في خطوة تؤكد الدور المتنامي للمملكة العربية السعودية مركزاً إقليمياً للابتكار والتحول الرقمي، أعلنت شركة «ساس» (SAS)، المتخصصة في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي، عن افتتاح مقرها الإقليمي الجديد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الرياض.
وجاء الإعلان خلال فعالية «SAS Innovate On Tour» التي استضافتها العاصمة الرياض، ليعكس ليس مجرد توسعٍ في أعمال الشركة، بل أيضاً تعمّق التزامها بدعم أهداف «رؤية السعودية 2030» التي تضع البيانات والذكاء الاصطناعي في صميم التحول الاقتصادي والابتكار المستدام.
وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، أكد الدكتور جيم غودنايت، الرئيس التنفيذي لـ«ساس»، أن الشركة تمتلك خبرة تمتد لأكثر من أربعة عقود في مجالي التحليلات والذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أنها تقدّم قدرات موثوقة تدعم بشكل مباشر طموحات «رؤية 2030» في قطاعات الحكومة، والخدمات المالية، والرعاية الصحية، والطاقة، والمدن الذكية.
وأضاف غودنايت: «إن تأثيرنا طويل الأمد مبني على التزام مستمر بالابتكار، بما في ذلك استثمار بقيمة مليار دولار في حلول ذكاء اصطناعي متخصصة للقطاعات المختلفة، لضمان بقائنا في طليعة التطور التقني وتقديم حلول متقدمة لسنوات مقبلة».

مقر إقليمي في قلب التحوّل
تؤكد شركة «ساس» أن افتتاح مقرها الإقليمي الجديد في الرياض يكرّس حضورها الراسخ في المملكة الممتد لأكثر من عقدين، ويضعها في موقع أقرب من شبكة شركائها وعملائها في المنطقة.
وقال ألكسندر تيخونوف، المدير الإقليمي لشركة «ساس» في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، إن «هذه الخطوة أكثر من مجرد انتقال إداري؛ فالسعودية تبرز اليوم كمحور رئيسي للابتكار والتحول الرقمي. ومن خلال تأسيس مقرنا الإقليمي في الرياض، نتموضع في قلب هذا النمو».
وسيتضمن المقر الجديد أقسام القيادة والتواصل مع العملاء والاستشارات والابتكار، ليكون مركزاً للتعاون عبر قطاعات حيوية تشمل القطاع المصرفي والحكومي والطاقة والمرافق العامة والاتصالات.
من جانبه، أوضح محمد كيكي، مدير «ساس» في السعودية، أن الشركة ستتخذ من الرياض منصة إقليمية للتعاون مع الجهات الحكومية، والمؤسسات الأكاديمية، والقطاع الخاص في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، لتقديم حلول متقدمة في الذكاء الاصطناعي والتحليلات.
وأضاف أن المقر الجديد سيعمل أيضاً مركزاً لتبادل المعرفة وتنمية المهارات وتعزيز التعاون الإقليمي في مجالات التحول الرقمي.
تمكين «رؤية 2030»
تتعامل «رؤية السعودية 2030» مع البيانات والتحليلات والذكاء الاصطناعي ليس أدوات مساندة، بل ركائز وطنية لبناء اقتصاد معرفي مستدام. ويرى الدكتور جيم غودنايت، الرئيس التنفيذي لشركة «ساس»، أن دور الشركة في هذا المشهد يتجاوز الجانب التقني إلى شراكة استراتيجية وتنموية مع المملكة. وأوضح أن «ساس» توفر منصة متكاملة تدعم إدارة البيانات الآمنة، والتحليلات المتقدمة، وتطوير النماذج ونشرها، واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي، إضافة إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي، وهي جميعها عناصر أساسية لتحقيق أهداف «رؤية 2030». وحسب الشركة، يتيح هذا النهج الشامل تحويل البيانات إلى رؤى عملية تساعد المؤسسات على اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً وتحسين كفاءة عملياتها التشغيلية.
ويأتي ذلك مدعوماً باستثمار عالمي تبلغ قيمته مليار دولار، خصصته «ساس» لتسريع تطوير حلول الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة المصممة خصيصاً لتلبية احتياجات قطاعات متنوعة تشمل الأمن المالي والطاقة والرعاية الصحية والخدمات الحكومية.
بناء رأس المال البشري
تركّز «ساس» في استراتيجيتها داخل المملكة على تمكين الكفاءات الوطنية وبناء القدرات السعودية في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي. وقال الدكتور غودنايت إن الشركة ترى في تطوير المواهب السعودية أحد المجالات التي يمكن أن تحقق فيها أكبر أثر، مؤكداً أن ذلك «يأتي على رأس أولوياتنا في المملكة»، وتتعاون «ساس» مع الجامعات السعودية والجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص لإعداد الشباب لمهن المستقبل، من خلال هاكاثونات الذكاء الاصطناعي، وبرامج التدريب الأكاديمي، والمنح البحثية.
وأضاف غودنايت: «هذه المبادرات ليست مشاريع جانبية، بل هي جوهر مهمتنا لتمكين الجيل القادم من المبدعين الذين سيقودون الاقتصاد المعرفي في المملكة».

الثقة والشفافية والسيادة الرقمية
مع تسارع تبنّي الذكاء الاصطناعي عالمياً، برزت حوكمة البيانات والسيادة الرقمية عاملين حاسمين، لا سيما في القطاع العام. ويؤكد الدكتور جيم غودنايت أن تقنيات «ساس» صُممت خصيصاً لتلبية المتطلبات التنظيمية الصارمة في المملكة. ويشرح أن حلول الشركة تتوافق بالكامل مع معايير السيادة الوطنية وحوكمة البيانات في السعودية، مشيراً إلى أن عروض «ساس» في مجال حوكمة الذكاء الاصطناعي تمنح المؤسسات وضوحاً وثقةً في بناء أطر حوكمة قوية ومتكاملة.
وأردف غودنايت أن «ساس» تمكّن الجهات الحكومية من نشر أنظمة ذكاء اصطناعي شفافة وقابلة للتفسير، مع ضمان الرقابة البشرية واتساق القرارات مع القيم والسياسات الوطنية. ويعكس هذا النهج التزام الشركة بتقديم تقنيات تدعم التحول الرقمي في المملكة دون المساس بالسيادة أو الشفافية، وهو ما يتماشى مع توجهات السعودية نحو بناء بيئة رقمية آمنة ومسؤولة.
الجاهزية السحابية والامتثال المحلي
مع تسارع التحول إلى الحوسبة السحابية في القطاعات الحكومية والخاصة بالمملكة، تبرز منصة «ساس فيا» (SAS Viya) أداة مرنة وآمنة تتيح نشر نماذج الذكاء الاصطناعي وفق متطلبات كل جهة على نحو يتماشى مع الأنظمة الوطنية. ونوه الدكتور غودنايت بأن هذه المنصة تمكّن القادة في القطاع العام من تحسين الأداء وخفض التكاليف من خلال الاستفادة المثلى من موارد الحوسبة السحابية، مع ضمان الامتثال الكامل لمتطلبات السيادة الرقمية.
وزاد أن «ساس» تعمل بشكل وثيق مع شركائها العالميين والمحليين لضمان توافق بنيتها السحابية مع القوانين السعودية، مع توفير خيارات نشر مرنة تشمل الخوادم المحلية والسحابة الخاصة، بما يضمن بقاء البيانات الحساسة داخل حدود المملكة.
ويشدد غودنايت على أن التقدم التقني يجب أن يقترن بالمسؤولية، قائلاً: «نركّز بعمق على تطوير ذكاء اصطناعي شفاف وقابل للتفسير يعمل تحت إشراف بشري. فالمسألة لا تتعلق بالكفاءة فقط، بل بالثقة».
ويتقاطع هذا التوجه مع سياسة المملكة في تعزيز الذكاء الاصطناعي الأخلاقي وحوكمة الابتكار، بما يعزز ثقة المجتمع في مسيرة التحول الرقمي ويجعل الشفافية والمسؤولية ركيزتين أساسيتين في بناء المستقبل التقني للسعودية.
