الذهب يخترق مستوى 3100 دولار على وقْع تنامي مخاوف الحرب التجارية

سبائك معروضة في معرض الذهب بمتحف التاريخ الطبيعي بنيويورك (رويترز)
سبائك معروضة في معرض الذهب بمتحف التاريخ الطبيعي بنيويورك (رويترز)
TT
20

الذهب يخترق مستوى 3100 دولار على وقْع تنامي مخاوف الحرب التجارية

سبائك معروضة في معرض الذهب بمتحف التاريخ الطبيعي بنيويورك (رويترز)
سبائك معروضة في معرض الذهب بمتحف التاريخ الطبيعي بنيويورك (رويترز)

مع أواخر مارس (آذار) 2025، بلغ الذهب أعلى مستوى تاريخي له، متجاوزاً حاجز 3100 دولار للأونصة، لأول مرة في التاريخ، حيث عززت المخاوف بشأن خطط الرئيس الأميركي دونالد ترمب للرسوم الجمركية، والتي ستُوسّع نطاق الحرب التجارية العالمية وتُسبب تباطؤاً اقتصادياً، جاذبية الذهب.

هذا المستوى ليس مجرد خبر عابر، بل هو إشارة واضحة إلى أن المستثمرين العالميين يبحثون عن الأمان في عالمٍ يسوده عدم اليقين الاقتصادي وتقلبات الأسواق المالية نتيجة رسوم ترمب، التي تتسبب أيضاً في مخاوف من ركود اقتصادي أميركي ومخاطر جيوسياسية، وهو ما يُلقي بظلاله على معنويات المستثمرين. ويتجلى هذا التوجه المُعادي للمخاطر بوضوح في الأداء الضعيف عموماً في أسواق الأسهم، مما يدفع المعدن النفيس، الذي يُعد ملاذاً آمناً، إلى الارتفاع لمستويات قياسية.

وكانت قيمة أونصة الذهب قد تجاوزت 3 آلاف دولار، في وقت سابق من مارس، وهي علامة فارقة قال الخبراء إنها عكست المخاوف المتزايدة بشأن عدم الاستقرار الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية والتضخم.

وقال نيتيش شاه، استراتيجي السلع في «ويزدوم تري (WisdomTree)»، إن ارتفاع أسعار الذهب انعكاس للقلق بشأن الرسوم الجمركية. إن المخاوف من أن هذه الرسوم ستعوق النمو، مما قد يؤدي إلى نتائج اقتصادية سلبية، تدعم الذهب».

ومن المتوقع أن يعلن ترمب فرض رسوم جمركية متبادلة، في الثاني من أبريل (نيسان) المقبل، في حين ستدخل الرسوم الجمركية على السيارات حيز التنفيذ، في الثالث من أبريل.

وقال شاه: «قد تتداول أسعار الذهب حول 3500 دولار، في هذا الوقت من العام المقبل، وهذا يعكس قوة المشاعر تجاه المعدن، خاصة مع استمرار المخاطر الجيوسياسية».

كان الارتفاع السريع في الأسعار قد دفع عدداً من البنوك إلى رفع توقعاتها لأسعار الذهب لعام 2025. فقد رفع كل من «غولدمان ساكس» و«بنك أوف أميركا» و«يو بي إس» أسعارها المستهدفة للمعدن الأصفر، هذا الشهر، حيث توقّع «غولدمان» أن يصل سعر الذهب إلى 3300 دولار للأوقية، بنهاية العام، ارتفاعاً من 3100 دولار. ورفع محللو «بنك أوف أميركا»، الأسبوع الماضي، هدفهم السعري إلى 3500 دولار للأوقية، على افتراض أن المخاوف الناجمة عن ترمب ستستمر في دفع المستثمرين اليوميين إلى المعدن.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن المستثمرين ضخّوا صافي 11.4 مليار دولار في صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب المادي، منذ بداية فبراير (شباط). وتتجه هذه الصناديق نحو تحقيق أعلى تدفقات شهرية في مارس منذ يوليو (تموز) 2020، خلال ذروة الجائحة.

مجوهرات ذهبية معروضة في متجر مجوهرات ببكين (إ.ب.أ)
مجوهرات ذهبية معروضة في متجر مجوهرات ببكين (إ.ب.أ)

لماذا يشهد الذهب ارتفاعاً حاداً؟

ارتفع سعر الذهب بأكثر من 18 في المائة، حتى الآن، خلال هذا الربع، محققاً أكبر مكاسبه الفصلية منذ سبتمبر (أيلول) 1986. وإلى تنامي حالة اليقين، تُعدّ رهانات خفض أسعار الفائدة، وعمليات الشراء من البنوك المركزية، والطلب على صناديق الاستثمار المتداولة (ETF)، من العوامل الأخرى التي دعمت هذا الارتفاع:

  • استمرار التضخم وسياسة أسعار الفائدة: في حين أحرزت البنوك المركزية، وخصوصاً «الاحتياطي الفيدرالي»، تقدماً في كبح جماح التضخم، إلا أن الاتجاه الانكماشي كان متفاوتاً. من هنا فإن المستثمرين يعيدون تقييم استثماراتهم. فحتى لو انخفضت أسعار الفائدة، من غير المرجح أن تعود إلى مستوياتها القريبة من الصفر التي شهدتها في العقد الماضي. ومن ثم يستفيد الذهب، الذي يزدهر في فترات انخفاض العوائد الحقيقية، من هذه الديناميكية المتغيرة، خصوصاً عندما تكون العوائد الحقيقية من النقد أو السندات غير جذابة أو غير مؤكَّدة.
  • المخاطر الجيوسياسية: أدت التوترات الجيوسياسية المستمرة إلى زيادة الطلب على أصول الملاذ الآمن. ومع سعي المستثمرين المؤسسيين والأفراد على حد سواء إلى تنويع استثماراتهم، بعيداً عن الأنظمة المرتبطة بالعملات الورقية، تزداد جاذبية الذهب بوصفه مخزناً للقيمة.
  • مشتريات البنوك المركزية: ربما كان أحد أكثر العوامل وراء ارتفاع سعر الذهب هو التراكم المستدام من قِبل البنوك المركزية، ولا سيما في الأسواق الناشئة. فقد سارعت دول مثل الصين والهند وتركيا إلى مشتريات الذهب، في خطوة استراتيجية لتنويع احتياطاتها الأجنبية بعيداً عن الدولار وحماية السيادة الاقتصادية. ويشكل هذا الطلب المستمر أساساً لعطاء هيكلي لشراء الذهب، وهو أمر مِن غير المرجح أن يتلاشى قريباً.

وقد تضاعفت مشتريات البنوك المركزية للذهب بشكل كبير، ولفترة قصيرة من الزمن، حيث بلغ متوسط هذه المشتريات في عامين بين 2022 و2024، 1059 طناً، مقابل 481 طناً في أكثر من عشر سنوات بين 2010 و2021.

مجوهرات ذهبية معروضة في متجر مجوهرات ببكين (إ.ب.أ)
مجوهرات ذهبية معروضة في متجر مجوهرات ببكين (إ.ب.أ)

لكن لماذا تشتري البنوك المركزية الذهب؟

كما هو معلوم، فإنه من الأدوار الرئيسية للبنوك المركزية تنويع احتياطاتها لدعم عملتها الوطنية والحفاظ على الاستقرار المالي. من هنا فإن الذهب يساعد في تنويع هذه الاحتياطات، حيث يُعدّ أصلاً آمناً ومستقراً نسبياً، مقارنة بالعملات الورقية. كما يُعدّ الذهب تاريخياً وسيلة للتحوط ضد التضخم، حيث يميل سعره إلى الارتفاع عندما تفقد العملات الورقية قوتها الشرائية.

كذلك، يحافظ الذهب على قيمته على المدى الطويل، مما يجعله أصلاً جذاباً للبنوك المركزية التي تسعى إلى الحفاظ على ثروة الدولة. ويُعد الذهب وسيلة لبعض الدول لتقليل اعتمادها على الدولار في احتياطاتها؛ وذلك لأسباب سياسية أو اقتصادية، ومن ثم يُعدّ بديلاً جذاباً للدولار، حيث لا يخضع لسيطرة دولة واحدة.

وماذا عن المستقبل؟

بالنظر إلى المستقبل، لا تزال توقعات الذهب إيجابية، والتي عرضتها مؤسسات الاستثمار العالمية. فمن ناحية، من غير المرجح أن تتباطأ مشتريات البنوك المركزية، ومن ناحية أخرى، فإذا خفّض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة، في النصف الثاني من عام 2025، فقد تميل العوائد الحقيقية إلى الانخفاض، مما يعزز سعر الذهب.

كما أن عدم الاستقرار العالمي سيستمر في دعم الطلب على الملاذ الآمن. لكن قد يحدّ ارتفاع غير متوقع في قيمة الدولار، وخصوصاً إذا كان مدفوعاً بالنمو النسبي أو اختلاف السياسات، من ارتفاع سعر الذهب. كما أنه إذا انخفض التضخم بشكل أسرع من المتوقع وارتفعت العوائد الحقيقية، فقد يكون أداء الذهب أقل من المتوقع.


مقالات ذات صلة

أسعار الذهب تنخفض بأكثر من 1%

الاقتصاد سبائك ذهبية بمصنع «أرغور-هيرايوس» في ميندريسيو بسويسرا (رويترز)

أسعار الذهب تنخفض بأكثر من 1%

انخفضت أسعار الذهب بأكثر من 1 في المائة يوم الجمعة، متجهة نحو تسجيل انخفاض أسبوعي، في ظل مؤشرات على احتمال تهدئة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك التنكس البقعي يصيب ملايين الأشخاص حول العالم (رويترز)

حقن الذهب في العين قد يكون مستقبل الحفاظ على البصر... ما القصة؟

قد يبدو غبار الذهب في العين علاجاً غير مألوف، لكن دراسة جديدة أُجريت على الفئران في الولايات المتحدة تُظهر أن هذا النهج قد يُعالج التنكس البقعي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أسعار الذهب تنتعش بعد أكبر انخفاض يومي في خمسة أشهر

أسعار الذهب تنتعش بعد أكبر انخفاض يومي في خمسة أشهر

قفزت أسعار الذهب بأكثر من 1 في المائة الخميس بفضل عمليات شراء بأسعار مخفضة، وذلك بعد يوم من وصول السبائك إلى أدنى مستوى لها في أسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد سبائك ذهبية مكدسة بغرفة صناديق الأمانات في دار الذهب «برو أوروم» في ميونيخ (رويترز)

الذهب ينخفض مع تراجع ترمب عن تهديده بإقالة رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»

انخفضت أسعار الذهب بأكثر من 1 % يوم الأربعاء، مع تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تهديداته بإقالة رئيس «الاحتياطي الفيدرالي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد عملات البتكوين والإيثريوم (د.ب.أ)

«البتكوين» تتجاوز 88 ألف دولار وتسجل أعلى مستوى منذ مارس

تشهد الأسواق المالية العالمية مؤشرات على تحوّل ملحوظ في ديناميكيات العلاقة بين «البتكوين» والأسواق الأميركية في ظل استمرار ضعف الدولار.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

أسهم «وول ستريت» تفقد الزخم مع نهاية أسبوع متقلب

متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)
متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)
TT
20

أسهم «وول ستريت» تفقد الزخم مع نهاية أسبوع متقلب

متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)
متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)

بدأ الزخم التصاعدي الذي شهدته «وول ستريت» على مدار ثلاثة أيام التلاشي يوم الجمعة؛ إذ اتجهت الأسهم الأميركية إلى أداء متباين مع اقتراب نهاية أسبوع جديد اتسم بالتقلبات.

وارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.2 في المائة في التعاملات المبكرة، رغم تراجع غالبية الأسهم المدرجة فيه. في حين تراجع مؤشر «داو جونز» الصناعي بمقدار 10 نقاط، أي أقل من 0.1 في المائة، بحلول الساعة 9:40 صباحاً بالتوقيت الشرقي، في حين ارتفع مؤشر «ناسداك» المركب بنسبة 0.3 في المائة، وفق «وكالة أسوشييتد برس».

وتأثرت السوق سلباً بأداء شركة «إنتل» التي حذّرت من «تزايد حالة عدم اليقين على مستوى الصناعة»، وقدّمت توقعات للإيرادات والأرباح المقبلة جاءت دون مستوى توقعات المحللين، ما أدّى إلى تراجع سهمها بنسبة 7.6 في المائة، رغم تفوّق نتائج الربع الأول على التقديرات.

كما هبط سهم «إيستمان كيميكال» بنسبة 4.3 في المائة، بعد إصدارها توقعات أرباح فصلية جاءت مخيبة لآمال المحللين. وأشار الرئيس التنفيذي، مارك كوستا، إلى أن «الضبابية الاقتصادية الكلية التي سادت خلال السنوات الأخيرة قد تفاقمت»، مؤكداً أن الطلب المستقبلي على منتجات الشركة بات غير واضح في ظلّ «حجم الرسوم الجمركية ونطاقها».

وتنضم هذه التصريحات إلى قائمة الشركات التي تشير إلى أن الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تُصعّب من وضع تصورات مالية دقيقة للعام المقبل.

وكانت الأسواق قد سجّلت مكاسب في وقت سابق من الأسبوع مدفوعة بتلميحات حول احتمال تليين نهج الإدارة الأميركية تجاه الرسوم الجمركية، إلى جانب انتقادات ترمب المتكررة لـ«الاحتياطي الفيدرالي» التي هزّت الأسواق في السابق. ويأمل المستثمرون في أن يتراجع ترمب عن بعض الرسوم الصارمة لتجنّب الركود الاقتصادي الذي يراه كثيرون وشيكاً.

إلا أن نهج ترمب المتقلّب في فرض الرسوم قد يدفع الأسر والشركات إلى تجميد خطط الإنفاق والاستثمار طويل الأجل، نتيجة للتغيرات السريعة والمفاجئة في السياسات، التي قد تتبدل في ظرف ساعات.

على سبيل المثال، أعلنت شركة «سكيتشرز يو إس إيه» سحب توقعاتها المالية للعام الحالي، بسبب «الضبابية الاقتصادية العالمية الناجمة عن السياسات التجارية»، رغم إعلانها تحقيق إيرادات فصلية قياسية بلغت 2.41 مليار دولار. وانخفض سهم الشركة بنسبة 3.4 في المائة.

في المقابل، ساعد سهم «ألفابت»، الشركة الأم لـ«غوغل»، في الحد من خسائر «وول ستريت»، بعدما ارتفع بنسبة 3.1 في المائة، عقب إعلانها ارتفاع أرباحها بنسبة 50 في المائة خلال الربع الأول. وتُعد «ألفابت» من أكبر الشركات المدرجة، ما يمنح تحركات سهمها تأثيراً كبيراً في مؤشرات السوق، خصوصاً «ستاندرد آند بورز 500».

وعلى صعيد الأسواق العالمية، ارتفعت مؤشرات الأسهم الأوروبية بشكل طفيف، بعد أداء متباين في آسيا؛ حيث قفز مؤشر «نيكي 225» في طوكيو بنسبة 1.9 في المائة، في حين تراجعت أسهم شنغهاي بنسبة 0.1 في المائة.

وفي سوق السندات، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية قبيل صدور تقرير حول معنويات المستهلكين. وانخفض العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.28 في المائة، مقارنة بـ4.32 في المائة يوم الخميس. وقد شهد العائد تراجعاً ملحوظاً بعدما لامس مستوى 4.50 في المائة في وقت سابق من هذا الشهر، في ظلّ مخاوف من أن الأسواق العالمية بدأت تفقد ثقتها بمكانة السندات الأميركية بصفتها ملاذاً آمناً.

أما الدولار الأميركي فقد واصل صعوده مقابل اليورو وعملات رئيسية أخرى، بعدما أثار تراجعه المفاجئ في وقت سابق من الشهر الحالي قلق المستثمرين.