ينطلق في بكين يوم الاثنين أحد أهم اجتماعات الصين، حيث يجتمع الزعيم شي جينبينغ ونُخَب الحزب الشيوعي الحاكم الأخرى في بكين لوضع أهداف السنوات الخمس المقبلة. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاجتماع المغلق - المعروف باسم الجلسة الكاملة الرابعة - أربعة أيام، وأن يناقش ويضع اللمسات الأخيرة على الخطة الخمسية المقبلة للصين، وهي مخطط للفترة 2026-2030.
يجتمع القادة في وقت تتصاعد فيه التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، وقبل اجتماع محتمل بين شي والرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال قمة إقليمية في وقت لاحق من هذا الشهر.
كما يأتي هذا الاجتماع في ظل تحديات اقتصادية غير مسبوقة، حيث أشارت استطلاعات حديثة إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من العام يُتوقع أن يسجل 4.8 في المائة على أساس سنوي. هذا التباطؤ، المتوقع صدور بياناته الرسمية يوم الاثنين، يهدد تحقيق بكين لهدف النمو السنوي الرسمي «نحو 5 في المائة »، ويزيد الضغط على صانعي السياسات لتقديم المزيد من إجراءات التحفيز. وحذّر صندوق النقد الدولي من أن «آفاق الصين لا تزال ضعيفة» بسبب استمرار انكماش الاستثمار العقاري والمخاطر الانكماشية الناجمة عن الديون وانكماش الأسعار، لكنه أبقى توقعاته لنمو الصين في عام 2025 عند 4.8 في المائة.
الجلسة الكاملة الرابعة وأهميتها
والجلسة الكاملة الرابعة، هي من أصل سبع جلسات تعقد عادةً خلال فترة ولاية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، والتي تبلغ مدتها خمس سنوات. ومن المتوقع أن يحضر شي ونحو 370 عضواً من أعضاء اللجنة المركزية. وقد يتزامن التجمع أيضاً مع تغييرات في الكادر. ونظراً لأنه يُعقد خلف أبواب مغلقة، فقد تأتي التفاصيل بعد أيام أو أسابيع.
من المرجح ألا تُنشر الخطة الخمسية الكاملة للفترة 2026-2030 وتفاصيلها التفصيلية حتى انعقاد الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب في مارس (آذار). ولكن لا يوجد ما يدعو إلى توقع تحول جذري عن شكل وأسلوب رسائل الخطط الخمسية السابقة، وفقاً لما قاله لين سونغ، كبير الاقتصاديين في الصين الكبرى في بنك «آي إن جي»، في مقابلة.

ما المتوقع في «الخطة الخمسية»؟
من المتوقع أن ينمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 4.8 في المائة هذا العام، وفقاً للبنك الدولي، وهو رقم قريب من الهدف الرسمي للصين البالغ نحو 5 في المائة. تواجه الصين تحديات من الحرب التجارية التي اشتدت منذ تولي ترمب منصبه، ولكن أيضاً من المشاكل الداخلية المزمنة التي تثقل كاهل النمو. تتصدر الجهود المستمرة لتعزيز إنفاق المستهلكين واستثمارات الشركات، والحد من الطاقة الإنتاجية الفائضة في العديد من الصناعات، قائمة الأولويات الاقتصادية، وفق «أسوشييتد برس».
ولكن من المرجح أن يُبرز شي أيضاً سعي الصين لتصبح الرائدة عالمياً في العديد من التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي. وقد تسارعت وتيرة سعي الصين لتحقيق «الاكتفاء الذاتي» التكنولوجي، وفطام صناعاتها عن اعتمادها على رقائق الكمبيوتر المتقدمة من الولايات المتحدة، مع تشديد ترمب لإجراءات الرقابة على الصادرات الأميركية ورفع الرسوم الجمركية. وقال نينغ تشانغ، كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك «يو بي إس»، إن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الإنفاق على التكنولوجيا المتقدمة.
وصرحت ليا فاهي، الخبيرة الاقتصادية الصينية في «كابيتال إيكونوميكس»، بأن أحد الأسئلة الرئيسية هو ما إذا كان سيكون هناك أي تحول ملموس في نهج القيادة لتعزيز الاستهلاك. وقد اعتمدت الحكومة خطوات سياسية تدريجية - مثل زيادة الدعم الحكومي لرعاية الأطفال، وقروض المستهلكين، وبرامج استبدال الأجهزة والسيارات الكهربائية. أوضح تشانغ أن تعزيز الاستهلاك، الذي من شأنه أن يدفع الاقتراض والطلب، «أهم بكثير من ذي قبل»، لكن ثقة المستهلك تقوضت بسبب انفجار فقاعة العقارات في الصين قبل عدة سنوات.
ويقول الاقتصاديون إن هناك حاجة إلى خطوات أكثر جرأة لإحداث فرق كبير.
التحديات الرئيسية
منذ الاضطرابات الهائلة التي سببتها جائحة «كوفيد-19»، كافحت الصين لإعادة إشعال نمو اقتصادي أسرع. وقد أدى تباطؤ قطاع العقارات إلى تعقيد هذه الجهود، مما تسبب في تسريح أعداد كبيرة من العمال ودفع الأسر إلى خفض الإنفاق مع انخفاض أسعار المنازل.
وأشارت ويندي لوتيرت، أستاذة الاقتصاد والتجارة بجامعة إنديانا، في تقرير حديث إلى أن الصين لا تزال تُبخّر إنفاقها على المجالات التي قد تُساعد على تحقيق التوازن الاقتصادي وتشجيع زيادة إنفاق المستهلكين، مثل الرعاية الصحية والتعليم ورعاية الأطفال وكبار السن. وكتبت: «بشكل عام، لا يزال قادة الصين على استعداد لقبول التكاليف الاقتصادية، بما في ذلك سوء تخصيص الموارد والإخفاقات، سعياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي والريادة التكنولوجية في الصناعات ذات الأهمية الاستراتيجية وتعزيز القوة الوطنية الشاملة».
وفي حين تواجه الصين خلافات متزايدة مع الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الآخرين، فإنها تواجه أيضاً ضغوطاً ديمغرافية، حيث بدأ عدد سكانها البالغ 1.4 مليار نسمة في الانكماش والشيخوخة بوتيرة أسرع. ووفقاً للبيانات الرسمية، يبلغ معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً نحو 19 في المائة، مما يؤثر سلباً على مساهماتهم المحتملة في الاقتصاد.
حددت القيادة الصينية هدفاً يتمثل في مضاعفة حجم الاقتصاد الصيني بحلول عام 2035، ومثل أي حكومة أخرى، «لا تزال تهتم بالنمو وتسعى لزيادة ثروتها»، كما صرّح تشانغ من بنك «يو بي إس».
ويُقدّر أن الحفاظ على نمو اقتصادي قوي يتراوح بين 4 في المائة و5 في المائة خلال العقد المقبل سيكون على الأرجح «تحدياً». ولكن من الضروري إظهار سعيها لتحقيق هذه الأهداف الطموحة، وإثبات قدرة الحزب الحاكم على مواصلة توفير جودة حياة أفضل - وهو أساس شرعيته.
وقال تشانغ: «بالنسبة للقيادة الصينية، ما الذي يهمها؟ الاستقرار، والشرعية، والدعم المستمر».
