ماذا يعني قرار الاستئناف بالنسبة لإيفرتون؟

إيفرتون صعد إلى المركز الـ15 في «البريميرليغ» (أ.ف.ب)
إيفرتون صعد إلى المركز الـ15 في «البريميرليغ» (أ.ف.ب)
TT

ماذا يعني قرار الاستئناف بالنسبة لإيفرتون؟

إيفرتون صعد إلى المركز الـ15 في «البريميرليغ» (أ.ف.ب)
إيفرتون صعد إلى المركز الـ15 في «البريميرليغ» (أ.ف.ب)

حقق إيفرتون انتصاراً من نوع ما خارج الملعب مع التأكيد على تخفيض خصم 10 نقاط لخرق قواعد الربحية والاستدامة في الدوري الإنجليزي الممتاز إلى 6 نقاط عند الاستئناف.

جرت إحالة النادي إلى لجنة مستقلة في مارس (آذار) الماضي بسبب انتهاكات مزعومة تتعلق بموسم 2021 - 2022، وخُصمت 10 نقاط في البداية في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهي العقوبة الأشد في تاريخ المسابقة، والتي وصفها إيفرتون بأنها «غير متناسبة وغير عادلة على الإطلاق» في ذلك الوقت.

وشهدت أنباء النجاح الجزئي للاستئناف، الذي قُدِّم، يوم الاثنين، صعود فريق شون دايك إلى المركز الخامس عشر في الدوري الإنجليزي الممتاز، بفارق 5 نقاط عن لوتون صاحب المركز الثامن عشر.

يبدو هذا بمثابة مساحة ثمينة للتنفس، فالنادي ليس خالياً من المشكلات حتى الآن.

إذن، أين نجح استئناف إيفرتون، وأين جرى رفض حججهم؟ هل جرى إنشاء سابقة حيث تتطلب انتهاكات قواعد الربح والاستدامة خصم 6 نقاط، وإذا كان الأمر كذلك، فما الآثار المترتبة عندما يتعلق الأمر بالتهمة الثانية لإيفرتون لانتهاك القواعد فيما يتعلق بموسم 2022 - 2023؟

وماذا عن زملائه المتعثرين مثل نوتنغهام فورست، الذين سيبدأون دفاعهم ضد ذات التهمة الأسبوع المقبل؟

يشرح باتريك بويلاند من شبكة «أتليتك» وفيليب باكنغهام وتوم بوروز ذلك.

تخلى إيفرتون عن الطعن في خرق القواعد الذي أوقعه في مشكلة مع الدوري الإنجليزي الممتاز. وبدلاً من ذلك، ركزوا على تحدي خصم 10 نقاط الذي جرهم إلى خطر الهبوط.

جماهير إيفرتون تحمل لافتة تتهم فيها رابطة الدوري بالفساد (رويترز)

جرى الاستماع إلى الاستئناف على مدار 3 أيام بين 31 يناير (كانون الثاني) و2 فبراير (شباط)، حيث تمكن فريق إيفرتون القانوني في النهاية من إقناع مجلس إدارة مكون من 3 أشخاص - السير غاري هيكينبوتوم، ودانييل ألكسندر كيه. سي، وكاثرين أبس كيه. سي. - بأن العقوبة الأصلية التي جرى فرضها قد جرت هزيمتها.

جرى رفض 7 من أسباب الاستئناف التسعة، لكن، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من تخفيف العقوبة، قبل مجلس الاستئناف أن جلسة الاستماع الأصلية للجنة التي عُقدت في أكتوبر (تشرين الأول) ارتكبت أخطاءً قانونية بشأن السببين الآخرين.

وجاء في بيان النادي أن أول هؤلاء «السعداء بشكل خاص» هو إيفرتون.

وقضت اللجنة في البداية بأن إيفرتون كان «أقل من الصراحة» فيما يتعلق بالمعلومات المقدمة إلى الدوري الممتاز بشأن الديون على ملعبه الجديد، مضيفة أنهم انتهكوا قاعدة أخرى عندما فشلوا في التصرف «بأقصى قدر من حسن النية».

اعترف إيفرتون بأن الأرقام المقدمة للحسابات كانت غير صحيحة، و«مضللة» أيضاً، لكنه شدد على أن ذلك لا ينبغي أن يعني أن الأمر ليس سوى خطأ بشري.

وافقت لجنة الاستئناف، وقالوا: «من وجهة نظرنا، فإن مجرد كونك مخطئًا لا يجعل الأمر أقل من الصراحة». وأضاف: «إن اتخاذ هذا القرار ضد النادي كان أيضاً غير عادل من الناحية الإجرائية».

وكان امتداداً لذلك هو الاقتراح بأن إيفرتون لم يتصرف «بأقصى قدر من حسن النية» أثناء المحاكمة، وهو ما يرقى إلى مستوى انتهاك مزعوم للقاعدة الخامسة عشرة.

ولم تشر تهمة إيفرتون إلى هذه النقطة القانونية، ولم تجرِ مناقشتها في أي مرحلة من جلسات الاستماع. جاء أول ذكر للقاعدة الخامسة عشرة في الحكم النهائي للجنة.

كان فوزاً مهماً لإيفرتون، لكنه ليس الوحيد.

كما أقنعوا مجلس الاستئناف بأنه جرى فرض العقوبة دون مراعاة المعايير ذات الصلة. وقال إيفرتون إنه لو نُظر في الأمر لكانت العقوبة أقل شدة.

كان هناك تعاطف مع اللجنة التي كان عليها أن تتوصل إلى حكم أولي دون المبادئ التوجيهية التي وضعها الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن مجلس الاستئناف خلص إلى أن اللجنة الأصلية «كان عليها أن تقدر أنها لم تمارس صلاحياتها التقديرية الواسعة فيما يتعلق بالعقوبة في فراغ تام».

وطرح إيفرتون أمثلة حديثة للأندية التي تنتهك قواعد الإنفاق في الدوري الإنجليزي لكرة القدم دون نفس المستوى من العقوبة، كما أعاد إحياء شبح الدوري الأوروبي الممتاز، حيث دفعت 6 أندية من الدوري الإنجليزي الممتاز مبلغاً إجمالياً قدره 22 مليون جنيه إسترليني (27.9 مليون دولار) مقابل سعيهم غير المدروس لمنافسة جديدة.

وقال إيفرتون إن العقوبات الأخرى أكدت أن العقوبات الخاصة به كانت غير متناسبة، بما في ذلك خصم 9 نقاط محددة لأي نادٍ في الدوري الإنجليزي الممتاز يدخل الإدارة.

ولم تعد جميع المقارنات التي طرحها إيفرتون مفيدة، لكن مجلس الاستئناف خلص إلى أن «اللجنة أخطأت في فشلها في النظر في العقوبات السابقة وأخذها في الحسبان بوصفها معايير.

كان هناك ما يكفي لضمان شعور إيفرتون «بالبراءة» في سعيه للحصول على الاستئناف، لكن هذا لم يكن بمثابة الغفران.

جرى تأييد سببي الاستئناف اللذين ركز عليهما محامي إيفرتون رابينوفيتش، ما ساعد على تقليل العقوبة من 10 نقاط إلى 6 نقاط، لكن جرى رفض 7 نقاط أخرى، وأضاف: «نحن لا نقبل الانتقادات الموجهة إلى قرار اللجنة».

وقالت لجنة الاستئناف: «لقد جرى رفضها للأسباب الأخرى التي نرفضها».

شون دايك مدرب إيفرتون (د.ب.أ)

محاولات القول إن إيفرتون لم يُمنح الفضل في التعاون وتكاليف الفائدة للملعب الجديد لأن التخفيف أيضاً لم يكن كافياً، وكذلك أسباب الاستئناف التي قالت إنه كانت هناك أخطاء في أسلوب الإفراط في الإنفاق واكتساب ميزة رياضية.

استمع مجلس الاستئناف إلى أدلة من المجلس الاستشاري لمشجعي إيفرتون عند اتخاذ قرار بشأن الفشل الملحوظ في التعامل مع تأثير العقوبة على النادي حيث يجب رفض التخفيف.

جرى التركيز على «ضرورة وملاءمة وتناسب أي عقوبة مفروضة لا يمكن أن تتأثر بقوة الشعور المفهوم لدى قاعدة مشجعي إيفرتون في الظروف التي قد يتعرض فيها ناديهم، دون أي خطأ من جانبهم، لخصم نقاط وكل شيء. وما قد يترتب على ذلك من عواقب».

وعدّت العقوبات الأخرى المتاحة، بما في ذلك الغرامة، وحظر الانتقالات، وخصم النقاط مع وقف التنفيذ، غير مناسبة، ما أعاد لجنة الاستئناف إلى نفس الأساس غير المؤكد، حيث اختارت اللجنة الأصلية خصم 10 نقاط.

وجاء في الاستئناف: «إن تقييم عدد النقاط المناسب ليس تمريناً رياضياً ولا تمريناً أعطى الدوري الإنجليزي الممتاز فيه أي إرشادات».

جادل الفريق القانوني لإيفرتون بأن النادي الذي يدخل الإدارة سيتعرض لعقوبة خصم 9 نقاط فقط، وقد جرى قبوله من خلال الاستئناف بأن عقوبة الـ10 نقاط في هذه الحالة كانت «غير متسقة داخلياً». وقيل إن هذا المستوى من العقوبات يصل إلى 20 في المائة من متوسط ​​ومجموع النقاط في الدوري الإنجليزي الممتاز.

جرى أيضاً لفت الأنظار إلى الأسفل بحثاً عن سوابق للحالات الأخيرة التي شوهدت في البطولة. جرى خصم نقاط من ديربي كاونتي وشيفيلد وينزداي وريدينغ بسبب انتهاكات القواعد بين عامي 2020 و2022، وجرى تحديد تلك العقوبات جميعها بموجب إرشادات رابطة الدوري الإنجليزي.

جادل فريق إيفرتون القانوني أيضاً بأن إرشادات رابطة الدوري الإنجليزي يجب أن تمثل خصماً من 6 نقاط في هذه الحالة، جرى تخفيضه بنقطتين بسبب الاتجاه التنازلي لخسائرهم المالية في الفترة قيد التدقيق - وهو عامل آخر في عملية صنع القرار في رابطة الدوري الإنجليزي.

وقال الاستئناف: «الاتجاه هو العامل المخفف الوحيد الذي أثاره النادي، والذي يجب أن يُنسب إليه الفضل».

وبفضل 4 نقاط، ارتقى الفريق إلى المركز 15، بفارق 5 نقاط عن لوتون، الذي لديه مباراة مؤجلة. يمنح نموذج التنبؤ الخاص بموقع «أوبتا» الآن فرصة لإيفرتون بنسبة 4 في المائة للهبوط، أي بانخفاض قدره 12 نقطة مئوية عن عطلة نهاية الأسبوع. ومن دون أن يلعبوا أي لعبة، فقد حققوا مكاسب كبيرة.

هناك عنصر آخر غير ملموس في هذا أيضاً. بعد أشهر من الانتظار القلق، أصبح لدى المدرب شون دايك ولاعبيه أخيراً وضوح بشأن الدفعة الأولى وبعض الأخبار الإيجابية التي يجب استيعابها.

وفي التقرير الذي نُشر، يوم الاثنين، قال مجلس الاستئناف إنه يعد خصم 6 نقاط هو «العقوبة الدنيا، ولكنها كافية لتحقيق الغرض.

ويبدو أن هذا يشكل سابقة لعقوبات في المستقبل، ولكن هذه العقوبات تُترك بالكامل تقريباً لتقدير اللجنة، التي يتغير أعضاؤها من حالة إلى أخرى. كما جادل الدوري الإنجليزي الممتاز سابقاً بأنه يعتقد أنه يجب الحكم على كل موقف وفقاً لمزاياه الخاصة، وأن العقوبة التي اقترحها على إيفرتون قد لا تنطبق على الحالات المستقبلية».


مقالات ذات صلة

من هي السيدة الفرنسية التي أصر هنري على أن توقد المرجل الأولمبي؟

رياضة عالمية جوزيه بيريك وتيدي رينر خلال إيقاد المرجل الأولمبي (رويترز)

من هي السيدة الفرنسية التي أصر هنري على أن توقد المرجل الأولمبي؟

أوقدت العداءة المعتزلة ماري-جوزيه بيريك وبطل الجودو تيدي رينر المرجل الأولمبي خلال حفل غير مسبوق لافتتاح الألعاب الاولمبية، الجمعة، في باريس.

«الشرق الأوسط» (باريس )
رياضة عربية فرحة لاعبي الأهلي بهدف وسام أبو علي في مرمى المصري (الشرق الأوسط)

الأهلي يستغل تعثر بيراميدز ويقتنص صدارة الدوري المصري

اقتنص الأهلي صدارة ترتيب الدوري المصري لكرة القدم، وذلك عقب فوزه على مضيفه المصري 1/صفر، الجمعة، في  مباراة مؤجلة من الجولة 18 من المسابقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية ماكرون رئيس فرنسا خلال إعلانه افتتاح الألعاب الأولمبية باريس 2024 (أ.ف.ب)

تحت الأمطار وأمام برج إيفل... ماكرون يعلن افتتاح ألعاب باريس 2024

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «افتتاح» دورة الألعاب الأولمبية الصيفية الثالثة والثلاثين في باريس، الجمعة، خلال حفل افتتاح رائع وغير مسبوق على نهر السين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية جماهير غفيرة حضرت حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس (أ.ب)

مشجعون: الأمطار والتفتيش الأمني لم يؤثرا على أجواء حفل افتتاح الأولمبياد

رغم الإجراءات الأمنية المكثفة والأمطار الغزيرة التي انهمرت، اصطف المشجعون على ضفتي نهر السين في باريس، الجمعة، لمشاهدة حفل افتتاح الأولمبياد.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية ليني يورو آخر عنقود المواهب المنضمة من الدوري الفرنسي للبريميرليغ (نادي مانشستر يونايتد)

لماذا يحب الدوري الإنجليزي الممتاز فرنسا؟

غالباً ما يحصل الدوري الفرنسي على سمعة غير عادلة، ويُطلق عليه الكثيرون لقب «دوري المزارعين»، لكن يبدو أن الشعار الرسمي للدوري «دوري المواهب» أكثر ملاءمة.

ذا أتلتيك الرياضي (لندن)

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
TT

باريس توقد شعلتها الأولمبية بمشاهد تاريخية وعروض أسطورية

جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)
جسر نهر السين تلون بأدخنة العالم الفرنسي (أ.ب)

أوقدت باريس شعلتها الأولمبية، وسط افتتاح مذهل دُشّن بمقطع فيديو للكوميدي من أصول مغربية جمال دبوز، ولاعب كرة القدم السابق زين الدين زيدان «من أصول جزائرية» في استاد «دو فرانس»، قبل العرض غير المسبوق على نهر السين، بمشاركة 6 آلاف و800 رياضي، أمام معالم تاريخية في العاصمة الفرنسية.

وللمرة الأولى يُقام حفل الافتتاح خارج الملعب الرئيسي، يشاهده 320 ألف متفرج من مدرجات بُنيت خصوصاً للحفل على ضفاف النهر، ونحو 200 ألف من على شرفات المباني المجاورة.

وعَبَر أول قارب يقلّ البعثة اليونانية جسر «أوسترليتز» في باريس، ليُطلق موكب الوفود على نهر السين، في بداية حفل افتتاح الألعاب الأولمبية، الجمعة، في باريس.

بعثة اللاجئين تشارك للمرة الثالثة في الألعاب الأولمبية (رويترز)

وانفتح جدار من المياه المتدفقة تحت الجسر؛ ما أتاح مرور قارب البعثة اليونانية، كما تقضي التقاليد بوصف اليونان مهد الحركة الأولمبية الحديثة، وهو الأول من بين 85 قارباً يجب أن تنقل 6 آلاف و800 رياضي إلى تروكاديرو.

وحملت نجمة التايكوندو دنيا أبو طالب علم البعثة السعودية، التي ظهرت على متن قرب، وارتدى أفرادها الزي التاريخي (البشت والشماغ والعقال)، في حين ارتدت الرياضيات زياً نسائياً تراثياً (جلابية وطرحة على الرأس)، ورفرف جميعهم بالأعلام السعودية.

ومرت الساعات والدقائق ببطء شديد، بعد ظهر الجمعة بانتظار انطلاق الحفل الافتتاحي للأولمبياد الـ33 للعصر الحديث في باريس، التي تحوّلت إلى قلعة حصينة يصعب على المواطن العادي التنقل داخلها ما لم يكن حاصلاً على «الخاتم السحري»، الذي يُطلب منه عند كل مفترق طرق أو عند أي جسر على نهر السين.

الرئيس الفرنسي ماكرون يصافح باخ رئيس الأولمبية الدولية قبل انطلاق الحفل (رويترز)

الحكومة الفرنسية بدت قلقة وهي تضع نصب عينيها توفير الأمن المطلق للملوك ورؤساء الدول والحكومات والوزراء ورؤساء المنظمات الدولية والإقليمية، الذين أمّوا باريس؛ للمشاركة في أضخم حدث أولمبي تشهده العاصمة الفرنسية، الذي تريده الأجمل والأكثر إثارة في تاريخ الأولمبياد. كوكبة ضخمة تزيد على 120 مسؤولاً كبيراً كانوا على موعد مع «عاصمة النور» التي عبّأت أجهزتها الأمنية بشكل مطلق، إذ يصل إلى 90 ألف رجل أمن عام وخاص وأفراد من الجيش، بل استعانت بعناصر أجنبية من 60 دولة؛ لتوفير أفضل تغطية أمنية، ولسد المنافذ كافّة التي يمكن أن تؤثر في المسار الصحيح للاحتفال.

أولمبياد باريس: الاستثناء

سمعة فرنسا كانت في الميزان. ولأن باريس عرفت في السنوات والأشهر الأخيرة حراكاً اجتماعياً أو أحداثاً أمنية لها علاقة بالإرهاب، ولأن أولمبيادها يجري في ظل توترات جيوسياسية وحربين مشتعلتين، الأولى في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) 2022، والثانية في غزة منذ عشرة أشهر، فإن المخاوف كانت أن تنعكس هذه الحالة على الحفل الافتتاحي، ولكن أيضاً على الفعاليات الرياضية التي ستُجرى في العاصمة وفي عديد من المدن الأخرى. ومنذ ما قبل حصوله، برز غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يُدع إلى الاحتفال «عقاباً» له على حربه على أوكرانيا.

الفنانة ليدي غاغا خلال فقرتها الغنائية (رويترز)

كذلك تقلّصت البعثة الرياضية الروسية إلى 15 فرداً مُنعوا من حمل علم بلادهم، وسُمح لهم بالمشاركة بصفتهم الفردية، في حين كانت البعثة الروسية في المناسبات السابقة من الأكبر (أكثر من 300 رياضي). وكما غاب بوتين، غاب أيضاً الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي إيناسيو لولا دا سيلفا... كذلك، فإن حرب غزة كانت حاضرة من خلال الدعوة إلى منع مشاركة الوفد الإسرائيلي في الحفل الافتتاحي، بل في الفعاليات الرياضية.

ولأن اللجنة الأولمبية المسؤولة عن الدعوات رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب، فقد اتُّهمت بـ«ازدواجية المعايير».

وخلال مباراة كرة القدم، التي تواجه خلالها الفريقان المالي والإسرائيلي، في ملعب «بارك دي برانس» في باريس، رُفعت الأعلام الفلسطينية وسُمعت أهازيج فلسطينية وصفير وتنديد بالفريق الإسرائيلي. ومن بين البعثات الرياضية كافّة، فإن البعثة الإسرائيلية تحظى بأكبر حماية بوليسية، إن في موضع سكنها أو خلال تنقلاتها ومشاركاتها الرياضية. وسارع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية إلى الترحيب بالمشاركة الإسرائيلية وإلى التنديد بدعوة المقاطعة، في حين سارعت الهيئات القريبة من إسرائيل إلى التذكير بما حصل للفريق الرياضي الإسرائيلي خلال ألعاب ميونيخ في عام 1974.

البعثة السعودية لدى مرورها أمام المتفرجين وضيوف الحفل (أ.ف.ب)

المفاجأة الأولى

أرادت باريس، من خلال أولمبيادها، أن تدهش العالم... هذا ما دأب مسؤولوها على ترداده يوماً بعد يوم. ولذا، رُصد للأولمبياد ما يقارب سبعة مليارات يورو للإنشاءات الأولمبية ولتجميل العاصمة.

ولم يكن اختيار مجرى نهر السين، الذي يقسّم باريس إلى قسمين «شمال وجنوب» للحفل الافتتاحي إلا لغرض إبراز الانقطاع عما عرفته الأولمبيادات السابقة، خصوصاً من أجل إبراز الإرث التاريخي العمراني والحضاري والمعماري للعاصمة التي نشأت على ضفتي النهر. ذلك أن التطواف في نهر السين لـ94 مركباً، التي حملت جانباً كبيراً من أفراد 204 بعثات أولمبية (ما يقارب 8 آلاف و500 شخص)، لمسافة نهرية تزيد على ستة كلم؛ دفع إلى الواجهة أبرز المحطات الباريسية، التي يتعيّن على كل زائر للمدينة أن يعرفها؛ أكان ذلك «كاتدرائية نوتردام»، ومبنى «بلدية باريس»، وصولاً إلى جزيرتي «سان لويس»، و«لا سيتيه»، و«جسر الفنون» (لو بون دي زار أو جسر العشاق)، ومتحف «اللوفر»، وقصر «التويليري»، وامتداداً إلى مبنى «الجمعية الوطنية»، وقصر «كي دورسيه» (وزارة الخارجية)، فضلاً عن «متحف أورسي» وبرج إيفل. وانتهى المسار تحت أقدام ساحة تروكاديرو الشهيرة وحديقتها المطلة مباشرة على نهر السين؛ إذ كانت الوفود الرسمية التي تقدمها الرئيس إيمانويل ماكرون.

ويمكن اعتبار المشاهدين الـ320 ألفاً الذين توفّرت لهم الفرصة لمشاهدة التطواف مباشرة من مقاعدهم على ضفتي نهر السين من المحظوظين. بيد أنهم لم يكونوا وحدهم مَن تمتع بهذه المشاهد؛ إذ إن الاحتفالية نُقلت مباشرة على شاشات التلفزة في العالم كله، إذ قُدّر أن هناك ما بين مليار ومليار ونصف المليار مشاهد تابعوا التطواف في نهر السين، وما رافقه من أنشطة وفعاليات فنية وموسيقية ولوحات راقصة، قدّمها ما لا يقل عن 3 آلاف فنان وراقص وموسيقي، وبمشاركة أسماء عالمية دُعيت خصوصاً إلى هذه المناسبة.

ماكرون: كل شيء جاهز

قبل الموعد الحاسم، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقطع مصور نشره على موقع «إكس» للتواصل الاجتماعي: «كل شيء جاهز»، مشيراً بشكل خاص إلى الإجراءات الاستثنائية التي عمدت الأجهزة المعنية إلى اتخاذها. وأكد وزير الداخلية «المستقيل» جيرالد دارمانان، من جانبه، أن الاستعدادات قد تمت، وأنه لا يوجد أي «تهديد محدد» لحفل الافتتاح أو المنافسات.

وفي هذا السياق، لجأت السلطات، في إطار عملية أمنية واسعة النطاق، إلى الصلاحيات التي أقرها قانون مكافحة الإرهاب، ووضعت 155 شخصاً قيد إجراءات المراقبة الصارمة التي تحد من تحركاتهم كثيراً.

كذلك عمدت إلى تجميع الأشخاص الذين يفترشون الشوارع والساحات وأخرجتهم من العاصمة إلى مراكز خارجها، في حين فرضت داخل باريس، خصوصاً في المناطق القريبة من مجرى السين والساحات الرئيسية، مثل: «التروكاديرو» و«الكونكورد» و«الأنفاليد»؛ تدابير استثنائية، إن للمشاة خصوصاً السيارات. ولكن على الرغم من ذلك، جاءت مفاجأة من العيار الثقيل لتذكّر المسؤولين أن سد الثغرات كافّة ليس بالعمل السهل.

وقد برز ذلك مع الأعمال التخريبية، التي ضربت صبيحة يوم الجمعة شبكة القطارات السريعة من خلال إشعال مجموعة حرائق استهدفت صناديق الإشارة التي تتحكم بسير القطارات.

وسارع المسؤولون الرسميون وممثلو الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها إلى التنديد بالعمل التخريبي، وعمدت النيابة العامة إلى فتح تحقيق قضائي لاستجلاء ظروف ما حدث. ووصف رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الهجمات بأنها «أعمال تخريب منسّقة».

وغرّد عبر منصة «إكس»، قائلاً إن آثار الهجوم على شبكة السكك الحديدية في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية ضخمة وحادة. وأضاف: «تمّت تعبئة أجهزة المخابرات ووكالات إنفاذ القانون، للعثور على الجناة في هذه الأعمال الإجرامية ومعاقبتهم». وقال دارمانان إن الأعمال التخريبية «ليست لها نتائج مباشرة على الحفل الافتتاحي ولا على الفعاليات الرياضية»، مشيراً، في المقابل، إلى أن هناك أكثر من 50 ألف رجل أمن، بالإضافة إلى العسكريين الذين يسهرون على سلامة الافتتاح.

وقال ديفيد لابارتيان، رئيس اللجنة الأولمبية الفرنسية، إن الرياضيين المشاركين في الفعاليات وصلوا جميعهم إلى مواقعهم. وحتى عصر الجمعة، رفض أي مسؤول فرنسي توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة، والدعوة إلى انتظار نتائج التحقيق الذي بدأته الأجهزة الأمنية. بيد أن مصادر أخرى أشارت إلى احتمال ضلوع مجموعات يسارية متشددة أو أخرى بيئوية متطرفة في الأعمال التخريبية التي أضرّت بما لا يقل عن 800 ألف مسافر، بينهم الأكثرية الساحقة التي كانت تتحضّر للذهاب إلى المنتجعات في إطار العطلة الصيفية. واعترف المسؤولون عن الشبكة بعجزهم عن حماية 30 ألف كلم من الخطوط الحديدية.

قناصة فوق الأسطح... وغطاسون في مياه السين

منذ ما بعد الظهر، كانت شبكة الأمان قد انتشرت تماماً في منطقة التطواف النهري. والصعوبة الأولى، وفق المصادر الأمنية، كانت تكمن في تأمين الحماية لمسافة 12 كلم على ضفتي نهر السين، إن من خلال تفتيش المنازل والأقبية والأبنية القائمة على جانبي النهر، أو التعرّف إلى هويات الأشخاص الذين يسكنون في شققها. فضلاً عن ذلك، كان على الأجهزة أن تنشر قناصتها على أسطح البنايات لتدارك أي عملية إطلاق نار على الوفود الرسمية، كما حصل في إطلاق النار على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في مناسبة مهرجان انتخابي. واستبقت الأجهزة الأمنية بداية التطواف النهري بعملية تفتيش واسعة ودقيقة، أسهمت فيها الكلاب البوليسية للمراكب التي شاركت في الافتتاح، والتي حملت أفراد البعثات الرياضية. بيد أن الهم الأكبر الآخر تمثّل في توفير الحماية الجوية للافتتاح. ولذا، مُنع تحليق أي طائرة في دائرة قطرها 150 كلم حول العاصمة؛ ما شلّ حركة الطيران في مطاري باريس الرئيسيين: «رواسي شارل ديغول» في شمال العاصمة، و«أورلي» جنوبها.

ووُضع الطيران الحربي في حالة تأهب لإسقاط أي طائرة أو مروحية تنتهك الإجراءات المشار إليها.

إلا أن للقلق مصدراً آخر هو المسيرات. لذا، فقد تم إيجاد مركز تنسيق لمواجهتها في قاعدة «فيلاكوبليه» الجوية الواقعة جنوب العاصمة ومهمته القضاء، بكل الوسائل المتاحة، على أي تهديد يمكن أن تشكّله أي مسيرة أكانت مثلاً حاملة لعلم من الأعلام أو أن تكون مفخخة. وعُلم أن مجموعة كبيرة من القناصة الذين تقوم مهمتهم على إسقاط هذه المسيّرات سيتم نشرهم إلى جانب وسائل الدفاع الجوي التقليدية.

التطلّع إلى السماء

ليس سراً أن باريس تسعى دوماً، في كل ما تفعله، إلى أن تكون متميزة. ولأنها انتظرت مائة عام لتنظم الأولمبياد الصيفي، فإنها أرادت الحدث انعكاساً لتميّزها وفرادتها. من هنا، أهمية الاستثنائية التي أُفردت للجوانب الجمالية والفنية، الأمر الذي برز في اللوحات الاستعراضية، بداية مع المراكب التي مخرت نهر السين، وما رافقها من أنشطة فنية، وأخيراً في الحفل الغنائي والألعاب النارية التي اختتم بها الحفل الافتتاحي. كما استمتع المشاهدون بلوحات فنية أداها فنانون من على أسطح عدة أبنية تطل على مجرى السين أو على نوافذ بعض الشقق. بيد أن العديد من هذه الأنشطة كانت رهن حالة الطقس المتأرجحة بين الماطرة والغائمة. ووفق تخطيط مصممي الاحتفال، فإن الغرض من بدء الاحتفال في الساعة السابعة والنصف بتوقيت باريس (أي قبل غياب الشمس)، وانتهائه قبل منتصف الليل، كان الجمع بين الليل والنهار في حركة انسيابية وانسجامية ذات أبعاد فنية كثيرة.