شهدت العاصمة الأميركية واشنطن، الأربعاء، فعاليات المنتدى الاستثماري الأميركي - السعودي، الذي يُعد جسراً استراتيجياً يحتفي بعقد من النمو المشترك والابتكار بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
يقام المنتدى تحت شعار «من الرياض إلى واشنطن: الشراكة التي تدفع التقدم»، وسط حضور رفيع المستوى يضم الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما يرفع سقف التوقعات بإعلان حزمة واسعة من الاتفاقيات الاستراتيجية الكبرى في قطاعات حيوية مثل الطاقة والتقنية والتمويل.
بدأ المنتدى بكلمات الترحيب والافتتاح، التي ألقاها المهندس خالد الفالح، وزير الاستثمار السعودي، وهوارد لوتنيك، وزير التجارة الأميركي.
وقال الفالح إن الزيارة أظهرت قوة الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية. وإنها ستشهد إطلاق اتفاقيات قيمتها مئات المليارات من الدولارات.
وأضاف: «علاقتنا المستمرة منذ 9 عقود كان لها أثر كبير على كلا البلدين... والولايات المتحدة هي أكبر مستثمر أجنبي في السعودية... والولايات المتحدة هي أكبر متلقٍّ للاستثمارات السعودية الخارجية».

من جانبه، شدد لوتنيك على أن «هذه الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة تتطور إلى آفاق لم نشهدها من قبل... في مايو (أيار) الماضي، حقق الرئيس ترمب 600 مليار دولار في التزامات استثمارية سعودية، بالإضافة إلى 142 ملياراً في الدفاع والأمن، وهي أكبر صفقة دفاعية في التاريخ. وأمس، ارتفع الرقم إلى تريليون دولار، وهو أمر مذهل».
وأوضح لوتنيك أن هذه الاستثمارات «لن تخلق فرص عمل حقيقية عبر الولايات المتحدة فحسب، بل تعزز الابتكار الأميركي وتبني الازدهار».
وأضاف: «نحن نطارد استراتيجية تجارة متبادلة واستثماراً استراتيجياً، وسنعمل في وزارة التجارة على مساعدة الشركات على الاستثمار بسرعة في الذكاء الاصطناعي».
وسلّط وزير التجارة الأميركي الضوء على دور السعودية في تعزيز سلاسل التوريد للمعادن الاستراتيجية، قائلاً: «السعودية شريك رئيسي في جهودنا لضمان سلاسل توريد آمنة».

قادة الطاقة
وشهدت الجلسة الرئيسية في مركز كنيدي حواراً استراتيجياً رفيع المستوى جمع ثلاثة من أبرز قادة صناعة الطاقة العالمية: أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية»، ومحمد أبو نيان، رئيس مجلس إدارة شركة «أكوا باور»، ومايكل ويرث، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «شيفرون» الأميركية.
وتناولت الجلسة مستقبل الطاقة العالمي في ظل التحولات المتسارعة، مع تركيز خاص على الشراكة الاستراتيجية السعودية - الأميركية التي تمتد لأكثر من تسعة عقود.
وأكد ويرث أن «شيفرون» كانت الشركة الأولى التي اكتشفت النفط في السعودية عام 1938 عبر بئر الدمام رقم 7 «بئر الخير»، مشيراً إلى أن الشركة لا تزال الوحيدة، إلى جانب «أرامكو»، التي تدير عمليات إنتاج داخل المملكة في المنطقة المقسمة مع الكويت.

بدوره، أشار الناصر إلى أن «أرامكو» تشتري سنوياً بضائع وخدمات أميركية بقيمة 15 مليار دولار، وأن العديد من الشركات الأميركية أنشأت مصانع توطين في المملكة نتيجة هذه العلاقة الاستراتيجية، كما أعلن الناصر عن توقيع مذكرات تفاهم جديدة في قطاع الطاقة بقيمة 30 مليار دولار مع شركات أميركية، ليصل إجمالي الاتفاقيات الموقعة هذا العام إلى أكثر من 120 مليار دولار.
وأكد المتحدثون أن الولايات المتحدة ستظل بحلول عام 2040 تمثل نحو 40 في المائة من سوق الطاقة العالمية، مدفوعة بانخفاض تكلفة إنتاج الغاز، والابتكار التكنولوجي، وتوفر رأس المال والمواهب، واصفاً الولايات المتحدة بأنها «مركز الابتكار العالمي»، ومشيراً إلى أنها تحتضن 60 - 70 في المائة من استثمارات رأس المال المغامر في العالم، وتضم معظم مراكز البحث والتطوير الخاصة بـ«أرامكو» خارج المملكة.
مفهوم «الطاقة المضافة»
رفض الناصر مصطلح «التحول في الطاقة» واستبدل مفهوم «الطاقة المضافة» به، موضحاً أن الهيدروكربونات لا تزال تمثل 80 في المائة من مزيج الطاقة العالمي رغم استثمار تريليون دولار في البدائل خلال 15 عاماً.
وتوقع استمرار نمو الطلب على النفط والغاز حتى عام 2050 وما بعده، مدفوعاً بنمو الطبقة الوسطى في الأسواق الناشئة، والطلب الكبير من مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، فضلاً عن احتياجات التكييف والتدفئة التي ستتجاوز طلب مراكز البيانات بأضعاف.

نقص الاستثمار
وحذر الناصر من أن 90 في المائة من استثمارات القطاع منذ عام 2019 ذهبت لتعويض الانخفاض الطبيعي في الإنتاج بمعدل 6 في المائة سنوياً، وأن استمرار انخفاض الاستثمار بنسبة 4 - 6 في المائة سنوياً مع التضخم قد يؤدي إلى تآكل الطاقة الفائضة وحدوث أزمة عرض خلال السنوات المقبلة.
الطاقة الخضراء
من جهته، أوضح أبو نيان أن المملكة ستصبح مركزاً عالمياً لتصدير الكهرباء النظيفة والطاقة الخضراء، خصوصاً الهيدروجين الأخضر والأزرق، إلى أوروبا وآسيا وأفريقيا، بفضل قدرتها على إنتاج طاقة منخفضة التكلفة مقارنة بالعالم.
وأضاف أن السعودية هي الدولة الوحيدة القادرة على تلبية الطلب المتسارع على الكهرباء لتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تشكل الطاقة نحو 60 في المائة من تكلفة تشغيل الذكاء الاصطناعي، كما توقع أن تصبح المملكة «مركز بيانات العالم» بفضل بنيتها التحتية المتطورة وانخفاض تكلفة الكهرباء.

وأجمع المشاركون في الجلسة على رسالة واحدة واضحة: العالم لن يشهد استغناء عن الهيدروكربونات في المستقبل المنظور، بل سيحتاج إلى المزيد من كل أنواع الطاقة، بما في ذلك النفط، والغاز، والطاقة المتجددة، والهيدروجين.
واتفقوا على أن الشراكة السعودية الأميركية التاريخية تتطور اليوم لتشمل ليس فقط النفط، بل التقنيات الجديدة، والذكاء الاصطناعي، والهيدروجين النظيف، وتصدير الكهرباء، ما يجعل الطرفين في موقع قيادي لتأمين طاقة العالم ودفع التقدم الاقتصادي لعقود مقبلة.
