«باتاغونيا ناهوين» هو مخبز ومطعم أرجنتيني صغير في هوليوود بولاية فلوريدا. يُعلِّق علم الأرجنتين بجانب علم الولايات المتحدة على الباب. ولكن إذا لم تكن تعلم بوجوده، فمن المحتمل أن تمر من أمامه مباشرة، دون أن تلتفت.
يعج المطعم الصغير كل صباح وطوال اليوم بالزبائن. لا توجد سوى 3 طاولات فقط، ما يعني أن كثيراً من الناس يقفون لتناول القهوة والمعجنات. سيتناولون «إمبانادا»، اللحم البقري الطازج، واقفين، قبل أن يكملوا يومهم.
وفي يوم السبت، كان «باتاغونيا ناهوين» يعج بالعائلات والأفراد الذين يرتدون ألوان الأرجنتين. كان بعضهم من السكان المحليين؛ لكن البعض الآخر سافر لمشاهدة ليونيل ميسي من أنحاء العالم. ومع ذلك، لم يلعب ميسي في فوز الأرجنتين على بيرو 2-0 على ملعب «هارد روك ستاديوم» في ميامي.
تم إراحة قائد المنتخب البالغ من العمر 37 عاماً، بعد شعوره بما وصفه بـ«عدم الراحة» في العضلة المقربة اليمنى. أبلت الأرجنتين بلاءً حسناً من دون اللاعب الفائز بالكرة الذهبية 8 مرات؛ حيث فازت بأريحية في المجموعة الأولى، وتأهلت إلى ربع نهائي «كوبا أميركا» دون أن تتلقى شباكها أي هدف في 3 مباريات.
قال تشي جيا (32 عاماً) الذي سافر مع صديقه وابنه من مدينة شنيانغ الصينية: «بالطبع، جئت لرؤية ميسي». وبينما كان يتفحص المقهى، بدا جيا مفتوناً بمجموعة مختارة من نبيذ «مالبيك» وتشكيلة كبيرة من الوجبات الخفيفة والحلوى الأرجنتينية. ابتسم وهو يقرأ قائمة الطعام التي تضمنت شريحة لحم التنورة، أو الدجاج بالبقسماط مع البطاطس، وشطيرة النقانق الأرجنتينية الكلاسيكية (تشوريبان). لا شيء يمكن أن يفسد رحلة جيا إلى ميامي، ولا حتى غياب ميسي، حيث قال: «لست مستاءً. أتمنى أن يكون بصحة جيدة... أعلم أنه يعاني من إصابة. أتمنى أن يرتاح ويتحسن في المباراة القادمة حتى لا أشعر بخيبة أمل. أنا مشجع كبير للأرجنتين وميسي منذ 15 عاماً. أنا من أشد المعجبين بميسي».
بعد فوز الأرجنتين بكأس العالم 2022، سافر جيا إلى بوينس آيرس، ليستمر حبه لميسي. يزين ساقه اليمنى وشم كبير للاعب وهو يحمل كأس العالم. تاريخ المباراة النهائية، 18 ديسمبر (كانون الأول) 2022، محفور فوق كاحله. أما عبارة «ميسي إنفينيتي» فهي موشومة على ذراعه اليسرى، فوق رسم معقد لكأس «كوبا أميركا» وكأس العالم.
هناك أيضاً ميسي في وضعية الاحتفال بأهدافه المعتادة، إلى جانب شارة الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم، والنجوم الثلاثة التي تشير إلى كل فوز بكأس العالم، في أعوام 1978 و1986 و2022.
قال جيا: «ذهبت إلى الأرجنتين وصنعوا لي هذين الوشمين».
من الواضح أن جاذبية ميسي عالمية؛ لكن رؤيته بشحمه ولحمه مهمة لديهم. لم يكن الجميع سعداء برؤية الأرجنتين تلعب من دون بطلهم الموهوب.
«ليست لدي كلمات»، قالتها امرأة ترتدي قميص الأرجنتين، وهي تهرول مسرعة إلى داخل الملعب، عندما سُئلت عما إذا كانت مستاءة من إراحة ميسي في المباراة.
«الأمر أصعب بالنسبة لنا نحن الأرجنتينيين»، هكذا صرخ رجل يرتدي علم الأرجنتين ملفوفاً على كتفيه، كان قد سمع السؤال.
ميامي هي الموطن الثاني للمنتخب الأرجنتيني. حضر أكثر من 64 ألف شخص المباراة ضد بيرو، وبدا أن كل واحد منهم تقريباً كان يرتدي قميص منتخب الأرجنتين برقم ميسي. كما شوهدت بقع من اللونين الأسود والوردي، لوني نادي إنتر ميامي الذي يلعب في دوري كرة القدم الأميركية. يعد ميسي جنوب فلوريدا موطنه الأصلي، بوصفه قائداً لفريق الدوري الأميركي.
وقال ماتياس (43 عاماً) إنه غير منزعج من عدم ظهور ميسي: «نحن من ميامي، لذا شاهدناه يلعب؛ لكن نعم، أنت تريد أن يلعب ميسي في كل مرة... كثير من الأشخاص الذين أعرفهم باعوا تذاكرهم. ماذا يمكنك أن تفعل؟ إنه مصاب. ستظل مباراة رائعة. أنا متحمس لرؤية أليخاندرو غارناتشو».
مع مشاهدة ميسي على مقاعد البدلاء، وصفت الصحافة الأرجنتينية مباراة السبت بأنها فرصة لرؤية بعض اللاعبين الشباب الواعدين في المنتخب، مثل غارناتشو لاعب مانشستر يونايتد، وفالنتين كاربوني لاعب إنتر ميلان. كلاهما مهاجمان يبلغان من العمر 19 عاماً، ويُعدَّان مستقبل المنتخب الوطني. حتى من دون وجود ميسي في التشكيلة الأساسية للمنتخب، كانت الأجواء في ملعب «هارد روك ستاديوم» نابضة بالحياة.
أمضى مشجعو الأرجنتين ساعات خارج الملعب يرقصون على أنغام موسيقى «الكومبيا» الأرجنتينية، ويطهون شرائح اللحم على الشوايات المحمولة. وكان الخمر الإيطالي الشهير «فيرنيت» يتدفق في موقف السيارات. وانتشر مُقلِّد لميسي بين الجماهير الغارقة في الشمس على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال مازحاً إنه يأمل أن يلعب مدة 15 دقيقة على الأقل، قبل أن يصرخ بعبارة ميسي الشهيرة التي قالها في ربع نهائي كأس العالم 2022، بعد الفوز على هولندا: «Anda pa' alla bobo».
ردد أغوستين بازوس (31 عاماً) من بانفيلد، بالأرجنتين، ما كان يشعر به كثير من المشجعين الذين يحملون جوازات سفر أرجنتينية في ذلك اليوم.
قال بازوس: «لن يلعب لاعبنا رقم 10، ولكن منتخبنا الوطني سيلعب». وأضاف: «على الرغم من أننا ندعم ميسي دائماً، ونريده أن يلعب، فإنه من المهم جداً بالنسبة لنا أن ندعم المنتخب الوطني أينما ذهب».
ذكر بازوس أيضاً غارناتشو بوصفه لاعباً متحمس لمشاهدته: «إنه جزء من الموجة الجديدة من اللاعبين الذين سينعشون أبطال العالم»، قبل أن يعلن دعمه الثابت للمدرب الأرجنتيني ليونيل سكالوني. وأوضح بازوس وهو يحتسي كوباً من «الفيرنيت» و«الكوكاكولا» في يده، ما يتوقع رؤيته أمام بيرو.
قال بازوس: «عندما تشاهد الأرجنتين تلعب من دون ميسي، فأنت تريد أن ترى كيف سيعمل الفريق من دونه... إنه يبلغ من العمر 37 عاماً، وللأسف سينتهي وقته مع المنتخب الوطني. الليلة هي فرصة لرؤية مستقبلنا، ولكن دون الاعتماد على ميسي».
في غياب ميسي، استمتع بازوس بمشاهدة لوتارو مارتينيز وهو يقدم درساً رائعاً في الإنهاء المتقن للكرات. سجل مهاجم الإنتر هدفي الأرجنتين، وهو الآن هداف «كوبا أميركا». سجل مارتينيز (26 عاماً) 4 أهداف في 3 مباريات منذ بداية البطولة.
استحوذ اللاعب الملقب بـ«التورو» على مدافعي بيرو طوال الليلة؛ لكن هدفي مارتينيز كانا من لعبتين بارعتين. كانت تمريراته الماهرة من فوق حارس مرمى بيرو بيدرو جاليزي مؤشراً على لاعب وسط مهاجم في أفضل حالاته. سجل مارتينيز 4 من أهداف الأرجنتين الخمسة.
قبل البطولة، كان مارتينيز قد عانى من فترة مقلقة لم يسجل فيها مع الأرجنتين، استمرت من سبتمبر (أيلول) 2022 إلى مارس (آذار) من هذا العام. بعد أن افتتح التسجيل بعد دقيقتين من بداية الشوط الثاني، هرول إلى دكة بدلاء الأرجنتين، وعانق ميسي، الرجل الذي ساعدت رؤيته أمام كندا في أول مباراة في دور المجموعات على إنهاء فترة الركود.
وقال مارتينيز بعد المباراة: «لدي شعور رائع، وأنا فخور بشكل خاص بفوز الأرجنتين». لم يكن من السهل على الأرجنتين التسجيل في «كوبا أميركا» هذه. واعترف مارتينيز نفسه بأنه كان من الصعب هز شباك كندا وتشيلي وبيرو. اختار المنافسون الثلاثة خطاً دفاعياً مكوناً من 5 مدافعين.
وقال مارتينيز: «كنا نعلم أن كل مباراة ستكون على هذا النحو، وأننا يجب أن نجد شيئاً ما في أنفسنا».
وأضاف: «الأمر يتعلق باللحظات... عندما لا تريد الكرة أن تدخل المرمى، يصبح الأمر صعباً. وعندما تفعل تحدث هذه اللحظات. هذه هي اللحظات التي نستمتع بها أكثر من غيرها، ولكن عندما لا أسجل أكون مسترخياً أيضاً. أقتل نفسي في كل حصة تدريبية لأكون جزءاً من التشكيلة الأساسية. أنا سعيد حقاً».
في نهاية الأمسية داخل المنطقة المختلطة بالملعب؛ حيث يمر كل لاعب من جحافل الصحافيين المتحمسين الذين يأملون في الحصول على تصريح رئيسي، مرّ ميسي بهدوء مبتسماً، دون أن يتفوه بكلمة. لم يكن هناك أي مؤشر على أنه لن يكون لائقاً للعب في مباراة الأرجنتين في ربع النهائي في 4 يوليو (تموز) المقبل. غاب ميسي عن العودة إلى وطنه هذه المرة. وهو لا يخطط للغياب عن المناسبة التالية في 14 يوليو، عندما يعود نهائي «كوبا أميركا» إلى ميامي.