غموض يكتنف المشهد التجاري... تقلبات الأسواق مستمرة وقلق من ركود عالمي

تراجع حاد في الأسهم والسندات وارتفاع قياسي للذهب

متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ب)
متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ب)
TT

غموض يكتنف المشهد التجاري... تقلبات الأسواق مستمرة وقلق من ركود عالمي

متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ب)
متداول يعمل في بورصة نيويورك (أ.ب)

لم يُظهر أسبوع من الاضطرابات التي أطلقتها الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب أي مؤشرات على الانفراج حتى يوم الجمعة، حيث شهدت الأسواق المالية تقلبات جديدة، فيما تصارع القادة الأجانب لتحديد كيفية التعامل مع تفكك نظام التجارة العالمي.

وتبددت سريعاً فترة التهدئة القصيرة التي شهدتها الأسهم المتعثرة، وذلك عقب إعلان ترمب تعليق الرسوم الجمركية على عشرات الدول لمدة 90 يوماً، لتعود الأنظار مجدداً إلى حربه التجارية المتصاعدة مع الصين، والتي أججت المخاوف من دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود، وفق «رويترز».

وفي محاولة لطمأنة المتشككين، أفاد وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، خلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم الخميس، بأن أكثر من 75 دولة أبدت رغبتها في بدء مفاوضات تجارية. كما أعرب ترمب نفسه عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

لكن استمرار حالة عدم اليقين أدى إلى تمديد واحدة من أكثر الفترات تقلباً في الأسواق منذ الأيام الأولى لجائحة كوفيد-19.

فقد أغلق «مؤشر ستاندرد آند بورز 500» منخفضاً بنسبة 3.5 في المائة يوم الخميس، ما جعله يتراجع بحوالي 15 في المائة عن أعلى مستوى بلغه في فبراير (شباط). كما تراجعت مؤشرات الأسهم الآسيوية في الغالب على غرار أداء وول ستريت، حيث انخفض مؤشر «نيكي» الياباني بنسبة 4 في المائة، رغم تسجيل أسواق تايوان وهونغ كونغ ارتفاعاً طفيفاً. ومن المتوقع أن تفتتح الأسهم الأوروبية تداولاتها على ارتفاع محدود.

وفي سوق السندات، تسارعت وتيرة البيع، وهو ما لفت انتباه ترمب قبل توقف التداول يوم الأربعاء. وشهد يوم الجمعة توقعات بأكبر زيادة أسبوعية في تكاليف الاقتراض طويل الأجل بالولايات المتحدة منذ عام 1982. وفي المقابل، سجل الذهب، الملاذ الآمن للمستثمرين في أوقات الأزمات، مستوى قياسياً جديداً.

وقال آدم هيتس، رئيس الأصول المتعددة عالمياً في صندوق الاستثمار «جانوس هندرسون»: «مخاطر الركود الآن أعلى بكثير مما كانت عليه قبل أسبوعين».

من جانبه، تجاهل بيسنت اضطرابات السوق المتجددة، مؤكداً أن إبرام اتفاقيات مع دول أخرى سيُعيد الاستقرار واليقين.

وأعلن البيت الأبيض عن توصل الولايات المتحدة وفيتنام إلى اتفاق لبدء محادثات تجارية رسمية. كما تستعد تايوان، مركز التصنيع في جنوب شرق آسيا، لاتخاذ إجراءات صارمة بحق البضائع الصينية التي تمر عبر أراضيها في طريقها إلى الولايات المتحدة، محاولة بذلك تجنب الرسوم الجمركية، بحسب ما أفادت به «رويترز» يوم الجمعة بشكل حصري.

في الأثناء، شكّل رئيس الوزراء الياباني، شيجيرو إيشيبا، فريق عمل تجارياً يخطط لزيارة واشنطن الأسبوع المقبل. وأعلنت تايوان أيضاً عن توقعها بأن تكون ضمن أولى الدول التي ستبدأ محادثات تجارية مع الولايات المتحدة.

صفقة محتملة مع الصين؟

في خطوة مفاجئة، علّق ترمب رسومه الجمركية «المتبادلة» على بعض الدول بعد ساعات من دخولها حيز التنفيذ في وقت سابق من الأسبوع، لكنه رفع في المقابل الرسوم على الواردات الصينية، رداً على أولى خطوات بكين في التصعيد.

ووفقاً لأحد مسؤولي البيت الأبيض، فقد فرض ترمب حتى الآن رسوماً جمركية جديدة على البضائع الصينية بنسبة إجمالية بلغت 145 في المائة منذ توليه الرئاسة.

وبينما يتواصل المسؤولون الصينيون مع شركاء تجاريين آخرين بشأن كيفية التعامل مع الرسوم الأميركية، أجرت بكين محادثات مع نظرائها في كل من إسبانيا، والسعودية، وجنوب أفريقيا.

وعلى الرغم من ذلك، أعرب ترمب للصحافيين في البيت الأبيض عن ثقته في إمكانية التوصل إلى صفقة مع الصين، مكرراً اتهاماته بأن بكين «استغلت» الولايات المتحدة لفترة طويلة.

وقال: «أنا متأكد من أننا سنتمكن من التفاهم بشكل جيد للغاية»، مضيفاً أنه يكن احتراماً للرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي وصفه بـ«الصديق منذ وقت طويل»، ومعرباً عن اعتقاده بأن اتفاقاً مفيداً لكلا البلدين سيتم التوصل إليه في نهاية المطاف.

ورداً على التهديدات الأميركية، فرضت الصين، التي رفضت ما وصفته بـ«الابتزاز»، قيوداً على واردات أفلام هوليوود، في خطوة استهدفت أحد أبرز القطاعات التصديرية الأميركية.

تجدر الإشارة إلى أن تعليق الرسوم الجمركية الأميركية لا يشمل الرسوم المفروضة على كندا والمكسيك، حيث لا تزال سلع البلدين خاضعة لرسوم بنسبة 25 في المائة على خلفية أزمة الفنتانيل، ما لم تلتزما بقواعد المنشأ المنصوص عليها في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.

وبينما يستمر التوتر التجاري بين أكبر ثلاثة شركاء للولايات المتحدة، قدّر «غولدمان ساكس» احتمالية دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود بنسبة 45 في المائة.

ورغم التراجع الجزئي في الرسوم، فإن متوسط معدل الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية بلغ أعلى مستوياته منذ أكثر من مائة عام، وفقاً لباحثين من جامعة «ييل».

هذا التوقف لم يكن كافياً لتبديد مخاوف مجتمع الأعمال من تداعيات حرب ترمب التجارية وتنفيذها المرتبك، والتي تمثلت في ارتفاع التكاليف، وتراجع الطلب، واضطراب سلاسل التوريد.

إلا أن بارقة أمل ظهرت حين أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الخميس عن تعليقه لأول حزمة من الرسوم الجمركية المضادة له.

وكان من المقرر أن يفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية مضادة على واردات أميركية تُقدَّر بنحو 21 مليار يورو (23 مليار دولار) يوم الثلاثاء المقبل، رداً على رسوم ترمب البالغة 25 في المائة على الصلب والألمنيوم. ولا يزال الاتحاد يُقيّم كيفية الرد على الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات، والرسوم الأوسع نطاقاً بنسبة 10 في المائة التي لا تزال سارية. ومن المقرر أن يعقد وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي الـ27 اجتماعاً تشاورياً يوم الجمعة لبحث سبل استغلال فترة التوقف للتوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن، وتنسيق جهودهم لمواجهة أي تصعيد إضافي في حال فشل المفاوضات.

وتُقدّر السلطات الأوروبية أن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على اقتصاد القارة قد يتراوح بين 0.5 في المائة و1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبالنظر إلى التوقعات بنمو اقتصادي لا يتجاوز 0.9 في المائة هذا العام، بحسب البنك المركزي الأوروبي، فإن تلك الرسوم قد تدفع الاتحاد الأوروبي إلى حالة ركود.


مقالات ذات صلة

«وول ستريت» تتراجع... و«ستاندرد آند بورز 500» يقترب من أول خسارة في 7 أيام

الاقتصاد متداول يعمل في بورصة نيويورك (رويترز)

«وول ستريت» تتراجع... و«ستاندرد آند بورز 500» يقترب من أول خسارة في 7 أيام

شهدت مؤشرات الأسهم الأميركية تراجعاً يوم الثلاثاء، مع تباطؤ الزخم في «وول ستريت» عقب موجة انتعاش أوصلتها إلى مستويات قريبة من أعلى ما سجلته هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد سهم شركة «كاتل» خلال حفل الإدراج في هونغ كونغ (أ.ب)

الأسهم الآسيوية ترتفع بعد خفض الصين أسعار الفائدة

ارتفعت الأسهم الآسيوية، يوم الثلاثاء، بعد أن خفّضت الصين أسعار الفائدة الرئيسية، في محاولة لمواجهة التداعيات الاقتصادية التي تفاقمت جراء الحرب التجارية.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ)
الاقتصاد متداولان في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

«وول ستريت» تفتتح على تراجع بعد خفض تصنيف «موديز»

انخفضت الأسهم والسندات الأميركية وقيمة الدولار الأميركي يوم الاثنين، بعد أحدث تذكير بأن الحكومة الأميركية تتجه نحو جبل من الديون لا يمكن تحمله.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد رجل يلتقط صورة بهاتفه للوحة إلكترونية تعرض مؤشرات السوق في بورصة «بي 3» في ساو باولو (أرشيفية - رويترز)

«جي بي مورغان» ترفع تصنيفها لأسهم الأسواق الناشئة

رفعت «جي بي مورغان» تصنيفها لأسهم الأسواق الناشئة من «محايد» إلى «زيادة الوزن» يوم الاثنين، مشيرة إلى انحسار التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مستثمر ينظر إلى الشاشات في سوق دبي المالية (رويترز)

تراجع معظم أسواق الخليج وسط انخفاض المعنويات في البورصات العالمية

انخفضت معظم الأسواق الخليجية في التعاملات المبكرة، وسط هبوط الأسهم الآسيوية وتراجع أسعار النفط، في حين تأثرت معنويات المستثمرين بالبيانات الاقتصادية المتباينة

«الشرق الأوسط» (الرياض)

المخاوف المالية الأميركية ترفع الذهب لأعلى مستوى في أكثر من أسبوع

سبائك ذهبية مكدسة بغرفة صناديق الأمانات في دار الذهب «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)
سبائك ذهبية مكدسة بغرفة صناديق الأمانات في دار الذهب «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)
TT

المخاوف المالية الأميركية ترفع الذهب لأعلى مستوى في أكثر من أسبوع

سبائك ذهبية مكدسة بغرفة صناديق الأمانات في دار الذهب «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)
سبائك ذهبية مكدسة بغرفة صناديق الأمانات في دار الذهب «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)

ارتفعت أسعار الذهب يوم الأربعاء إلى أعلى مستوياتها في أكثر من أسبوع، مع تراجع الدولار وبحث المستثمرين عن ملاذ آمن وسط حالة عدم اليقين المالي الأميركي، حيث يُناقش الكونغرس مشروع قانون ضرائب شامل.

وارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.5 في المائة إلى 3305.39 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش، بعد أن بلغ أعلى مستوى له منذ 12 مايو (أيار) في وقت سابق من الجلسة. وارتفعت العقود الآجلة للذهب الأميركي بنسبة 0.7 في المائة إلى 3307.30 دولار.

وتراجع الدولار إلى أدنى مستوى له منذ 7 مايو، مما جعل الذهب المُسعر بالدولار أرخص لحائزي العملات الأجنبية.

وقال إدوارد ماير، المحلل في «ماريكس»: «خسر مؤشر الدولار العام أكثر من نقطة كاملة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، مع استمرار تخفيض تصنيف (موديز)، بالإضافة إلى التشكيك في مشروع قانون ترمب الضريبي، في تقويض الدولار»، وهو أمر إيجابي للذهب.

وحثّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الثلاثاء زملاءه الجمهوريين في الكونغرس على التوحد خلف مشروع قانون شامل لخفض الضرائب، لكنه فشل على ما يبدو في إقناع عدد قليل من المعارضين الذين لا يزالون قادرين على عرقلة حزمة تشمل جزءاً كبيراً من أجندته المحلية.

يميل الذهب، الذي يُعدُّ تقليدياً ملاذاً آمناً خلال فترات عدم اليقين السياسي والاقتصادي، إلى الازدهار في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة.

وقال تيم ووترر، كبير محللي السوق في «كيه سي إم تريد»: «على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، من المرجح أن يشهد الذهب مزيداً من الارتفاع، ولكن إذا ظهرت أي أخبار إيجابية بشأن صفقة تجارية، فقد يشكل ذلك عقبة أمام الذهب في محاولته استعادة مستوى 3500 دولار».

وصرح ألبرتو موسالم، رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في سانت لويس، للنادي الاقتصادي في مينيسوتا بأن تخفيف التوترات التجارية سيسمح لسوق العمل بالحفاظ على قوته، وللتضخم بالاستمرار في مساره نحو هدف «الاحتياطي الفيدرالي» البالغ 2 في المائة.

وانخفض سعر البلاديوم الفوري بنسبة 1.2 في المائة ليصل إلى 1001.41 دولار، لكنه وصل إلى أعلى مستوى له منذ 4 فبراير (شباط)، في وقت سابق من الجلسة.

وقال تاي وونغ، وهو تاجر معادن مستقل: «البلاديوم متعطش للأخبار الجيدة... إن توجه هوندا نحو السيارات الهجينة بدلاً من السيارات الكهربائية هو سبب وجيه».

يستخدم مصنعو السيارات كلاً من البلاتين والبلاديوم في المحولات الحفازة لتقليل انبعاثات العادم.

وانخفضت الفضة بنسبة 0.1 في المائة لتصل إلى 33.03 دولار للأونصة، بينما انخفض البلاتين بنسبة 0.7 في المائة ليصل إلى 1046.70 دولار.