عمليات اندماج قياسية للبنوك الصينية الصغيرة تزيد من مخاطر التعثر

وسط ضربات التباطؤ والعقارات لقطاع تبلغ قيمته نحو 8 تريليونات دولار

مشاة يمرون أمام فرع لأحد البنوك التابعة لهيئة البريد في العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
مشاة يمرون أمام فرع لأحد البنوك التابعة لهيئة البريد في العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
TT

عمليات اندماج قياسية للبنوك الصينية الصغيرة تزيد من مخاطر التعثر

مشاة يمرون أمام فرع لأحد البنوك التابعة لهيئة البريد في العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
مشاة يمرون أمام فرع لأحد البنوك التابعة لهيئة البريد في العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)

أظهرت مراجعة أجرتها «رويترز» للبيانات الرسمية أن الصين أشرفت على أكبر موجة على الإطلاق من عمليات اندماج البنوك الريفية الصغيرة العام الماضي، لكن المحللين يقولون إن جهود بكين لمعالجة المخاطر في القطاع المصرفي الصغير قد تنتهي إلى خلق المزيد من المشكلات في المستقبل.

وتدعم الحكومات الإقليمية المدينة العديد من البنوك الصينية الصغيرة، التي يبلغ عددها نحو 4 آلاف بنك ويتم تمويلها إلى حد كبير من خلال سوق المال قصيرة الأجل والاقتراض بين البنوك، مما قد يعرض الاستقرار المالي للخطر في حالة فشل عدد قليل منها.

وتأتي هذه الخطوة في وقت تضررت فيه العديد من هذه البنوك الصغيرة بشدة بسبب تباطؤ نمو القروض وارتفاع القروض المتعثرة وسط أزمة قطاع العقارات والتباطؤ المطول في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

ووفقاً لحسابات «رويترز» للإيداعات التنظيمية وإيداعات الشركات على مدى الأشهر الـ12 الماضية، تم دمج ما لا يقل عن 290 بنكاً وتعاونية ريفية صينية في مقرضين إقليميين أكبر في عام 2024. ويؤكد حجم عمليات الاندماج، التي لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً، عمق المشكلة في ركن حاسم من القطاع المالي الصيني... كما أنها أكبر عملية دمج منذ تحول البنوك التجارية الريفية الصغيرة في الصين في أوائل عام 2000 من تعاونيات ريفية على الطراز الاشتراكي، إلى خدمة المزارعين والشركات الصغيرة التي تتجاهلها البنوك الحكومية الكبرى.

ويبلغ عدد شركات القطاع المصرفي الريفي أو الصغير في الصين نحو 3700 شركة بإجمالي أصول تبلغ 57 تريليون يوان (7.8 تريليون دولار) اعتباراً من نهاية يونيو (حزيران) من العام الماضي، وهو ما يقرب من ضعف حجم القطاع المصرفي في أستراليا وثلث حجم القطاع المصرفي في الولايات المتحدة.

وقال جيسون بيدفورد، المحلل الآسيوي السابق في «بريدجووتر» و«يو بي إس»، والمعروف بأبحاثه المتعمقة حول القطاع المصرفي الصيني: «بعد سنوات من التصحيح، أصبح النظام المصرفي في صحة جيدة نسبياً على الرغم من الخلفية الاقتصادية الضعيفة»... ومع ذلك، غالباً ما تؤدي هذه الاندماجات ببساطة إلى إنشاء «بنوك متعثرة أكبر» من خلال الجمع بين المؤسسات المفلسة، كما قال بيدفورد.

وعلى مدى العقد الماضي، بدأت العديد من البنوك الصغيرة في الإقراض بقوة لمطوري العقارات وعمليات تمويل الحكومات المحلية. وجعلتهم هذه الممارسة عرضة للتباطؤ الاقتصادي بعد «كوفيد-19»، واضطراب سوق العقارات، وضعف المالية العامة للحكومات المحلية المدينة.

وبلغت نسبة القروض المتعثرة للبنوك التجارية الريفية 3.04 في المائة في الربع الثالث من العام الماضي، أي ما يقرب من ضعف نسبة 1.56 في المائة للقطاع المصرفي الإجمالي، وفقاً لأحدث البيانات الرسمية. ويقول المحللون إن الصحة المالية للعديد من المقرضين الصغار في حالة أسوأ بكثير.

وفي واحدة من أكثر عمليات الاندماج تفصيلاً العام الماضي، أنشأت الحكومة في مقاطعة لياونينغ بشمال شرقي الصين في سبتمبر (أيلول) 2023 «بنك لياونينغ التجاري الريفي» برأس مال مسجل يبلغ 20.8 مليار يوان.

ثم استوعب بنك لياونينغ التجاري الريفي 36 مقرضاً ريفياً صغيراً محلياً في يونيو من العام الماضي. وأظهرت مراجعة «رويترز» للإيداعات أن العديد من المقرضين المستوعبين كانوا يعانون من ارتفاع القروض المتعثرة.

وأظهرت أحدث إفصاحات البنك المتاحة أن «بنك لياونينغ دينغتا التجاري الريفي»، واحد من المؤسسات الـ36، أبلغ عن نسبة قروض متعثرة بلغت 21.54 في المائة في نهاية عام 2021، مقارنة بمتوسط ​​القطاع البالغ 1.73 في المائة في ذلك الوقت.

ولم يتم الإعلان عن الميزانية العمومية لبنك لياونينغ الريفي التجاري بعد. ولم يستجب المقرض لطلب التعليق.

وفي خطوة توحيد أحدث، حصل «بنك لانزو»، ومقره مقاطعة قانسو الشمالية الغربية، على موافقة تنظيمية للاستحواذ على بنكين ريفيين، حسبما قال منظم القطاع المصرفي في البلاد في بيان في ديسمبر (كانون الأول).

وكجزء من عمليات الاستحواذ هذه، التي لم يتم الكشف عن تفاصيلها المالية، سيتم نقل أصول البنكين إلى بنك لانزو، الذي كان لديه 453 مليار يوان من الأصول ونسبة قروض متعثرة 1.73 في المائة اعتباراً من نهاية عام 2023، وفقاً لتقريره السنوي.

وتعد حملة اندماج البنوك الصغيرة جزءاً من الإصلاحات التي أطلقتها السلطات الصينية في عام 2022 لإصلاح القطاع المصرفي الريفي وتنظيم المقرضين الأصغر حجماً المتعثرين، بعد سلسلة من الفضائح التي شهدت في بعض الحالات خسارة المودعين للأموال وإقامة احتجاجات عامة نادرة.

ومن المقرر دمج عشرة بنوك صغيرة أخرى في مقاطعة لياونينغ في بنك «لياوشين»، الذي تأسس في يونيو 2021 لاستيعاب 12 مقرضاً إقليمياً أصغر، وفقاً للإفصاحات الرسمية التي اطلعت عليها «رويترز».

وفي تسليط الضوء على خطر خلق حملة الاندماج لبنوك أكبر متعثرة، ورث بنك لياوشين كمية كبيرة من الأصول المتعثرة من الاستحواذ على بنكين أصغر، مما أدى إلى ارتفاع نسبة القروض المتعثرة إلى 4.67 في المائة في عام 2022 و4.53 في المائة في عام 2023... وهذا أعلى بكثير من متوسط ​​1.75 في المائة بين البنوك التجارية في المدينة.

وقال البنك المركزي في تقرير صدر في ديسمبر 2023 إن بعض المؤسسات الريفية أصبحت «آلات صرف» للمساهمين وانحرفت عن مهمتها في دعم القطاع الزراعي والشركات الصغيرة.

وقال كريستوفر بيدور، نائب مدير أبحاث الصين في «جافيكال دراغونوميكس»: «المشكلة هي أن هناك العديد من البنوك الإقليمية الصغيرة لدرجة أن الهيئة التنظيمية المصرفية من الواضح أنها لا تملك القدرة على مراقبتها جميعاً».

وقال إن عمليات الدمج هذه ستخلق مؤسسات أقل حجماً وأكبر حجماً يمكن للجهات التنظيمية الإشراف عليها بشكل أكثر فعالية، لكن الاستراتيجية لن تحل قضايا مثل الأصول السيئة، وستظل هناك مشكلات كثيرة قائمة.


مقالات ذات صلة

السعودية تعزّز أمنها الغذائي... و30 مليار دولار مساهمة الزراعة في الناتج المحلي

الاقتصاد إحدى المزارع في السعودية (واس)

السعودية تعزّز أمنها الغذائي... و30 مليار دولار مساهمة الزراعة في الناتج المحلي

واصلت السعودية خطواتها الواسعة نحو تحقيق أمنها الغذائي، بوصفه هدفاً استراتيجياً تبنته الدولة منذ تأسيسها، مدفوعة بتحديات الطبيعة الجغرافية الصحراوية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة جوية للعاصمة السعودية الرياض (واس)

أداء مؤشرات «رؤية 2030» يُسرّع من نمو الاقتصاد السعودي

أسهم انعكاس أداء المؤشرات الرئيسية والفرعية في تعزيز النمو الاقتصادي السعودي، مع اقتراب «رؤية المملكة 2030» من اختتام مرحلتها الثانية الممتدة من (2021 - 2025).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد العلم الروسي يرفرف فوق مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

«المركزي الروسي» يبقي الفائدة عند 21% مع تراجع التضخم

أبقى البنك المركزي الروسي سعر الفائدة الرئيسي عند 21 في المائة يوم الجمعة، في وقت بدأ فيه التضخم في التراجع.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد صورة لظل الرئيس الأميركي دونالد ترمب وفي الخلفية العلم الصيني (رويترز)

ترمب يؤكد الحديث مع الرئيس الصيني حول الرسوم الجمركية

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنّه تحدّث مع نظيره الصيني شي جينبينغ بشأن الرسوم الجمركية، وفقا لمقابلة نشرتها مجلة «تايم» الجمعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - بكين: «الشرق الأوسط»)
الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان يتحدث مع أليكسي موروزوف المدير التنفيذي المناوب لمجموعة البنك الدولي خلال إحدى جلسات اجتماعات الربيع السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)

السعودية وصندوق النقد والبنك الدولي يؤكدون دعمهم لتعافي سوريا الاقتصادي

أصدر وزير المالية السعودي محمد الجدعان بياناً مشتركاً مع كريستالينا غورغييفا وأجاي بانغا تناول فيه نتائج اجتماع الطاولة المستديرة رفيعة المستوى بشأن سوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«تويوتا» تدرس استحواذاً محتملاً على مورد رئيسي مقابل 42 مليار دولار

سيارت «تويوتا» خارج أحد معارضها في مدينة ستوكبورت البريطانية (رويترز)
سيارت «تويوتا» خارج أحد معارضها في مدينة ستوكبورت البريطانية (رويترز)
TT

«تويوتا» تدرس استحواذاً محتملاً على مورد رئيسي مقابل 42 مليار دولار

سيارت «تويوتا» خارج أحد معارضها في مدينة ستوكبورت البريطانية (رويترز)
سيارت «تويوتا» خارج أحد معارضها في مدينة ستوكبورت البريطانية (رويترز)

أعلنت شركة «تويوتا موتور»، أنها تدرس إمكانية الاستثمار في استحواذ محتمل على شركة توريد قطع الغيار «تويوتا إندستريز»، في صفقة قد تصل قيمتها إلى 42 مليار دولار.

وقالت شركة صناعة السيارات في إفصاح لبورصة طوكيو عقب تقارير حول الاستحواذ المحتمل: «ندرس حالياً خيارات متنوعة، ومنها الاستثمار الجزئي».

كانت «بلومبيرغ نيوز» قد ذكرت، يوم الجمعة، أن أكيو تويودا رئيس مجلس إدارة «تويوتا» والعائلة المؤسسة للشركة اقترحا الاستحواذ على «تويوتا إندستريز» في صفقة بقيمة 6 تريليونات ين (42 مليار دولار).

وأعلنت «تويوتا إندستريز»، التي تبلغ قيمتها السوقية 4 تريليونات ين، في بيان أنها تلقت عروضاً بشأن التخارج من البورصة والتحول إلى شركة خاصة من خلال شركة ذات غرض خاص، لكنها نفت تلقيها أي عرض استحواذ من رئيس مجلس إدارة «تويوتا» أو مجموعة «تويوتا».

وقال مصدران مطلعان إن «تويوتا إندستريز» تدرس الاستعانة بـ«تويوتا» وشركات مجموعتها، بالإضافة إلى بنوك رئيسية، لتمويل عملية استحواذ. وذكرا أيضاً أن العرض لم يأتِ من «أكيو تويودا» أو مجموعة «تويوتا».

وامتلكت «تويوتا» 24 في المائة من «تويوتا إندستريز» بحلول سبتمبر (أيلول) 2024. بينما بلغت حصة «تويوتا إندستريز» في «تويوتا» 9.07 في المائة، وتمتلك أيضاً حصة 5.41 في المائة من أسهم شركة «دينسو» وهي مورّد رئيسي آخر لقطع الغيار لـ«تويوتا».