متى ستتجاوز الأندية السعودية «إطار» مسؤوليتها المجتمعية؟

النماذج المشاهدة في الدوريات العالمية تحتم عليها التوسع لنشر شعبيتها محلياً ودولياً

الطفلة أليلا نالت شهرة كبيرة بحضورها خلال مراسم دخول آرسنال للمباريات (نادي آرسنال)
الطفلة أليلا نالت شهرة كبيرة بحضورها خلال مراسم دخول آرسنال للمباريات (نادي آرسنال)
TT

متى ستتجاوز الأندية السعودية «إطار» مسؤوليتها المجتمعية؟

الطفلة أليلا نالت شهرة كبيرة بحضورها خلال مراسم دخول آرسنال للمباريات (نادي آرسنال)
الطفلة أليلا نالت شهرة كبيرة بحضورها خلال مراسم دخول آرسنال للمباريات (نادي آرسنال)

أشبه برسومات أطفال، ملامح تكاد تتعرف عليها، ودقة تغيب كثيراً، ولكنها تحضر في الشكل الإجمالي، هكذا تعتقد عند رؤية التصميم الذي نشره مانشستر سيتي الإنجليزي في حسابه الرسمي على منصة «إكس» لمباراته مع فريق برايتون في الجولة الـ29 من الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.

لم تكن فكرة لا معنى لها، بل هي فعلاً رسومات حقيقية لأطفال ضمن فعالية قام بها النادي، وأطلق عليها «الاتحاد للمجتمع»، وذلك بنسبة اسم الملعب إلى مجتمع المدينة، وخلال هذه الفعالية مُنح أطفال المدينة فرصة رسم اللاعبين، في خطوة يهدف من خلالها النادي إلى ربط سكان المدينة وتوثيق العلاقة مع الفريق واللاعبين.

هذه الرسومات هي جزء من فعالية كبيرة، تم خلالها منح الأطفال في مدرسة بارلو هول الابتدائية بالمدينة فرصة رسم اللاعبين، وبعدها أجرى النادي فعالية مع لاعبيه للتعرف على أنفسهم من خلال الرسومات، وحظيت هذه الفقرة بأجواء مرحة في الفريق.

الرسمة التي بثها مانشستر سيتي ليوم المباراة (مانشستر سيتي)

استخدم النادي هذه الصور في كافة أحداث المباراة، بدأ من المنشور الرسمي، الذي ضم صورة النجم النرويجي إيرلينغ هالاند كغلاف رئيسي، حيث قام الرسام الخاص بالنادي ديفيد فلاناغان بإكمال الرسمة التي بدأتها الطفلة روماياسا ذات الأعوام العشرة لهالاند نفسه.

انتهى اليوم، وعاد الجميع لحياتهم الطبيعية، لكن حتماً هذه الرسومات ووقعها ستظل عالقة لسنوات طويلة في أذهان الرسامين الصغار، أبناء المدينة ومشجعي النادي الذي ستزيد أواصرهم وارتباطهم أكثر عن السابق، وربما والدو الأطفال وعائلاتهم.

يأخذ هذا المشهد كثيراً من التفكير حيال ما تقوم به الأندية السعودية عن دورها كمؤسسات تحظى بجماهيرية كبيرة، تجاه المجتمعات، بعيداً عن الأعمال ذات البُعد الخيري، بل الحديث عما تقدمه من لفتات مجتمعية.

نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، عبر موقعه الإلكتروني، يشير إلى كثير من الأعمال التي يقوم بها، مثل برنامج أيام الأحلام، وهي فعالية يوم بها مرتين سنوياً، وذلك بمنح الأشخاص من مشجعي النادي المصابين بأمراض مزمنة فرصة لقاء اللاعبين، إذ يصل المشجعون برفقة أحد أفراد عائلاتهم أو مقدمي الرعاية إلى ملعب كارينغتون التدريبي الخاص بمانشستر يونايتد في الوقت المناسب لمشاهدة تدريب الفريق من مركز جيمي مورفي للزوار. بعد ذلك، يلتقون بأبطالهم ويتناولون الغداء، ثم يتاح لهم خيار الذهاب إلى أولد ترافورد لجولة في المتحف والملعب. «المنتجات الموقعة» هي أحد برامج مانشستر يونايتد، وهي عبارة عن بوابة يُتيح من خلالها النادي للجمعيات الخيرية طلب المنتجات الخاصة بالنادي موقعة من النجوم، إذ يتم التبرع سنويا بالقمصان وكرات القدم والأعلام والصور الموقعة لأكثر من 1000 جمعية خيرية وقضية.

وضمن ما يقوم به نادي مانشستر يونايتد الذي نستعرضه كأحد النماذج الناجحة في الجانب المجتمعي، هو برنامج «ستريت ريدز» الذي يشير إلى إمكانية ممارسة أنشطة كرة قدم مجانية وأنشطة بديلة للشباب من سن 8 إلى 18 عاماً، ويتيح لهم فرصاً لاكتساب مهارات ومؤهلات جديدة في بيئة إيجابية، عبر قرابة 20 موقعاً موزعة في مانشستر وخارجها.

يقول آرسنال الإنجليزي، عبر موقعه الإلكتروني، إن لديه قسماً كاملاً يُعني بالمسؤولية المجتمعية، يضم 33 موظفاً بدوام كامل وأكثر من 70 موظفاً بدوام جزئي، يُعنون بإدارة وتنسيق وتنفيذ مجموعة واسعة من المشاريع الرياضية، والتعليمية، والاجتماعية، والصحية. ويشدد النادي اللندني على أنه بدأ الاهتمام بهذا الجانب منذ 1985، دون أن تكون هناك أي ضغوطات للقيام بذلك، أو توقعات للقيام بأشياء تتعلق بالمجتمع.

تشكيلة المان سيتي برسومات الأطفال بعد اجتماعي كبير (مانشستر سيتي)

ينشط آرسنال بصورة شبه أسبوعية بأعمال وفعاليات لا نهاية لها. مثل برنامج عن السلامة للأطفال عبر الإنترنت، الذي استفاد منه 120 طالباً من المجتمع المحلي. أقيمت هذه الفعالية في مقر النادي، وركّز الحدث على السلامة والرفاهية عبر الإنترنت، وكان الهدف هو إشراك الطلاب في الذكاء الاصطناعي التفاعلي، مع تسليط الضوء على الفرص المهنية في قطاع التكنولوجيا.

في يوم المرأة العالمي، تعاون النادي مع 20 مدرسة مجاورة، واستضاف أكثر من 60 طالبة في المرحلة الثانوية. وتم خلال هذه الفعالية تعريف الشابات بمجموعة واسعة من الفرص المهنية في مجال كرة القدم، وإلهامهن التفكير في مستقبل هذه الصناعة.

عند زيارة موقع آرسنال ستشاهد تفاعلاً لا يتوقف عن الفعاليات التي يقيمها النادي بصورة شبه أسبوعية، من مخيمات وبرامج تثقيفية، وبرامج تختص بكبار السن، وفعاليات الشعر، إضافة إلى العروض المختلفة، وزيارات اللاعبين للمدارس، ضمن برنامج أطلقه الدوري الإنجليزي لكرة القدم، وغيرها من البرامج المتعددة التي تختص بالمسؤولية المجتمعية.

بعيداً عن كبار الأندية في إنجلترا، عند الذهاب نحو نادي نوتنغهام فورست مثلاً ستجد كثيراً من الفعاليات الخاصة، مثل نادي الذاكرة، وهي فعالية يقيمها النادي كل يوم أربعاء لمدة ساعتين، يخصص خلالها مزيداً من التدريبات المحفزة على تنشيط الذاكرة لمن يخشى الخرف، وبرنامج كرة القدم العصبية، وهي فعالية صمّمت للأشخاص الذي يعانون من إعاقات عصيبة أو تعرضوا لجلطات دماغية، حيث خصصت لهم أوقات ومراكز تدريب. كما يقدم النادي فرصاً لأبناء المجتمع المدني خلال جلسات مدارس كرة القدم، كما حدث مع الطفلة أليلا، التي خاضت تجربة لا تنسى، عندما أصبحت تميمة النادي في مباراته أمام آرسنال، وهي إحدى الفتيات التي استفادت من برامج النادي وتطوّرت.

تختلف الفعاليات والأنشطة على مستوى العالم من حيث التفاعل مع المسؤولية المجتمعية للأندية. فعلى سبيل المثال، وبعيداً عن الأندية الإنجليزية، يؤمن برشلونة الإسباني بالاستدامة، وهي ضمن خطته الرئيسية حتى 2026، والمقصد هنا تحديداً الاستدامة البيئية، إذ سافر النادي لأكثر من مرة على متن القطار التزاماً بالهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالطاقة منخفضة التكلفة وغير الملوثة، والحدّ من بصمته الكربونية، كما يدعو جماهيره بصورة مستمرة لاستخدام وسائل النقل العام لأجل ذلك.

عند النظر للأندية السعودية، واستعراض عدد منها كنموذج في هذا التقرير، ستجد الهلال الأبرز حراكاً لوجود مؤسسة خيرية تحمل اسم مؤسسة نادي الهلال الخيرية، وكذلك الشباب الذي يواصل إقامة كثير من الفعاليات الخاصة، ويشرك نجوم الفريق فيها، وسط غياب لكثير من الأندية، رغم حضور كثير من النجوم العالميين في صفوفها، بدعم برنامج استقطاب اللاعبين.

الهلال عبر موقعه الإلكتروني يستعرض العديد من البرامج التي نفّذها، مثل هدف الهلال «شجرة الغد»، وذلك لموسم 2023 – 2024، بالتعاون مع بنك الرياض. وتشير الفعالية إلى أن كل هدف سجّله الفريق تقابله زراعة شجرة، إذ أتمّ النادي زراعة 10100 شجرة في 6 أحياء بالعاصمة الرياض. أما الشباب فينشط كثيراً في هذا الجانب، ويشرك نجومه بالفعاليات التي يقيمها، وتخص طلاب حلقات تحفيظ القرآن والأشخاص ذوي الإعاقة، وغير ذلك من الفعاليات.

نادي النصر عبر موقعه الإلكتروني كان يقيم العديد من الأحداث الخاصة بالمسؤولية المجتمعية، لكن الموقع حالياً لا يشير إلى أي جديد في هذا الشأن. أما نادي الاتحاد عبر موقعه الإلكتروني فيشير إلى عدد من المستهدفات في المسؤولية الاجتماعية، لكن الأخبار الخاصة بهذه الفعالية تغيب في الوقت الحالي، رغم وجود بعض الأخبار الخاصة بفعاليات متنوعة.

أما على صعيد النادي الأهلي فيغيب بموقعه الإلكتروني الرسمي أي شيء يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية.

أحد أبرز الأندية الناشطة مؤخراً هو نادي القادسية، إذ أنشأ النادي حساباً عبر منصة «إكس» يحمل اسم «مجتمع القادسية»، ينشر فيه النادي كافة تفاعلاته مع مجتمع مدينة الخبر، إذ تم إطلاق الحساب نهاية فبراير (شباط). وكتب حساب مجتمع القادسية عبر منصة «إكس»: «منصتنا للتواصل مع أهل (الخُبر)، نشارككم أخبارنا، فعالياتنا، ومبادراتنا، وكل ما يهم مجتمعنا، من الخُبر إلى العالم».


مقالات ذات صلة

ثمرة «الرؤية»... 1100 موهبة رياضية سعودية «قيد الإنتاج»

رياضة سعودية الرياضة السعودية ستجني ثمرة الاهتمام  بمواهبها مستقبلا (الشرق الأوسط)

ثمرة «الرؤية»... 1100 موهبة رياضية سعودية «قيد الإنتاج»

أحدثت رؤية 2030، تحولا رياضيا شاملا عم أرجاء المملكة، ليجني شبابها ثمرة جهود وطموحات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.

سلطانة آل سلطان (الرياض )
رياضة سعودية تركي آل الشيخ في إحدى فعاليات الملاكمة العالمية (حسابه في منصة «إكس»)

تركي آل الشيخ رئيساً للاتحاد السعودي للملاكمة حتى 2028

اعتمد الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل رئيس اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية، تشكيل مجلس إدارة الاتحاد السعودي للملاكمة لولاية جديدة برئاسة تركي آل الشيخ.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
رياضة سعودية زمزم الحمادي (رابطة دوري المقاتلين المحترفين للفنون القتالية المختلطة)

الإماراتية زمزم الحمادي تنضم لدوري المقاتلين للفنون المختلطة

أعلنت رابطة دوري المقاتلين المحترفين للفنون القتالية المختلطة، إحدى أسرع المنظمات الرياضية نمواً والأكثر ابتكاراً في العالم، عن انضمام النجمة الإماراتية.

لولوة العنقري (الرياض)
رياضة عالمية أرمان «موندو» دوبلانتيس (أ.ف.ب)

دوبلانتيس يفتتح الدوري الماسي

يقود السويدي أرمان «موندو» دوبلانتيس، كوكبةً من العدائين والرياضيين المتميزين في انطلاق الموسم السادس عشر للدوري الماسي في لقاء «شيامن» الصيني، السبت.

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة عالمية باسكال غروس (رويترز)

شكوك حول مشاركة غروس وباير أمام هوفنهايم

قال نيكو كوفاتش، مدرب بوروسيا دورتموند، اليوم الخميس، إن فريقه ربما يفتقد جهود الثنائي المصاب باسكال غروس وماكسيميليان باير عندما يتوجه لملاقاة هوفنهايم.

«الشرق الأوسط» (برلين)

كيف استنهضت «رؤية 2030» همة السعوديين لصناعة مجدهم الرياضي؟

دورة الألعاب السعودية أحد المشاريع الرياضية الضخمة لصناعة الأبطال (الشرق الأوسط)
دورة الألعاب السعودية أحد المشاريع الرياضية الضخمة لصناعة الأبطال (الشرق الأوسط)
TT

كيف استنهضت «رؤية 2030» همة السعوديين لصناعة مجدهم الرياضي؟

دورة الألعاب السعودية أحد المشاريع الرياضية الضخمة لصناعة الأبطال (الشرق الأوسط)
دورة الألعاب السعودية أحد المشاريع الرياضية الضخمة لصناعة الأبطال (الشرق الأوسط)

بعد الإعلان التاريخي عن «رؤية 2030»، لم تعد الرياضة في السعودية مجرد نشاط ترفيهي أو منافسة موسمية، بل أصبحت ركيزة مجتمعية متينة تُساهم في بناء الفرد، وتعزيز جودة الحياة، وتشكيل ملامح جيل جديد أكثر وعياً بصحته ونشاطه. هذا التحوّل لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة رؤية استراتيجية بدأت مع انطلاق الرؤية التي جعلت من الرياضة أحد مسارات التنمية البشرية والاجتماعية.

لقد بدأت الرياضة تأخذ موقعها بوصفها جزءاً أصيلاً من ثقافة المجتمع السعودي، وهو ما جعل القطاع الرياضي يحظى برؤية توسعية تهدف إلى استغلال طاقات الشباب، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وتوفير بنية تحتية رياضية متطورة.

وخلال السنوات القليلة الماضية، شهدت السعودية توسعاً غير مسبوق في دعم القطاع الرياضي. تم إنشاء وتطوير عشرات الأندية، وجرى إطلاق برامج ومبادرات نوعية على مستوى المدارس والجامعات، واستُحدثت دورات تدريبية لصقل مهارات المدربين والمدربات، كما أُطلقت مسابقات محلية ساهمت في اكتشاف وصقل المواهب في مختلف الألعاب.

هذا التوسع الرياضي لم يتوقف عند حدود المستطيل الأخضر أو الصالات المغلقة، بل انعكس بوضوح على أنماط الحياة داخل المجتمع السعودي. فقد أصبح النشاط البدني جزءاً من روتين الحياة اليومية، وشهدت الأحياء حضوراً لافتاً للمساحات المخصصة للمشي والجري وركوب الدراجات، في ظل دعم حكومي واضح لتطوير المرافق العامة.

كما ساهمت هذه النهضة في تحفيز القطاع الخاص على الدخول في استثمارات رياضية، سواء من خلال رعاية الأندية أو تنظيم البطولات أو حتى دعم الأكاديميات الرياضية المتخصصة.

ولم تغفل الدولة أهمية البنية التحتية، فشهدت المدن السعودية تطويراً كبيراً في المنشآت الرياضية، وتأسيس مشاريع ضخمة تهدف إلى جعل المملكة وجهة عالمية للأحداث الرياضية الكبرى. كل ذلك يأتي في ظل دعم لا محدود من القيادة، التي وضعت الرياضة أحد محاور بناء الإنسان السعودي العصري، إلى جانب التعليم والثقافة والصحة.

الملاعب الجديدة في السعودية تشكل أبرز ملامح المستقبل الرياضي (واس)

من الترفيه إلى التوظيف

منذ سنوات قليلة فقط، كان يُنظر إلى الرياضة في المملكة بعدّها نشاطاً ترفيهياً محدود الأثر في التنمية الشاملة. أما اليوم، فقد أصبحت الرياضة أحد أعمدة الاقتصاد الجديد، ومكوّناً رئيساً من رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز جودة الحياة.

القطاع الرياضي في المملكة لم يعد مجرد ملعب ومشجعين، بل تحول إلى سوق عمل حقيقية تستوعب آلاف السعوديين والسعوديات في وظائف إدارية وفنية وطبية وتنظيمية. ومن خلال الأندية، والاتحادات، والأكاديميات، وشركات التسويق والرعاية، باتت الرياضة مولّداً للفرص الاقتصادية ورافداً لسوق العمل المحلية.

بحسب الإحصاءات الرسمية، بلغ عدد الموظفين في الأندية الرياضية السعودية أكثر من 5700 موظف حتى عام 2024، في مؤشر واضح على أن الرياضة لم تعد نشاطاً هامشياً، بل صارت رافعة اقتصادية ومهنية حقيقية.

هذا التوسّع المهني لم يأتِ من فراغ، بل كان نتاج استراتيجية طموح تهدف إلى جعل المملكة وجهة رياضية رائدة في المنطقة والعالم. وتمثّل ذلك في استضافة بطولات دولية كبرى، وتكوين بنية تحتية رياضية تنافس الأفضل في العالم، إلى جانب تمكين الكفاءات الوطنية للعمل في جميع التخصصات المرتبطة بالقطاع.

اليوم، السعودية تُصدّر للعالم صورة جديدة: دولة تبني مستقبلاً رياضياً متكاملاً، وتمنح شبابها وظائف، وطموحاً، ومكاناً في المنصات العالمية.

الكرة السعودية تتطلع لجني ثمار الرؤية في المحافل الدولية الكبرى (الشرق الأوسط)

قاعدة رياضية لصناعة الأبطال

في عالم الرياضة، الأبطال لا يُولدون صدفة، بل تُصنع إنجازاتهم في المعسكرات والمدارس والملاعب الجانبية، حيث تبدأ القصة غالباً من «مشروع موهبة» يتطور ليصبح «تاريخاً وطنياً». في السعودية، أدركت الدولة هذا المفهوم مبكراً، فأنشأت بنية تحتية متكاملة لاكتشاف وتدريب المواهب الرياضية، تُعد من الأكبر في المنطقة.

على مستوى الاستعداد المؤسسي، تم إطلاق 11 برنامجاً لتطوير المواهب الرياضية في مختلف الألعاب والفئات العمرية، وتأسيس 16 مركزاً تدريبياً للشباب ضمن برنامج «تكوين»، الذي يُعد حجر الأساس لأي مسار رياضي احترافي مستقبلي.

هذه البرامج لا تكتفي بتدريب المهارات، بل تدمج العلوم الرياضية، واللياقة، والتحليل الذهني والنفسي، وتوفّر كفاءات فنية وإدارية عالية الجودة، لضمان نمو المواهب بشكل متوازن واحترافي.

ولم تتوقف الجهود عند إنشاء المراكز والبرامج، بل شملت أيضاً عمليات مسح ضخمة شملت أكثر من 84 ألف طفل مشارك، في أكثر من 20 مدينة ومحافظة حول المملكة، ما يعكس جدية المشروع واستهدافه الكامل لكل شرائح المجتمع.

ومن بين هذه الآلاف، تم ترشيح 1.110 أطفال بوصفهم مواهب واعدة تخضع الآن لمراحل تأهيل متقدمة، ليكونوا نواة الأبطال الجدد الذين سيحملون اسم المملكة في المستقبل على المستويات القارية والدولية.

هذه القاعدة التي بُنيت ليست فقط لأجل المنافسات، بل لأجل مستقبل إنساني متكامل. فكل طفل يُكتشف، وكل موهبة تُصقل، تمثل استثماراً في رأس المال البشري، وفي هوية وطن يُراهن على شبابه، ويمنحهم كل أدوات التقدّم.

طارق حامدي نجم الكاراتيه السعودي (الشرق الأوسط)

الرياضة في قلب «الرؤية»

في قلب رؤية السعودية 2030، لم تكن الرياضة بنداً جانبياً، بل عنصر استراتيجي ضمن خطة طموح لصناعة مجتمع صحي، واقتصاد متنوع، ومكانة دولية متقدمة. ومن هنا، جاءت برامج دعم الاتحادات الرياضية، وتطوير التميز الرياضي، لتشكل الأساس لنقلة نوعية غير مسبوقة.

وأتاحت استراتيجية التميز للسعودية تسجيل حضور بارز في المحافل الدولية، حيث تمكّنت الكفاءات الوطنية من تحقيق ميداليات وإنجازات عالمية. هذا التقدم لم يكن عشوائياً، بل نتاج لبرامج مركزة استهدفت بناء الأبطال منذ المراحل السنية المبكرة، عبر تمكينهم من الأدوات التدريبية، والعلمية، والدعم المعنوي.

ورافق هذا التوجّه تطوير شامل للبنية التحتية من ملاعب ومرافق رياضية مهيأة ومعتمدة دولياً، إضافة إلى توسيع نطاق المنافسات، ورفع جودة التدريب، وتمكين المدربين الوطنيين.

وكل ذلك تزامن مع تعزيز برامج اكتشاف المواهب، التي لا تكتفي بضم الرياضيين، بل تعمل على صقلهم وتأهيلهم أكاديمياً وبدنياً ومعرفياً، ما يجعل مشروع التميز الرياضي السعودي متكاملاً وشاملاً من الجذور حتى القمم.

ومن خلال هذه المنظومة، لم يعد النجاح الرياضي مجرد حدث عابر، بل أصبح مساراً مستداماً مبنياً على التخطيط، والتقييم، والاستفادة من النماذج العالمية، مع خصوصية تنطلق من هوية المجتمع السعودي وأولوياته.

في السنوات الأخيرة، تحوّلت الرياضة السعودية إلى قصة نجاح عابرة للحدود، مدفوعة بدعم رؤية 2030 التي جعلت من الرياضة أداة تمكين، ومنجزاً وطنياً، ومنصة لرفع راية المملكة في المحافل الدولية.

رحاب يحيى لاعبة البلياردو السعودية (الشرق الأوسط)

سعوديات يصنعن المجد

في سابقة تاريخية، حصدت إحدى الرياضيات السعوديات أول ميدالية آسيوية في منافسات البلياردو (9 كرات)، لتُفتَح بذلك صفحة جديدة في سجل بطولات المرأة.

وعلى صهوة الجواد، أهدى فارس سعودي الوطن ذهبية آسيا في الرماية من على ظهر الخيل، في إنجاز نادر يعكس التفوق المهاري والتقني في الرياضات التراثية.

وفي بطولة الدوري الممتاز الدولي للكاراتيه، حققت السعودية ميدالية ذهبية، إلى جانب ميدالية فضية وثلاث برونزيات، مؤكدة حضورها في واحدة من أصعب الألعاب القتالية.

وفي بطولة IBJJF الدولية للجوجيتسو، عاد الأبطال السعوديون بخمس ميداليات، ذهبية، وفضية، وثلاث برونزيات. وفي غرب آسيا للبلياردو والسنوكر، أحرز السعوديون 7 ميداليات بينها ذهبية، وأربع فضيات، وبرونزيتان.

وسجلت بطولة العالم للملاكمة التايلاندية حضوراً سعودياً لافتاً، إذ نال الأبطال 5 ميداليات (ذهبية، وفضيتين، وبرونزيتين).

كما تحققت ميدالية ذهبية في البطولة الآسيوية للتايكوندو، تعزز موقع المملكة في اللعبة. وفي بطولة العالم لرفع الأثقال، حصد السعوديون 4 ميداليات (3 فضيات، وبرونزية)، مع تحقيق المركز الثاني في الترتيب العام.

وفي بطولة أستراليا المفتوحة للتايكوندو شهدت تتويج السعودية بثلاث ميداليات: ذهبيتين، وبرونزية.

وفي بطولة آسيا لرفع الأثقال للناشئين، حقق الفريق السعودي 10 ميداليات (ذهبية، فضيتان، وسبع برونزيات)، مع المركز الأول في الترتيب العام.

وفاز المنتخب السعودي بلقب بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية (فيفا) في لعبة Rocket League 2024، وهو أول لقب عالمي من نوعه للمملكة في هذا المجال. كما تحقق إنجاز سعودي هو الأول في تاريخ الكاراتيه بتحقيق 7 ميداليات متنوعة في بطولة العالم للناشئين والشباب تحت 21 عامًا في إيطاليا: ذهبية واحدة، فضيتان، و5 برونزيات.

وفي البطولة الآسيوية في فيتنام، فازت المملكة بميدالية ذهبية في التايكوندو. كما أحرزت 3 ميداليات (ذهبيتين وبرونزية) في بطولة أستراليا المفتوحة.

وفي رفع الأثقال أحرز الفريق السعودي 4 ميداليات مع تحقيق المركز الثاني في الترتيب العام (3 فضيات وبرونزية) في بطولة العالم لرفع الأثقال.

وبلغ عدد الميداليات في المنافسات الدولية المذكورة أكثر من 60 ميدالية متنوعة، توزعت على أكثر من 10 ألعاب مختلفة.

واتسعت رقعة المشاركة السعودية من البطولات الآسيوية إلى العالمية، ومن الفئات العمرية الصغيرة إلى النخبة والمحترفين.

وما تحقق خلال الفترة الماضية هو تجسيد حي لرؤية وطنية تنظر إلى الرياضة بوصفها استثماراً استراتيجياً في الإنسان، ومصدراً للفخر الوطني. الميداليات لا تعبّر فقط عن انتصارات لحظية، بل عن منظومة صاعدة تؤمن بالتمكين، والتنافس، والطموح نحو القمة.