«المركزي الأوروبي» يثق باستمرار «الفيدرالي» في توفير الدولارات للخارج

دي غيندوس: تفاؤل الأسواق المالية لا يعكس الواقع الاقتصادي المتقلب

لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
TT

«المركزي الأوروبي» يثق باستمرار «الفيدرالي» في توفير الدولارات للخارج

لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)
لافتة خارج مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

أكّد نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي غيندوس، يوم الأربعاء، أن البنك يواصل مراقبة مدى تعرّض بنوك منطقة اليورو للدولار الأميركي، لكنه شدد في الوقت ذاته على ثقته بأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيواصل توفير السيولة في أوقات الأزمات، رغم التحديات السياسية الأخيرة.

وتأتي هذه التصريحات في أعقاب الهجمات المتكررة التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على «الاحتياطي الفيدرالي»، والتي أثارت تساؤلات جدية بشأن استقلالية البنك المركزي الأميركي، ومدى التزامه بضمان استمرارية تدفق الدولار إلى البنوك الأجنبية عندما تتعرّض أسواق التمويل للضغوط.

وقال دي غيندوس: «لا أشك مطلقاً في أن الاتفاقية المبرمة مع (الاحتياطي الفيدرالي) ستظل ركيزة أساسية للاستقرار المالي العالمي»، مضيفاً أن ما يُعرف بـ«خطوط المبادلة» بين «الاحتياطي الفيدرالي» والبنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها البنك المركزي الأوروبي، «أثبتت فائدتها لكلا الطرفين، وأسهمت بفاعلية في تعزيز الاستقرار المالي على ضفتي الأطلسي».

وكانت وكالة «رويترز» قد كشفت الأسبوع الماضي، بشكل حصري، عن أن الجهات الرقابية في البنك المركزي الأوروبي طلبت من بعض البنوك تقييم مدى حاجتها المحتملة إلى التمويل بالدولار الأميركي في أوقات الأزمات، تحسباً لاحتمال سحب «الاحتياطي الفيدرالي» تلك الخطوط الحيوية.

ورغم هذه المخاوف، ظلّت أسواق تمويل البنوك، مثل اتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) ومقايضات العملات الأجنبية، مستقرة حتى الآن، ولم تُظهر مؤشرات على وجود ضغوط أو شُح في السيولة.

كما حذّر البنك المركزي الأوروبي من أن الانتعاش القوي الذي تشهده أسواق الأسهم والائتمان لا ينسجم مع بيئة عالمية تتسم بتصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، مشيراً إلى اتساع الفجوة بين مستويات تقييم الأصول المالية والواقع الفعلي للاقتصاد.

جاء هذا التحذير في إطار مراجعة الاستقرار المالي نصف السنوية التي يُجريها البنك، والتي ترصد مجموعة من المخاطر الهيكلية والناشئة، بما في ذلك تراجع السيولة لدى الصناديق الاستثمارية، والمبالغة في تقييم أسعار العقارات، وارتفاع معدلات الديون السيادية في الكثير من الدول الأوروبية، وفق «رويترز».

وأوضح التقرير أن الأسواق قد تكون متفائلة أكثر من اللازم، في ظل استهانة واضحة من جانب المستثمرين بالمخاطر المحتملة، سواء من حيث تباطؤ الاقتصاد العالمي، أو تصاعد التوترات التجارية، أو احتمال إخفاق البنوك المركزية في تنفيذ التيسير النقدي المنتظر.

وأكد دي غيندوس أن هناك تناقضاً واضحاً بين الأداء القوي للأسواق المالية والمؤشرات الأساسية للاقتصاد. وقال: «رغم بعض التراجعات الأخيرة، لا تزال تقييمات الأسهم مرتفعة، في وقت لا تعكس فيه فروق العائدات في أسواق السندات مستويات المخاطر الائتمانية بشكل دقيق».

وعدّ التقرير أن الرسوم الجمركية تشكّل «خطراً تراجعياً رئيسياً»، لافتاً إلى أن ارتفاعاً بمقدار انحراف معياري واحد في مؤشر يقيس درجة عدم اليقين في السياسات التجارية قد يؤدي إلى خفض توقعات النمو الاقتصادي بنسبة 0.15 نقطة مئوية خلال أربعة أرباع فقط.

كما أشار إلى أن تصاعد حالة عدم اليقين هذه يؤدي إلى تراجع أسعار أسهم البنوك الأوروبية بنسبة تتجاوز 10 في المائة خلال ستة أشهر، وزيادة تكلفة اقتراضها في أسواق السندات بمقدار 7 نقاط أساس.

وسلّط البنك الضوء على عدد من التهديدات الأخرى، مثل تزايد الهجمات الإلكترونية، وتركّز الاستثمارات في الأسواق الخاصة دون رقابة تنظيمية كافية، بالإضافة إلى تنامي الروابط -وإن كانت لا تزال ضعيفة- بين الأصول المشفّرة والقطاع المالي التقليدي.

كما نبّه دي غيندوس إلى أن الهدوء الظاهر في الأسواق الأوروبية قد يكون خادعاً، محذراً من حالة «الرضا الزائد عن النفس» التي تطغى على المستثمرين، ولا سيما فيما يتعلّق بارتفاع مستويات الديون.

وقال: «الوضع الراهن قد لا يدوم طويلاً، والأسواق ستُجبر قريباً على إعادة النظر في استدامة الأوضاع المالية، وهو ما قد يقود إلى تصحيحات مؤلمة إذا ما تراجعت الثقة».


مقالات ذات صلة

دعوات للحذر في السياسة النقدية الأوروبية وتجميد أسعار الفائدة

الاقتصاد مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

دعوات للحذر في السياسة النقدية الأوروبية وتجميد أسعار الفائدة

أكد بيتر كازيمير، عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، أن الوقت حان لتوخي الحذر في السياسة النقدية، مشيراً إلى أن «البنك» قد يكون أنهى دورة التيسير الحالية.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد كريستين لاغارد تتحدث خلال مؤتمر صحافي في فرنكفورت أبريل 2025 (د.ب.أ)

لاغارد تدعو لتسريع تشريع اليورو الرقمي

جدّدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد الاثنين دعوتها للمشرّعين الأوروبيين إلى تسريع إقرار التشريعات اللازمة لإطلاق محتمل لليورو الرقمي.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرنسا (رويترز)

دي غالهاو من «المركزي الأوروبي» يلمّح إلى خفض الفائدة خلال 6 أشهر

قال عضو لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي الأوروبي، إن أي قرار بتحريك أسعار الفائدة خلال الأشهر الستة المقبلة سيكون على الأرجح في اتجاه خفضها.

«الشرق الأوسط» (باريس - ميلانو )
الاقتصاد مبنى البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

بانيتا: «المركزي» الأوروبي سيواصل نهجه المرن لمواجهة التوترات

أكد فابيو بانيتا، عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي ورئيس «المركزي» الإيطالي، أن البنك سيواصل تبني نهج مرن في رسم سياساته النقدية، في ظل تصاعد التوترات.

«الشرق الأوسط» (ميلانو - فرانكفورت)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)

توتر الشرق الأوسط يرفع عوائد السندات الأوروبية... ولاغارد: اليورو في «لحظة عالمية»

شهدت عوائد السندات الحكومية في منطقة اليورو ارتفاعاً طفيفاً خلال التعاملات المبكرة من يوم الثلاثاء، في ظل تداولات هادئة نسبياً في سوق سندات الخزانة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تراجع الدولار والذهب... هل تتجاوز مصر تداعيات الضربات الإسرائيلية - الإيرانية؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمود عصمت الثلاثاء بمدينة العلمين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمود عصمت الثلاثاء بمدينة العلمين (الرئاسة المصرية)
TT

تراجع الدولار والذهب... هل تتجاوز مصر تداعيات الضربات الإسرائيلية - الإيرانية؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمود عصمت الثلاثاء بمدينة العلمين (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الكهرباء محمود عصمت الثلاثاء بمدينة العلمين (الرئاسة المصرية)

مع دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ، شهدت الأسواق المصرية تحسناً ملموساً عَكَسه تراجع في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وانخفاض في أسعار الذهب، ما أثار تساؤلات بشأن إمكانية تجاوز القاهرة تداعيات حرب الـ12 يوماً، وتعزيز الآمال بقرب عودة الملاحة بقناة السويس لطبيعتها، وانتظام واردات البلاد من الغاز.

وتراجع سعر الدولار أمام الجنيه في البنوك، الثلاثاء، بنحو 60 قرشاً، ليصل سعر صرف الدولار إلى 50.1 جنيه في البنك المركزي. كما شهد سعر الذهب استقراراً نسبياً، الثلاثاء، بعد تراجعات سجلها، مساء الاثنين، بلغت نحو 25 جنيهاً في سعر الغرام، حسب ما نقلته وسائل إعلام محلية.

كانت الضربات الإسرائيلية - الإيرانية قد أحدثت ارتباكاً في الأسواق المصرية، عَكَسه تراجع في مؤشرات البورصة، وعدم انتظام واردات الغاز، ما كان يثير مخاوف بأزمة كهرباء.

وكثفت الحكومة المصرية خلال الأيام الأخيرة جهودها لتلافي تداعيات نقص واردات الغاز على الكهرباء.

وعقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعاً، الثلاثاء، مع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمود عصمت، تناول جهود «رفع جودة وكفاءة الطاقة وترشيدها والتشغيل الاقتصادي لمحطات الكهرباء بما يحقق وفراً في الوقود، وكذا جهود تحسين الشبكة القومية للكهرباء عن طريق مشروعات الربط الكهربائي، ومحاولات تلبية الاحتياجات من الغاز والوقود لتشغيل محطات الكهرباء»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الرئاسة.

وأكد السيسي «ضرورة تكثيف الجهود الحكومية لجذب الاستثمارات لقطاع الطاقة المتجددة، والعمل على استدامة الإمدادات لشبكة الكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية»، وفق الإفادة.

وكانت وزارة البترول المصرية قد فعَّلت في بداية التصعيد خطة طوارئ، «نظراً للأعمال العسكرية التي نشبت بالمنطقة، وتوقف إمدادات الغاز من الشرق (الغاز الإسرائيلي)»، وشملت الخطة «إيقاف إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية»، بحسب إفادة رسمية وقتها.

«رسالة طمأنينة»

أبدى الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة، تفاؤلاً بانعكاسات اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران على الأسواق. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اتفاق وقف إطلاق النار بعث رسالة طمأنينة إلى الأسواق انعكست على حركة التداولات وأسعار النفط والذهب وسعر الصرف».

وأضاف: «الأسواق استجابت سريعاً واستقرت»، مشيراً إلى أن هذا الاستقرار، حال استمرّ وقف إطلاق النار، سيساعد مصر على تجاوز تداعيات التصعيد الأخير. وأعرب عن أمله أن «يسهم الاستقرار في تشجيع الاستثمار وعودة حركة الملاحة في قناة السويس إلى طبيعتها والتي تأثرت سلباً بحرب غزة».

سفينة حاويات في أثناء عبورها بقناة السويس (هيئة قناة السويس)

وبلغت خسائر قناة السويس بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر وهجمات «الحوثيين» على السفن المارة بمضيق باب المندب، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، نحو 7 مليارات دولار، العام الماضي.

وفي الآونة الأخيرة، تحدثت هيئة قناة السويس عن عودة تدريجية للملاحة بالقناة، تزامناً مع تقديم «حوافز» لتشجيع سفن الحاويات العملاقة على المرور بالقناة.

وقال الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، في إفادة رسمية، مساء الجمعة الماضي، إن «عودة سفن الحاويات العملاقة للعبور من قناة السويس يعد أمراً حتمياً نظراً لما تتمتع به القناة من مزايا تنافسية عديدة تجعلها الممر الملاحي الأقصر والأسرع والأكثر أماناً واستدامة».

وأكدت خبيرة الاقتصاد، شيماء سراج عمارة، أن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني كانت له تأثيرات آنية على الاقتصاد العالمي، ما انعكس على مصر في ارتفاع أسعار الدولار وتزايد المخاوف من تأثر الملاحة في قناة السويس.

وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عن وقف إطلاق النار بدأت المؤشرات التصاعدية لأسعار الوقود والذهب تتراجع، «ما غيَّر دفة الاقتصاد العالمي الذي كان يتجه وبقوة نحو المزيد من الموجات التضخمية».

وأضافت: «الاقتصاد المصري جزء من المنظومة العالمية، وحتماً سينعكس تحسن المؤشرات العالمية على قدراته، لترتفع معدلات التنمية الاقتصادية، ويتم السيطرة بصورة أفضل على أسعار النقد الأجنبي»، مشيرة إلى أن «استقرار المنطقة يدفع نحو عودة الملاحة في قناة السويس لطبيعتها، ويزيد من تدفقات النقد الأجنبي».

وكان رئيس الوزراء المصري قد حذر في أبريل (نيسان) الماضي من «احتمالية حدوث موجة تضخم وركود اقتصادي عالمي خلال الفترة المقبلة في ظل المشهد الإقليمي المضطرب».