السعودية تستعد للسماح بتملك الأجانب للعقار في يناير

مختصون توقعوا ظهور ملامح تأثيره على السوق في منتصف 2026

سيارات تسير في أحد شوارع الرياض (رويترز)
سيارات تسير في أحد شوارع الرياض (رويترز)
TT

السعودية تستعد للسماح بتملك الأجانب للعقار في يناير

سيارات تسير في أحد شوارع الرياض (رويترز)
سيارات تسير في أحد شوارع الرياض (رويترز)

تستعد السعودية لدخول مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي في قطاع العقارات، حيث من المقرر أن يبدأ سريان النظام المحدث لتملك غير السعوديين للعقار في يناير (كانون الثاني) المقبل.

يأتي هذا النظام، الذي أقره مجلس الوزراء السعودي في يوليو (تموز) الماضي، كخطوة استراتيجية لتنظيم تملك العقارات لغير السعوديين، أفراداً وكيانات، بهدف رئيسي هو تعزيز مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي وتنويع مصادر الدخل الوطني بعيداً عن النفط، بما ينسجم كلياً مع مستهدفات «رؤية 2030».

تعمل الهيئة العامة للعقار حالياً، وهي الجهة المسؤولة عن التنفيذ، على إعداد اللائحة التنفيذية للنظام، وتحديد النطاق الجغرافي للمواقع المسموح التملك والاستثمار فيها للأجانب، على أن يتم الإعلان عن هذه التفاصيل قبل موعد بدء سريان النظام.

ويهدف التشريع الجديد أيضاً إلى استبقاء الكفاءات والمواهب العالمية عبر تمكينهم من الاستقرار، وتحسين جودة الحياة الحضرية والعمرانية.

نطاق التملك

وأكد وزير البلديات والإسكان السعودي، ماجد الحقيل، في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، أن الشهر المقبل سيشهد تنفيذ نظام تملك العقار للأجانب على المستوى السكني في جميع مدن السعودية باستثناء 4 مدن تشمل مكة والمدينة المنورة وجدة والرياض، بينما ستكون هناك مناطق محددة داخل هذه المدن مسموح فيها بالتملك. وبالنسبة للمقيمين داخل المملكة، فيحق لهم تملك وحدة سكنية واحدة.

في المقابل، يتميز النظام بمرونة كبيرة تجاه القطاعات الاقتصادية الأخرى، حيث سيكون التملك مفتوحاً للأجانب في كل مدن المملكة دون استثناء في القطاعات التجاري والصناعي والزراعي.

وزير البلديات والإسكان ماجد الحقيل (واس)

وقد أشار فهد بن سليمان، المدير التنفيذي لملكية العقار لغير السعوديين في الهيئة، خلال تصريحات صحافية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن المناطق المخصصة لملكية الأجانب في الرياض وجدة والمدن المقدسة (مكة والمدينة) لا تزال قيد المراجعة، وسيتم الإعلان عنها «قريباً جداً» مع اللوائح المنظمة للقواعد الجديدة لملكية العقارات، مضيفاً أن تلك المناطق ستكون «واسعة جداً» وتشمل ما يُعرف بالمشاريع الضخمة، ومن المتوقع أن تُحدّد نسبة ملكية غير السعوديين في هذه المناطق بما يتراوح بين 70 في المائة و90 في المائة.

وأكد أن المُشترين يجب أن يكونوا مسلمين للشراء في المدينتين المقدستين، لكنهم لن يواجهوا قيوداً كبيرة بخلاف ذلك. لكن بشكل عام «لا توجد شروط كبيرة، ولا نرغب في فرض قيود، وعند المقارنة بين القانون الحالي ونظيره المحدث، سنجد أن هناك فرقاً ملحوظاً».

توقعات السوق

وفي تعليق على قرب البدء بسريان النظام المحدث، أشار عدد من الخبراء والمختصين العقاريين خلال حديثهم لـ «الشرق الأوسط»، إلى أن النظام سيخلق طلباً إضافياً على الوحدات العقارية الجاهزة، ورفع مستوى السيولة داخل السوق العقارية. كما سيحفز الشركات الدولية لإنشاء مقراتها ومشاريعها داخل المملكة، ما ينعكس على النشاط الاقتصادي ويؤسس لمرحلة أكثر استقراراً ونمواً في القطاع العقاري.

وتوقعوا أن يكون التأثير الإيجابي للنظام على السوق العقارية في مدن الرياض وجده، ومكة، والطائف، والمدينة المنورة، بالإضافة إلى المدن القريبة من المناطق السياحية، وأن تبدأ ملامح ظهور تأثير النظام منذ الربعين الثالث والرابع 2026 وخلال عام 2027.

ويرى الخبير والمسوّق العقاري صقر الزهراني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن بدء تنفيذ النظام، سيشكل مرحلة مفصلية في حركة السوق العقارية السعودية، إذ سيؤدي إلى توسّع قاعدة المتعاملين وانتقال شريحة واسعة من المقيمين من خانة الإيجار إلى التملك، خصوصاً في المدن المسموح بها.

ولفت إلى أن هذا التحول سيخلق طلباً إضافياً موجهاً نحو الوحدات العقارية الجاهزة والمجتمعات السكنية المنظمة، ما سيسهم في تعزيز حركة البيع والشراء، ورفع من مستوى السيولة داخل السوق.

رفع جودة العقار

وتوقع أن يمنح فتح التملك للقطاعات التجارية والصناعية والزراعية أمام الأجانب في جميع المدن، الشركات الدولية حافزاً أكبر لإنشاء مقراتها ومشاريعها داخل المملكة، مما ينعكس على النشاط الاقتصادي ويؤسس لمرحلة أكثر استقراراً ونمواً في القطاع العقاري.

ورأى أن أول التغيرات المتوقعة في السوق العقارية، ستكون رفع جودة المنتجات العقارية، توجُّه المطورين لابتكار مشروعات بمواصفات أعلى وتخطيط أفضل لتلبية متطلبات شريحة أوسع من المشترين، كما ستشهد السوق زيادة في حجم المعروض المنظم، نتيجة دخول مستثمرين ومطورين محليين ودوليين لتقديم مشروعات موجهة تستهدف تلبية رغبات الطلب الجديد.

وأشار إلى أن النظام المحدث سيسهم في تعزيز الاستقرار السعري، لأن تملك المقيمين والأجانب عادة ما يكون طويل الأمد، مما يحد من المضاربات قصيرة المدى؛ كذلك ستزداد الشفافية والحوكمة داخل السوق، بفضل الضوابط القانونية والرقابية المصاحبة للنظام، كما سيتيح فرصاً أوسع للقطاع التمويلي لإطلاق منتجات مخصصة للمقيمين والأجانب، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على نشاط الإقراض وحجم السيولة.

وأضاف الزهراني أن الإعلان عن بدء تنفيذ النظام سيُحدث حركة مباشرة في الاستفسارات والاهتمام، غير أن التأثير الحقيقي على حجم المعاملات في السوق العقارية سيبدأ بالظهور تدريجياً، ومن المتوقع أن تظهر الإشارات الأولى للأثر خلال الربع الثاني من عام 2026، مع بدء إتمام الصفقات الأولى للمقيمين والأجانب.

ولفت إلى أن المؤشرات الواضحة مثل ارتفاع حجم التداول، وتسارع تسليم المشروعات، ودخول المستثمرين الأجانب، فمن المرجح أن تتبلور خلال الربعين الثالث والرابع، حيث تكون السوق قد استوعبت اللوائح التنفيذية وبدأت تتفاعل معها بصورة عملية ومستقرة. وبذلك، فإن العام الأول من تطبيق النظام سيشكل فترة انتقالية، بينما سيظهر الأثر الأكبر بصورة ملموسة خلال النصف الثاني من 2026 وما يليه.

تأثير متباين وفق الموقع الجغرافي

بدوره، توقع الخبير والمقيّم العقاري المهندس أحمد الفقيه، خلال تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون تأثير النظام متبايناً على السوق العقارية بحسب الموقع الجغرافي، مع ترجيحه أن يكون التأثير الإيجابي الأكبر في منطقة مكة المكرمة ومدنها مثل جدة والطائف، بالإضافة إلى المدينة المنورة. وأشار إلى أن السوق العقارية في مدينة الرياض سيكون لها نصيب بارز في استقطاب وجذب رؤوس الأموال غير السعودية سواءً للتملك أو الاستثمار العقاري.

ويرى الفقيه أن رؤوس المال التي تستهدف الاستثمار في القطاع السياحي، ستتجه بوصلتها باتجاه المدن القريبة من المناطق السياحية، مثل الطائف لقربها من مكة، وكذلك أبها وجيزان، بالإضافة إلى مدينة تبوك لقربها من مشروع نيوم.

ويتوقع أن تكون السنة الأولى لتنفيذ النظام المحدث مرحلة جس وتمحيص للسوق ومراجعة الفرص المتاحة فيه، وأن يبدأ تأثير النظام على السوق مع السنة الثانية في 2027، لافتاً إلى أن تنفيذ النظام سيسهم في تفعيل مستهدفات مهمة ضمن «رؤية 2030» في تنويع مصادر الدخل للاقتصاد الوطني والابتعاد تدريجياً عن الاعتماد على النفط، كما ستخلق هذه الأموال مئات الآلاف من الفرص الوظيفية للمواطنين السعوديين من الجنسين.

حوافز النظام

يشار إلى أن النظام المحدث لتملك غير السعوديين العقار، يهدف إلى تنظيم تملك العقارات لغير السعوديين، أفراداً وكيانات، بما ينسجم مع مستهدفات «رؤية 2030»، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السوق العقارية السعودية، وتعزيز مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي.

كما يهدف إلى استبقاء الكفاءات والمواهب العالمية عبر تمكينهم من الاستقرار، ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية في دعم الاقتصاد الوطني، وتنمية الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل بشكل مستدام، وتحسين جودة الحياة الحضرية والعمرانية.

وبحسب النظام، يُسمح لغير السعودي بتملك العقار أو اكتساب الحقوق العينية عليه داخل المملكة، في النطاق الجغرافي الذي يحدده مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح من مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار، وموافقة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. ويشمل ذلك تحديد نوع الحقوق العينية الممكن اكتسابها، ونسب الملكية القصوى، والضوابط المتعلقة بها.

كما يتيح النظام للمقيم غير السعودي ذي الصفة الطبيعية تملُّك عقار واحد مخصص للسكن، خارج النطاق الجغرافي المحدد، باستثناء مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويُشترط أن يكون الشخص مسلماً إذا كان التملك داخل هاتين المدينتين.

ووفقاً للنظام، تُمنح الشركات غير المدرجة في السوق المالية السعودية والتي يشارك في ملكيتها غير سعوديين، حق التملك ضمن النطاق الجغرافي المشار إليه، بما في ذلك مكة المكرمة والمدينة المنورة، إذا كانت المؤسسة وفق نظام الشركات السعودي. ويجوز لها التملك خارج هذا النطاق لأغراض ممارسة النشاط أو إسكان العاملين، حسب ما تحدده اللائحة.

ويتيح النظام أيضاً للشركات المدرجة في السوق المالية، والصناديق الاستثمارية، والمنشآت ذات الأغراض الخاصة، التملك في المملكة بكاملها، بما فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة، وذلك وفقاً لضوابط تصدرها هيئة السوق المالية بالتنسيق مع الهيئة العامة للعقار والجهات المعنية الأخرى.

وأكد النظام على أن تطبيق النظام لا يمس الحقوق الممنوحة في أنظمة أخرى مثل نظام الإقامة المميزة أو اتفاقيات دول مجلس التعاون الخليجي، كما لا يترتب على تملك غير السعودي أية امتيازات إضافية بخلاف الحقوق النظامية.

كما أقر النظام فرض رسم لا يتجاوز 5 في المائة من قيمة التصرف العقاري لغير السعوديين، على أن تحدد تفاصيله في اللائحة التنفيذية. ويواجه المخالفون عقوبات تشمل الغرامة أو الإنذار، فيما يُعاقب من يقدّم بيانات مضللة بغرامة تصل إلى 10 ملايين ريال، مع إمكانية بيع العقار المخالف بأمر من المحكمة المختصة.


مقالات ذات صلة

لقاء سعودي - مصري يبحث معالجة تحديات المستثمرين

الاقتصاد السفير صالح الحصيني لدى لقائه المهندسة رندا المنشاوي بحضور وفد مجلس الأعمال (السفارة السعودية)

لقاء سعودي - مصري يبحث معالجة تحديات المستثمرين

بحث صالح الحصيني، السفير السعودي لدى مصر، مع المهندسة رندا المنشاوي، نائب أول لرئيس الوزراء المصري، تعزيز التعاون التجاري ومعالجة التحديات التي تواجه المستثمرين

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد «مركز الملك عبد الله المالي» في الرياض (الشرق الأوسط)

السعودية تبرم 62 اتفاقية نفاذ إلى الأسواق منذ دخولها «التجارة العالمية»

تمكنت السعودية، منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، من توقيع 62 اتفاقية نفاذ إلى الأسواق في السلع والخدمات، بجانب إجراء 379 جولة تفاوضية؛ حضورية وافتراضية.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد سلع غذائية في أحد مراكز التسوق في السعودية (واس)

ارتفاع قياسي في نسبة الاكتفاء الذاتي بالسعودية

أظهرت نتائج إحصاءات الأمن الغذائي، التي أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء السعودية لعام 2024، ارتفاعاً قياسياً في نسب الاكتفاء الذاتي لعددٍ من المنتجات الغذائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شهد مؤتمر الابتكار في استدامة المياه حضوراً دولياً كبيراً (هيئة المياه)

السعودية تقود تحول الابتكار المائي نحو الاستدامة بالتقنيات الواعدة

تتصدر السعودية مشهد الابتكار المائي عالمياً من خلال توظيف تقنيات متقدمة ومتنوعة للحفاظ على المياه ورفع كفاءة إدارة الموارد المائية.

سعيد الأبيض (جدة)
خاص محافظ الصندوق متحدثاً في المؤتمر (الشرق الأوسط) play-circle 00:54

خاص «الصندوق الوطني للتنمية» يضخ نحو 16 مليار دولار سنوياً لدعم «رؤية 2030»

قال محافظ الصندوق الوطني للتنمية ستيفن بول غروف إن الصندوق «يوفّر سنوياً نحو 50 – 60 مليار ريال لتمكين القطاعات الأساسية لرؤية 2030».

عبير حمدي (الرياض)

مليارات الذكاء الاصطناعي... هل هي فرصة تاريخية أم فخ الفقاعة؟

روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
TT

مليارات الذكاء الاصطناعي... هل هي فرصة تاريخية أم فخ الفقاعة؟

روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)

في وقت تتدفق فيه مئات المليارات نحو صناعة الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، يجد المستثمرون أنفسهم أمام سؤال جوهري: هل نحن أمام ثورة رقمية تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، أم على أعتاب فقاعة مالية جديدة تشبه الدوت كوم؟

فالسباق العالمي لبناء مراكز البيانات، وتطوير الرقائق، وتوسيع البنية التحتية، تجاوز بالفعل حجم استثمارات تاريخية مثل «مشروع مانهاتن» و«برنامج أبولو»، فيما تتنافس شركات التكنولوجيا العملاقة على اقتناص موقع قيادي في «سباق السلاح الرقمي» الجديد. لكن هذا الزخم الهائل ترافقه مؤشرات مقلقة: أسعار أسهم صعدت بوتيرة فلكية، وتقييمات شركات ناشئة لا تعكس حجم إيراداتها الفعلي، وشهية استثمارية تغذِّيها توقعات النمو أكثر مما تغذيها النتائج الواقعية.

وبينما يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة اقتصادية تمتد لعقود، يُحذر آخرون من أن الحماس المفرط قد يُخفي وراءه هشاشة يمكن أن تؤدي إلى تصحيح قاسٍ في الأسواق.

لا يعتقد مورتن ويرود، الرئيس التنفيذي لشركة «إيه بي بي»، أن هناك فقاعة، لكن «نرى بعض القيود فيما يتعلق بسعة البناء التي لا تواكب جميع الاستثمارات الجديدة»، وفقاً لـ«رويترز».

وأضاف: «نتحدث عن تريليونات من الاستثمارات، وستستغرق عدة سنوات لتنفيذها، لأن الموارد والبشر غير كافيين لبناء كل هذا».

أما دينيس ماشويل، الرئيس التنفيذي لشركة «أديكو»، فيرى أن «هناك بالفعل فجوة حالية بين هذا العرض الهائل من الذكاء الاصطناعي والطريقة التي تقوم بها الشركات بتضمينه فعلياً في عملياتها الأساسية»، كما قال في نوفمبر (تشرين الثاني). وأضاف أن المشروع المشترك لمجموعته مع «سيلس فورس» قد يقلل من مخاطر فقاعة الذكاء الاصطناعي من خلال دفع الشركات لاستخدامات أكثر واقعية للتقنية.

يد آلية أمام رسالة مكتوب عليها «الذكاء الاصطناعي» ولوحة مفاتيح (رويترز)

ويقول سندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة «ألفابت»: «لا أعتقد أن أي شركة ستكون بمنأى عن التأثر، بما في ذلك نحن»، وذلك في مقابلة مع «بي بي سي» نُشرت في 18 نوفمبر، عند سؤاله عن كيفية تعامل «غوغل» مع احتمال انفجار فقاعة. وأضاف أن موجة الاستثمار الحالية في الذكاء الاصطناعي «لحظة استثنائية»، لكنه أقر بوجود «عناصر من السلوك غير العقلاني» في السوق، مشيراً إلى تحذيرات مماثلة خلال فترة فقاعة «الدوت كوم».

أما جيف بيزوس، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «أمازون»، فيقول: «عندما يتحمس الناس بشدة للذكاء الاصطناعي كما يحدث اليوم، يتم تمويل كل تجربة... ويصعب على المستثمرين التمييز بين الأفكار الجيدة والسيئة وسط هذا الحماس».

وأضاف: «الفقاعات الصناعية ليست بالخطورة نفسها كالفقاعات المصرفية، وقد تكون مفيدة لأن الفائزين النهائيين سيعودون بالنفع على المجتمع من خلال تلك الابتكارات».

وحذر بنك إنجلترا (البنك المركزي) من أن الأسواق العالمية قد تتراجع إذا تغير مزاج المستثمرين تجاه آفاق الذكاء الاصطناعي. وقالت لجنة السياسة المالية في البنك في 8 أكتوبر (تشرين الأول): «ارتفعت مخاطر حدوث تصحيح حاد في السوق»، مضيفةً أن احتمال تأثير ذلك على النظام المالي البريطاني «مهم».

وخلال حلقة نقاشية في قمة خاصة بالتكنولوجيا في آسيا في 3 أكتوبر الماضي، قال برايان يو، المدير الاستثماري في «جي آي سي»، إن «هناك بعض الضجة المبالغ فيها في مجال الشركات الناشئة»، وأضاف: «أي شركة ناشئة تحمل شعار (إيه آي) ستُقوَّم بمضاعفات ضخمة مهما كان حجم الإيرادات الصغيرة... قد يكون ذلك عادلاً لبعض الشركات وليس كذلك لأخرى».

فيما أكد جوزيف بريغز، الاقتصادي في «غولدمان ساكس» للأبحاث الاقتصادية العالمية، أن فيض الاستثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة مستدام، ورفض المخاوف المتزايدة من أن القطاع قد يكون في مرحلة فقاعة. لكنه حذر من أن «الفائزين النهائيين في الذكاء الاصطناعي لا يزالون غير واضحين»، مع تغير التكنولوجيا بسرعة، وانخفاض تكلفة الانتقال، مما قد يحد من مزايا المبادر الأول.

وأشار بيير-أوليفييه غورينتشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، إلى أنه قد تتبع موجة استثمارات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة انهياراً شبيهاً بفترة «الدوت كوم»، لكنها أقل احتمالاً أن تكون حدثاً نظامياً يضر بالاقتصاد الأميركي أو العالمي. وأضاف: «هذا لا يتم تمويله بالديون، مما يعني أنه إذا حدث تصحيح في السوق، قد يخسر بعض المساهمين وبعض حاملي الأسهم».

جن سين هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا»، يقول: «تحدث الكثير عن فقاعة الذكاء الاصطناعي، لكن من وجهة نظرنا نرى شيئاً مختلفاً جداً»، مشيراً إلى الطلب الكبير من شركات الحوسبة السحابية على رقائق شركته.

وفي أغسطس (آب) الماضي، تساءل سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»: «هل نحن في مرحلة يكون فيها المستثمرون بأكملهم مفرطين في الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي؟ جوابي: نعم». وأضاف: «سوف يخسر البعض مبالغ هائلة، وسيجني البعض الآخر مبالغ هائلة أيضاً».

وفي أول منشور له على «إكس» منذ أكثر من عامين، حذر مايكل بوري، مستثمر ومؤسس «سايون» لإدارة أصول، من فقاعة في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ووضع رهانات هبوطية على «إنفيديا» و«بالانتير» الشهر الماضي، وهذا زاد من مخاوف المستثمرين بشأن الإنفاق المبالغ فيه في صناعة الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.

لكن تشي تاي-وون، رئيس «إس كيه هاينكس» الكورية الجنوبية، لا يرى «أي فقاعة في صناعة الذكاء الاصطناعي». وأضاف: «لكن عند النظر إلى أسواق الأسهم، نجدها صعدت بسرعة كبيرة جداً، وأعتقد أنه من الطبيعي أن يكون هناك بعض التصحيحات»، مشيراً إلى أن أسهم الذكاء الاصطناعي تجاوزت قيمتها الأساسية.

ويرى محللو الأسهم في بنك «يو بي إس»، أن عدد المستثمرين الذين يعتقدون أننا في فقاعة الذكاء الاصطناعي يقارب عدد أولئك الذين ما زالوا محتفظين باستثماراتهم في القطاع. وأضافوا في مذكرة منتصف أكتوبر الماضي: «معظمهم شعر بأننا في فقاعة، لكن بعيداً عن الذروة فإن نحو 90 في المائة من الذين قالوا إننا في فقاعة ما زالوا مستثمرين في العديد من مجالات الذكاء الاصطناعي».


أوروبا لتبسيط إجراءات الاستيراد

اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
TT

أوروبا لتبسيط إجراءات الاستيراد

اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)

يدخل أكثر من 12 مليون طرد الاتحاد الأوروبي يومياً، مما يجعل مهمة فحصها بحثاً عن البضائع غير القانونية، أو التي لم تُعلن، أو تقدير الرسوم المستحقة عليها، مهمة شاقة على رجال الجمارك.

والكثير من هذه الطرود صغير الحجم وقليل القيمة، ففي عام 2024 دخل إلى التكتل 4.6 مليار طرد بقيمة معلنة فردية أقل من 22 يورو (25.6 دولار).

وذكرت المفوضية الأوروبية في أغسطس (آب) الماضي أن نسبة ما فحصته سلطات الجمارك من إجمالي المنتجات المستوردة بلغت فقط 0.0082 في المائة.

ووفقاً لديوان المحاسبة الأوروبي (محكمة المدققين الأوروبيين)، تفتقر عمليات الفحص الجمركي في بعض الدول الأعضاء إلى الصرامة الكافية. كما أن عدم توحيد تطبيق القواعد في جميع دول الاتحاد يجعل الاحتيال أمراً سهلاً.

إصلاح الجمارك: ما الخطة؟

وفي عام 2023، قدمت المفوضية الأوروبية مقترحات تهدف إلى إجراء إصلاح شامل للحد من البيروقراطية والتعامل مع تحديات مثل الارتفاع الحاد في حجم التجارة الإلكترونية.

وتُعدّ كيفية إدارة التدفق الهائل للطرود والشحنات الواردة من دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي -خصوصاً الصين- نقطة محورية في خطة الإصلاح.

وقررت دول الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي إلغاء الحد الحالي للإعفاء الجمركي، البالغ 150 يورو، على الطرود، وذلك بمجرد استكمال الإجراءات اللازمة -وهو أمر متوقع بحلول عام 2028- مع الالتزام بفرض رسوم جمركية مؤقتة على الطرود الصغيرة خلال الفترة الانتقالية. كما اقترحت المفوضية الأوروبية فرض رسوم عامة على المناولة، وهو إجراء لا يزال قيد النقاش.

وعلى نحو مختصر، يهدف الإصلاح إلى تحديث إجراءات الجمارك، وتعزيز التعاون بين سلطات الجمارك في الدول الأعضاء، وتحسين الرقابة على الواردات والصادرات. كما يعد بتحسين تحصيل الرسوم والضرائب، وتوفير حماية أفضل للسوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي.

ومن أجل تحقيق ذلك، سيجري إنشاء «منصة بيانات الجمارك الأوروبية»، التي ستخضع لإشراف هيئة الجمارك الأوروبية، التي لم تُنشأ بعد.

ومن المقرر أن تعمل هيئة الجمارك الأوروبية بوصفها مركزاً رئيسياً لدعم هيئات الجمارك في الدول الأعضاء. وبمجرد تشغيلها، سوف تسعى إلى تبسيط الإجراءات، وتحسين سلامة المشتريات الإلكترونية، وتزويد السلطات الوطنية بأدوات أكثر بساطة وتوحيداً.

ومن المتوقع أن يحقق الإصلاح عدة مزايا، من بينها تبسيط متطلبات الإبلاغ عبر جهة موحدة، وذلك توافقاً مع وعود رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بتقليص الروتين.

ويتوقع الاتحاد الأوروبي تحقيق توفير بقيمة مليارَي يورو سنوياً، عبر إحلال المنصة محل بنية تكنولوجيا المعلومات في الدول الأعضاء.

مقر هيئة الجمارك الأوروبية

من المقرر إنشاء هيئة الجمارك الأوروبية بداية من عام 2026، وسوف تتولي المفوضية الأوروبية مسؤولية إطلاقها. ومن المتوقع أن تحصل الشركات على أول فرصة وصول إلى منصة البيانات بحلول 2028، مع بدء الاستخدام الطوعي في 2032، ثم الإلزامي في 2038.

أما القرار الأول الحاسم فسوف يكون تحديد مقر الهيئة، وقد تقدمت تسع دول أعضاء الأسبوع الماضي، بملفات لاستضافة المقر: بلجيكا (لييغ)، وكرواتيا (زغرب)، وفرنسا (ليل)، وإيطاليا (روما)، وهولندا (لاهاي)، وبولندا (وارسو)، والبرتغال (بورتو)، ورومانيا (بوخارست)، وإسبانيا (مالقا).

وستقوم المفوضية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- الآن بدراسة الطلبات التسعة، على أن تضمن أن الموقع الذي يقع عليه الاختيار سوف يمكن الهيئة من أداء مهامها، واستقطاب كوادر مؤهلة ومتخصصة، وتوفير فرص تدريب.

ومن المتوقع صدور قرار في هذا الشأن خلال شهر فبراير (شباط)، تقريباً، بالتعاون بين الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي.

وسيتعيّن على الدولة المضيفة توفير مبانٍ جاهزة على الفور، وبنية تحتية متقدمة لتكنولوجيا المعلومات والأمن، ومساحة لما لا يقل عن 250 من الموظفين، إلى جانب غرف اجتماعات ذات تقنية عالية، و«منطقة آمنة» لإدارة المعلومات السرية، إلى جانب العديد من الشروط الأخرى.

حماية الأسواق الأوروبية

وقال وزير المالية البولندي، أندجي دومانسكي: «تجارة أكثر أماناً تعني أوروبا أكثر أماناً». وأوضح أن اتحاداً جمركياً «قوياً ومرناً» يضمن حماية السوق الداخلية وسلامة المستهلك والتنمية الاقتصادية المستقرة.

ولكن، ما تزال كيفية إدارة سياسات التجارة والجمارك المشتركة محل خلاف. ويأتي الإصلاح في الوقت المناسب، في الوقت الذي تسعى فيه العواصم الأوروبية إلى حماية القطاعات الاستراتيجية الرئيسية لديها في ظل تصاعد حدة التوتر في التجارة الدولية.

وتتعالى الدعوات في بعض الأوساط لإطلاق برنامج «صنع في أوروبا»، الذي يعطي أفضلية للمنتجات المحلية، وهو موقف تتبناه فرنسا، على نحو خاص.

وكانت المفوضية الأوروبية تعتزم نشر مبادرة أوروبية مرتبطة بهذا الأمر هذا الشهر، لكنها واجهت معارضة من جمهورية التشيك، وسلوفاكيا، وآيرلندا، والسويد ولاتفيا، وغيرها. وحسب ما ذكرته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، أُجّل المقترح حتى مطلع العام المقبل.


الصين لتعزيز الصادرات والواردات في 2026 سعياً لنمو «مستدام»

آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

الصين لتعزيز الصادرات والواردات في 2026 سعياً لنمو «مستدام»

آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)

ذكر تلفزيون الصين المركزي (سي سي تي في) نقلاً عن مسؤول اقتصادي كبير، السبت، أن الصين تخطط لتعزيز الصادرات والواردات العام المقبل ضمن الجهود الرامية إلى تعزيز التجارة «المستدامة».

ويثير الفائض التجاري البالغ تريليون دولار الذي سجله ثاني أكبر اقتصاد في العالم توتراً مع شركاء بكين التجاريين، ويؤدي إلى انتقادات من صندوق النقد الدولي، ومراقبين آخرين يقولون إن نموذج النمو الاقتصادي الذي يركز على الإنتاج غير مستدام.

وقال هان ون شيو، نائب مدير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية المركزية، في مؤتمر اقتصادي: «يجب أن نلتزم بالانفتاح، ونعزز التعاون المربح للجانبين في قطاعات متعددة، ونوسع الصادرات مع زيادة الواردات في الوقت نفسه، لدفع التنمية المستدامة للتجارة الخارجية».

وأضاف أن الصين ستشجع صادرات الخدمات في عام 2026، متعهداً باتخاذ تدابير لتعزيز دخل الأسر، ورفع المعاشات الأساسية، وإزالة القيود «غير المعقولة» في قطاع الاستهلاك.

وحث صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع بكين على اتخاذ «الخيار الشجاع» بالحد من الصادرات، وتعزيز الطلب الاستهلاكي.

ووعد القادة الصينيون يوم الخميس بالإبقاء على سياسة مالية «نشطة» في العام المقبل لتحفيز الاستهلاك، والاستثمار، إذ يتوقع المحللون أن تستهدف بكين تحقيق نمو بنحو 5 في المائة.