منظومة العمل ضمنه لم تعُد قادرة على مواكبة التحديات، ولا التعامل مع الرياضة بوصفها قطاعاً وطنياً حيوياً له امتداداته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. اليوم، الرياضة ليست مجرد منافسات أو نشاطات موسمية؛ بل أصبحت رافعة تنموية ومورداً استثمارياً مهماً، وأداة تأثير ناعمة على المستويين المحلي والدولي. من هنا جاء إنشاء وزارة تعنى بالرياضة والشباب بوصفها ضرورة لتحديث البنية القانونية والتنظيمية، ولتفعيل الأدوار التنموية لهذا القطاع، من خلال منظومة مؤسساتية مرنة وقادرة على التخطيط، والتقييم، والمتابعة، وصياغة السياسات الوطنية التي تدمج الرياضة والشباب في قلب المشروع التنموي الوطني. إذن، نعم، هذا التحول هو انعكاس لرؤية جديدة في التعامل مع الرياضة، قائمة على الانفتاح، والشراكة، والكفاءة، وموجهة نحو المستقبل.

* في ظل الدمار الكبير الذي طال المنشآت الرياضية خلال سنوات الحرب، ما خطة الوزارة لإعادة تأهيل هذه البنى التحتية؟ وهل هناك جدول زمني واضح؟

- إعادة تأهيل البنية التحتية الرياضية في سوريا تمثل إحدى أولويات وزارة الشباب والرياضة في هذه المرحلة، خصوصاً بعد سنوات الحرب التي ألحقت أضراراً كبيرة بعدد كبير من المنشآت والمرافق الحيوية في مختلف المحافظات. نحن اليوم نعمل ضمن خطة متكاملة وواقعية، تأخذ بعين الاعتبار الإمكانات المتاحة، والحاجة إلى إعادة توزيع الموارد وفق أولويات مدروسة. البداية ستكون من خلال ميزانية محلية مخصصة لإعادة التأهيل تبلغ 50 مليار ليرة سورية (3.8 مليون دولار) حتى نهاية عام 2025، وسيتم طرح هذه المخصصات في مناقصة رسمية خلال الشهر المقبل، بهدف استصلاح عدد من الملاعب والمنشآت الرياضية في عدة مدن سورية. ونراعي في هذه المرحلة مجموعة من المعايير؛ عند اختيار المشاريع توزع الأنشطة الرياضية والتجمعات السكانية، بحيث يتم توجيه الموارد نحو المناطق الأكثر نشاطاً والأكثر حاجة، والرمزية الوطنية والاجتماعية لبعض المنشآت، لما تمثله من بعد تاريخي أو مكانة جماهيرية، والاعتماد على الكوادر الوطنية المحلية في التنفيذ، بوصفه خياراً استراتيجياً لضبط التكاليف وتعزيز الكفاءة والاستدامة. كما نولي أهمية خاصة لتفعيل الشراكات الذكية مع القطاع الخاص، وتوسيع قاعدة الاستثمار الرياضي بهدف تأمين إيرادات إضافية تتيح لنا التوسع في مشاريع التأهيل والتجهيز.

وبالنسبة للجدول الزمني، فإننا نضع نصب أعيننا تنفيذ عدد من المشاريع الأساسية قبل نهاية عام 2025، وفي مقدمتها تأهيل ملعب «بابا عمرو» في حمص، وتجهيز ملعب تدريبي في حماة بالعشب الصناعي، وإعادة تأهيل مضمار ملعب دير الزور، وتأهيل الصالة المغلقة في مدينة الفيحاء بدمشق، إلى جانب ملعب الفيحاء الرئيسي، وصيانة الصالة المغلقة في مدينة الجلاء.

نحن نؤمن بأن تطوير البنية التحتية لا يخدم فقط الحركة الرياضية؛ بل يسهم أيضاً في إعادة الحياة إلى المجتمعات المحلية، وتحفيز الطاقات الشبابية، وفتح المجال أمام تنظيم بطولات محلية ودولية تعيد لسوريا حضورها الرياضي الطبيعي على المستويين الإقليمي والدولي.

* شهدنا طفرة رياضية غير مسبوقة في السعودية خلال السنوات الأخيرة، سواء على مستوى البنية التحتية أو الاستثمار الرياضي أو الحضور العالمي، فهل تنوون الاستفادة من هذه التجربة؟

- بكل تأكيد، التجربة السعودية اليوم تعدّ واحدة من أنجح وأبرز التجارب العالمية في تطوير القطاع الرياضي؛ ليس فقط من ناحية الاستثمار والبنية التحتية، بل أيضاً في تحويل الرياضة إلى رافعة اقتصادية وتنموية واجتماعية ضمن رؤية استراتيجية واضحة؛ وهي «رؤية السعودية 2030». لقد أثبتت السعودية أن الرياضة يمكن أن تكون إحدى أبرز أدوات التحول الوطني إذا وُظفت بشكل سليم ومدروس، ونحن في سوريا نتابع هذه التجربة عن كثب، ونسعى جدياً للاستفادة منها بكل جوانبها، سواء عبر تطوير البنية المؤسسية والتشريعية للرياضة، أو عبر بناء شراكات مباشرة مع الجهات الرياضية السعودية. نحن بالفعل في طور تعزيز قنوات التواصل والتعاون مع وزارة الرياضة السعودية، واللجنة الأولمبية السعودية، والجهات ذات الصلة، وهناك نيات وخطوات واضحة لترجمتها إلى تفاهمات ومشاريع مشتركة، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب التدريبي والبنى التحتية وتنظيم الفعاليات. ونحن نؤمن بأن نجاح أي تجربة عربية هو مكسب لكل المنطقة، والاستفادة منها ليست تقليداً، بل بناءٌ على ما هو مُجَرَّب وفعّال، مع مراعاة خصوصيتنا الوطنية وواقعنا السوري. سنسعى إلى بناء نموذجنا السوري المستقل، ولكن بكل تأكيد، سيكون أحد أعمدته المستفادة من تجارب ريادية ناجحة مثل النموذج السعودي.

الكرة السورية تتطلع لنهضة حقيقية في السنوات المقبلة (الشرق الأوسط)

* هل هناك تواصل مباشر مع وزارة الرياضة السعودية أو برامج تعاون مستقبلية؟

- حتى الآن لا يوجد تواصل مباشر بشكل رسمي مع وزارة الرياضة السعودية، لكننا نعمل بالتنسيق الكامل مع وزارة الخارجية السورية على التحضير لعدد من مذكرات التفاهم الثنائية التي تشمل التعاون في المجال الرياضي والشبابي، وذلك في إطار تعزيز العلاقات مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية. نحن نُدرك أن فتح قنوات التعاون مع السعودية، صاحبة التجربة الرائدة، يمثل فرصة استراتيجية لتطوير القطاع الرياضي السوري؛ سواء عبر الاستفادة من الخبرات الإدارية والفنية، أو عبر بناء برامج تبادل وتدريب، أو حتى تنظيم فعاليات رياضية وثقافية مشتركة.

وبمجرد استكمال الخطوات الدبلوماسية والرسمية، ستكون لدينا خريطة تعاون واضحة ومؤسساتية مع المملكة، تواكب التوجه الإقليمي لتعزيز العلاقات العربية في مختلف المجالات، خصوصاً في القطاع الرياضي والشبابي، لما له من أثر مباشر على المجتمعات ومستقبل الأجيال.

* هل تفكر الوزارة في إطلاق استراتيجية استثمارية مشابهة لجذب رؤوس الأموال إلى القطاع الرياضي بسوريا؟

- طبعاً هذا من أهم التوجهات الاستراتيجية للوزارة في المرحلة المقبلة. نحن ندرك تماماً أن تحقيق نقلة نوعية في القطاع الرياضي، لا يمكن أن يتم بالاعتماد على التمويل الحكومي فقط، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية المعروفة؛ بل يتطلب إطلاق استراتيجية استثمارية متكاملة قادرة على جذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، ضمن بيئة قانونية وتنظيمية واضحة ومحفزة. وقد بدأنا فعلياً بإعداد مشروع الاستراتيجية الاستثمارية بالتوازي مع مشروع الهيكلية الجديدة للوزارة، والتي تم تصميمها بعد دراسة موسعة لتجارب ريادية، وعلى رأسها التجربة السعودية، التي شكلت نموذجاً ملهماً في هذا السياق. اطلعنا بشكل مفصل على هيكلية وزارة الرياضة السعودية، وآلية عملها مع القطاع الخاص وصناديق الاستثمار الرياضي، وكيف تم تحويل البنية التحتية إلى أصول قابلة للاستثمار والتنمية المستدامة.


مقالات ذات صلة

أنسون يترك منصب الرئيس التنفيذي للجنة الأولمبية البريطانية

رياضة عالمية آندي أنسون (رويترز)

أنسون يترك منصب الرئيس التنفيذي للجنة الأولمبية البريطانية

قرر آندي أنسون الرحيل عن منصب الرئيس التنفيذي للجنة الأولمبية البريطانية في أكتوبر (تشرين الأول)، منهياً بذلك 14 عاماً من العمل في اللجنة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية أكد شتاينر أن توتر العلاقة بين هورنر وفيرستابن كان وراء الإطاحة بهورنر من رئاسة فريق ريد بول (أ.ف.ب)

والد فيرستابن وراء الإطاحة بهورنر من رئاسة ريد بول

أكد يونتر شتاينر، الرئيس السابق لفريق هاس، أن توتر العلاقة بين كريستيان هورنر ويوس فيرستابن، كان السبب وراء الإطاحة بهورنر من رئاسة الفريق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية هانا هامبتون (أ.ب)

هامبتون حارسة إنجلترا الجديدة تتألق بتمريرة رائعة ضد هولندا

اعتاد حراس المرمى على تلقي الإشادة بسبب تصدياتهم، لكن هانا هامبتون حارسة مرمى إنجلترا حظيت بإشادة زميلاتها في الفريق بسبب تمريراتها الرائعة.

«الشرق الأوسط» (زيورخ)
رياضة عالمية كريستيان نورغارد (نادي آرسنال)

آرسنال يُكمل صفقة التعاقد مع نورغارد من برينتفورد

أعلن نادي آرسنال الإنجليزي إتمام التعاقد مع لاعب الوسط الدنماركي كريستيان نورغارد قادماً من برينتفورد، وفقاً لشبكة «The Athletic».

The Athletic (لندن)
رياضة عالمية خرج ريال مدريد من بطولة كأس العالم للأندية بطريقة موجعة (أ.ف.ب)

مونديال الأندية يكشف ملامح مشروع جديد لريال مدريد

خرج ريال مدريد من بطولة كأس العالم للأندية بطريقة موجعة، بعد هزيمة قاسية أمام باريس سان جيرمان في نصف النهائي على ملعب «ميتلايف».

The Athletic (واشنطن)

أوبراين: مشاركة آيرلندا في كأس العالم للناشئين فرصة لإلهام «نجومنا»

كولين أوبراين (الشرق الأوسط)
كولين أوبراين (الشرق الأوسط)
TT

أوبراين: مشاركة آيرلندا في كأس العالم للناشئين فرصة لإلهام «نجومنا»

كولين أوبراين (الشرق الأوسط)
كولين أوبراين (الشرق الأوسط)

أعرب كولين أوبراين، مدرب منتخب آيرلندا للناشئين، عن سعادته بالمشاركة في كأس العالم تحت 17 سنة، التي تستضيفها قطر في الفترة من 3 إلى 27 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مؤكداً أنها محطة بارزة في تاريخ منتخب الناشئين، وجزء قيم من الإرث الكروي في آيرلندا.

وأشاد أوبراين بالمرافق الرياضية في قطر المصممة وفق أعلى المعايير العالمية من كافة الجوانب. وأوضح أن الملاعب ومواقع التدريب تتميز بمواصفات من الطراز الأول، وهذه جوانب بالغة الأهمية للمدربين واللاعبين على حد سواء لتحسين الأداء.

وأوضح أوبراين أن اللاعبين سيلفتون الأنظار في بلاده، خلال خوضهم المنافسات، حيث يستعد المنتخب للمشاركة الأولى في البطولة العالمية للناشئين التي ستكون أول نسخة تضم 48 منتخباً، وواحدة من خمس نسخ متتالية تستضيفها قطر سنوياً بدءاً من العام الحالي وحتى 2029.

وقال أوبراين في هذا السياق: «المشاركة في البطولة تبعث على الفخر والاعتزاز لدينا جميعاً. سيشاهد المشجعون المباريات، ويتابعون أداء المنتخب عن كثب، ونأمل أن تلهم هذه البطولة اللاعبين الشباب، وتشجعهم على تحقيق نتائج ترتقي للتوقعات، وأن تشكل مشاركتهم جزءاً قيّماً من إرثنا الكروي».

وستقام كأس العالم تحت 17 سنة في ملاعب أكاديمية أسباير، المنشأة الرياضية العالمية التي شكلت منصة انطلاق لعدد من نجوم كرة القدم في قطر ونخبة من أبرز الرياضيين في العالم. يشار إلى أن أوبراين يقود للمرة الثانية مجموعة من اللاعبين الشباب في ملاعب أكاديمية أسباير، حيث قاد المدرب الآيرلندي قبل ما يقارب عقداً من الزمان، فريقاً تحت 15 سنة ضمن سلسلة من المباريات التي أُقيمت في الأكاديمية.

وفي نسخة هذا العام من البطولة، سيقود المدرب أوبراين نجوم منتخب آيرلندا في أول بطولة كبرى، حيث سيواجهون منتخبات باراغواي وأوزبكستان وبنما في دور المجموعات. ويضم المنتخب بين صفوفه لاعب نادي بنفيكا البرتغالي جادين أوميه، الذي ساهم بدور بارز في تأهل منتخب بلاده تحت 17 سنة للمشاركة في كأس العالم تحت 17 سنة.

وعن أهمية البطولة للمنتخب، أوضح أوبراين: «الوجود في البطولة فرصة رائعة للاعبينا الشباب. نتطلع للمباريات التي ستجمعنا مع منتخبات من مختلف أنحاء العالم، ما يوفر منصة عالمية لتقديم المواهب الكروية لدينا، وإلقاء الضوء على نجوم المستقبل الواعدين».