كيف ينعكس استرداد «الضريبة المضافة» على السياحة السعودية؟

إنهاء إجراءات أحد المسافرين بـ«مطار الملك خالد الدولي» في الرياض (الشرق الأوسط)
إنهاء إجراءات أحد المسافرين بـ«مطار الملك خالد الدولي» في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

كيف ينعكس استرداد «الضريبة المضافة» على السياحة السعودية؟

إنهاء إجراءات أحد المسافرين بـ«مطار الملك خالد الدولي» في الرياض (الشرق الأوسط)
إنهاء إجراءات أحد المسافرين بـ«مطار الملك خالد الدولي» في الرياض (الشرق الأوسط)

بعد إجراء الحكومة السعودية تعديلات على اللائحة التنفيذية لنظام الضريبة على القيمة المضافة، ومن ضمنها استرداد الضريبة للسياح عند مغادرتهم أراضي البلاد؛ وجّهت «الشرق الأوسط» تساؤلات إلى مختصين لمعرفة أهمية هذه الميزة، وكيف يمكن أن تنعكس على السياحة السعودية. وأكد عدد منهم أن الخدمة تحفّز الزوار للقدوم إلى البلاد، خصوصاً أن الرياض أصبحت من أهم الوجهات السياحية في المنطقة، نظراً إلى التطورات التي شهدتها المملكة بإنشاء مرافق ترفيهية ومنتجعات سياحية تنافس نظيراتها العالمية، والتسهيلات المقدمة في الآونة الأخيرة لتحقيق المستهدفات المرسومة.

وكان مجلس إدارة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية قد وافق على التعديلات التنفيذية لنظام ضريبة القيمة المضافة التي سيتم العمل بها بدءاً من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية، يوم الجمعة؛ حيث سيُسمح للسياح باسترداد الضريبة على مشترياتهم من السلع المؤهلة للاسترداد التي تم دفع مقابلها في المملكة عند مغادرة البلاد. وسيتم ردّ ضريبة القيمة المضافة، البالغة 15 في المائة، التي دفعها السياح عند شراء السلع والخدمات في السعودية إليهم عند مغادرتهم.

ودخل الإعفاء الجديد من الضريبة على القيمة المضافة حيز التنفيذ يوم الجمعة 18 أبريل (نيسان). وقدمت المملكة تسهيلات عدة إلى السياح الأجانب، بدءاً من التعديلات في الأنظمة والتشريعات، وصولاً إلى التأشيرات الإلكترونية التي أسهمت كثيراً في رفع حجم الزوار القادمين، وتحقيق رقم قياسي جديد في إنفاق السياح من الخارج بنحو 154 مليار ريال (41 مليار دولار) خلال العام الماضي، مسجلاً نمواً بنسبة 14 في المائة، ومدفوعاً بالزيادة القوية خلال النصف الثاني من 2024.

ويتماشى هذا الإجراء مع الاستراتيجية الوطنية للسياحة، مما يُسهم بشكل كبير في الإيرادات غير النفطية ونمو القطاع الخاص.

تنويع مصادر الدخل

وأوضح اختصاصي الضريبة على القيمة المضافة، علي الناصر، لـ«الشرق الأوسط»، أن القرار يُعد واحداً من الخطوات المهمة التي تعكس توجه المملكة نحو تعزيز مكانتها كونها وجهة سياحية عالمية، خصوصاً ضمن «رؤية 2030» التي تسعى لتنويع مصادر الدخل وزيادة إسهام القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني.

وأردف الناصر: «انخفاض تكلفة الشراء الفعلية للسلع داخل المملكة بمقدار 15 في المائة (مقدار الضريبة التي دفعها السائح عن مشترياته)، سيكون دافعاً أكبر للسائح للشراء والإنفاق داخل البلاد، وهذا الأمر سيحفّز الحركة الاقتصادية، ويشجّع المتاجر على تحسين الخدمات والتسويق لجذب السياح».

وتابع أنه «بحسب اللائحة التنفيذية لضريبة القيمة المضافة فأنصح السياح الأجانب باتباع بعض التعليمات المهمة للتأكد من قيامهم بتقديم طلب الاسترداد الضريبي بشكل صحيح، ولا بد أن تكون المشتريات مدفوعة في المملكة للاستخدام الشخصي ولم تُستهلك فعلياً داخل البلاد، وكذلك الحصول على فاتورة ضريبية تثبت دفع قيمتها على المشتريات».

وأكمل اختصاصي الضريبة المضافة، أنه بطبيعة الحال لا يشمل الاسترداد أي منتجات استُهلكت في المملكة أو خدمات؛ منها: الفندقية، والطعام والشراب، والمواد الغذائية، وكذلك منتجات التبغ، وشراء المركبات، وغيرها حسب نص اللائحة التنفيذية، «ولا بد أن تتم عملية الاسترداد قبل مغادرة المملكة عبر المنافذ التي يوجد فيها مزود الخدمة المعتمد من قِبل الهيئة».

زيادة القوة الشرائية

وحسب التوقعات، فإن هذا القرار يُسهم في رفع عدد السياح الأجانب بشكل واضح، كون المملكة ستكون جاذبة للتسوق بعد انخفاض التكلفة على السائح، وفق الناصر.

وبيّن أن المملكة استقبلت أكثر من 30 مليون زائر أجنبي في 2024، وبعد هذا القرار، من المتوقع ارتفاع العدد بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة خلال السنوات المقبلة، خصوصاً مع تحسين تجربة الزائر وسهولة استرداد الضريبة.

وتوقع الناصر أيضاً زيادة إنفاق السياح على المشتريات بمتوسط 10 إلى 15 في المائة لعلمهم باسترداد الضريبة، وهذا -بلا شك- سيعزّز الدخل لكل من القطاعات المرتبطة مثل متاجر التجزئة، وسيكون له أثر في قطاع النقل والفندقة بشكل غير مباشر حتى مع عدم استرداد ضريبتها.

الميزة التنافسية

من جانبه، قال المختص في الشؤون السياحية، محمد العبد الكريم، لـ«الشرق الأوسط»، إن المملكة تمكّنت من استقبال 30 مليون سائح دولي، نتيجةً للتسهيلات المقدمة إلى الزوار بالإضافة إلى التطورات السياحية التي تشهدها البلاد مؤخراً.

وأفاد بأن قرار هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بالسماح باسترداد الضريبة للسياح الأجانب يُعدّ نقلة نوعية في تعزيز جاذبية المملكة كونها وجهة سياحية عالمية، ويواكب مستهدفات «رؤية 2030».

وهذه الخطوة ترفع من رضا الزائر، وتمنحه ميزة تنافسية عبر توفير جزء من تكاليف مشترياته داخل البلاد، مما يشجعه على الإنفاق والاستمتاع بتجربة تسوّق متكاملة.

ووجه العبد الكريم نصائح إلى السياح القادمين للمملكة في الفترة المقبلة بالاحتفاظ بفواتير الشراء من المتاجر المشاركة، والتأكد من إدخال بيانات جواز السفر عند الدفع، ثم التوجه إلى نقاط الاسترداد في المطار قبل المغادرة، لاسترجاع المبلغ نقداً أو عبر البطاقة.

وأضاف أن ميزة استرداد الضريبة لا تعزّز فقط من التجربة السياحية، بل تخفّف من التكاليف المادية على السائح، مما يجعله أكثر رغبة في العودة والتوصية بالزيارة.


مقالات ذات صلة

الخسائر المتراكمة لـ«كيان السعودية للبتروكيماويات» تتخطى 35 % من رأس المال

الاقتصاد مبنى «كيان السعودية» (موقع الشركة)

الخسائر المتراكمة لـ«كيان السعودية للبتروكيماويات» تتخطى 35 % من رأس المال

تخطت الخسائر المتراكمة لشركة «كيان السعودية للبتروكيماويات» نسبة 35.59 في المائة من رأسمالها البالغ 15 مليار ريال (4 مليارات دولار)، لتسجل نحو 5.34 مليار ريال.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة جوية للعاصمة السعودية الرياض (واس)

التضخم بالسعودية يحافظ على استقراره في مايو... والإيجارات تواصل تأثيرها

استقر معدل التضخم السنوي في السعودية عند 2.2 في المائة خلال شهر مايو (أيار) 2025، محافظاً على وتيرة قريبة من مستوى أبريل (نيسان) البالغ 2.3 في المائة.

آيات نور (الرياض)
الاقتصاد صورة جوية للعاصمة السعودية الرياض (واس)

التضخم في السعودية يستقر عند 2.2 في المائة خلال مايو

حافظ معدل التضخم السنوي في السعودية على استقراره نسبياً عند 2.2 في المائة خلال شهر مايو (أيار) 2025 مقارنة بنظيره من عام 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء الملك عبد العزيز بالدمام (الهيئة العامة للموانئ)

خدمة شحن جديدة تعزز ربط مواني شرق السعودية بـ12 وجهة عالمية

أعلنت «الهيئة العامة للموانئ» عن إضافة خدمة الشحن الجديدة «هيمالايا إكسبريس» إلى ميناء الملك عبد العزيز في الدمام وميناء الجبيل التجاري.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
خاص معمل غاز «الفاضلي» التابع لشركة «أرامكو»... (الشرق الأوسط)

خاص اكتشافات الطاقة تعزز مكانة السعودية وتدعم استدامة الإمدادات العالمية

جاءت الإعلانات الأخيرة من جانب السعودية عن سلسلة الاكتشافات الجديدة المتعلقة بالطاقة؛ بما فيها النفط والغاز، لتؤكد توسع احتياطات البلاد.

بندر مسلم (الرياض)

التصعيد بين إسرائيل وإيران: ما مصير أسواق الذهب والنفط؟

الدخان يتصاعد من منشأة لتخزين النفط يبدو أنها تعرضت لضربة إسرائيلية يوم السبت (أ.ب)
الدخان يتصاعد من منشأة لتخزين النفط يبدو أنها تعرضت لضربة إسرائيلية يوم السبت (أ.ب)
TT

التصعيد بين إسرائيل وإيران: ما مصير أسواق الذهب والنفط؟

الدخان يتصاعد من منشأة لتخزين النفط يبدو أنها تعرضت لضربة إسرائيلية يوم السبت (أ.ب)
الدخان يتصاعد من منشأة لتخزين النفط يبدو أنها تعرضت لضربة إسرائيلية يوم السبت (أ.ب)

أدخل الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران أسواق الطاقة والمعادن الثمينة إلى قلب المواجهة، دافعاً بأسعار النفط نحو الارتفاع وعزز مكانة الذهب بصفته أبرز ملاذ آمن.

ففي منطقة الشرق الأوسط التي تعدّ عصب إمدادات الطاقة العالمية، انتقلت المواجهة من حرب الظل إلى تبادل الضربات المباشرة، مثيرة قلقاً واسعاً في الأسواق المالية العالمية حول مصير أسواق الذهب والنفط. السؤال الأهم الآن: هل ستصبح هاتان السلعتان مصدراً للمخاطر والملاذ الآمن في آن واحد؟ وكيف سيتفاعل المستثمرون مع هذا المشهد المتقلب؟

مواجهة إسرائيل وإيران وإمدادات النفط

يمثل قرار إسرائيل شن هجوم على البنية التحتية للطاقة في إيران، واستهداف محطتين لمعالجة الغاز على الأقل ومستودعين للوقود، مقامرة عالية المخاطر زادت من التوتر في أسواق الطاقة العالمية، ودفعت بأسعار النفط إلى تقلبات حادة.

هذه الهجمات عززت القفزات التي بدأ النفط يسجلها مع بدء الهجوم الإسرائيلي يوم الجمعة، والتي استتبعها يوم الاثنين بارتفاع جديد لخام برنت بنسبة 5.5 في المائة ليصل إلى أكثر من 78 دولاراً للبرميل، وهو مستوى لم يُسجَّل منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل أن يتخلى عن بعض هذه المكاسب ليتداول عند سعر يزيد قليلاً على 74 دولاراً.

أفراد الطوارئ يعملون في موقع الاصطدام بعد هجوم صاروخي من إيران على إسرائيل (رويترز)

ويُشير محللون إلى أن السوق تركز بشكل خاص على البنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وعلى مضيق هرمز نفسه. هذا الممر المائي الضيق يعدّ شرياناً حيوياً، حيث تُصدّر عبره إيران ودول المنطقة نحو ثلث النفط والغاز المنقول بحراً في العالم. أي اضطراب في هذه المنطقة، التي تعدّ قلب إنتاج النفط والغاز العالميين، يؤثر بشكل مباشر على الإمدادات والأسعار.

توقعات كبرى المؤسسات المالية تعكس هذا القلق. فقد أعلنت شركة «بي إم بي سوليوشن» التابعة لمؤسسة «فيتش» يوم الاثنين أنه في حال اختارت إيران توسيع نطاق هجماتها على الأصول الأميركية في المنطقة، سترتفع أسعار النفط أولاً إلى ما بين 75 و100 دولار للبرميل؛ نظراً إلى ارتفاع أقساط المخاطر، ثم تنتقل إلى نطاق 100 - 150 دولاراً للبرميل في حال إغلاق مضيق هرمز.

وقدّرت أن تخفّض أسعار النفط التي تتراوح بين 75 و100 دولار للبرميل، النمو العالمي بنحو 0.08 نقطة مئوية، وأن ترفع متوسط ​​معدل التضخم بمقدار 0.49 نقطة مئوية. وبالمثل، فإن الأسعار التي تتراوح بين 100 و150 دولاراً للبرميل ستخفض النمو العالمي بمقدار 0.23 نقطة مئوية، وسترفع متوسط ​​التضخم العالمي بمقدار 1.34 نقطة مئوية.

من جهته، رأى بنك «جي بي مورغان تشيس» أن أسعار النفط قد تصعد إلى 130 دولاراً للبرميل في حال استمرار الصراع بين إسرائيل وإيران، بينما توقعت شركة «آي إن جي بارنغز» أن تتضاعف أسعار النفط لتصل إلى 150 دولاراً للبرميل في وقت لاحق من عام 2025 في هذه الحالة. كما يؤثر ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين البحري بشكل كبير على الأسعار النهائية للنفط؛ ما يزيد من أعباء المستوردين.

وفي هذا الإطار، أكد المهندس أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية»، يوم الاثنين، أن «أهمية النفط والغاز لا يمكن التقليل منها، خصوصاً في أوقات الصراعات - وهو ما نشهده حالياً». وأضاف: «لأن وقائع التاريخ أثبتت لنا أنه عند نشوب الصراعات، لا يُمكن التقليل من أهمية النفط الخام والغاز. ونحن نشهد ذلك في الوقت الراهن، في ظل استمرار التهديدات لأمن الطاقة وتسببها في قلق على الصعيد العالمي... ويخبرنا التاريخ أيضاً أن مصادر الطاقة الجديدة لا تحل محل التقليدية، بل تُضيف إلى مزيج الطاقة».

من جانبه، حذّر رئيس البنك الفيدرالي الألماني يواخيم ناغل، يوم الاثنين، من مخاطر «صدمة نفطية» قد تتسبب في «ارتفاع شديد في (أسعار) النفط» و«تنسف توقّعاتنا» في مجال التضخم والنموّ.

هل إغلاق مضيق هرمز وارد؟

ومع تضرر قطاع الطاقة الإيراني، وتهديدات رسمية بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي لمرور شاحنات النفط والغاز، يقلل موقع «تانكر تراكرز» المتخصص في متابعة ناقلات النفط احتمالات إغلاق المضيق، واصفاً إياها بأنها «ضئيلة»، مع وصول صادرات نفط إيران لنحو مليونَي برميل يومياً، في آخر أسبوعين قبل الحرب.

يمر عبر مضيق هرمز ما يقرب من 90 في المائة من صادرات نفط الخليج العربي عبر مضيق هرمز. وقد نقلت ناقلات النفط ما يقدر بنحو 20 مليون برميل يومياً عبر هذا الممر في عام 2022، ما يمثل ما يقرب من خُمس شحنات النفط العالمية. كما يمر عبره ما نسبته 20 في المائة من الغاز الطبيعي السائل.

ويقول توشيتاكا تازاوا، المحلل في «فوجيتومي» للأوراق المالية، إن «الأسواق تراقب احتمال حدوث اضطرابات في إنتاج النفط الإيراني... وقد تؤدي زيادة المخاوف من غلق مضيق هرمز إلى ارتفاع حاد في الأسعار».

من جهتها، الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، أبدت قلقها على لسان وزير نفطها هارديب بوري، الذي قال إن بلاده تراقب إمدادات النفط والوضع الجيوسياسي الناشئ في الشرق الأوسط. مؤكداً أنه سيجتمع بالمديرين التنفيذيين في قطاع الطاقة لتقييم الوضع.

ناقلة نفط تمر عبر مضيق هرمز (أرشيفية - رويترز)

الذهب: ملاذ لا يخبو بريقه

شهدت أسواق الذهب تفاعلاً فورياً مع التصعيد بين إسرائيل وإيران، حيث سجل المعدن الأصفر مكاسب ملحوظة في بداية الأمر، مؤكداً دوره بصفته ملاذاً آمناً بامتياز في أوقات الأزمات الجيوسياسية. فعقب الهجمات، ارتفع الذهب الفوري بنسبة تجاوزت 1 في المائة ليصل إلى مستويات قريبة من 3449 - 3450 دولاراً للأونصة، وهو ما يمثل أعلى سعر وصل إليه بعد الأحداث. كانت هناك مراهنات على وصوله إلى 3500 دولار، بل و3600 دولار في حال تطور الاشتباكات.

كما يبقى الذهب مرساة للاستقرار، خاصة بالنسبة للبنوك المركزية. فقد أظهرت بيانات حديثة أن الذهب تجاوز اليورو العام الماضي ليصبح ثاني أكبر أصول الاحتياطي العالمي بين البنوك المركزية العالمية، بعد موجة شراء قياسية تعكس سعي الدول لتعزيز احتياطياتها وتخفيف الاعتماد على العملات التقليدية، لا سيما الدولار.

يرى ريكاردو إيفانجيليستا، كبير المحللين في شركة «أكتيف تريدس» للوساطة المالية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المكاسب الأولية للذهب جاءت مدفوعة بارتفاع الطلب على الأصول الآمنة، في ظل تدهور المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، عقب تبادل الهجمات الصاروخية بين إسرائيل وإيران».

عوامل صعودية للذهب

ولفت محللون إلى إن النظرة العامة للذهب تبقى صعودية، مدعومة بعوامل هيكلية عدة، منها:

  • حتى لو لم يتصاعد الصراع الحالي إلى حرب شاملة، فإن منطقة الشرق الأوسط تظل بؤرة للتوترات. عدم اليقين المستمر هذا يدفع المستثمرين والبنوك المركزية إلى الاحتفاظ بالذهب مخزناً للقيمة. وأي تجدد للتصعيد أو انتشار الصراع سيؤدي حتماً إلى قفزات جديدة في أسعار الذهب.
  • مشتريات البنوك المركزية القياسية: واصلت البنوك المركزية مشترياتها الضخمة من الذهب، حيث سجلت 244 طناً في الربع الأول من عام 2025، متجاوزة المتوسط الفصلي لخمس سنوات بنسبة 25 في المائة. مع العلم أن هذا الاتجاه مستمر منذ سنوات، حيث تجاوزت المشتريات 1000 طن سنوياً لمدة ثلاث سنوات متتالية (2022 - 2024). وتعكس هذه المشتريات رغبة في تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار، والتحوط ضد المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة. هذه المشتريات الضخمة من قِبل جهات سيادية تضع أرضية قوية لأسعار الذهب.
  • توقعات التضخم والسياسة النقدية: رغم تباطؤ التضخم في بعض الاقتصادات، لا تزال المخاوف التضخمية قائمة، خاصة مع أي اضطراب في سلاسل الإمداد أو ارتفاع في أسعار الطاقة نتيجة للتوترات الجيوسياسية. كما تقلل توقعات خفض أسعار الفائدة من قِبل البنوك المركزية الكبرى، لا سيما الاحتياطي الفيدرالي من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يدر عائداً؛ ما يجعله أكثر جاذبية.
  • الضبابية الاقتصادية العالمية: النمو الاقتصادي العالمي يواجه تحديات، وهناك مخاوف من ركود محتمل في بعض الاقتصادات. في بيئة كهذه، يميل المستثمرون إلى الأصول الآمنة مثل الذهب. كما أن تأثير الصراعات على سلاسل الإمداد وتكاليف الشحن يزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي.

سبائك وعملات ذهبية داخل غرفة صناديق الأمانات في «دار الذهب» بميونيخ الألمانية (رويترز)

أرقام قياسية

يتفق معظم المحللين على أن الذهب قريب من تجاوز أعلى مستوى تاريخي له (الذي وصل تقريباً إلى 3500 دولار للأونصة في أبريل/نيسان 2025). البعض يرى أن 3425 دولاراً يمثل مستوى مقاومة مهماً، واختراقه سيفتح الطريق نحو 3500 دولار وما بعدها.

ويظل كل من «جي بي مورغان» و«يو بي إس» متفائلين، مع توقعات بوصول الذهب إلى 3675 دولاراً للأونصة بحلول الربع الأخير من 2025، وربما 4000 دولار للأونصة بحلول منتصف 2026، مدعوماً بالتحوط ضد الركود التضخمي وتدهور العملات.

متداولون في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

في ظل هذا التوازن الهش، تظل أنظار المتداولين مركّزة على المحادثات التجارية الجارية، والتي تواصل لعب دور محوري في تشكيل التوقعات بشأن الأداء الاقتصادي العالمي. كما تترقب الأسواق باهتمام اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي وقراره المرتقب هذا الأسبوع بشأن أسعار الفائدة. ورغم أن التوقعات تشير إلى الإبقاء على معدلات الفائدة دون تغيير، فإن المستثمرين سيولون اهتماماً خاصاً للبيان المصاحب ووقائع المؤتمر الصحافي الذي سيعقب الاجتماع؛ بحثاً عن إشارات تخص توجهات السياسة النقدية على المدى القريب.