هل تتكرر تجربة السبعينات في حدوث ركود تضخمي بالولايات المتحدة؟

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يهم بالمغادرة بعد انتهاء مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي (رويترز)
رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يهم بالمغادرة بعد انتهاء مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي (رويترز)
TT
20

هل تتكرر تجربة السبعينات في حدوث ركود تضخمي بالولايات المتحدة؟

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يهم بالمغادرة بعد انتهاء مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي (رويترز)
رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يهم بالمغادرة بعد انتهاء مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي (رويترز)

كانت التوقعات الاقتصادية الأخيرة لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي تحمل ظلال «الركود التضخمي المخفف»، على حد تعبير أحد الاقتصاديين، وهو شعور يتردد صداه بشكل متزايد بين المراقبين الآخرين للاقتصاد الأميركي والبنك المركزي الذين يتساءلون عما إذا كان أداء البلاد المتفوق خلال الجائحة على وشك الانزلاق.

فما هو إذن الركود التضخمي ولماذا أصبح فجأة في أذهان الجميع، وفق «رويترز»؟

ذلك العرض «السيئ» للسبعينات. ضرب الركود التضخمي - أو فترة التضخم المرتفع والبطالة المرتفعة - الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في سبعينات القرن الماضي، والتي ربما شهدت أسوأ قيادة اقتصادية أميركية منذ الكساد الكبير. أخطأ مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في بياناتهم وإطار عملهم، وبذل المسؤولون المنتخبون جهوداً مضنية في مواجهة التضخم من خلال ضوابط الأسعار وما يبدو الآن جهود علاقات عامة تبدو قديمة، وأشهرها حملة إدارة فورد «اضرب التضخم الآن».

ومع بدء خبراء الاقتصاد في الأسابيع الأخيرة في خفض تقديراتهم للنمو الاقتصادي ورفع تقديرات التضخم في مواجهة التحولات الدراماتيكية في السياسة الاقتصادية في عهد الرئيس دونالد ترمب، أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كان ذلك سيحدث مجدداً الآن.

فمن الناحية النظرية، يؤدي ضعف الاقتصاد مع ارتفاع معدلات البطالة إلى تقويض التضخم، وبالتالي لا ينبغي أن يتعايش الاثنان معاً. ولكن كما حدث مع صدمات أسعار النفط في سبعينات القرن الماضي التي أدت إلى ارتفاع الأسعار، فإن صدمة الرسوم الجمركية المتوقعة من سياسات ترمب التجارية تثير تخمينات العالم الآن.

وتقول إدارة ترمب إن التعريفات الجمركية هي جزء مما تصفه بأنه مرحلة انتقالية للاقتصاد، والتي ستؤدي إلى جانب الجهود الأخرى لتحرير الصناعة وخفض الضرائب إلى وفرة الوظائف وانخفاض التضخم.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستمع إلى وزير الدفاع بيت هيغسيث في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستمع إلى وزير الدفاع بيت هيغسيث في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

لا تقترب تلميحات الركود التضخمي في التوقعات الحالية من السوء الذي شهدته السبعينات، وهو عقد من الزمن كان له طابعه الخاص عندما كان الارتفاع فيما يسمى «مؤشر البؤس» الذي يجمع بين معدلات البطالة والتضخم، لا يزال بارزاً في الرسوم البيانية لاقتصاد ما بعد الحرب.

إلا أن اتجاه السير في الجوانب الرئيسة للاقتصاد لفت انتباه الاقتصاديين. فعندما قام مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع بتقييم المخاطر التي يرونها في المستقبل، أشاروا بشكل موحد نحو ارتفاع التضخم، وارتفاع معدلات البطالة أكثر مما كان متوقعاً في السابق.

«الركود التضخمي الخفيف»، هذا ما عنون به كبير الاقتصاديين في شركة «آر إس إم» جو بروسويلاس تحليله لاجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي. وقال إن توقعات صانعي السياسات «تشير إلى ركود تضخمي معتدل في المستقبل على المدى القريب مع تباطؤ النمو وزيادة التضخم»، مشيراً إلى «عدم اليقين السائد حول حجم الصدمة التجارية وحجمها».

الأسبوع الماضي، أبقى صانعو السياسة النقدية لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير، لكنهم لا يزالون يتوقعون خفضها بمقدار ربع نقطة مئوية بحلول نهاية العام. ومع ذلك، كشفت توقعاتهم الاقتصادية الجديدة عن معضلتهم. فمن المتوقع أن يتباطأ النمو، وأن ترتفع البطالة أكثر قليلاً من المتوقع، وأن يتسارع التضخم في مواجهة التعريفات الحالية والمتزايدة. وتنطوي توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة وارتفاع التضخم على اعتقاد بأن الزيادات في الأسعار الناجمة عن التعريفات الجمركية ستكون قفزات لمرة واحدة، وهو نفس الافتراض الذي افترضه الاحتياطي الفيدرالي في وقت مبكر من الوباء عندما وصف ارتفاع الأسعار بأنه «عابر» - وثبت خطأه.

الأمور مختلفة الآن. فالمصانع والمواني مفتوحة والبضائع تتدفق.

ولكن بالنظر إلى نطاق واتساع ما يخطط له ترمب، يقول المسؤولون إنه لا يزال من غير الممكن التنبؤ بالنتيجة.

لا تزال بيانات الاقتصاد الكلي، كما أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي، قوية. و«مؤشر البؤس» منخفض إلى حد ما في الواقع. لكن المقاييس الأكثر ليونة مثل المعنويات آخذة في الانخفاض، وهو أمر يشعر صانعو السياسة بأنه قد يتسبب في توقف الشركات عن الاستثمار والتوظيف وتقليص الأسر المعيشية، حتى مع استمرار ارتفاع الأسعار بسبب التعريفات الجمركية.

ويشير مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى القلق المتزايد بين جهات الاتصال في قطاع الأعمال، وبدأوا في مناقشة الخيار الصعب الذي تمثله لحظات الركود التضخمي بالنسبة للبنك المركزي المكلف بالسيطرة على التضخم مع الحفاظ على التوظيف في الوقت نفسه.

قال أوستان غولسبي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو يوم الجمعة على قناة «سي إن بي سي»: «لا يوجد شيء أكثر إزعاجاً من بيئة الركود التضخمي... حيث يبدأ كلا جانبي التفويض في السير على نحو خاطئ. لا توجد إجابة عامة... أيهما أسوأ؟ هل هو أكبر في جانب التضخم؟ هل هو أكبر على جانب سوق العمل؟ الرسوم الجمركية المرتفعة ترفع الأسعار وتقلل من الإنتاج، لذا فإن هذا دافع تضخمي راكد».

لا يوجد شيء مفروغ منه

إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي عالقاً في المنتصف، فإن أولويته واضحة: ضمان أن يظل التضخم - ليس فقط التضخم بل التوقعات العامة بشأن التضخم- تحت السيطرة.

ربما كان الخطأ الرئيس في السبعينات هو الفشل في فهم أفضل للدور الذي تلعبه نفسية الجمهور في التضخم المستقبلي. فقد استمر اعتقاد الأميركيين، الذين عانوا من ارتفاع الأسعار، بأن التكاليف ستستمر في الارتفاع، وفي دفع الأسعار إلى الأعلى حتى مع ضعف الاقتصاد.

استغرق الأمر أسعار فائدة قاسية وركودين متتاليين في عهد رئيس الاحتياطي الفيدرالي بول فولكر للبدء في ترسيخ مصداقية الاحتياطي الفيدرالي وإعادة ضبط التوقعات خلال ما تبقى من الثمانينات وحتى التسعينات.

وهو الدرس الذي قال باول إنه يأخذه على محمل الجد، ويقول إنه لن يكرره.

وقال باول في مؤتمر صحافي بعد الاجتماع الأخير لمجلس الاحتياطي الفدرالي: «لا أرى أي سبب للاعتقاد بأننا نتطلع إلى تكرار ما حدث في السبعينات أو أي شيء من هذا القبيل... لا يزال التضخم الأساسي في مستوى الثنائيات، مع احتمال حدوث بعض الارتفاع المرتبط بالتعريفات الجمركية. لن أقول إننا في وضع يمكن مقارنته عن بُعد بذلك». لكنه قال إن توقعات التضخم المستقرة هي «في صميم إطار عملنا. سنراقب كل ذلك بعناية فائقة. نحن لا نأخذ أي شيء كأمر مسلّم به».


مقالات ذات صلة

البيت الأبيض يستعد لإجراء مقابلات لخلافة رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»

الاقتصاد رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول يتحدث في مؤتمر صحافي (رويترز)

البيت الأبيض يستعد لإجراء مقابلات لخلافة رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»

سيبدأ البيت الأبيض بإجراء مقابلات مع المرشحين هذا الخريف لخلافة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي تنتهي ولايته في مايو (أيار) 2026.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
الاقتصاد لوري لوغان تتحدث في مؤتمر الجمعية الوطنية للاقتصاديات التجارية في دالاس بولاية تكساس (أرشيفية - رويترز)

رئيسة «فيدرالي» دالاس تحذر من تأثير الرسوم على التضخم والبطالة

قالت لوري لوغان، رئيسة «الاحتياطي الفيدرالي» في دالاس، في تصريحاتها، الخميس، إن الرسوم الجمركية المرتفعة عن المتوقع من المرجح أن تزيد كلاً من البطالة والتضخم.

«الشرق الأوسط» (دالاس)
الاقتصاد ترمب يلوح بيده لدى وصوله إلى البيت الأبيض على متن الطائرة «مارين وان» 6 أبريل 2025 (أ.ب)

ترمب: دول العالم تتواصل مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن «دول العالم تتواصل مع الولايات المتحدة» بشأن الرسوم الجمركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لدى إعلانه الرسوم الجمركية الجديدة في حديقة البيت الأبيض مساء الأربعاء (رويترز)

ترمب: يجب على «الاحتياطي الفيدرالي» خفض أسعار الفائدة

دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب «الاحتياطي الفيدرالي» إلى خفض أسعار الفائدة.

الاقتصاد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث في مؤتمر صحافي (أرشيفية - رويترز)

رئيس «الفيدرالي»: الرسوم الجمركية «الأكبر من المتوقع» تعني ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو

أعلن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن الرسوم الجمركية أكبر من المتوقع، وقد يكون لها تأثير تضخمي مستمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الذهب يخترق مستوى تاريخياً جديداً وسط مخاوف النمو الاقتصادي العالمي

عرض قطعة ذهبية على أحد الزبائن بمتجر للمجوهرات داخل سوق الذهب في دبي (إ.ب.أ)
عرض قطعة ذهبية على أحد الزبائن بمتجر للمجوهرات داخل سوق الذهب في دبي (إ.ب.أ)
TT
20

الذهب يخترق مستوى تاريخياً جديداً وسط مخاوف النمو الاقتصادي العالمي

عرض قطعة ذهبية على أحد الزبائن بمتجر للمجوهرات داخل سوق الذهب في دبي (إ.ب.أ)
عرض قطعة ذهبية على أحد الزبائن بمتجر للمجوهرات داخل سوق الذهب في دبي (إ.ب.أ)

ارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق يوم الأربعاء، مدفوعة بضعف الدولار، وتوترات الحرب التجارية، والمخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي، نتيجة لخطط الرئيس الأميركي دونالد ترمب للرسوم الجمركية، والتي أدت إلى تدفقاتٍ إلى الملاذ الآمن.

وارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 1.1 في المائة ليصل إلى 3261.79 دولار للأوقية (الأونصة)، بدءاً من الساعة 00:28 بتوقيت غرينتش، بعد أن لامس أعلى مستوى قياسي له عند 3266.65 دولار للأوقية في وقت سابق من الجلسة. وارتفعت العقود الآجلة للذهب الأميركي بنسبة 1.2 في المائة لتصل إلى 3279.20 دولار.

وانخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.3 في المائة مقابل العملات المنافسة، مما جعل الذهب أكثر جاذبية لحاملي العملات الأخرى.

وحقق الذهب الذي يُنظر إليه تقليدياً كملاذ آمن للاستثمار في أوقات عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، والذي يزدهر عادة في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، مستويات قياسية متعددة هذا العام.

وأظهرت إيداعات السجل الفيدرالي يوم الاثنين أن الإدارة الأميركية تُحرز تقدماً في التحقيقات المتعلقة بواردات الأدوية وأشباه الموصلات، سعياً لفرض رسوم جمركية.

وفي الأسبوع الماضي، رفع ترمب الرسوم الجمركية على الصين إلى 145 في المائة، ما دفع بكين إلى رفع الرسوم على السلع الأميركية إلى 125 في المائة.

ويترقب المستثمرون الآن بيانات مبيعات التجزئة الأميركية المقرر صدورها في وقت لاحق من اليوم، للاطلاع على رؤى الاقتصاد وخطط السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وقال بنك «إي إن زد» في مذكرة: «إن ازدياد مخاطر ركود أعمق، وتحول آخر في المشهد الجيوسياسي، واضطرابات سلاسل التوريد العالمية، ومخاوف ارتفاع التضخم، إلى جانب تغير توقعات أسعار الفائدة، تشير إلى أن الذهب سيظل قوياً في المستقبل المنظور». ورفع توقعاته لسعر الذهب في نهاية العام إلى 3600 دولار للأونصة، وتوقعاته لستة أشهر إلى 3500 دولار.

وارتفعت الفضة في المعاملات الفورية 0.3 في المائة إلى 32.40 دولار للأوقية، وتراجع البلاتين 0.1 في المائة إلى 958.15 دولار، وتراجع البلاديوم 0.1 في المائة إلى 970.25 دولار.