الاستهلاك ينقذ اقتصاد الصين من تباطؤ صناعي

أسرع نمو للتجزئة في 17 شهراً... والمحللون حذرون بشأن «النصف الثاني»

عامل في مصنع للماكينات بمدينة هوانغزو الصينية شرق البلاد (أ.ف.ب)
عامل في مصنع للماكينات بمدينة هوانغزو الصينية شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

الاستهلاك ينقذ اقتصاد الصين من تباطؤ صناعي

عامل في مصنع للماكينات بمدينة هوانغزو الصينية شرق البلاد (أ.ف.ب)
عامل في مصنع للماكينات بمدينة هوانغزو الصينية شرق البلاد (أ.ف.ب)

سجل نمو إنتاج المصانع في الصين أدنى مستوى له في 6 أشهر في مايو (أيار)، فيما اكتسبت مبيعات التجزئة زخماً، مما وفّر راحة مؤقتة لثاني أكبر اقتصاد في العالم وسط هدنة هشة في حربه التجارية مع الولايات المتحدة.

تأتي هذه البيانات المتباينة في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الصيني من ضغوط بسبب فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية، وضعف مزمن في قطاع العقارات، مع استمرار انخفاض أسعار المنازل دون أي بوادر على التعافي.

يأتي ذلك بينما أفادت وكالة أنباء «شينخوا» الرسمية، يوم الاثنين، أن أعلى هيئة تشريعية في الصين، اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، ستعقد اجتماعها المقبل في الفترة من 24 إلى 27 يونيو (حزيران). وتشير الاحتمالات إلى أن اللجنة ستتناول الأوضاع الاقتصادية والإجراءات المتصلة بالحرب التجارية.

وأظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء، يوم الاثنين، نمو الناتج الصناعي بنسبة 5.8 في المائة مقارنةً بالعام السابق، متباطئاً من 6.1 في المائة في أبريل (نيسان)، ومخالفاً توقعات المحللين بارتفاع قدره 5.9 في المائة في استطلاع أجرته «رويترز». وكان هذا أبطأ معدل نمو منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

مع ذلك، ارتفعت مبيعات التجزئة في مايو بنسبة 6.4 في المائة، وهي أسرع بكثير من زيادة قدرها 5.1 في المائة في أبريل، وتوقعات بتوسع قدره 5.0 في المائة، مسجلةً بذلك أسرع نمو منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023.

وبشكل عام، لم تُقنع هذه الأرقام المستثمرين أو المحللين بانتعاش النمو الهزيل قريباً، حيث فقدت الشركات الصينية الكبرى مكاسبها الوجيزة، يوم الاثنين.

وقال زيتشون هوانغ، الخبير الاقتصادي الصيني في «كابيتال إيكونوميكس»: «لم تكن الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين كافية لمنع تراجع الزخم الاقتصادي على نطاق أوسع الشهر الماضي». وأضاف: «مع استمرار ارتفاع الرسوم الجمركية، وتراجع الدعم المالي، واستمرار التحديات الهيكلية، من المرجح أن يتباطأ النمو أكثر هذا العام».

وأظهرت البيانات الصادرة في وقت سابق من هذا الشهر أن إجمالي صادرات الصين ارتفع بنسبة 4.8 في المائة في مايو، لكنَّ الشحنات الصادرة إلى الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 34.5 في المائة، وهو أكبر انخفاض منذ فبراير (شباط) 2020... كما تفاقمت الضغوط الانكماشية على العملاق الآسيوي الشهر الماضي.

ودعمت مبيعات التجزئة الإنفاق القوي خلال عطلة عيد العمال وبرنامج مقايضة السلع الاستهلاكية الذي حظي بدعم كبير من الحكومة.

وبدأ مهرجان التسوق «618» الموسع، وهو إحدى كبرى فعاليات البيع بالتجزئة عبر الإنترنت في الصين من حيث المبيعات، في وقت أبكر من المعتاد هذا العام، مما ساعد على زيادة الاستهلاك.

وأثَّرت الرياح المعاكسة المستمرة في قطاع الإسكان الصيني على مؤشرات النشاط، حيث امتدت أسعار المنازل الجديدة لعامين من الركود.

وصرح تيانشن شو، كبير الاقتصاديين في وحدة الاستخبارات الاقتصادية: «نجد نمطاً عاماً مفاده أنه أينما وُجد التحفيز، فإنه ينجح، مثل مبيعات الأجهزة المنزلية؛ ولكن أينما غاب، مثل تطوير العقارات، فإنه يعاني».

وهناك أسباب تدعو إلى مزيد من الحذر مستقبلاً، لا سيما فيما يتعلق بالاستهلاك الخاص الذي قد يشهد «ضربة ثلاثية» تتمثل في تشديد القيود على تناول المسؤولين للطعام، ونهاية مهرجان التسوق 618 المُكثّف، وتعليق الدعم الحكومي للمستهلكين.

ونما استثمار الأصول الثابتة بنسبة 3.7 في المائة في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، ومقارنةً بتوقعات بارتفاع قدره 3.9 في المائة. وقد نما بنسبة 4.0 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أبريل.

وصرح ترمب الأسبوع الماضي بتوقيع اتفاق تجاري أعاد هدنة هشة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وذلك بعد يوم من اتفاق المفاوضين من واشنطن وبكين على إطار عمل يغطي معدلات الرسوم الجمركية.

وقال إن هذا يعني أن الولايات المتحدة ستفرض على الصادرات الصينية رسوماً جمركية بنسبة 55 في المائة. وقال مسؤول في البيت الأبيض إن نسبة الـ55 في المائة ستشمل رسوماً سابقة بنسبة 25 في المائة على الواردات من الصين والتي فُرضت خلال ولاية ترمب الأولى.

وفي الوقت الحالي، لم تنعكس تداعيات الأزمة التجارية على أرقام التوظيف، حيث انخفض معدل البطالة في المناطق الحضرية، استناداً إلى المسح، إلى 5.0 في المائة في مايو، من 5.1 في المائة سابقاً.

وطرحت بكين الشهر الماضي حزمة من إجراءات التحفيز، شملت خفض أسعار الفائدة وضخ سيولة كبيرة، بهدف حماية الاقتصاد من تداعيات الرسوم الجمركية الأميركية... ومع ذلك، واصل المحللون الإشارة إلى التحديات التي تواجه الصين في تحقيق هدفها للنمو البالغ نحو 5 في المائة هذا العام، وحذروا من أن التحفيز الوشيك غير مرجح.

وفي الأسواق، استقر اليوان الصيني مقابل الدولار يوم الاثنين، حيث عوضت التوجيهات الرسمية -التي جاءت أقوى من المتوقع- جزئياً حالة عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية العامة وهشاشة العملة.

وفي الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش، ارتفع اليوان في التعاملات المحلية بنسبة 0.01 في المائة عند 7.1849 مقابل الدولار، بينما ارتفع نظيره الخارجي بنحو 0.04 في المائة عند 7.1860.

ويتوقع المشاركون في السوق أن يستمر اليوان في التداول بشكل عرضي في انتظار محفزات جديدة.

وقبل افتتاح السوق، حدد بنك الشعب الصيني سعر متوسط التداول عند 7.1789 يوان مقابل الدولار، وهو أعلى بمقدار 65 نقطة من تقديرات «رويترز» البالغة 7.1854. ويُسمح لليوان الفوري بالتداول بنسبة 2 في المائة على جانبي نقطة المنتصف الثابتة كل يوم.

وفي سوق الأسهم، استقرت أسهم الصين وهونغ كونغ يوم الاثنين، حيث قيّم المستثمرون البيانات الاقتصادية المتباينة، وظلوا حذرين وسط استمرار التوترات الجيوسياسية التي لا تزال تُضعف شهية المخاطرة.

وانخفض مؤشر «سي إس آي 300» الصيني للأسهم القيادية بنسبة 0.1 في المائة بحلول استراحة الغداء، فيما ارتفع مؤشر شنغهاي المركّب بنسبة 0.1 في المائة. كما انخفض مؤشر هانغ سنغ القياسي في هونغ كونغ بنسبة 0.1 في المائة.


مقالات ذات صلة

وزير الخزانة الأميركي يتجه إلى اليابان عقب إخطارها برفع التعريفات

الاقتصاد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يتحدث لصحافيين في مناسبة سابقة بمبنى الكونغرس بالعاصمة واشنطن (رويترز)

وزير الخزانة الأميركي يتجه إلى اليابان عقب إخطارها برفع التعريفات

سيتغيب وزير الخزانة الأميركي عن اجتماع مسؤولي المالية في مجموعة العشرين بجنوب أفريقيا، لكنه سيحضر معرض إكسبو 2025 العالمي في أوساكا باليابان

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد ميناء جدة الإسلامي (موانئ)

نمو لافت في نشاط الموانئ السعودية مع ارتفاع مناولة الحاويات 18.6 % في يونيو

حققت الموانئ السعودية التي تشرف عليها «الهيئة العامة للموانئ (موانئ)» خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، ارتفاعاً في أعداد الحاويات المناولة بنسبة 18.6 في المائة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد دونالد ترمب خلال لقائه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا بالمكتب البيضاوي في مايو 2025 (رويترز)

جنوب أفريقيا تنتقد «رسوم ترمب» وتحذر من أثرها على العلاقات التجارية

قال رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، إن قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، فرض رسوم جمركية بنسبة 30 في المائة على صادرات بلاده يستند إلى تصور خاطئ.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ (جنوب أفريقيا))
الاقتصاد امرأة تمشي على طول شارع وول ستريت خارج بورصة نيويورك (رويترز)

المستثمرون النشطاء يستعدون لتكثيف الضغط على الشركات في النصف الثاني

يستعد المستثمرون النشطاء لتكثيف الضغط من أجل تغييرات على مستوى الشركات في الأشهر المقبلة، مستفيدين من عودة الزخم في صفقات الاندماج والاستحواذ لشنّ حملات جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - فرانكفورت )
الاقتصاد أذرع روبوتية تعمل في أحد المصانع بمدينة تيانجين شمال الصين (إ.ب.أ)

شي يدعو إلى تطوير «الاقتصاد الحقيقي» للصين

شدّد الرئيس الصيني على ضرورة تطوير البلاد للاقتصاد الحقيقي والصناعات التقليدية

«الشرق الأوسط» (بكين)

الذهب يتراجع لأدنى مستوى في أكثر من أسبوع

سبائك ذهبية مكدسة في غرفة صناديق الإيداع الآمن في «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)
سبائك ذهبية مكدسة في غرفة صناديق الإيداع الآمن في «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)
TT

الذهب يتراجع لأدنى مستوى في أكثر من أسبوع

سبائك ذهبية مكدسة في غرفة صناديق الإيداع الآمن في «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)
سبائك ذهبية مكدسة في غرفة صناديق الإيداع الآمن في «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)

تراجعت أسعار الذهب، الأربعاء، إلى أدنى مستوى لها في أكثر من أسبوع، متأثرة بقوة الدولار الأميركي وارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية، في ظل التوترات التي أثارتها تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة بفرض رسوم جمركية جديدة.

وانخفض السعر الفوري للذهب بنسبة 0.4 في المائة، ليصل إلى 1328.96 دولار للأوقية، حتى الساعة 06:24 بتوقيت غرينتش، بعدما سجّل أدنى مستوياته منذ 30 يونيو (حزيران) الماضي. كما تراجعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 0.7 في المائة إلى 1329.50 دولار، وفق «رويترز».

وأعلن ترمب عن نيته فرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المائة على واردات النحاس، بالإضافة إلى رسوم طال انتظارها على أشباه الموصلات والأدوية. وجدد تهديده بفرض رسوم بنسبة 10 في المائة على دول «بريكس»، وذلك بعد يوم من إخطاره 14 دولة، من بينها اليابان وكوريا الجنوبية، بزيادات في الرسوم من المقرر تطبيقها في الأول من أغسطس (آب).

وارتفع مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 0.2 في المائة، بعدما وصل إلى أعلى مستوى له خلال أسبوعين في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، فيما استقر عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات قرب أعلى مستوى له في 3 أسابيع.

وقال إدوارد ماير، محلل في شركة «ماريكس»: «يبدو الرسم البياني للذهب ضعيفاً إلى حد ما، مع كسر قناة الاتجاه الصعودي التي استمرت منذ منتصف فبراير (شباط)». وأضاف أن قوة الدولار وارتفاع عوائد السندات يضعان ضغطاً على أسعار الذهب حالياً.

ويرفع ارتفاع العوائد تكلفة الفرصة البديلة لحيازة السبائك غير المدرة للعوائد، في حين يجعل ارتفاع الدولار المعدن الأصفر المسعر بالدولار أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى.

ويراقب المستثمرون من كثب محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشهر يونيو (حزيران)، المقرر صدوره لاحقاً اليوم، بحثاً عن مؤشرات حول إمكانية خفض أسعار الفائدة، في ظل السياسة النقدية المتوقعة للبنك المركزي.

وقال إيليا سبيفاك، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في «تاست لايف»: «إنه أسبوع خالٍ من البيانات الاقتصادية المهمة، لكن تفاعل الأسواق مع محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في يونيو قد يُحدد اتجاهنا بشأن الجدل الدائر حول سياسة (الاحتياطي الفيدرالي) في مواجهة ضغوط السوق».

في الوقت نفسه، ظلَّت توقعات التضخم لدى الأميركيين مستقرة؛ حيث أظهر أحدث استطلاع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أن توقعات التضخم لمدة عام واحد بلغت 3 في المائة، بانخفاض عن 3.2 في المائة في مايو (أيار)، فيما استقرت توقعات التضخم لفترات 3 و5 سنوات عند 3 في المائة و2.6 في المائة على التوالي.

وانخفض سعر الفضة الفوري بنسبة 0.5 في المائة إلى 36.59 دولار للأونصة، وتراجع البلاتين بنسبة 0.9 في المائة إلى 1346.57 دولار، في حين استقر البلاديوم عند 1110.45 دولار.