في حين تتبنى مصر برنامجاً واسعاً للإصلاح الاقتصادي، معتمداً على تمويل من صندوق النقد الدولي، دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، محمود محيي الدين، وهو وزير مصري أسبق، بلاده إلى تبني «مسار اقتصادي مختلف» بعيداً عن الاعتماد التقليدي على برامج الصندوق، في تصريحات أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والسياسية المصرية.
وفي مقابلة مع «العربية Business»، وصف محيي الدين العلاقة الحالية بين مصر وصندوق النقد بأنها تأتي في إطار «اقتصاد إدارة أزمات» منذ عام 2015، ناصحاً بأن الوقت قد حان للانتقال إلى مرحلة جديدة تركز على النمو والتنافسية، مضيفاً: «الوقت حان للتمرد على تلك العلاقة المقيِّدة للحركة، التي كانت مطلوبةً في وقتها؛ نتيجة وجود اختلالات مالية ونقدية منذ عام 2015».
وكانت مصر طلبت في 2022 من الصندوق قرضاً للمرة الثالثة، بقيمة 3 مليارات دولار؛ للخروج من الأزمة الاقتصادية، وأقرَّ الصندوق الموافقة بشرط تنفيذ حزمة من الإصلاحات.
وفي مارس (آذار) 2024 وافق صندوق النقد على رفع قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار؛ بهدف تدعيم الإصلاحات الاقتصادية.
وأنجزت مصر 4 مراجعات بالبرنامج، تلقت خلالها نحو 3.3 مليار دولار، لكن الصندوق أرجأ الموافقة على المراجعة الخامسة مع السادسة، إلى سبتمبر (أيلول) الحالي؛ من أجل إتاحة مزيد من الوقت للسلطات المصرية لتحقيق الأهداف الأساسية لبرنامج الإصلاح.

وبينما ينتهي اتفاق مصر الحالي مع الصندوق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2026، أكد محيي الدين أن «الأزمة الأعمق ما زالت قائمة»، موضحاً أن «الاقتصاد المصري لم يتحرَّك منذ عام 2015 وفق مؤشر الناتج المحلي الثابت، وظل عند 480 مليار دولار دون نمو يذكر». وتابع: «لذلك، بالنظر إلى النمو والتنافسية والقدرة على الانطلاق، يجب أن يكون الاقتصاد المصري أفضل مما هو عليه الآن على الأقل بنحو 4 مرات».
وشغل محيي الدين منصب وزير الاستثمار في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك خلال الفترة من 2004 وحتى 2010. وفي تصريحاته الأخيرة، قال: «إن مصر في حاجة إلى برنامج جديد بعد برنامج الصندوق، الذي لا يتعامل مع أولويات الاستثمار أو الادخار أو التصدير، لكنه معني بالتعامل مع الاختلالات المالية والنقدية».
وبعد ساعات من تصريحات المسؤول الأممي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، عقب اجتماع حكومي، الثلاثاء، إن حكومته «لديها رؤية اقتصادية حتى عام 2030 تمتد لما بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي».
وترتكز رؤية الحكومة المصرية، وفق مدبولي، على ما تم تحقيقه من إصلاحات اقتصادية خلال الفترة الماضية، لافتاً إلى أنه سيتم طرح هذه الرؤية الاقتصادية المتكاملة «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل»، للحوار المجتمعي؛ سعياً لمزيد من التوافق حول هذه الرؤية.

وبحسب وزير المالية المصري أحمد كجوك، السبت الماضي، سجَّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر نمواً بنسبة 4.5 في المائة في السنة المالية 2024 - 2025، ارتفاعاً من 2.4 في المائة في العام السابق، بدعم من الإصلاحات المرتبطة بتمويل صندوق النقد الدولي، وزيادة في نشاط الصناعات التحويلية.
وعلى مدار الساعات الماضية، أثارت تصريحات محيي الدين تبايناً، وانتقل صداها إلى منصات التواصل الاجتماعي، لتشغل اهتمام روادها، ما بين تأييد وانتقاد.
ورأى المنتقدون أن كلمات المبعوث الخاص للأمم المتحدة تحمل لوماً للأداء الاقتصادي للدولة، رغم ما تدفع به الحكومة من أرقام تؤكد عكس ذلك.
_ مش عارفه وجهة نظر الدكتور محمود محي الدين إتغيرت ليه فجأة وفي الوقت الحالي عن وضع الاقتصاد المصري وخطة الاقتصاد اللي بتطبقها مصر، ده إنت كنت ضيف معايا من سنة يا دكتور محمود وقُلت إشادات ومدح في الخطة اللي بتنفذها مصر للإصلاح الاقتصادي في حوار معايا _ بالصوت والصورة _ لمدة ثلاث...
— Aml Alhennawi (@AmlAlhennawi) September 2, 2025
بينما تساءل آخرون عن سبب تغيير وجهة نظر المسؤول الأممي عن وضع الاقتصاد، وخطة الاقتصاد التي تطبقها مصر.
في حين انتقد آخرون نصائح محيي الدين بـ«مسار مختلف»، رغم أنه كان يشغل منصب المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي، وممثل مصر ومجموعة الدول العربية والمالديف بالصندوق بين عامَي 2020 و2024.
الحقيقة أنا اتفرجت على الفقرة اللي ظهر فيها الدكتور محمود محيي الدين، «اتفرجت ماقرتش تصريحات منقولة»، ولقيت إن الكلام عادي جدا، وهو باختصار: احنا عدينا مرحلة الاضطرابات والإجراءات الاقتصادية الاستثنائية اللي بتواجه الأزمات، ولازم ندخل مرحلة الانطلاق الاقتصادي..ده اللي بتقوله...
— Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb) September 1, 2025
في المقابل، قال المدون والإعلامي، لؤي الخطيب، إنه لا يرى في كلمات محيي الدين انتقاداً موجهاً للأداء الاقتصادي للدولة، عادّاً في الوقت نفسه أن النقد متاح إن كان في إطار النقد الموضوعي المحترم.
ودخل علاء مبارك، نجل الرئيس الراحل حسني مبارك على خط التفاعل، حيث قام بإعادة نشر جانب من تصريحات محيي الدين.
دكتور محمود محي الدين. https://t.co/JBUvwFQlDq
— Alaa Mubarak (@AlaaMubarak_) September 1, 2025
وهو ما تفاعل معه عدد من متابعيه، الذين وصف بعضهم محمود محيي الدين بأنه كان «ترساً من تروس نظام مبارك». بينما طالب البعض بأهمية عودة محيي الدين إلى الحكومة بصلاحيات واسعة، والعمل مع مجموعة كفاءات اقتصادية يختارها بنفسه.
تصريحات د محمود محي الدين مهمة جدا جدا وأرى أنه علينا في مصر أن نسمع لهذا الرجل الوطني العالم الاقتصادي الكبير جيدا ونسارع بتدشين برنامج اقتصادي غير برنامج صندوق النقد الدولي هذا الرجل لو منح كل السياسات وأصبح رئيس الوزراء المصري وله كل الصلاحيات وهو العقل المفكر سنخرج من الازمة
— Mohammed Metwally Amer (@mm3amer) September 1, 2025
ويرى الخبير الاقتصادي والبرلماني السابق، محمد فؤاد، أن هناك فرقاً شاسعاً بين الحديث عن إيجاد مسارات بديلة «عقب» نهاية البرنامج مع صندوق النقد، وما يُساق حول «إنهاء» البرنامج (بما يعني فشله)، لافتاً إلى أن هناك فرقاً ما بين الطرحين.
ارى تفسيرات مختلفة لما قاله د. @MMohieldin27 في شأن التعاون مع الصندوق والبحث عن «مسار بديل». حيث يتحدث البعض بالفعل عن «وقف البرنامج«هناك فرق شاسع بين الحديث عن ايجاد مسارات بديلة «عقب» نهاية البرنامج و ما يساق حول «إنهاء» البرنامج (بما يعني فشله). شتان ما بين الطرحين! https://t.co/0qBSdieJsT
— Mohamed A. Fouad (@MAFouad) September 1, 2025
وعدَّ مستشار منظمة اليونيسف لتحليل البيانات، رشاد حامد، تصريحات المسؤول الأممي أنها تحمل قدراً كبيراً من الدقة، وتسلط الضوء على جودة النمو الاقتصادي، وليس فقط حجمه.
تصريحات د. محمود محيي الدينصرّح الدكتور محمود محيي الدين، المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي عن المجموعة العربية، بأن الاقتصاد المصري «لم يتحرك منذ عام 2015»، وهو تصريح يحمل قدراً كبيراً من الدقة، رغم ما يبدو من تناقض مع بيانات النمو الاقتصادي خلال نفس الفترة. فكيف يمكن تفسير... pic.twitter.com/hePbBSeJeS
— Rashad Hamed (@rashadhamed) September 1, 2025
