خريطة «العمارة» ترفع جاذبية مدن السعودية أمام الاستثمارات

2.13 مليار دولار متوقَّعة في الناتج المحلي وأكثر من 34 ألف فرصة وظيفية بحلول 2030

صورة لمبانٍ وفق الطراز المعماري لـ«العِمَارَة النجدية» (هيئة تطوير المنطقة الشرقية)
صورة لمبانٍ وفق الطراز المعماري لـ«العِمَارَة النجدية» (هيئة تطوير المنطقة الشرقية)
TT

خريطة «العمارة» ترفع جاذبية مدن السعودية أمام الاستثمارات

صورة لمبانٍ وفق الطراز المعماري لـ«العِمَارَة النجدية» (هيئة تطوير المنطقة الشرقية)
صورة لمبانٍ وفق الطراز المعماري لـ«العِمَارَة النجدية» (هيئة تطوير المنطقة الشرقية)

وصف محللون اقتصاديون ومعماريون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خريطة «العمارة السعودية»، بأنه يُعد تحوّلاً استراتيجياً، يجعل من العمارة نفسها أصلاً اقتصادياً يُستثمر فيه، ويمنح المملكة قدرة تنافسية في قطاع التطوير العقاري السياحي والثقافي، كما يُسهم في استدامة الاقتصاد السياحي، وتنشيط قطاعات الصناعات التحويلية، من تصنيع الحجر المحلي إلى النجارة والنقوش والزخارف التقليدية. كما قد يقود إلى ولادة شركات متخصصة في إعادة إحياء الحرف اليدوية، وتحويلها إلى صناعات تصديرية بمرور الوقت.

كان ولي العهد السعودي قد أعلن إطلاق خريطة العمارة التي تشمل 19 طرازاً معمارياً مستمَداً من الخصائص الثقافية والجغرافية للمملكة، وسط توقعات بأن تسهم العمارة السعودية بأكثر من 8 مليارات ريال (2.13 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، مع توفير أكثر من 34 ألف فرصة عمل في قطاعات الهندسة والبناء والتطوير العمراني بحلول 2030، في خطوة تهدف إلى تطوير المدن السعودية.

وأكد محمد بن سلمان أن إطلاق خريطة العمارة السعودية، التي تعكس تنوع المملكة الثقافي والجغرافي، يأتي ضمن مساعي تطوير مدن حضرية مستدامة تتناغم مع الطبيعة المحلية، وتوظيف الطراز المعماري التقليدي بأساليب حديثة. وقال: «تمثل العمارة السعودية مزيجاً من الإرث العريق والتصميم المعاصر، حيث نعمل على تحسين المشهد الحضري وتعزيز جودة الحياة، بما يحقق توازناً بين الماضي والحاضر، ويكون مصدر إلهام عالمي للابتكار في التصميم المعماري».

وأشار إلى أن العمارة السعودية تسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية غير المباشرة من خلال زيادة جاذبية المدن، مما يعزز من زيادة أعداد الزوار والسياح، ويدعم نمو القطاعات المرتبطة بالسياحة والضيافة والإنشاءات.

هوية معمارية

ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك فيصل، الدكتور محمد القحطاني، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» أن إطلاق ولي العهد خريطة العمارة السعودية ليس مجرد إعلان ثقافي أو معماري، بل هي خطوة ذات دلالات اقتصادية عميقة، تعيد تعريف المشهد الاستثماري والعقاري في المملكة وفق رؤية تنموية تتجاوز الإطار التقليدي للنمو الحضري.

وأشار إلى أن «الهوية المعمارية لأي دولة تُمثل أحد أعمدة القوة الناعمة، وعندما تتحول هذه الهوية إلى معيار يُفرض على المشاريع التنموية، فإننا أمام تحوّل استراتيجي، يجعل العمارة نفسها أصلاً اقتصادياً يُستثمر فيه، بحيث لا تقتصر على الجانب الجمالي فقط». أضاف أن توحيد الهوية المعمارية يعني أن المستثمرين المحليين والدوليين سيعيدون تقييم خططهم وفق متطلبات جديدة تفرض جودة أعلى، مما يرفع القيمة السوقية للعقارات ويجذب رؤوس الأموال الباحثة عن مشاريع ذات طابع أصيل ومستدام.

صورة لمبانٍ وفق الطراز المعماري لـ«العِمَارَة النجدية» (هيئة تطوير المنطقة الشرقية)

وأكد القحطاني أن تبنّي معايير معمارية سعودية أصيلة يعني خلق طلب مستدام على مواد البناء والديكورات التي تعكس هذه الهوية، مما يؤدي إلى تنشيط قطاعات الصناعات التحويلية، من تصنيع الحجر المحلي إلى النجارة والنقوش والزخارف التقليدية، مضيفاً أن هذه السلاسل الإنتاجية ستقود إلى ولادة شركات متخصصة في إعادة إحياء الحرف اليدوية، والتي يمكن أن تتحول إلى صناعات تصديرية بمرور الوقت، تماماً كما حدث مع «العمارة اليابانية» أو «التصميم الإسكندنافي» اللذين أصبحا علامات تجارية في حد ذاتها.

وأشار إلى أن خريطة العمارة السعودية ستعيد تشكيل مفهوم القيمة العقارية، حيث لم يعد الموقع وحده العامل الحاسم، بل أصبح التوافق مع الهوية المعمارية أحد أهم معايير تقييم المشاريع، كما ستؤدي إلى تغييرات جذرية في تصاميم الفنادق، والمجمعات التجارية، وحتى مشاريع الإسكان، مما يرفع مستوى التمايز بين الأصول العقارية، ويمنح المملكة قدرة تنافسية في قطاع التطوير العقاري السياحي والثقافي.

وأضاف أنه عندما تكون عمارة المملكة مستوحاة من هويتها المحلية، فإن ذلك يعزز السياحة الثقافية والعمرانية، تماماً كما تفعل باريس بهندستها الكلاسيكية، أو مراكش برياضاتها التقليدية، ويصبح كل مبنى جزءاً من تجربة فريدة للزائر، مما يزيد من معدلات إنفاق السياح ويطيل مدة إقامتهم، وهو عنصر جوهري في الاقتصاد السياحي المستدام، لافتاً إلى أن خريطة العمارة السعودية لن تقتصر على ثقافة المملكة بل ستصبح محركاً استثمارياً، وقاعدة صلبة لصناعات متكاملة، وأداة لتعزيز القيمة العقارية والمكانة السياحية للمملكة عالمياً.

نقلة نوعية في التخطيط الحضري

من جهته، وصف المتخصص في التخطيط الحضري والاقليمي الدكتور عبدالمحسن الشبلي، في تصريح إلى «الشرق الأوسط»، هذه الخطوة في إطلاق العمارة السعودية بـ19 طرازاً مستوحى من الهوية المحلية، بأنها تمثل نقلة نوعية في التخطيط الحضري والإقليمي، تُعيد رسم العلاقة بين الإنسان، والمكان، والهوية العمرانية.

ويرى الشبلي أن أهمية هذه المبادرة من منظور التخطيط الحضري والإقليمي ولمستقبل المدن السعودية، تكمن في محاور عدة هي: إحياء الهوية المكانية وتعزيز الارتباط بالمكان، حيث تعكس العمارة في المدن بيئتها المحلية، وتُعزز الانتماء وتحول المدن إلى أماكن ذات طابع مميز بدلاً من الفراغات العمرانية الموحدة، كما تسهم في تعزيز الاستدامة والتكيف مع البيئة حيث التخطيط الحضري المستدام يشمل تصميم المباني وفق البيئة المحلية، واعتماد المواد الطبيعية، والعزل الحراري، والتهوية الطبيعية لتقليل استهلاك الطاقة، وخلق مدناً أكثر استدامة.

ورأى أن المبادرة ستسهم في تحسين المشهد الحضري وتقليل التشوه البصري، وستخلق نسيجاً عمرانياً متجانساً يعزز جمالية المدن، ويرفع من جاذبيتها البصرية والاستثمارية، كما تعزز من حيوية ومرونة المدن وتفاعل السكان مع المساحات الحضرية، من شوارع وساحات مصممة بعناية تعزز الحياة الاجتماعية، وتجعل المدن أماكن أكثر ملاءمة للحياة اليومية.

وأضاف أنها «تزيد من فرص تحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة، وتمنح كل منطقة طرازها المعماري الخاص، مما يعزز التنوع العمراني ويعيد توزيع التنمية بشكل أكثر عدالة بين المناطق، وكذلك تعزيز السياحة العمرانية والاستثمار عبر تخصيص طابع مميز لكل مدينة مما يساهم في جذب السياح والمستثمرين. فعندما تصبح العمارة جزءاً من تجربة المكان، فإنها تحفّز النشاط الاقتصادي وتعزز الهوية الثقافية، لافتاً إلى أنها كذلك ستسهم في جعل المدن أكثر قدرة على التكيف مع المستقبل، وتصنع مدناً تتكيف مع تغيرات المناخ، والتكنولوجيا، وأساليب الحياة، مما يجعلها أكثر استعداداً للمستقبل.

وأشار الشبلي إلى أن «هذا الإطلاق للعمارة السعودية سيصل بنا إلى مدن أكثر استدامة وحيوية وانسجاماً مع بيئتها، وأكثر جاذبية للحياة والاستثمار»، مضيفاً أن «المبادرة ليست مجرد تغيير في الشكل العمراني، بل خطوة نحو مدن تُحاكي هويتها، تُلهم سكانها، تتطور تخطيطاً وتنافس عالمياً».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان ووزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى) play-circle 02:29

«ملتقى الميزانية»: الإنفاق الحكومي السعودي «يتحرر» من «الدورة الاقتصادية»

شكّل «ملتقى الميزانية السعودية 2026» منصة حكومية استراتيجية لتحليل مستهدفات الميزانية التي أقرّها مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد وزيرا «النقل» و«الإسكان» في «ملتقى الميزانية السعودية» (الملتقى)

«ملتقى الميزانية»: مبادرات تطوير البنية التحتية تدعم «النقل» و«الإسكان» وتوسع فرص الاستثمار

أكد وزيرا «النقل» و«الإسكان» أن القطاعين شهدا نهضة كبيرة، مع استثمارات ضخمة توسع الوظائف وتوفر وحدات سكنية للأسر المستفيدة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الإبراهيم يتحدث وإلى جانبه وزير المالية في ملتقى «ميزانية السعودية 2026»... (الشرق الأوسط)

السعودية: لدى «هيوماين» فرصة لقيادة الاقتصاد الوطني مثل «أرامكو»

أعلن وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الإبراهيم، أن المملكة تستعد لدخول مرحلة جديدة سيكون فيها الذكاء الاصطناعي المحرك الأكبر للنمو غير النفطي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المهندس أحمد العوهلي محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية (الملتقى)

ملتقى الميزانية: تقدم كبير في توطين الإنفاق العسكري بالسعودية

كشف المهندس أحمد العوهلي، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، عن تطورات نوعية شهدها قطاع الصناعات العسكرية في السعودية خلال السنوات الست الماضية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
TT

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)
مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

ارتفعت أسهم الصين يوم الجمعة، منهيةً سلسلة خسائر استمرت 3 أيام، ومعاكسةً خسائرها السابقة خلال الأسبوع، حيث عزز تجدد التفاؤل بشأن شركات صناعة الرقائق المحلية المعنويات.

وأغلق مؤشر «شنغهاي المركب» على ارتفاع بنسبة 0.7 في المائة ليصل إلى 3,902.81 نقطة، مسجلاً أول مكسب يومي له بعد 3 انخفاضات متتالية، ليصل بذلك تقدم الأسبوع إلى 0.4 في المائة. كما ارتفع مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية بنسبة 0.8 في المائة، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 1.3 في المائة هذا الأسبوع. وفي هونغ كونغ، ارتفع مؤشر «هانغ سنغ» القياسي بنسبة 0.6 في المائة، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 0.9 في المائة خلال الأسبوع. كما ارتفع مؤشر التكنولوجيا بنسبة 0.8 في المائة.

وكان سهم «مور ثريدز»، الذي يُطلق عليه غالباً اسم «إنفيديا الصين»، محور الاهتمام يوم الجمعة، حيث ارتفع بنحو 5 أضعاف في أول ظهور له بالبورصة، حيث راهن المستثمرون على أن الشركة الخاضعة لعقوبات أميركية ستستفيد من جهود بكين لتعزيز إنتاج الرقائق محلياً.

وجاء هذا الظهور القوي للشركة عقب أنباء عن تقديم مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين، مشروع قانون يوم الخميس، يهدف إلى منع إدارة ترمب من تخفيف القيود المفروضة على وصول الصين إلى رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة من «إنفيديا» و«إيه إم دي» خلال العامين ونصف العام المقبلة.

وقال باتريك بان، استراتيجي الأسهم الصينية في «دايوا كابيتال ماركتس» بهونغ كونغ، إن الإنجازات التكنولوجية الصينية، بالإضافة إلى «الفخر الوطني»، وسط التوترات الجيوسياسية، من المتوقع أن تظل ركيزة أساسية لسوق الصعود البطيء خلال الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة. وأضاف في مذكرة: «من منظور طويل الأجل، نعتقد أن التراجع الأخير في الأسهم الصينية، كان من المفترض أن يُتيح مزيداً من الفرص الصاعدة للعام المقبل». كما أسهم قطاع التأمين في دعم السوق يوم الجمعة، حيث ارتفع بنسبة 4.5 في المائة، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد أن أعلنت الهيئة التنظيمية للقطاع أنها ستخفض عامل المخاطرة لشركات التأمين التي تمتلك أسهماً معينة، وهي خطوة قد تُقلل متطلبات رأس المال وتُتيح مزيداً من الأموال للاستثمار.

وعلى الجانب الآخر، انخفض مؤشر «سي إس آي300 للعقارات» بنسبة 0.2 في المائة، مُواصلاً انخفاضه الأخير. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار المنازل في الصين بنسبة 3.7 في المائة هذا العام، ومن المرجح أن تستمر في الانخفاض حتى عام 2026 قبل أن تستقر في عام 2027، وفقاً لأحدث استطلاع أجرته «رويترز».

• اليوان مستقر

ومن جانبه، استقر اليوان الصيني مقابل الدولار يوم الجمعة، مع تزايد قلق المستثمرين، بعد أن أبدى البنك المركزي قلقاً متزايداً إزاء المكاسب السريعة الأخيرة، في حين تتطلع الأسواق إلى اجتماع مهم لاستشراف اتجاهات السياسة النقدية للعام المقبل.

وأفادت مصادر لـ«رويترز» بأن البنك المركزي أبدى حذره من الارتفاعات السريعة من خلال تصحيحه التوجيهي الرسمي، واشترت بنوك حكومية كبرى الدولار في السوق الفورية المحلية هذا الأسبوع، واحتفظت به في مسعى قوي غير معتاد لكبح جماح قوة اليوان. وقال متداولو العملات إن هذه التحركات دفعت بعض المستثمرين إلى جني الأرباح والانسحاب من السوق. واستقر اليوان المحلي إلى حد كبير عند 7.0706 للدولار بدءاً من الساعة 03:35 بتوقيت غرينيتش، منخفضاً عن أعلى مستوى له في 14 شهراً عند 7.0613 الذي سجله يوم الأربعاء. وكان نظيره في الخارج قد وصل في أحدث تداولات إلى 7.0686 يوان للدولار. وقبل افتتاح السوق يوم الجمعة، حدد بنك الشعب الصيني (المركزي) سعر نقطة المنتصف عند 7.0749 للدولار، وهو أعلى بنقطتين من تقديرات «رويترز» البالغة 7.0751. وجاء سعر نقطة المنتصف يوم الجمعة متوافقاً تقريباً مع توقعات السوق، منهياً 6 جلسات متتالية من الإعدادات الرسمية الأضعف من المتوقع.

وشهد سعر تثبيت سعر الصرف يوم الخميس، أكبر انحراف عن الجانب الضعيف منذ توفر البيانات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. ويُسمح لليوان الفوري بالتداول بحد أقصى 2 في المائة على جانبي نقطة المنتصف الثابتة يومياً. وصرح سون بينبين، كبير الاقتصاديين في شركة «كايتونغ» للأوراق المالية، بأنه من المتوقع أن ترتفع حصة اليوان المستخدمة في التجارة الخارجية والاستثمارات الخارجية للصين بشكل أكبر، مما سيساعد في رفع قيمة العملة على المديين المتوسط والطويل.

وأضاف سون: «مع ذلك، لا ينبغي أن تكون وتيرة وحجم الارتفاع سريعين للغاية، لتجنب التأثير سلباً على نمو الصادرات»، متوقعاً أن يصل اليوان إلى مستوى 7 يوانات للدولار، وهو مستوى مهم نفسياً، بحلول النصف الأول من العام المقبل. ويتوقع المتداولون والمحللون أن تُدير السلطات بعناية، وتيرة مكاسب اليوان لتحقيق التوازن بين نموه العالمي وقدرته التنافسية في الصادرات. وصرح إلياس حداد، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسواق في «براون براذرز هاريمان»: «نرى أن استمرار ارتفاع قيمة العملة الصينية قد يُساعد البلاد في تحويل نموذج نموها نحو الإنفاق الاستهلاكي من خلال تعزيز الدخل المتاح من خلال خفض أسعار الواردات».

وبالنظر إلى العوامل المحفزة على المدى القريب، سيتحول معظم اهتمام السوق إلى مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي المُقرر عقده في وقت لاحق من هذا الشهر، بحثاً عن تلميحات محتملة حول أجندة السياسات للعام المقبل. وقال صموئيل تسي، كبير الاقتصاديين في بنك «دي بي إس»: «تتوقع السوق نبرة سياسية أكثر تفاؤلاً من مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي المُقرر عقده». وأضاف: «من المرجح أن تشمل التوجهات السياسية الرئيسية دعماً أقوى للاستهلاك من خلال إعانات أكثر صرامة، وزيادة خلق فرص العمل، وتحسين شبكة الأمان الاجتماعي».


توقعات بتعافٍ «هش» للاقتصاد الألماني وسط أعباء ضريبية وتوترات تجارية

سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
TT

توقعات بتعافٍ «هش» للاقتصاد الألماني وسط أعباء ضريبية وتوترات تجارية

سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)
سفن الحاويات في محطة التحميل «ألتينفيردر» بميناء هامبورغ (رويترز)

توقع المعهد الاقتصادي الألماني (آي دبليو) في تقريره، الجمعة، أن يظل تعافي الاقتصاد الألماني هشاً خلال العام المقبل، في ظل استمرار معاناة الصادرات وتباطؤ النشاط التجاري العالمي.

ويرجّح المعهد أن يسجّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ألمانيا نمواً طفيفاً نسبته 0.1 في المائة خلال العام الحالي بعد عامين من الانكماش، على أن يرتفع النمو إلى 0.9 في المائة في عام 2026، في تحسن يُعدّ ملحوظاً قياساً بالسنوات السابقة، وفق «رويترز».

وقال كبير اقتصاديي المعهد، مايكل غروملينغ، إن ألمانيا بدأت تخرج نسبياً من حالة الصدمة. ومع ذلك، يشير المعهد إلى أن نحو ثلث النمو المتوقع يعود إلى أثر التقويم؛ إذ سيشهد عام 2026 زيادة بنحو يومين ونصف اليوم في عدد أيام العمل مقارنة بعام 2025.

وكانت وزارة الاقتصاد الألمانية قد عدّلت في أكتوبر (تشرين الأول) توقعاتها لنمو 2025 إلى 0.2 في المائة، مع توقع نمو نسبته 1.3 في المائة في عام 2026.

عبء ضريبي غير مسبوق

أفاد المعهد بأن معدل الضرائب والمساهمات الاجتماعية في ألمانيا سيبلغ 41.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، ارتفاعاً من 40.2 في المائة في العام السابق، وهو مستوى قياسي جديد.

وقال غروملينغ إن الاقتصاد الألماني يواجه أعباءً حكومية متزايدة، حتى في أوقات التباطؤ الاقتصادي، مرجعاً ذلك إلى ارتفاع الإنفاق الدفاعي وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية، إضافة إلى التزامات اجتماعية متنامية تشمل المعاشات والتأمين الصحي وتأمين البطالة.

التوترات التجارية العالمية تثقل كاهل الاقتصاد

تتزايد حدة التأثير السلبي للرسوم الجمركية الأميركية والتوترات الجيوسياسية عبر العالم. فبعد نمو قدره 4.5 في المائة في التجارة العالمية في 2025، يتوقع المعهد تباطؤ النمو إلى 1.5 في المائة فقط في عام 2026.

وأشار المعهد إلى أن ضغوط التجارة الخارجية لا تزال تكبح استثمارات القطاع الخاص في ألمانيا، في حين أن الاستثمارات الحكومية لن تُنفَّذ بالكامل على الأرجح خلال العام المقبل. ومع ذلك، من المتوقع أن يسهم الاستثماران العام والخاص معاً بـ0.5 نقطة مئوية في النمو لعام 2026.

ضعف مستمر في سوق العمل وإنفاق المستهلك

يتوقع المعهد أن يبقى إنفاق المستهلكين دون إمكاناته، رغم استقرار التضخم عند قرابة 2 في المائة؛ وذلك بسبب ضعف آفاق التوظيف.

وقد يقترب عدد العاطلين عن العمل من 3 ملايين شخص، مع ركود في إجمالي مستويات التوظيف، في حين يُتوقع أن يخسر القطاع الصناعي مزيداً من الوظائف؛ ما يلقي بمزيد من الضغوط على توقعات النمو.

كما يُرجّح أن ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 66 في المائة، وأن تتجاوز حصة الحكومة من الناتج الاقتصادي 50 في المائة؛ ما يعكس زيادة الأعباء المالية على الدولة.

ارتفاع قوي في الطلبات الصناعية

على صعيد آخر، أظهرت بيانات رسمية صدرت الجمعة أن الطلبات الصناعية الألمانية ارتفعت بأكثر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، رغم أن الزيادة جاءت مدفوعة بالطلبات كبيرة الحجم.

وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي أن الطلبات ارتفعت 1.5 في المائة عن الشهر السابق بعد التعديلين الموسمي والتقويمي، مقابل توقعات استطلاع «رويترز» بارتفاع نسبته 0.4 في المائة فقط.

وباستثناء السلع الباهظة، زادت الطلبات الجديدة بنسبة 0.5 في المائة على أساس شهري. وأظهرت متوسطات الأشهر الثلاثة من أغسطس (آب) إلى أكتوبر تراجعاً بنسبة 0.5 في المائة مقارنة بالفترة السابقة.

كما تم تعديل بيانات سبتمبر (أيلول) لتظهر ارتفاعاً بنسبة 2 في المائة على أساس شهري بدلاً من القراءة الأولية البالغة 1.1 في المائة.


آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
TT

آسيا تتجه نحو طفرة في صفقات الأسهم مع طروحات بارزة للصين والهند

انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)
انعكاس المتداولين على لوحة أسعار الأسهم في طوكيو (رويترز)

من المتوقع أن تشهد صفقات الأسهم الآسيوية طفرة قوية خلال العام المقبل، مدفوعة بطروحات عامة أولية بارزة لشركات في الصين والهند، مع سعي المستثمرين لتنويع محافظهم الاستثمارية، رغم المخاوف من ارتفاع تقييمات شركات التكنولوجيا التي قد تؤثر سلباً على الزخم.

وأظهرت بيانات بورصة لندن أن صفقات سوق رأس المال الاستثماري في آسيا، بما في ذلك الطروحات العامة الأولية وسندات المتابعة والسندات القابلة للتحويل، بلغت حتى الآن 267 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 15 في المائة عن عام 2024، مسجلة أول ارتفاع سنوي منذ عام 2021، وفق «رويترز».

وهيمنت هونغ كونغ، الوجهة المفضلة للشركات الصينية، على صفقات رأس المال الإقليمي، محققة 75 مليار دولار حتى الآن في 2025، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ما جُمعت العام الماضي، وهو أعلى مستوى منذ 2021.

في المقابل، جمعت الهند 19.3 مليار دولار عبر الاكتتابات العامة الأولية حتى الآن هذا العام، بانخفاض 6 في المائة عن الرقم القياسي المسجل في 2024 والبالغ 20.5 مليار دولار. ولا تشمل البيانات الاكتتاب العام الأولي لمنصة التجارة الإلكترونية «ميشو» بقيمة 604 ملايين دولار، والذي يتم هذا الأسبوع.

وصرح جيمس وانغ، رئيس قسم إدارة رأس المال الاستثماري في آسيا باستثناء اليابان لدى «غولدمان ساكس»: «كان انتعاش الصين واستمرار توسع الهند المحركين الرئيسيين لإصدارات الأسهم في جميع أنحاء آسيا هذا العام». وأضاف: «نتوقع أن يظل السوقان محوريين لتدفقات الصفقات الإقليمية في 2026، وما زلنا في المراحل الأولى من انتعاش أوسع مدعوماً بالنمو الاقتصادي وتحسن أرباح الشركات».

وتشير توقعات شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية «إيكويروس كابيتال» إلى أن الهند قد تحقق ما يصل إلى 20 مليار دولار من الاكتتابات العامة الأولية في 2026. كما تقدمت أكثر من 300 شركة بطلبات للإدراج في بورصة هونغ كونغ، مع توقع أن تزيد عروض بارزة مثل الطرح العام الأولي لشركة «ريلاينس جيو بلاتفورمز» الهندية، والإدراج الثاني لشركة «تشونغجي إنولايت» الصينية، أحجام التداول في 2026.

التحول بعيداً عن الأصول الأميركية

استفادت الأسواق الآسيوية من توجه المستثمرين العالمي نحو تنويع محافظهم بعيداً عن الأصول الأميركية، وسط شكوك حول السياسات التجارية والجيوسياسية للولايات المتحدة.

وقال لي هي، الشريك والرئيس المشارك السابق لشركة «ديفيس بولك» في آسيا واليابان: «في فترات الاضطرابات الأميركية، غالباً ما تتجه رؤوس الأموال نحو آسيا بحثاً عن التنويع والنمو الهيكلي». وأضاف: «انتعاش 2025 يعكس وفرة السيولة في المنطقة وتحولاً نحو التقنيات الرائدة التي تعيد تشكيل طرق التصنيع والاستهلاك والتفاعل».

وحقق مؤشر هانغ سنغ مكاسب تقارب 30 في المائة هذا العام، متفوقاً على المؤشرات الأميركية، فيما ارتفع المؤشر الهندي القياسي نحو 10.8 في المائة. واستفادت شركات مثل «كاتل» الصينية، التي جمعت 5.3 مليار دولار في إدراجها الثاني في هونغ كونغ، وشركة «زيجين غولد انترناشيونال» التي جمعت 3.5 مليار دولار في اكتتاب عام أولي، من هذا الزخم.

مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي

أدت تقلبات الأسهم الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إثارة المخاوف بشأن تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي، وسط تساؤلات حول احتمالية انفجار فقاعة مضاربة. وتخطط شركات مثل «زيبو إيه آي» و«ميني ماكس»، وشركات تصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي «ميتا إكس» و«كونلونكسين»، لطرح أسهمها للاكتتاب العام، بما قد يصل إلى مليارات الدولارات.

وقال أرون بالاسوبرامانيان، شريك في شركة «فريشفيلدز» للمحاماة: «إذا أدت المخاوف من فقاعة الذكاء الاصطناعي إلى عمليات بيع مكثفة، فقد يكون التأثير معدياً على الأسواق بأكملها، وليس قطاعاً واحداً فقط».

وأضاف براتيك لونكر، رئيس إدارة أسواق رأس المال في شركة «أكسيس كابيتال» الهندية: «المستثمرون الذين يتجنبون المخاطرة قد يجدون الهند جذابة، نظراً لانخفاض وزن استثمارات الذكاء الاصطناعي في السوق نسبياً. ومع إعادة تقييم الإنفاق على الذكاء الاصطناعي ورؤية الأرباح، يتحول المستثمرون نحو الأسماء عالية الجودة والمدرّة للنقد، بعيداً عن قصص النمو ذات المضاعفات الأعلى».