الصين تُحافظ على نهجها الاقتصادي الإنتاجي مع احتدام المنافسة مع أميركا

الخطة الخمسية على مائدة الحزب الحاكم الأسبوع المقبل

عمال في مصنع «سكانيا» للشاحنات بمدينة روغاو الصينية (رويترز)
عمال في مصنع «سكانيا» للشاحنات بمدينة روغاو الصينية (رويترز)
TT

الصين تُحافظ على نهجها الاقتصادي الإنتاجي مع احتدام المنافسة مع أميركا

عمال في مصنع «سكانيا» للشاحنات بمدينة روغاو الصينية (رويترز)
عمال في مصنع «سكانيا» للشاحنات بمدينة روغاو الصينية (رويترز)

يجتمع الحزب الشيوعي الصيني هذا الشهر لوضع رؤية خمسية تُعطي الأولوية للتصنيع عالي التقنية، في سعيه لتطوير صناعاته مترامية الأطراف، وإظهار قوته العالمية مع احتدام المنافسة مع الولايات المتحدة، وفقاً لمحللين.

ومن المرجح أيضاً أن يتعهد الاجتماع، المعروف باسم «المؤتمر العام»، باتخاذ تدابير قوية لرفع استهلاك الأسر، والحد من الاختلالات التاريخية العميقة بين العرض والطلب التي تُهدد النمو طويل الأجل في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. الهدفان مُتجذّران منذ عقود، ويتحركان في اتجاهين متعاكسين، وهو تحدٍّ سياسيّ ازداد حدة مع تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والصين، مما يُصعّب على بكين التحوّل إلى سياساتٍ تُركّز على جانب الطلب، كما يقول المُحلّلون.

تتطلّب البراعة الصناعية الحفاظ على الوضع الراهن المُتمثّل في توجيه موارد الدولة إلى المُنتجين، بينما يتطلّب تعزيز الاستهلاك إعادة توجيه الأموال إلى الأسر، مما يُقلّل من الإنفاق على الشركات، والاستثمارات الحكومية.

المصانع ضدّ المُستهلكين

كان نموّ الصين على مدى العقد الماضي مدفوعاً بالسعي إلى تحقيق الهدف الأول على حساب الهدف الثاني. لكنّ هذا الإجراء يُؤجّج الآن الضغوط الانكماشية، ويُولّد ديوناً لا يُمكن تحمّلها.

ويقول المُحلّلون إنّ التنافس المُشتدّ بين الولايات المتحدة والصين، والذي تأكّد من خلال تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المُتجدّدة بفرض تعريفاتٍ جمركيةٍ من ثلاثة أرقامٍ الأسبوع الماضي، قد عقّد الأمور بالنسبة لصانعي السياسات في بكين. وأنه خيارٌ لإعطاء الأولوية لمنافسة القوى العظمى على الحاجة المُلحّة لمعالجة اختلالات النموّ المحليّ.

وقال تشن بو، الباحث البارز في معهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، إن الخطة الخمسية القادمة للصين، وهي وثيقة السياسة التي تحظى بمتابعة دقيقة، والتي ستعرضها الجلسة الكاملة في الفترة من 20 إلى 23 أكتوبر (تشرين الأول) للموافقة عليها من قبل البرلمان في مارس (آذار)، «ستؤكد بالتأكيد، وتعيد التأكيد، على دعم أبحاث التكنولوجيا الفائقة، والتطوير الصناعي». وأضاف تشن: «فيما يتعلق بالقوة الصلبة لأي دولة، لا يزال التصنيع يمثل أولوية قصوى. عندما ينشأ الصراع، فإن ما يهم في النهاية هو التصنيع، وليس الخدمات».

وفي خطاب للرئيس شي جينبينغ، نشرته مجلة الحزب الشيوعي «كيوشي» في يوليو (تموز) الماضي، قال إن العالم يمر بتغييرات لم يشهدها منذ قرن، مما جعل «الثورة التكنولوجية والمنافسة بين الدول الكبرى متشابكتين بشكل متزايد». ودعا شي الأمة إلى ترسيخ «التفوق الاستراتيجي» في سباق التكنولوجيا العالمي.

آلاف الحاويات في ميناء زوشان شرق الصين (رويترز)

صدارة وهيمنة

وتتصدر الصين الآن صناعات مثل السيارات الكهربائية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وتستغل هيمنتها على إنتاج المعادن النادرة من خلال ضوابط التصدير قبل محادثات تجارية محتملة بين ترمب وشي في وقت لاحق من أكتوبر. وباستثناء بعض القطاعات الراقية، مثل الطائرات، أو أشباه الموصلات المتقدمة، فإن سلاسل التوريد الخاصة بها محلية إلى حد كبير.

ومع سعي الغرب إلى إعادة التصنيع والتسلح بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي ظل التوترات المتزايدة بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي، فإن المخاطر كبيرة جداً بحيث لا تستطيع بكين حتى التفكير في التباطؤ على هذه الجبهة.

وقال غوه تيان يونغ، الأستاذ في الجامعة المركزية للمالية والاقتصاد في بكين: «إذا لم تُطوّر صناعات راقية، فستكون خاضعة لصناعات أخرى في المستقبل»، محذراً مع ذلك من أن الصين بحاجة إلى توازن أفضل في السياسات.

خزانات ضخمة للنفط والغاز في ميناء تشوهاي شرق الصين (رويترز)

إطار العمل

قال محللو مورغان ستانلي إنهم يتوقعون أن تُسفر البيانات التي ستصدر بعد الجلسة الكاملة عن «إطار عمل قائم على التكنولوجيا والعرض، مع تركيز متزايد على الرعاية الاجتماعية».

وأضافوا أنه نتيجة لذلك «لا يزال تحقيق إنعاش تضخمي حاسم بعيد المنال في عام 2026». وتحت وطأة النمو المثير للحسد، لم تكن دورة السنوات الخمس الماضية سلسة للاقتصاد على الإطلاق، إذ يترسخ انكماش أسعار المصانع، مما يزيد من أزمة العقارات، وهلع ديون البلديات، والطاقة الإنتاجية الصناعية الفائضة المستوطنة، والبطالة القياسية بين الشباب.

ويواجه الجيل الذي درس للحصول على وظائف في قطاع الخدمات، التي تتطلب مهارات عالية وأجوراً جيدة، صعوبات أكثر في إيجادها، وفرصاً محدودة.

وقال لاري هو، كبير الاقتصاديين الصينيين في «ماكواري»: «إذا اعتمدنا فقط على الطلب الخارجي ولم يكن الطلب المحلي فعالاً، فسنواجه مشكلات بطالة وانكماشاً أيضاً... وإذا استمر الوضع على هذا النحو لمدة عام أو عامين، فلا يزال الوضع جيداً. ولكن على المدى الطويل، ستكون هناك مشكلة بالتأكيد».

ويتوقع هو أن تُولي الصين اهتماماً جاداً لتحفيز الاستهلاك إذن، ومتى تقلص الطلب الخارجي بما يكفي لتهديد أهداف النمو.

متسوقة في سوق تجارية بالعاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)

وعود فارغة بشأن الاستهلاك؟

وستكون خطة 2026-2030 الخطة الخمسية الخامسة عشرة للصين منذ اعتمادها دورات صياغة السياسات الخمسية على النمط السوفياتي في خمسينات القرن الماضي. ووعدت الخطة الرابعة عشرة «بالاستفادة الكاملة من الدور الأساسي للاستهلاك في تحفيز التنمية الاقتصادية». وتعهدت الخطة الثالثة عشرة بأن مساهمة الاستهلاك ستستمر في دعم النمو الاقتصادي.

ومع ذلك، لا تزال الأسر الصينية -التي تآكلت ثرواتها بسبب أزمة العقارات وتراجعت ثقتها بنفسها بسبب القيود الصارمة المفروضة بسبب الجائحة- تفضل الادخار على الإنفاق، مما أثار دعوات لإصلاح أسواق العمل، والضرائب، والشركات الحكومية، وحقوق الأراضي، والرعاية الاجتماعية.

ويقول المحللون إن الصين قادرة على تحقيق أهدافها المتناقضة من خلال توجيه الدعم الصناعي نحو البحث التقني، وبعيداً عن توسيع القدرات الإنتاجية، مع البناء تدريجياً على جهودها الناشئة لتعزيز نظام الرعاية الاجتماعية.

وخلال العام الماضي، طرحت بكين دعماً للسلع الاستهلاكية، ومزايا رعاية الأطفال، وزيادات صغيرة في المعاشات التقاعدية. ويُمهّد حكم صدر مؤخراً عن المحكمة العليا، والذي يجعل اشتراكات التأمين الاجتماعي إلزامية لكل من أصحاب العمل والعمال، الطريق لتعزيز الرعاية الاجتماعية على المدى الطويل.

وقال أحد مستشاري السياسات، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة مواضيع حساسة، إن المزايا سترتفع على الأرجح أكثر في السنوات الخمس المقبلة، مع زيادة المعاشات التقاعدية المنخفضة بوتيرة أسرع من المعاشات التقاعدية المرتفعة. لكن التحسينات «لن تكون جوهرية»، على الرغم من أن «الجميع يُدرك مشكلة نقص الطلب»، كما قال المستشار، مضيفاً أن ميزانية الضمان الاجتماعي الصغيرة وضيق موارد الحكومات المحلية يحدّان من خيارات السياسات.

وأضاف المستشار أنه بعد تباطؤ قطاع العقارات، «لم نتمكن من إيجاد محركات جديدة للطلب».

وتتوقع دان وانغ، مديرة قسم الصين في مجموعة «أوراسيا»، أن تُركز الخطة الخمسية «بشكل أكبر على سبل عيش الناس، بما في ذلك الضمان الاجتماعي، وأنظمة الرعاية الصحية، وربما المزيد من الدعم والحماية للفئات ذات الدخل المنخفض»... لكنها تُشير إلى أنه «لا ينبغي إطلاقاً» تفسير هذه اللغة على أنها نقلة نوعية. وقالت وانغ: «في بلدٍ ماركسيٍّ نموذجيٍّ للغاية، يدور الأمر برُمته حول الإنتاج».


مقالات ذات صلة

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

خاص عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز» سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة.

علي زين الدين (بيروت)
الاقتصاد الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

أكد وزير الطاقة القطري، سعد الكعبي، أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب على الغاز بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد رجل عراقي يقود قاربه في نهر دجلة وسط بغداد (أ.ف.ب)

العراق يصف تقلبات السوق الموازية الأخيرة بـ «التذبذب الطارئ»

أكد مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، يوم السبت، أن سعر الصرف الرسمي للدينار مقابل الدولار ثابت عند 1320 ديناراً.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
الاقتصاد شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد إعلان شركة «نتفليكس» إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على «وارنر براذرز».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجلس، نيويورك )
الاقتصاد ميرتس يلقي بيانه بعد إقرار مشروع قانون المعاشات التقاعدية (أ.ف.ب)

ألمانيا تُقرّ قانون المعاشات المثير للجدل وسط تحذيرات من تفاقم الدين

تفادى المستشار الألماني فريدريش ميرتس أزمة سياسية حادة بعد تمكنه بصعوبة من الحصول على الأغلبية المطلقة لتمرير مشروع قانون المعاشات التقاعدية في البرلمان.

«الشرق الأوسط» (برلين)

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
TT

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)

يعكس «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025» الذي تستضيفه مدينة جدة الأسبوع المقبل، قدرة السعودية على قيادة تحول عالمي يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.

يأتي المؤتمر في لحظة يصفها الاقتصاديون بأنها نقطة ارتكاز في تطور «اقتصاد المياه» خلال العقد المقبل، وتتسارع فيها التحولات المرتبطة بتلك الصناعة عالمياً، وتعيد تشكيل ميزان الابتكار والاستثمار في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيراً على الأمن الغذائي والطاقة والنمو الاقتصادي.

وتحوّل الحدث الدولي الذي يقام خلال الفترة بين 8 و10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي.

ويجمع المؤتمر نحو 11 ألف مشارك من 137 دولة، إلى جانب عدد من كبرى شركات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة، ما يجعله أحد أهم التجمعات الدولية التي ترسم خريطة الاقتصاد المائي الجديد، ويعكس مكانة السعودية ودورها المتنامي في صياغة مستقبل هذا القطاع عالمياً.

المياه... قطاع اقتصادي مرتبط بالأسواق العالمية

يتناول المؤتمر المياه بوصفها قطاعاً اقتصادياً يرتبط مباشرة بالأسواق الدولية، مثل الطاقة والتقنية والتمويل، ويتمحور حول أربع ركائز رئيسية تشغل المستثمرين عالمياً، تتمثل في: «الاقتصاد الدائري للمياه» الذي يُعتبر سوقاً صاعدة تجذب شركات الكيميائيات النظيفة والطاقة المتجددة، ثم «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» حيث التوسع في إدارة الشبكات الذكية وتحليل الطلب، فـ«تكامل المياه والطاقة» عبر ابتكار متسارع في تقنيات التحلية منخفضة الانبعاثات، وأخيراً «الاستثمار والتمويل» بدخول أكبر للصناديق والبنوك التنموية مع توسع مشاريع إعادة الاستخدام.

يجمع الحدث 11 ألف مشارك من 137 دولة وشركات كبرى بمجالات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة (واس)

وتعكس تلك التحولات واقعاً جديداً، إذ لم تعد المياه بمثابة خدمة أساسية فحسب، بل فرصة استثمارية طويلة الأجل، ويُعدّ الابتكار اليوم محوراً اقتصادياً تعتمد عليه الحكومات والشركات الكبرى لمواجهة تحديات شُحَّها وارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد الطلب الصناعي.

«جائزة الابتكار» تُعزِّز اقتصاد المياه

تحوَّلت «الجائزة العالمية للابتكار في المياه»، المتزامنة مع المؤتمر، إلى منصة تُقرأ من خلالها مبكراً ملامح التقنيات التي ستقود اقتصاد المياه في السنوات المقبلة؛ إذ باتت الأرقام التي تُسجِّلها الجائزة كل عام تعكس حجم التحول العالمي نحو الابتكار، بوجود 2570 ابتكاراً مقدّماً من 300 جامعة ومعهد تمثل 119 دولة، مما يكشف عن سباق دولي واسع لإنتاج حلول جديدة، ويعكس أهمية الجائزة التي أضحت مرصداً عالمياً لاتجاهات التقنية، ويحدد ملامح المستقبل في أحد أكثر القطاعات ارتباطاً بحياة الإنسان والتنمية.

«مياهثون» تجمع المبتكرين والمستثمرين

وتعدّ فعالية «مياهثون» المصاحبة للمؤتمر منصة تنافسية تسهم في توليد شركات ناشئة ونماذج تطبيقية، ويتفق المختصون على أن قوة هذا المشروع تكمن في جمع المواهب والمنظمين والمستثمرين على مساحة واحدة، وهو عنصر تفتقر إليه منظومات الابتكار المائي عالمياً.

بناء حلول الاستدامة عبر الابتكار

يكشف المؤتمر عن أن الابتكار أصبح منهجاً لبناء حلول تمتد آثارها إلى مجالات واسعة باتت اليوم في قلب التحول المائي؛ فمجالات الطلب الزراعي وإعادة الاستخدام والسياحة والاقتصاد والمجتمع تمثل محاور رئيسية في نقاشات المياه، يستهدفها الابتكار لخفض الهدر، وتعزيز الكفاءة، ورفع قيمة العائد التنموي.

ويضطلع المؤتمر بدور محوري في توسيع آفاق الابتكار عبر استعراض وتبنّي التقنيات الحديثة التي تُعزِّز الكفاءة التشغيلية، وتُرسِّخ مفهوم الاستدامة البيئية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

وتتجلى قدرة الابتكار على دعم الأمن الغذائي، ورفع كفاءة الطاقة، وزيادة مرونة المدن، وتمكين الاقتصادات من مواجهة ندرة المياه وتزايد الطلب، ما يؤكد أن مستقبل المياه يُعاد تشكيله اليوم عبر حلول أوسع من التقنية وحدها، وأكثر التصاقاً بحاجات التنمية الشاملة.

مكاسب دولية تعزّز مكانة السعودية

ينعقد المؤتمر فيما تحقق المملكة حضوراً متقدماً في أبرز المؤشرات الدولية المرتبطة بالمياه، إذ جاء اعتراف الأمم المتحدة بالنموذج السعودي في تحقيق الهدف السادس ليؤكد نجاعة السياسات الوطنية في إدارة الموارد وتعزيز الاستدامة، فيما شكّل توقيع ميثاق المياه العالمي في الرياض نقطة تحول عمّقت الشراكات الدولية، ورسّخت دور البلاد في قيادة الحوار العالمي حول أمن المياه.

وعزَّز إطلاق «المنظمة العالمية للمياه» صدارة السعودية للدول القادرة على صياغة الأطر الجديدة لهذا القطاع الحيوي، كما باتت المملكة أحد أهم الفاعلين في تشكيل مستقبل السياسات المائية عالمياً، بما تملكه من مبادرات رائدة وحضور مؤسسي مؤثر ورؤية واضحة لأمن المياه.

مركز إنتاج للابتكار المائي العالمي

تحوّل المؤتمر إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي، إذ تقود تحولاً عالمياً يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.


النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.