أظهر مسح حديث أن قطاع التصنيع في منطقة اليورو بدأ يُظهر مؤشرات على الاستقرار في يونيو (حزيران)؛ إذ توقفت الطلبات الجديدة عن التراجع لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات؛ مما يُشير إلى بداية محتملة لتعافٍ تدريجي في قطاع يرزح تحت ضغوط طويلة الأمد.
وارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي (إتش سي أو بي)، الصادر عن «ستاندرد آند بورز غلوبال»، إلى 49.5 نقطة في يونيو من 49.4 في مايو (أيار)، ليبلغ أعلى مستوى له منذ أغسطس (آب) 2022. وعلى الرغم من التحسن لا يزال المؤشر دون مستوى الـ50 الفاصل بين النمو والانكماش للشهر التاسع والعشرين على التوالي، وفق «رويترز».
وقال كبير الاقتصاديين في «بنك هامبورغ التجاري»، سايروس دي لا روبيا: «هناك إشارات أولية على استقرار القطاع؛ فقد واصلت الشركات زيادة إنتاجها للشهر الرابع على التوالي، وتوقفت الطلبات الجديدة عن التراجع. كما أن امتداد أوقات التسليم بشكل طفيف يُشير إلى تحسّن تدريجي في الطلب».
لكن على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، تراجع مؤشر إنتاج التصنيع إلى 50.8 من 51.5 نقطة، ليسجل أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر، وإن بقي في نطاق النمو. كما ارتفع المؤشر الفرعي للطلبات الجديدة إلى 50، لينهي سلسلة تراجع استمرت 37 شهراً، في حين توقفت طلبات التصدير عن الهبوط لأول مرة منذ مارس (آذار) 2022، مما يعزّز التوقعات بانتعاش مستقبلي في الإنتاج.
وعلى الرغم من تحسّن الطلب، واصلت المصانع تقليص التوظيف للشهر الـ24 على التوالي، مع بقاء مؤشر التوظيف دون عتبة النمو، في دلالة على استمرار الضغوط في سوق العمل الصناعي.
كما كشف المسح عن تفاوت الأداء بين دول المنطقة. فقد تصدّرت آيرلندا المؤشر عند 53.7 نقطة، وهي أعلى قراءة لها منذ 37 شهراً. في حين تجاوزت كل من اليونان وإسبانيا وهولندا عتبة النمو. في المقابل، بلغت قراءة ألمانيا 49 نقطة، وهو أفضل أداء لها منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، لكنه لا يزال في منطقة الانكماش. فيما سجلت فرنسا وإيطاليا والنمسا تراجعات حادة في مؤشرات التصنيع.
وأعرب دي لا روبيا عن تفاؤله الحذر، قائلاً: «إذا تمكنت ألمانيا من دخول منطقة النمو، وهو احتمال وارد في ضوء حزمة التحفيز التي أقرتها الحكومة الجديدة، فقد ينعكس ذلك إيجاباً على شركائها التجاريين في منطقة اليورو».
وبالتوازي، سجّلت ثقة الأعمال أعلى مستوى لها منذ فبراير (شباط) 2022، مدفوعة بتفاؤل واسع النطاق لدى الشركات، لا سيما الألمانية، بشأن آفاق الإنتاج في الأشهر المقبلة. كما تراجعت تكاليف الشراء للشهر الثالث توالياً، مما أسهم في خفض طفيف في أسعار البيع عند بوابة المصنع.
وحسب استطلاع أجرته «رويترز» الأسبوع الماضي، يتوقع معظم الاقتصاديين أن يُنهي البنك المركزي الأوروبي دورة خفض أسعار الفائدة التي امتدت لعام كامل، بخطوة أخيرة في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وفي هذا السياق، أظهر مسح منفصل أن قطاع التصنيع الألماني شهد في يونيو أسرع نمو في الطلبات الجديدة منذ أكثر من ثلاث سنوات، بدعم من الطلب المحلي وصادرات قوية إلى الصين وأوروبا والولايات المتحدة.
وارتفع مؤشر مديري المشتريات النهائي للتصنيع إلى 49 نقطة من 48.3، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 2022. وسجلت الطلبات الجديدة ارتفاعاً للمرة الثالثة في أربعة أشهر.
وقال دي لا روبيا إن «هذا التحسن مشجّع؛ لأنه يعكس ديناميكية جديدة في الطلب، تتجاوز التحركات الاستباقية من قبل مستوردي الولايات المتحدة قبل فرض الرسوم الجمركية، وتشير إلى تعافٍ داخلي أيضاً».
لكنّه حذّر من هشاشة هذا التحسن، لافتاً إلى أن التوظيف في القطاع انخفض بأكبر وتيرة خلال أربعة أشهر، في ظل استمرار ضعف استغلال الطاقة الإنتاجية وتوجّه الشركات لرفع الكفاءة.
في المقابل، تعثّر مسار التعافي في قطاع التصنيع الفرنسي؛ إذ انخفض المؤشر إلى 48.1 نقطة من 49.8 في مايو. وأفادت «ستاندرد آند بورز غلوبال» بأن المُصنّعين الفرنسيين اضطروا إلى خفض أسعار البيع للشهر الرابع على التوالي، رغم ارتفاع تكاليف المدخلات بفعل زيادة أسعار المواد الخام والطاقة.
وقال الاقتصادي في «بنك هامبورغ التجاري»، جوناس فيلدهوزن، إن عوامل عدة تُقيّد التعافي، منها استمرار ضعف قطاع السيارات، وتباطؤ الزخم في الطلب المحلي رغم تحسنه بداية العام.
وخلص فيلدهوزن إلى القول: «تعرّض التعافي الصناعي الفرنسي لانتكاسة حقيقية. ويبقى السؤال الآن ما إذا كان هذا التراجع مؤقتاً أم بداية نهاية مبكرة لتعافٍ طال انتظاره».
