استمرار الجذب النوعي للطروحات الأولية في السعودية رغم تباطؤ وتيرتها

التوترات الجيوسياسية ألقت بظلالها على سهم «طيران ناس» في أولى جلساته

متداول يراقب شاشة الأسهم في السوق المالية السعودية (أ.ف.ب)
متداول يراقب شاشة الأسهم في السوق المالية السعودية (أ.ف.ب)
TT

استمرار الجذب النوعي للطروحات الأولية في السعودية رغم تباطؤ وتيرتها

متداول يراقب شاشة الأسهم في السوق المالية السعودية (أ.ف.ب)
متداول يراقب شاشة الأسهم في السوق المالية السعودية (أ.ف.ب)

شهدت سوق الأسهم السعودية تباطؤاً في وتيرة الطروحات الأولية خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، وذلك بعد عام استثنائي في 2024. هذا التباطؤ يمكن ربطه بعوامل عدة، أبرزها انخفاض المؤشر العام «تاسي» بنسبة 7 في المائة منذ بداية العام، وتصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية. ومع ذلك، يرى محللون أن السوق مرنة وقادرة على التكيف من خلال استقطاب طروحات نوعية في قطاعات استراتيجية، ما يعكس التزامها المستمر بأهداف «رؤية 2030» في تنويع الاقتصاد.

في هذا السياق، جاء إدراج سهم شركة «طيران ناس» في السوق المالية السعودية (تداول) في توقيت حساس، حيث إنه تزامن مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين إيران وإسرائيل، مما ألقى بظلاله على الأسواق الإقليمية، لا سيما على قطاع الطيران.

فرغم الزخم الكبير الذي سبق الطرح والاكتتاب القياسي الذي تجاوزت طلباته 409 مليارات ريال (109 مليارات دولار) من قبل المؤسسات، شهد السهم تراجعاً بنسبة 12 في المائة في أولى جلساته، قبل أن يقلص خسائره وسط تداولات كثيفة تخطّت 900 مليون ريال خلال أقل من ساعة من الافتتاح. وتواجه شركات الطيران في منطقة الشرق الأوسط تحديات متزايدة بسبب التصعيد العسكري، من أبرزها إغلاق الأجواء وتحويل مسارات الرحلات الجوية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية والضغط على هوامش الأرباح. وافتتح سهم «طيران ناس» أولى جلساته بتراجع حاد بلغ 12 في المائة، مسجلاً أدنى مستوى له عند 69.9 ريال، قبل أن يقلص خسائره لاحقاً ليغلق عند 83.7 ريال.

وشهد السهم تداولات مكثفة تجاوزت 12 مليون سهم، وبقيمة تقارب 900 مليون ريال، توزعت على نحو 17 ألف صفقة، وذلك في أقل من ساعة على بدء التداول. وتقاطع ذلك مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، لا سيما الحرب الإيرانية - الإسرائيلية. وأغلق في نهاية الجلسة عند سعر 77.80 ريال، متراجعاً بنسبة 2.75 في المائة، مواصلاً خسائره بعد تذبذب في الأداء منذ إدراجه.

ويعد إدراج «طيران ناس» أول عملية إدراج في السوق الرئيسية منذ اندلاع التوترات العسكرية الأخيرة. وكان الطرح جذب اهتماماً واسعاً، حيث تجاوزت طلبات الاكتتاب المؤسسية 409 مليارات ريال، بينما بلغت تغطية شريحة الأفراد نحو 350 في المائة، ما دفع بالقيمة السوقية للشركة عند الإدراج إلى 13.7 مليار ريال. وطرحت الشركة 51.3 مليون سهم، تمثل 30 في المائة من رأسمالها بعد الطرح، خُصص منها 20 في المائة للأفراد و80 في المائة للمؤسسات.

طائرات «طيران ناس» (الشركة)

حركة الطروحات الأولية

وجاء إدراج «طيران ناس» في وقت تمر السوق السعودية بمرحلة دقيقة من حيث حركة الطروحات الأولية، بعد عام استثنائي في 2024، تراجعت وتيرته في 2025 بفعل ضغوط الأسواق العالمية وتراجع مؤشر «تاسي». ورغم ذلك، حافظت السوق على جاذبيتها من خلال إدراج شركات نوعية في قطاعات استراتيجية مثل الطيران والعقارات والرعاية الصحية، في مؤشر على صلابة السوق واستمرار أثر «رؤية 2030» في تنويع الاقتصاد.

وتبرز هذه التطورات في ظل تحديات اقتصادية عالمية، تشمل تباطؤ النمو، واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة، كما التضخم في قطاعات مثل الإسكان ومواد البناء، بالإضافة إلى الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، تباطأت وتيرة الطروحات الأولية في السوق السعودية، نتيجة عدة عوامل، أبرزها انخفاض المؤشر العام «تاسي» بنسبة 7 في المائة منذ بداية العام، إلى جانب تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية التي أثرت على الأسواق المحلية والعالمية.

ويُعد هذا التراجع لافتاً عند مقارنته بالعام السابق حين شهدت السوق السعودية نشاطاً قوياً تمثل في 40 عملية طرح أولي بقيمة إجمالية بلغت 15.2 مليار ريال.

وشملت هذه الطروحات إدراج 14 شركة في السوق الرئيسية بقيمة 14.1 مليار ريال، و26 شركة في السوق الموازية (نمو). هذا الزخم منح السوق السعودية مكانة مرموقة عالمياً؛ إذ جاءت في المرتبة التاسعة عالمياً من حيث نشاط الطروحات، والسابعة من حيث عوائد الاكتتابات، وفق ما أكده عضو مجلس إدارة هيئة السوق المالية، عبد العزيز بن حسن، في ملتقى عُقد في فبراير (شباط) الماضي. وأشار حينها إلى تلقي الهيئة نحو 55 طلب إدراج مع بداية 2025.

أبرز الطروحات القطاعية خلال 2025

رغم التباطؤ العام، استمرت السوق السعودية هذا العام في استقطاب طروحات نوعية في عدة قطاعات رئيسية، من أبرزها:

  • * الطيران: إدراج «طيران ناس» بقيمة سوقية بلغت 13.7 مليار ريال.
  • العقارات: إدراج شركة «أم القرى للتنمية والإعمار» (مسار) بقيمة 2 مليار ريال.
  • الرعاية الصحية: إدراج «الطبية التخصصية» بقيمة تقارب 1.9 مليار ريال.
  • الخدمات المالية: اكتتاب «دراية المالية» الذي جمع 1.5 مليار ريال.
  • المواد الأساسية: إدراج «الشركة المتحدة لصناعة الكرتون».
  • الأغذية: طرح أسهم شركة «إنتاج».

أداء متباين بين الطروحات الجديدة

أشار الرئيس الأول لإدارة الأصول في «أرباح كابيتال»، محمد الفراج، إلى الأداء القوي لسهم «أم القرى للتنمية والإعمار» (مسار)، الذي تم إدراجه في 24 مارس بسعر 15 ريالاً، وقفز في أولى جلساته بنسبة 30 في المائة، ليستقر عند 23 ريالاً بحلول 3 يونيو.

وأضاف أن السهم يُتداول بمكررات ربحية جاذبة، مدعوماً بتوقعات نمو مشروع «مسار» في مكة المكرمة.

في المقابل، سجل سهم «الشركة المتحدة لصناعة الكرتون»، المدرج في 28 مايو (أيار) بسعر 50 ريالاً، انخفاضاً إلى 41.35 ريال، نتيجة تراجع أرباح الشركة بنسبة 46 في المائة في الربع الأول من العام، ما أثر على تقييمات المستثمرين. إلا أن الفراج يرى أن الشركة لا تزال تحتفظ بدور مهم في سوق الكرتون المموج، مع إمكانية التعافي إذا تحسنت نتائجها التشغيلية.

مرونة رغم التحديات

أكد الفراج أن السوق المالية السعودية أظهرت مرونة ملحوظة وثقة متنامية، مدعومة بمشاريع «رؤية 2030» التي أسهمت في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. وأشار إلى أن تأثير أسعار الخام بات أكثر تركيزاً على الشركات النفطية الكبرى مثل «أرامكو»، دون أن يمتد بشكل واسع لباقي السوق، بفضل سياسة التنويع الاقتصادي.

التضخم وأسعار الفائدة

وفي ما يتعلق بمعدل التضخم، قال الفراج إن استمرار الارتفاعات في قطاعات مثل الإسكان ومواد البناء، تؤثر على كلفة مشاريع التطوير العقاري، إلا أن التوجهات الاقتصادية تشير إلى تحسن مرتقب في بيئة الاستثمار، مع التوقعات بخفض أسعار الفائدة خلال عام 2025، وهو ما من شأنه دعم النمو في القطاعات الحساسة مثل العقارات والخدمات المالية.

وختم الفراج قائلاً إن تحسن أداء السوق يعزز من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، خصوصاً مع استمرار تنفيذ المشاريع الكبرى مثل مشروع «مسار»، الذي يُجسد الحيوية المتزايدة في قطاع التطوير العقاري بالمملكة.


مقالات ذات صلة

بورصات الخليج تغلق متباينة وسط ترقب بيانات أميركية

الاقتصاد مستثمر يراقب شاشات التداول في السوق المالية السعودية (أ.ف.ب)

بورصات الخليج تغلق متباينة وسط ترقب بيانات أميركية

أغلقت بورصات الخليج تعاملات يوم الثلاثاء على تباين، مع استمرار تأثير المعنويات الحذرة قُبيل صدور بيانات التضخم في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مستثمر يراقب شاشات التداول في سوق قطر (رويترز)

صعود معظم بورصات الخليج قبيل بيانات أميركية مهمة ومحادثات تجارية

ارتفعت معظم البورصات الرئيسة بمنطقة الخليج خلال التعاملات الصباحية الثلاثاء في ظل تفاؤل نسبي من المستثمرين قبيل صدور بيانات التضخم الأميركية المرتقبة

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ب)

«بنك أوف أميركا»: معنويات المستثمرين تصل لأعلى مستوى منذ فبراير

كشف أحدث استطلاع عالمي لمديري صناديق الاستثمار أجراه «بنك أوف أميركا» عن ارتفاع معنويات المستثمرين في يوليو (تموز) إلى أعلى مستوياتها منذ فبراير (شباط).

«الشرق الأوسط» (ميلانو - لندن)
الاقتصاد مستثمران يراقبان شاشة التداول في السوق المالية السعودية (أ.ف.ب)

بورصات الخليج تتراجع بضغط من تهديد ترمب بمزيد من الرسوم الجمركية

تراجعت البورصات بمنطقة الخليج في تعاملات الاثنين تحت ضغط من تهديدات أميركية جديدة بفرض رسوم جمركية لكن الخسائر جاءت محدودة

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مشروع الخلادي التابع لـ«أكوا باور» في المغرب (الشركة)

«أكوا باور» السعودية تُوقّع 7 مشاريع طاقة متجددة بـ8.3 مليار دولار

«أكوا باور» تُوقّع اتفاقيات لتطوير 7 مشاريع طاقة متجددة في السعودية باستثمارات 8.3 مليار دولار لإنتاج 15 ألف ميغاواط.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مخاوف في اليابان من احتمالية خفض التصنيف الائتماني

مشاة يشاهدون الزينات في أحد شوارع العاصمة اليابانية طوكيو بمناسبة «عيد القناديل» السنوي (أ.ف.ب)
مشاة يشاهدون الزينات في أحد شوارع العاصمة اليابانية طوكيو بمناسبة «عيد القناديل» السنوي (أ.ف.ب)
TT

مخاوف في اليابان من احتمالية خفض التصنيف الائتماني

مشاة يشاهدون الزينات في أحد شوارع العاصمة اليابانية طوكيو بمناسبة «عيد القناديل» السنوي (أ.ف.ب)
مشاة يشاهدون الزينات في أحد شوارع العاصمة اليابانية طوكيو بمناسبة «عيد القناديل» السنوي (أ.ف.ب)

صرّح رئيس «جماعة الضغط المصرفي» في اليابان بأن على طوكيو أن تتوخى الحذر من خطر خفض التصنيف الائتماني إذا خرج توسع الدين العام عن السيطرة، وذلك في الوقت الذي يُكثّف فيه المشرعون دعواتهم للإنفاق الكبير قبل انتخابات مجلس الشيوخ المقررة يوم الأحد.

وارتفعت هذا الأسبوع عوائد سندات الحكومة اليابانية إلى أعلى مستوياتها في عقود، وسط توقعات السوق بأن الأداء القوي لأحزاب المعارضة الداعية إلى إنفاق كبير وتخفيضات ضريبية، قد يؤدي إلى زيادة ديون اليابان الضخمة بالفعل.

وأكد جونيتشي هانزاوا، رئيس «جمعية المصرفيين اليابانيين»، أن الارتفاع الأخير في عوائد السندات يعكس على الأرجح قلق المستثمرين بشأن آفاق السوق. وأوضح في مؤتمر صحافي، يوم الخميس، أنه «إذا خرج توسع الدين عن السيطرة، فقد يصعب على الحكومة بيع السندات بسلاسة في السوق»، فرصيد الدين العام الياباني مرتفع للغاية بالفعل. وقال: «إذا حدث هذا، فيجب أن نأخذ في الحسبان خطر خفض التصنيف الائتماني لسندات الحكومة اليابانية».

وأظهرت استطلاعات رأي إعلامية حديثة أن الائتلاف الحاكم، بزعامة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا، قد يخسر أغلبيته في انتخابات مجلس الشيوخ. وصرح محللون بأن هذه النتيجة قد تجبر إيشيبا على التخلي عن توجهه المالي المتشدد، وزيادة الإنفاق، والاستجابة لدعوات المعارضة لخفض ضريبة المبيعات في اليابان.

وصرحت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني بأن زيادة ضغط خفض الضرائب قد يكون لها تأثير سلبي على تصنيف اليابان، وذلك اعتماداً على حجم ومدة الخفض. وتصنف الوكالة اليابان عند «A1»، وهو خامس أعلى مستوى.

وقد يؤدي خفض التصنيف الائتماني إلى بيع سندات الحكومة اليابانية والين والأسهم اليابانية 3 مرات؛ مما يرفع تكلفة التمويل بالدولار للبنوك اليابانية.

ويأتي ذلك بينما صرّح محلل بوكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني السيادي الياباني، يوم الأربعاء، بأن السياسة المالية تُشكل الخطر الرئيسي على التصنيف الائتماني لليابان، مع ازدياد الدعوات إلى خفض الإنفاق وضرائب الاستهلاك بشكل كبير قبل انتخابات مجلس الشيوخ.

وقال كريسيانيس كروستينس، مدير «فيتش»، في مقابلة مع «رويترز»: «شهدت اليابان مؤخراً اتجاهاً نحو سياسة مالية أعلى مرونة»، حيث تسعى الحكومة إلى تعويض تأثير التضخم على الأسر من خلال الدعم المالي وغيره من التدابير المالية. وتابع أنه «بالنظر إلى نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، فإنه يبدو أن هذا التوجه سيزداد قوة بعد انتخابات مجلس الشيوخ».

وقال كروستينس: «إذا اعتمدت اليابان تخفيضات ضريبية لا تُعوّضها تدابير سياسية أخرى ولا تُؤدي إلى نمو أعلى بكثير، فإن ذلك سيؤدي في الأساس إلى ارتفاع العجز المالي وتسارع مسار الدين. وهذا من شأنه بالتأكيد أن يضغط على التصنيف الائتماني».

لكنه أشار أيضاً إلى أنه قد تكون هناك بعض العوامل المُعاكسة في ضوء الموقف المُحافظ في الحزب الليبرالي الديمقراطي ووزارة المالية؛ بما في ذلك التخفيضات المُحتملة في الميزانيات التكميلية للتخفيف من تأثيرها على مالية الدولة. وقال: «إذا طُرح أي تغيير على ضريبة الاستهلاك، فمن المرجح أن يكون مُحدداً؛ مما يعكس هذه المقاومة القوية من جانب الحزب الليبرالي الديمقراطي والمؤسسات المالية»، مشيراً إلى أن تأثيره سيعتمد على التفاصيل ومزيج السياسات العامة.

وحددت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني لليابان عند «A»، أي أقل بـ5 درجات من أعلى تصنيف «AAA»، مع «نظرة مستقبلية مستقرة».

ويُعد عبء الدين الياباني الأعلى في العالم المتقدم، فقد بلغ نحو 250 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد دفعت المخاوفُ بشأن الوضع المالي للبلاد بعد الانتخابات عوائدَ السندات الحكومية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

لكن كروستينس قال إن احتمالية حدوث صدمة كبيرة في السوق المالية باليابان، مثل تلك التي أثارتها الخطة المالية لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة، ليز تروس، «أقل بكثير من احتمالية حدوثها في الأسواق المتقدمة الأخرى»، ويعود ذلك أساساً إلى قاعدة كبيرة من المستثمرين المحليين في سوق الدين الحكومي. وأضاف أن تأخر اليابان فعلياً في تحقيق فائض أولي في الميزانية بحلول السنة المالية 2025 لن يؤثر على توقعاتها للتصنيف الائتماني؛ لأن «فيتش» لم تتوقع تحقيق هذا الهدف.