اختلاف السياسات النقدية يُضعف «سلاح ترمب» التجاري

التقلبات في أسواق العملات تكشف عن هامش واسع للبنوك المركزية لتخفيض الفائدة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد توقيع أوامر تنفيذية في يوم تنصيبه لولاية رئاسية ثانية في واشنطن (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد توقيع أوامر تنفيذية في يوم تنصيبه لولاية رئاسية ثانية في واشنطن (رويترز)
TT

اختلاف السياسات النقدية يُضعف «سلاح ترمب» التجاري

الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد توقيع أوامر تنفيذية في يوم تنصيبه لولاية رئاسية ثانية في واشنطن (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد توقيع أوامر تنفيذية في يوم تنصيبه لولاية رئاسية ثانية في واشنطن (رويترز)

تشير التقلبات الحادة في أسواق العملات إلى أن البنوك المركزية حول العالم لا تزال تمتلك هامشاً واسعاً لمواصلة خفض أسعار الفائدة، في حين يستمرُّ فك الارتباط التدريجي مع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الذي أوقف خفض الفائدة ضمن سياساته النقدية، وفقاً لما أفاد به مسؤولون ومحللون.

هذا التباين في السياسات النقدية قد يُشكِّل تحدياً للرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث يمكن أن يُضعف فاعلية الرسوم الجمركية التي يعتزم فرضها على التجارة، فضلاً عن زيادة أعباء الاقتراض على الشركات والأسر الأميركية، وفق «رويترز».

ويُعد «الاحتياطي الفيدرالي» أكبر بنك مركزي في العالم، وعادةً ما يقود توجهات السياسة النقدية عالمياً، إلا أن مطلع عام 2025 جاء على غير المعتاد. ففي حين تتمتع الولايات المتحدة بقاعدة اقتصادية قوية، فإن كبرى الاقتصادات العالمية الأخرى تواجه صعوبات متزايدة، مما يضع «الاحتياطي الفيدرالي» في موقف معقَّد يمنعه من إجراء تخفيضات إضافية على الفائدة، وسط حالة عدم اليقين الناجمة عن سياسات ترمب وتهديداته التجارية.

واللافت أن تأقلم الاقتصاد العالمي مع تداعيات الحرب التجارية المحتملة أدى إلى تآكل التأثير المتوقُّع للرسوم الجمركية التي يسعى ترمب لفرضها، حتى قبل دخولها حيز التنفيذ، وهو ما يصبُّ في مصلحة الشركات الأجنبية المصدِّرة إلى الولايات المتحدة.

من جانب آخر، تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع التضخم المحلي، مما يدفع «الاحتياطي الفيدرالي» للإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعةً، الأمر الذي يعزز قيمة الدولار مقارنة بمعظم العملات الأخرى، ما يجعل التصدير إلى الولايات المتحدة أكثر جاذبية، وهو ما يتعارض مع أهداف البيت الأبيض.

على سبيل المثال، استفادت سويسرا بالفعل من هذه التطورات. وعلّق كارستين غونيوس، كبير الاقتصاديين في بنك «جي سافرا ساراسين»، قائلاً: «سيؤدي ضعف الفرنك إلى دعم الصناعات السويسرية عبر جعل الصادرات إلى الولايات المتحدة أرخص، مما قد يعوِّض أي أثر للرسوم الجمركية الأميركية».

أما منطقة اليورو، التي كانت هدفاً رئيسياً لانتقادات ترمب؛ بسبب فائضها التجاري الكبير، فقد شهدت انخفاضاً بنسبة 7 في المائة في قيمة عملتها منذ الخريف، وهو ما قد يخفِّف جزئياً من تداعيات الرسوم الجمركية.

وفي هذا السياق، قال بييرو سيبولوني، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي: «قد تضطر الشركات الأوروبية إلى تقليص هامش أرباحها؛ للحفاظ على حصتها السوقية، لكن هذا التأثير قد يتم تعويضه جزئياً بفعل تحركات أسعار الصرف، مما قد يقلل من الأثر الإجمالي للرسوم».

عالمياً، يُسهم تراجع قيم العملات في ارتفاع التضخم، حيث تصبح الواردات، ولا سيما الطاقة، أكثر تكلفة. لكن مع ذلك، لا يبدو أن صانعي السياسة النقدية قلقون من هذه التطورات، خصوصاً مع تراجع معدلات التضخم في كثير من الاقتصادات؛ بسبب ضعف النمو الناتج عن التوترات التجارية.

في الآونة الأخيرة، قامت بنوك مركزية عدة، من بينها البنك المركزي الأوروبي، وبنك إنجلترا، وبنك كندا، وبنك المكسيك، بتخفيض أسعار الفائدة، بينما أشار «الاحتياطي الفيدرالي» إلى أنه ليس في عجلة من أمره لاتخاذ خطوة مماثلة. كذلك، خفِّض كل من بنك الاحتياطي الهندي وبنك المكسيك أسعار الفائدة مؤخراً.

وفي هذا الإطار، قال تيف ماكليم، محافظ البنك المركزي الكندي، إن تأثير الفارق في أسعار الفائدة على العملات كان «محدوداً نسبياً»، بينما أشار «بنك إنجلترا» إلى أن انخفاض الجنيه الإسترليني - الذي تراجع بنسبة 7 في المائة أمام الدولار منذ سبتمبر (أيلول) - لم يكن له تأثير جوهري.

أما أندرياس كونيغ، رئيس قسم العملات في شركة «أموندي»، فقد علّق قائلاً: «انتقلنا من 1.12 دولار لليورو العام الماضي إلى 1.01 دولار يوم الاثنين، لكن هل يغير ذلك موقف البنك المركزي الأوروبي أو أي بنك مركزي آخر؟ لا أعتقد ذلك».

وفي ظل هذه التعقيدات، يبدو أن ترمب، الذي كان قد دعا مؤخراً «الاحتياطي الفيدرالي» إلى خفض الفائدة، قد أعاد تقييم موقفه من أسعار الفائدة الأميركية. فقد أوضح وزير الخزانة سكوت بيسنت، هذا الأسبوع، أن ترمب عند حديثه عن خفض الفائدة كان يشير إلى العوائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات - وهي المؤشر الأساسي لمعدلات الاقتراض في سوق الرهن العقاري الأميركية وقروض الأعمال - وليس إلى الفائدة قصيرة الأجل التي يحددها «الاحتياطي الفيدرالي».

ويعود هذا التباين في السياسات النقدية إلى الفوارق الاقتصادية بين الدول؛ إذ يتمتع الاقتصاد الأميركي بأداء قوي يتطلب الإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة للحد من الضغوط التضخمية. لكن الفجوة في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة وبقية العالم لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.

وحذَّر دومينيك بونينغ، الاستراتيجي العالمي للعملات في «نومورا»، قائلاً: «ما يقلق البنوك المركزية هو حدوث انخفاض حاد في العملة يؤدي إلى عمليات بيع واسعة في سوق السندات، مما يزيد من ضعف العملة ويؤدي إلى ارتفاع التضخم». وأضاف: «هذه الدوامة هي التحدي الذي ستواجهه البنوك المركزية في النهاية، لكن لا أعتقد أننا وصلنا إلى هذه المرحلة بعد».

كما قد تتردد البنوك المركزية في اتخاذ إجراءات إذا شهدت أسعار الطاقة ارتفاعاً جديداً، إذ أن ذلك قد يؤدي إلى صدمة تضخمية مزدوجة، خصوصاً أن النفط والغاز يتم تداولهما بالدولار عالمياً.

وتتمثل معضلة أخرى في أن البنوك المركزية يمكنها التحكم في أسعار الفائدة قصيرة الأجل، لكن تكاليف الاقتراض المستقبلية تعتمد على الأسواق المالية. فإذا ارتفعت عوائد السندات الأميركية، فمن المرجح أن تحذو بقية الاقتصادات حذوها، مما يجعل الاقتراض أكثر تكلفة ويبطئ النمو الاقتصادي.

وفي هذا السياق، قال جيانلوغي ماندروزاتو، كبير الاقتصاديين في بنك «إي إف جي»: «عادةً، إذا ارتفعت أو انخفضت عوائد السندات الأميركية، فإن نظيراتها الأوروبية تتحرك في الاتجاه ذاته. وبالتالي، ستواجه الشركات والأسر تكاليف اقتراض أعلى، رغم محاولات البنوك المركزية تخفيض الفائدة قصيرة الأجل».


مقالات ذات صلة

العملات الكبرى تتفوق على الدولار في 2025

الاقتصاد أوراق نقدية من الدولار الأميركي (رويترز)

العملات الكبرى تتفوق على الدولار في 2025

تُحدث الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب تأثيراً كبيراً على العملات العالمية، ولكن ليس بالطريقة التي توقَّعها المستثمرون قبل بضعة أشهر.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد تعرض شاشة البيانات المالية في غرفة تداول بنك هانا مؤشر «كوسبي» في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق العالمية تستعيد توازنها جزئياً... وانتعاش قوي للأسهم الآسيوية

ارتفعت الأسهم الآسيوية يوم الجمعة، في محاولة لتعويض الخسائر الحادة التي تكبدتها الأسواق العالمية في وقت سابق من الأسبوع، بينما بلغ الذهب مستوى قياسياً جديداً.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد أوراق نقدية توضيحية من الجنيه الإسترليني واليورو (رويترز)

استقرار اليورو والجنيه الإسترليني قرب أعلى مستوياتهما

استقر اليورو والجنيه الإسترليني بالقرب من أعلى مستوياتهما في أشهر عدة مقابل الدولار يوم الخميس، مع استمرار الضغوط على العملة الأميركية وسط مخاوف من تباطؤ النمو.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد رجل أمام شاشة تعرض تحديثات الأسواق في بورصة بومباي (رويترز)

الأسهم الآسيوية تتراجع وسط تداعيات السياسات التجارية لترمب

تراجعت الأسهم الآسيوية، يوم الخميس، متخلية عن مكاسبها المبكرة، حيث هيمنت المخاوف من التداعيات الاقتصادية للسياسات التجارية التي ينتهجها الرئيس الأميركي.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد أوراق النقد بالدولار الأميركي (د.ب.أ)

في ظل حرب الرسوم... الدولار ينتعش بدعم من ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية

انتعش الدولار قليلاً يوم الخميس بفضل ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية، على الرغم من تداول العملات في نطاقات ضيقة.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

مجلس الشيوخ الأميركي يوافق على مشروع قانون لتجنب الإغلاق الحكومي

مجلس الشيوخ الأميركي (أ.ف.ب)
مجلس الشيوخ الأميركي (أ.ف.ب)
TT

مجلس الشيوخ الأميركي يوافق على مشروع قانون لتجنب الإغلاق الحكومي

مجلس الشيوخ الأميركي (أ.ف.ب)
مجلس الشيوخ الأميركي (أ.ف.ب)

وافق مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قانون إنفاق مؤقت لتجنب إغلاق حكومي جزئي بعد تراجع الديمقراطيين عن موقفهم في أزمة نابعة من غضبهم بسبب حملة الرئيس دونالد ترمب لتقليص عدد الموظفين في الحكومة الاتحادية.

وبعد أيام من النقاش المحتدم، أنهى زعيم الأقلية الديمقراطية تشاك شومر الأزمة مساء الخميس، قائلاً إنه سيصوت للسماح بتمرير مشروع القانون. وأضاف أنه لا يميل لمشروع القانون، لكنه يعتقد أن بدء إغلاق حكومي سيكون أسوأ نظراً لأن ترمب ومستشاره إيلون ماسك يتحركان على نحو سريع لخفض الإنفاق.

وصوت مجلس الشيوخ بنسبة تأييد 54 صوتاً مقابل معارضة 46 على مشروع القانون، وأرسله إلى ترمب لتوقيعه وتحويله إلى قانون بعد رفض أربعة تعديلات.

ومرر مجلس النواب الذي تسيطر عليه أغلبية جمهورية مشروع القانون في الأسبوع الماضي، مما يعني أن الإنفاق سيبلغ نحو 6.75 تريليون دولار خلال السنة المالية التي تنتهي في 30 سبتمبر (أيلول).

وعبر الديمقراطيون عن غضبهم تجاه مشروع القانون الذي يخفض الإنفاق نحو سبعة مليارات دولار والذين قالوا إنه لن يوقف حملة ترمب للتصدي للإنفاق الذي فرضه الكونغرس وخفض عشرات الآلاف من الوظائف.

وتأتي هذه التحركات بينما تخوض الولايات المتحدة حرباً تجارية مع بعض أقرب حلفائها، الأمر الذي أدى لموجة بيع كبيرة للأسهم وأثار مخاوف من حدوث ركود.