الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي تحت نيران رسوم ترمب

الرئيس الأميركي يحمل أمراً تنفيذياً بشأن زيادة الرسوم الجمركية وإلى جانبه وزير التجارة هوارد لوتنيك (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي يحمل أمراً تنفيذياً بشأن زيادة الرسوم الجمركية وإلى جانبه وزير التجارة هوارد لوتنيك (أرشيفية - رويترز)
TT

الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي تحت نيران رسوم ترمب

الرئيس الأميركي يحمل أمراً تنفيذياً بشأن زيادة الرسوم الجمركية وإلى جانبه وزير التجارة هوارد لوتنيك (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي يحمل أمراً تنفيذياً بشأن زيادة الرسوم الجمركية وإلى جانبه وزير التجارة هوارد لوتنيك (أرشيفية - رويترز)

أثارت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي يتوقع أن تتصاعد، ارتدادات واسعة النطاق على الأسواق المالية العالمية وسط تنامي الخوف من حرب تجارية واسعة وارتفاع حالة عدم اليقين بسبب مخاوف من حصول ركود اقتصادي ليس في أميركا فحسب إنما عالمياً.

وسط هذه الصورة المشوهة، تبرز تساؤلات حول انعكاس الرسوم على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في الوقت الذي لوحظ فيه قيام الشركات بإعادة تقييم استراتيجياتها استجابة لها.

وكانت الولايات المتحدة فرضت رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على الواردات من كندا والمكسيك، و20 في المائة على السلع الصينية، وأعادت فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على واردات الصلب والألمنيوم العالمية، مما دفع إلى فرض رسوم جمركية انتقامية.

هذه الإجراءات أدت إلى اتخاذ تدابير انتقامية من جانب شركاء التجارة، بما في ذلك كندا والمكسيك والصين، مما أدى إلى تعطيل الاتفاقيات التجارية. كما شهدت أسواق الأسهم انخفاضات كبيرة في أعقاب إعلانات التعريفات الجمركية، مما أثر على القطاعات الحساسة للتجارة.

رئيس الوزراء الكندي المعين مارك كارني يتحدث إلى عمال الصلب أثناء جولته في مصنع «أرسيلور ميتال دوفاسكو» للصلب في هاميلتون (أ.ب)

آثار على تدفقات الاستثمار الأجنبي

ولا تطال نيران الرسوم الأسواق فقط، إنما لها آثار مهمة أيضاً على تدفقات الاستثمار الأجنبي، وفق ما جاء في دراسة أعدها مجلس التجارة العالمي، والتي يمكن تلخصيها بالآتي:

* تدفقات رأس المال إلى الخارج: تنقل الشركات عملياتها إلى مناطق غير خاضعة للتعريفات الجمركية، مما يؤدي إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج من الدول المتأثرة بسياسات التعريفات الجمركية الجديدة.

* زيادة الاستثمار في جنوب شرقي آسيا: تبرز دول مثل فيتنام والهند وماليزيا كبدائل جذابة للاستثمار، لا سيما مع سعي الشركات إلى تجنب التعريفات الجمركية على الواردات من الصين.

* إعادة هيكلة سلسلة التوريد: تعيد الشركات الأميركية تقييم دور المكسيك كمركز تصدير منخفض التكلفة، مما يؤدي إلى تعديلات جوهرية في سلاسل التوريد الخاصة بها في جميع أنحاء أميركا الشمالية.

* تباين في الاستثمار الأجنبي المباشر: في حين أن بعض الاستثمارات الأجنبية تتحول إلى الولايات المتحدة لتجنب التعريفات الجمركية، فإن البعض الآخر ينوع استثماراته إلى مناطق غير متأثرة، مما يعكس استجابة استراتيجية للبيئة الاقتصادية الجديدة.

* انخفاض إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر: من المتوقع انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية بنسبة 3 في المائة بحلول عام 2025، ويعزى ذلك إلى حالة عدم اليقين الناجمة عن الرسوم الجمركية، والتي تُثبط الاستثمارات الجديدة.

وتُشير هذه التغييرات إلى اتجاه نحو انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول المتأثرة مباشرةً بالرسوم الجمركية، إلى جانب اتجاه نحو مناخات استثمارية أكثر ملاءمة في مناطق أخرى.

وتعمل كندا على الترويج لنفسها بوصفها بديلاً مستقراً للولايات المتحدة من خلال تقديم الإعفاءات الضريبية والحوافز للشركات الأجنبية، وتعزيز الاتفاقيات التجارية مع الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية وآسيا. بينما تهدف «خطة المكسيك» إلى جذب 277 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال الإعفاءات الضريبية، مع تعزيز العلاقات التجارية بين أميركا اللاتينية وأوروبا. وفي المقابل، تعمل الصين على تقليص الحواجز التنظيمية لجذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز الشراكات مع دول الجنوب العالمي، وتقديم حوافز مالية للاستثمار الأجنبي المباشر،

أما الاتحاد الأوروبي فيعمل على وضع نفسه بوصفه وجهة استثمارية يمكن التنبؤ بها، حيث يقوم بنشاط بتجنيد الشركات الأميركية المتضررة من الرسوم الجمركية، وخاصة في قطاعي التكنولوجيا والسيارات. وقد أبرم اتفاقيات تجارية مع المكسيك و«ميركوسور» (التكتل الاقتصادي في أميركا اللاتينية)، مما يخلق فرصاً استثمارية للوصول إلى أسواق متعددة دون رسوم جمركية.

وبحسب الدراسة، تهدف هذه الإجراءات إلى جذب الشركات التي تسعى إلى سياسات تجارية مستقرة والوصول إلى أسواق متنوعة.

عمال يقومون بتركيب قضبان فولاذية في موقع بناء في ميامي - فلوريدا (رويترز)

توقعات

وتتوقع الدراسة الصادرة عن مجلس التجارة العالمي زيادة التجارة الإقليمية، حيث إنه من المرجح أن يدفع الاتجاه المتزايد للتعريفات الجمركية الشركات نحو اتفاقيات التجارة الإقليمية، مما يؤدي إلى نهج أكثر محلية لسلاسل التوريد والشراكات التجارية.

كما تتوقع حصول تحول نحو الأسواق الناشئة مع بحث الشركات عن بدائل لتجنب التعريفات. ومن هنا قد تشهد دول مثل فيتنام والهند والمكسيك زيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر حيث تصبح أكثر جاذبية للإنتاج.

ورأت أنه في حين أنه من المتوقع حدوث بعض التباطؤ الاقتصادي على المدى القصير بسبب اضطرابات سلسلة التوريد، فإن التعديلات طويلة الأجل قد تؤدي إلى فرص جديدة في أسواق لم يتم استغلالها من قبل.


مقالات ذات صلة

تباين الأسهم الآسيوية وسط مخاوف من الرسوم الجمركية الجديدة

الاقتصاد متداولو العملات يراقبون شاشة تعرض مؤشر «كوسبي» في غرفة تداول بنك «كيه إي بي هانا» في سيول (أ.ب)

تباين الأسهم الآسيوية وسط مخاوف من الرسوم الجمركية الجديدة

تباين أداء الأسهم في أسواق آسيا يوم الثلاثاء، حيث سجلت الأسواق الصينية تراجعاً ملحوظاً، وذلك عقب الارتفاع الواسع في «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (بانكوك )
الاقتصاد عمال في موقع بناء محطة سكة حديد في نينغبو بمقاطعة تشجيانغ شرق الصين (أ.ف.ب)

الصين تعارض خطوة ترمب معاقبة الدول التي تشتري النفط والغاز من فنزويلا

أعلنت بكين معارضتها الشديدة للخطوة الأميركية لمعاقبة الدول التي تشتري النفط والغاز من فنزويلا بفرض رسوم جمركية على تعاملاتها التجارية معها.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد سبائك ذهب بأحجام مختلفة محفوظة في قبو في بافاريا (د.ب.أ)

الذهب ينخفض مع تخفيف ترمب تهديداته بالرسوم الجمركية

انخفض سعر الذهب يوم الثلاثاء بعد أن صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن الرسوم الجمركية التي اقترحها لن تُطبّق جميعها في الثاني من أبريل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جزء من مصفاة دانغوتي للنفط بمنطقة إيبيجو ليكي على مشارف لاغوس (رويترز)

استقرار أسعار النفط مع تقييم المستثمرين لتأثير رسوم ترمب الجمركية

استقرت أسعار النفط مع تقييم الأسواق لتأثير الرسوم الجمركية الجديدة على الدول التي تشتري النفط الفنزويلي، والتوقعات غير المؤكدة للطلب العالمي.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
العالم رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في اليوم الثاني من جولته الانتخابية للحزب الليبرالي يشارك بمؤتمر صحافي في نيوفاوندلاند... كندا 24 مارس 2025 (رويترز)

رئيس وزراء كندا: مستعد لإجراء مكالمة مع ترمب لكن بشروطنا

قال رئيس الوزراء الكندي الجديد مارك كارني، الاثنين، إنه مستعد لإجراء مكالمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب لكنه سيفعل ذلك «وفقا لشروطنا كدولة ذات سيادة».

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

تباين الأسهم الآسيوية وسط مخاوف من الرسوم الجمركية الجديدة

متداولو العملات يراقبون شاشة تعرض مؤشر «كوسبي» في غرفة تداول بنك «كيه إي بي هانا» في سيول (أ.ب)
متداولو العملات يراقبون شاشة تعرض مؤشر «كوسبي» في غرفة تداول بنك «كيه إي بي هانا» في سيول (أ.ب)
TT

تباين الأسهم الآسيوية وسط مخاوف من الرسوم الجمركية الجديدة

متداولو العملات يراقبون شاشة تعرض مؤشر «كوسبي» في غرفة تداول بنك «كيه إي بي هانا» في سيول (أ.ب)
متداولو العملات يراقبون شاشة تعرض مؤشر «كوسبي» في غرفة تداول بنك «كيه إي بي هانا» في سيول (أ.ب)

تباين أداء الأسهم في أسواق آسيا يوم الثلاثاء، حيث سجلت الأسواق الصينية تراجعاً ملحوظاً، وذلك عقب الارتفاع الواسع في «وول ستريت»، الذي جاء مدفوعاً بآمال في أن تتبنى إدارة ترمب نهجاً أكثر استهدافاً لدى استعدادها لفرض جولة جديدة من الرسوم الجمركية على السلع المستوردة الأسبوع المقبل.

وفي طوكيو، ارتفع مؤشر «نيكي 25» بنسبة 0.5 في المائة ليصل إلى 37780.54 نقطة، بينما انخفض مؤشر «كوسبي» في كوريا الجنوبية بنسبة 0.6 في المائة، ليصل إلى 2615.81 نقطة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

كما سجل مؤشر «هانغ سنغ» في هونغ كونغ تراجعاً بنسبة 2.1 في المائة، ليصل إلى 23402.56 نقطة، وذلك بفعل عمليات بيع مكثفة للأسهم المرتبطة بالتكنولوجيا، مما أدى إلى انخفاض المؤشر الرئيسي.

وتراجعت أسهم شركة «شاومي» المصنعة للهواتف الجوالة في هونغ كونغ بنسبة 5.9 في المائة، بينما خسرت شركة «ميتوان»، المتخصصة في تطبيقات التوصيل، 4.2 في المائة. كما انخفضت أسهم شركة «علي بابا»، عملاق التجارة الإلكترونية، بنسبة 3.5 في المائة.

في المقابل، استقر مؤشر «شنغهاي» المركب عند مستوى 3369.98 نقطة، بينما ارتفع مؤشر «تايكس» التايواني بنسبة 0.8 في المائة، في حين خسر مؤشر بورصة تايلاند 0.5 في المائة.

وامتدت مشاعر الأمل والقلق عبر أسواق الأسهم في ظل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خططه لرفع الرسوم الجمركية، ثم تعديلها لاحقاً. ومن المتوقع أن تُفرض الجولة الجديدة من الرسوم الجمركية في 2 أبريل (نيسان)، لكن ترمب أبدى تحفظاً شديداً بشأن هذه الخطط، حيث صرح يوم الاثنين، بأنَّه على الرغم من رغبته في فرض رسوم «متبادلة» - أي ضرائب استيراد تُوازي الرسوم التي تفرضها الدول الأخرى - «فقد نكون أكثر لطفاً من ذلك».

ولم تُخفف هذه التصريحات من مخاوف الأسواق، إذ تراجعت أسواق الصين التي كانت قد شهدت انتعاشاً مؤخراً. وفي منشور له على موقع «تروث سوشيال»، وصف ترمب فنزويلا بأنها «عدائية للغاية» تجاه الولايات المتحدة، وأعلن أن الدول التي تشتري النفط الفنزويلي ستُجبر على دفع رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع صادراتها إلى الولايات المتحدة بدءاً من 2 أبريل.

ومن المحتمل أن تتجاوز هذه الرسوم الجمركية الجديدة مثلي الرسوم المفروضة أصلاً على الصين، التي استوردت في عام 2023 ما نسبته 68 في المائة من النفط الفنزويلي، وفقاً لتحليل أجرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية لعام 2024. كما تستورد الولايات المتحدة أيضاً النفط من فنزويلا.

ويوم الاثنين، سجل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» مكاسب بنسبة 1.8 في المائة ليغلق عند 5767.57 نقطة، بينما ارتفع مؤشر «داو جونز» الصناعي بنسبة 1.4 في المائة ليصل إلى 42583.32 نقطة. كما أُغلق مؤشر «ناسداك» المركب مرتفعاً بنسبة 2.3 في المائة عند 18188.59 نقطة. وعلى الرغم من المكاسب، فإن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» ما زال يخسر 1.9 في المائة منذ بداية العام، بسبب المخاوف من أن تؤدي الحرب التجارية إلى عرقلة النمو الاقتصادي وزيادة الضغوط التضخمية.

وشملت المكاسب جميع القطاعات تقريباً، حيث أغلقت 84 في المائة من أسهم مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» على ارتفاع. وأسهمت أسهم التكنولوجيا بشكل كبير في قيادة السوق، إذ تُعد من بين أكبر أسهم «وول ستريت» تأثيراً.

وارتفع سهم «إنفيديا» بنسبة 3.2 في المائة، كما أضاف سهم «أبل» 1.1 في المائة. بينما سجل سهم «تسلا» أكبر مكاسب بين أسهم «ستاندرد آند بورز 500» بارتفاع بلغ 11.9 في المائة، رغم أن سهم الشركة لا يزال منخفضاً بنحو 31 في المائة هذا العام.

وتترقب الأسواق مزيداً من التحديثات الاقتصادية من «وول ستريت» هذا الأسبوع. وسيصدر مجلس المؤتمرات استطلاع ثقة المستهلك لشهر مارس (آذار) يوم الثلاثاء، في حين تصدر الحكومة الأميركية يوم الجمعة مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر فبراير (شباط)، الذي يُعد مقياساً رئيسياً للتضخم، والذي يتابعه مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن كثب. وكان «الاحتياطي الفيدرالي» قد بدأ في خفض سعر الفائدة القياسي في نهاية عام 2024، لكنه يتوخى الحذر بشأن التضخم الذي يتجاوز قليلاً هدفه البالغ 2 في المائة. وقد تلا ذلك الخفض بعد رفع البنك المركزي لأسعار الفائدة، بهدف تهدئة التضخم الذي بلغ أعلى مستوى له في عقدين.

ويُعدُّ خفض أسعار الفائدة وسيلة لتخفيف تكاليف الاقتراض، مما قد يُسهم في دعم الاقتصاد، إلا أن ذلك قد يؤدي أيضاً إلى زيادة التضخم.