أكد وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح أن العالم يشهد لحظة محورية تُعاد فيها صياغة أسس الأعمال، في ظل التحولات الجذرية بالجغرافيا السياسية والتجارة العالمية والتكنولوجيا وسلاسل الإمداد والطاقة والديموغرافيا، والتي تتقاطع جميعها لتعيد تشكيل طريقة تفكير الدول والشركات، وكيفية تنافسها وتوليدها للقيمة.
جاء ذلك خلال افتتاح اليوم الأول من منتدى «فورتشن» العالمي 2025، الذي يُعقد، للمرة الأولى، في الرياض، خلال الفترة من 26 إلى 27 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، في خطوةٍ تعكس المكانة المتنامية للمملكة بوصفها مركزاً اقتصادياً عالمياً وحاضنة لصناعة القرارات المستقبلية.
وأوضح الفالح أن وتيرة الابتكار غير مسبوقة، إذ تُحدث التقنيات المتقدمة تحولاً عميقاً في الإنتاجية، وتعيد الاستدامة تشكيل الأداء، بينما تعيد الأسواق الجديدة، ولا سيما في الجنوب العالمي، تحديد مواقع الطلب العالمي، مشيراً إلى أن التحدي أمام الجميع لا يتمثل في التكيف مع هذه التحولات، بل في قيادتها في عالم يتغير بوتيرة متسارعة.

وبيّن أن هذا النهج يظهر جلياً في السعودية، التي لا تنتظر المستقبل، بل تبنيه، اليوم، بالتعاون مع شركائها العالميين، مؤكداً أن الترابطية تظل الحقيقة الأساسية للعصر الحديث، رغم ما يُثار حول النزعات الحمائية والمنافسة المفرطة.
وقال الفالح إن أي دولة أو شركة لا يمكنها تحقيق المرونة في عزلة، وأن الميزة الحقيقية تكمن فيما يُعرف بـ«المرونة المترابطة»، المبنية على التكنولوجيا والشراكات وسلاسل القيمة العالمية المتكاملة، وهو المبدأ الذي يمثل جوهر سياسات وتحولات المملكة تماشياً مع «رؤية 2030».
وأشار إلى أن المملكة تعيد تعريف مفهوم الوجهة الاستثمارية العالمية، والشريك طويل الأمد للشركات الدولية الرائدة في النمو المستدام، مبيناً أنه منذ إطلاق «رؤية 2030» حققت السعودية تقدماً ملحوظاً في تحويل اقتصادها ومجتمعها، حيث جرى تنفيذ أو السير على المسار الصحيح في 85 في المائة من المبادرات بنهاية عام 2024، مع تحقيق معظم الأهداف أو تجاوزها.
وأضاف أن مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت إلى 56 في المائة، مقارنة بـ40 في المائة قبل إطلاق الرؤية، كما انخفضت معدلات البطالة إلى أقل من 7 في المائة.
وذكر أن حجم اقتصاد المملكة تَضاعف تقريباً من 650 مليار دولار قبل الرؤية إلى نحو 1.3 تريليون دولار، مشيراً إلى أن أسواق المال السعودية أصبحت ركيزة أساسية في هذا التحول، إذ صعدت لتكون ضمن أكبر عشر أسواق مالية في العالم، مع مشاركة دولية قياسية ودعم لنمو الشركات السعودية العالمية الرائدة مثل أرامكو، وسابك، وأكوا باور، و«إس تي سي» وغيرها.

وأكد الفالح أن المملكة فتحت قطاعات جديدة تشمل اللوجستيات والسياحة والتصنيع المتقدم والبنية التحتية الرقمية والرعاية الصحية والطاقة النظيفة؛ بهدف جعل السعودية منصة للنمو العالمي لا الإقليمي فقط، مشيراً إلى أن برنامج المقرات الإقليمية الذي استهدف 500 مقر، بحلول عام 2030، تجاوز هدفه بوصول العدد إلى 675 مقراً حتى الآن.
وبيّن أن النظام الاستثماري في المملكة يستند إلى ثلاثة أعمدة رئيسية هي: التنافسية، والترابط، والقدرات، وجميعها مدعومة بإطار تنظيمي من الطراز العالمي، لافتاً إلى أن المملكة تبني بنية تحتية مادية ورقمية عالمية المستوى، وتعمل على تطوير بيئتها التشريعية باستمرار، وتمكين كوادرها الوطنية بالمهارات والتقنيات المستقبلية.
ونوه بأن النظام البيئي للابتكار يشهد ازدهاراً جعل المملكة، خلال ثلاث إلى أربع سنوات، أكبر مركز لرأس المال الجريء والابتكار العميق في التقنية بالمنطقة، موضحاً أن المملكة كانت، لعقودٍ، رائدة في الطاقة التقليدية، وأسهمت في ازدهار الاقتصاد العالمي وتوفير الطاقة بأسعار مناسبة مكّنت المليارات من الانتقال إلى الطبقة المتوسطة.
ولفت إلى أن المملكة، مستفيدةً من مواردها الطبيعية كالرياح والطاقة الشمسية، تلتزم بأن تكون رائدة عالمياً في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، مع الاستمرار في دعم استقرار أسواق النفط والغاز، مؤكداً أن الهدف هو تمكين صناعات المستقبل لتزدهر في المملكة عبر الكفاءة والابتكار والشراكة بين الحكومة والمستثمرين والمبتكرين.
وأضاف الفالح أن المملكة تستثمر في التقنيات المتقدمة التي ستقود المرحلة المقبلة من الإنتاجية والتنافسية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد على الطاقة الميسّرة والاتصال الرقمي، وهما ميزتان تتفرد بهما المملكة.
واختتم الفالح تصريحه بالإشارة إلى أن تكامل الطاقة منخفضة التكلفة والطاقة المتجددة المتنامية والبنية التحتية للبيانات، مثل مشروعيْ «هيومن» و«داتا فولت»، يجعل المملكة في موقع ريادي لتكون مركزاً عالمياً لمراكز البيانات والحوسبة السحابية.
