نتائج الانتخابات اليابانية تُربك توجهات «بنك اليابان»

ضعف الين واحتمالات الإنفاق الضخم يهددان استقرار السياسة النقدية

إشارة مرور وعلم اليابان أمام مقر البنك المركزي في العاصمة طوكيو (رويترز)
إشارة مرور وعلم اليابان أمام مقر البنك المركزي في العاصمة طوكيو (رويترز)
TT

نتائج الانتخابات اليابانية تُربك توجهات «بنك اليابان»

إشارة مرور وعلم اليابان أمام مقر البنك المركزي في العاصمة طوكيو (رويترز)
إشارة مرور وعلم اليابان أمام مقر البنك المركزي في العاصمة طوكيو (رويترز)

في أعقاب الخسارة الكبيرة التي مُني بها الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا في انتخابات مجلس الشيوخ الياباني، يجد «بنك اليابان المركزي» نفسه في موقف بالغ التعقيد. فالتغير السياسي غير المتوقع، إلى جانب تدهور سعر صرف الين ومطالب المعارضة بزيادة الإنفاق، قد يُجبر البنك على إعادة النظر في استراتيجيته النقدية في وقت حرج تشهده البلاد، اقتصادياً ومالياً.

وأفرزت الانتخابات الأخيرة مشهداً سياسياً غير مواتٍ للائتلاف الحاكم، الذي خسر أغلبيته في مجلسي البرلمان، مما يعني فعلياً الحاجة إلى التفاوض مع المعارضة لتمرير أي تشريع، بما في ذلك الميزانيات وخطط الإصلاح الاقتصادي. وفي المقابل، تعكف قوى المعارضة على الدفع باتجاه تخفيضات ضريبية وحزم إنفاق إضافية لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، في ظل موجة تضخم مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وبالنسبة لـ«بنك اليابان»، فإن هذه التحولات تطرح إشكاليتين بحسب «رويترز»؛ أولاً، زيادة الإنفاق التي قد تؤدي إلى رفع مستويات التضخم أكثر، مما يُجبر البنك على التشدد في سياساته، وثانياً، حالة الجمود السياسي المحتملة التي قد تمنعه من التنسيق أو التحرك بسرعة في حال احتاج لاتخاذ إجراءات طارئة.

ويُعدّ ذلك تحدياً استثنائياً في بلد تعوّد على استقرار مؤسساته النقدية والتشريعية، لا سيما أن سياسة «بنك اليابان» ظلت خلال العقد الماضي محكومة بتحفيز اقتصادي غير مسبوق، كان يهدف إلى كسر دورة الانكماش وإعادة الين إلى مستويات تنافسية.

الين في مهب الريح... ومخاطر التضخم تتزايد

أحد أبرز التداعيات الفورية لما بعد الانتخابات هو التأثير السلبي على سعر صرف الين، الذي يُعتبر مرآة حساسة لحالة الاستقرار السياسي والمالي في البلاد. وقد شهد الين تراجعاً في قيمته مقابل الدولار، ليبلغ حوالي 147.4 ين، مع توقعات بوصوله إلى ما دون 150، الأمر الذي قد يُضيف مزيداً من الضغوط التضخمية عبر قنوات الاستيراد.

ويرى محللون أن استمرار ضعف الين قد يُشكل السبب الحاسم الذي يدفع «بنك اليابان» إلى استئناف دورة رفع أسعار الفائدة، بعد توقف مؤقت أعلنه محافظ البنك كازو أويدا في وقت سابق من هذا العام. فالزيادة في أسعار الواردات نتيجة انخفاض قيمة العملة، تترجم مباشرة إلى ارتفاع في الأسعار المحلية، مما يُزيد العبء على الأسر والشركات على حد سواء.

وقالت ماري إيواشيتا، كبيرة الاستراتيجيين في شركة «نومورا» للأوراق المالية، إن استمرار ضعف الين «سيرفع معدل التضخم الأساسي، وبالتالي قد يكون دافعاً رئيسياً لاتخاذ إجراءات سياسية»، مشيرة إلى إمكانية رفع الفائدة في أكتوبر إذا تخطى الدولار حاجز 150 يناً.

وفي ضوء هذه التطورات، يُتوقع أن تعد الحكومة اليابانية ميزانية إضافية خلال الخريف، لتشمل إعفاءات ضريبية ومدفوعات مباشرة للأسر المتضررة من التضخم. وقد يتجاوز حجم هذه الحزمة 14 تريليون ين (نحو 95 مليار دولار)، وهي قيمة الحزمة التي أقرتها الحكومة العام الماضي. وتُعد هذه الخطوة استجابة لضغوط المعارضة، وكذلك محاولة لاستعادة بعض الزخم السياسي المفقود بعد الانتخابات.

ومع أن مثل هذا الإنفاق قد يُخفف جزئياً من وطأة التضخم، إلا أنه يُهدد بتوسيع العجز المالي لليابان، الذي يُعدّ أصلاً من بين الأعلى بين الدول المتقدمة، وهو ما قد يُثير مخاوف لدى المستثمرين ويزيد من تقلبات الأسواق المالية.

موقف حرج

ورغم أن القانون يضمن لـ«بنك اليابان» استقلاليته عن الحكومة، فإن تاريخه يُظهر أن قراراته لم تكن بمنأى عن المناخ السياسي. فقد سبق للبنك أن أطلق أكبر حزمة تحفيز في تاريخه عام 2013 تحت ضغط من حكومة شينزو آبي آنذاك، في محاولة لعكس الاتجاه الانكماشي ومعالجة ارتفاع قيمة الين.

واليوم، تتكرر الظروف لكن بصيغة مقلوبة مع ضعف الين، وتضخم مستمر، وسياسة حكومية مربكة. ومع أن رفع الفائدة إلى 1 في المائة يبدو ضرورياً، بحسب تقديرات موظفي البنك، إلا أن تنفيذ هذا التوجه يتطلب توازناً دقيقاً لتفادي كبح النمو أو صب الزيت على نار الأسواق المتوترة.

وبحسب المراقبين، تعيش اليابان لحظة محورية، حيث تتقاطع السياسة النقدية مع الواقع السياسي المضطرب والضغوط التضخمية المتزايدة. وفي هذا السياق، يُنتظر من «بنك اليابان» أن يُحسن قراءة المشهد، ويتصرف بحذر ولكن بمرونة، للحفاظ على استقرار الأسعار دون التضحية بالتعافي الاقتصادي. أما المستثمرون والمراقبون، فعليهم ترقب قرارات الخريف، حيث قد تُحسم فيها ملامح المسار النقدي القادم.


مقالات ذات صلة

صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية يرتفع 34.5 % بالربع الثالث

الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية يرتفع 34.5 % بالربع الثالث

أظهرت نتائج الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية، خلال الربع الثالث من عام 2025، أن قيمة صافي التدفقات بلغت 24.9 مليار ريال (6.6 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

مجموعة «سوفت بنك» تُكمل استثماراً بقيمة 41 مليار دولار في «أوبن إيه آي»

أعلنت مجموعة سوفت بنك عن إتمامها استثماراً بقيمة 41 مليار دولار في شركة «أوبن إيه آي»، في واحدة من أكبر جولات التمويل الخاص على الإطلاق

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو - طوكيو)
الاقتصاد سفينة حاويات في ميناء أمبارلي بإسطنبول (رويترز)

العجز التجاري التركي يتسع بنسبة 6.3 % في نوفمبر

أظهرت بيانات رسمية صادرة يوم الأربعاء أن العجز التجاري الخارجي لتركيا اتسع بنسبة 6.3 في المائة على أساس سنوي في نوفمبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد عقد من العملات الهندية معروض عند كاونتر صرف الأموال في الأحياء القديمة بدلهي (رويترز)

الانخفاض الأسوأ في 3 سنوات... الروبية الهندية تدخل 2026 على حافة الانهيار

سجَّلت الروبية مستويات قياسية منخفضة مراراً وتكراراً في عام 2025، متأثرة بتدفقات رأس المال الخارجة القياسية، وعدم التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد حبيبات من الذهب والفضة في مصنع «كرستسفيتميت» بمدينة كراسنويارسك السيبيرية في روسيا (رويترز)

الفضة والذهب يقودان انتفاضة المعادن النفيسة في 2025

تراجعت أسعار المعادن النفيسة يوم الأربعاء، ولكنها لا تزال تتجه نحو تحقيق مكاسب سنوية لافتة، مدفوعة بالقفزة التاريخية للفضة التي تجاوزت 140 في المائة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية يرتفع 34.5 % بالربع الثالث

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)
TT

صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية يرتفع 34.5 % بالربع الثالث

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)

أظهرت نتائج الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية، خلال الربع الثالث من عام 2025، أن قيمة صافي التدفقات بلغت 24.9 مليار ريال (6.6 مليار دولار)، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 34.5 في المائة، مقارنةً بالربع المماثل من العام الماضي، الذي بلغت فيه 18.5 مليار ريال (4.9 مليار دولار). كما ارتفعت بنسبة 5.2 في المائة على أساس فصلي، حيث سجلت 23.7 مليار ريال (6.3 مليار دولار).

ووفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء، الأربعاء، بلغت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى المملكة نحو 27.7 مليار ريال (7.3 مليار دولار)، خلال الربع الثالث من عام 2025، محققةً نمواً بنسبة 4.4 في المائة على أساس سنوي، حيث سجل 26.5 مليار ريال (7.1 مليار دولار)، كما ارتفعت بنسبة 3.3 في المائة، مقارنةً بالربع السابق.

في المقابل، بلغت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة نحو 2.7 مليار ريال (720 مليون دولار)، خلال الربع الثالث من عام 2025، مسجلةً انخفاضاً بنسبة 65.7 في المائة، مقارنةً بالربع المماثل من العام الماضي، الذي بلغت فيه 8 مليارات ريال (مليارا دولار). كما انخفضت بنسبة 11.4 في المائة، مقارنةً بالربع السابق، حيث كانت عند مستوى 3.1 مليار ريال (826.5 مليون دولار).


مجموعة «سوفت بنك» تُكمل استثماراً بقيمة 41 مليار دولار في «أوبن إيه آي»

الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

مجموعة «سوفت بنك» تُكمل استثماراً بقيمة 41 مليار دولار في «أوبن إيه آي»

الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

أعلنت مجموعة سوفت بنك عن إتمامها استثماراً بقيمة 41 مليار دولار في شركة «أوبن إيه آي»، في واحدة من أكبر جولات التمويل الخاص على الإطلاق، والتي ستمنح الشركة اليابانية حصة تبلغ نحو 11 في المائة في الشركة المُطوّرة لبرنامج «تشات جي بي تي». ويراهن الرئيس التنفيذي لشركة سوفت بنك، ماسايوشي سون، بقوة على «أوبن إيه آي»، ويعمل على توسيع استثماراته في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية ذات الصلة، آملاً في الاستفادة من الطلب المتزايد على القدرة الحاسوبية التي تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ويأتي إتمام جولة التمويل الأخيرة لشركة «أوبن إيه آي» بعد أيام قليلة من إعلان «سوفت بنك» عن صفقة للاستحواذ على شركة «ديجيتال بريدج غروب»، المُستثمرة في البنية التحتية الرقمية، في صفقة تُقدّر قيمتها بـ4 مليارات دولار. وأعلنت «سوفت بنك»، يوم الأربعاء، عن إتمام استثمار إضافي بقيمة 22.5 مليار دولار في شركة «أوبن إيه آي»، بعد استثمارها 7.5 مليار دولار في أبريل (نيسان) الماضي. وأضافت «سوفت بنك» أن «أوبن إيه آي» تلقت أيضاً استثماراً مشتركاً مُضاعفاً من جهات داعمة أخرى بقيمة 11 مليار دولار.

وفي مارس (آذار) الماضي، وافقت «سوفت بنك» على استثمار ما يصل إلى 40 مليار دولار في شركة ربحية تابعة لـ«أوبن إيه آي»، حيث تم تمويل الصفقة بمزيج من رأس المال المباشر والاستثمار المشترك من جهات داعمة أخرى.

وقدّرت الصفقة قيمة «أوبن إيه آي» بنحو 300 مليار دولار بعد إتمام الاستثمار، غير أن عملية بيع ثانوية لاحقة للأسهم، أُنجزت في أكتوبر (تشرين الأول)، رفعت قيمة الشركة إلى نحو 500 مليار دولار، وفقاً لبيانات «بيتشبوك».

وقد أصبح الذكاء الاصطناعي محوراً رئيسياً لأسواق التكنولوجيا العالمية هذا العام، مما أدى إلى زيادة كبيرة في استثمارات أكبر الشركات في العالم، وأعاد تشكيل توقعات المستثمرين. وبرزت «أوبن إيه آي» كركيزة أساسية في حملة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي على مستوى القطاع.

وقد خططت الشركة المطورة لـ«تشات جي بي تي»، بالتعاون مع «أوراكل» وجهات معنية أخرى، لمشروع «ستارغيت»، وهو مبادرة ضخمة متعددة السنوات لمراكز البيانات تهدف إلى دعم نماذج الذكاء الاصطناعي من الجيل التالي، بدعم من مستثمرين رئيسيين من بينهم «سوفت بنك».


العجز التجاري التركي يتسع بنسبة 6.3 % في نوفمبر

سفينة حاويات في ميناء أمبارلي بإسطنبول (رويترز)
سفينة حاويات في ميناء أمبارلي بإسطنبول (رويترز)
TT

العجز التجاري التركي يتسع بنسبة 6.3 % في نوفمبر

سفينة حاويات في ميناء أمبارلي بإسطنبول (رويترز)
سفينة حاويات في ميناء أمبارلي بإسطنبول (رويترز)

أظهرت بيانات رسمية صادرة يوم الأربعاء أن العجز التجاري الخارجي لتركيا اتسع بنسبة 6.3 في المائة على أساس سنوي في نوفمبر (تشرين الثاني)، ليصل إلى 7.98 مليار دولار.

وسجلت الصادرات ارتفاعاً بنسبة 1.3 في المائة على أساس سنوي لتصل إلى 22.54 مليار دولار، بينما قفزت الواردات بنسبة 2.6 في المائة لتصل إلى 30.52 مليار دولار خلال الشهر ذاته، وفقاً للبيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التركي.

وخلال فترة يناير (كانون الثاني) - نوفمبر 2025، بلغت الصادرات نحو 247 مليون دولار بزيادة نسبتها 3.6 في المائة، بينما بلغت الواردات نحو 329 مليون دولار بزيادة قدرها 5.7 في المائة، مقارنةً بفترة يناير - نوفمبر 2024.