فرص في سلاسل التوريد العالمية لمستقبل الطاقة الخضراء بالمنطقة

عامل يفحص وحدة طاقة شمسية بمصنع في الصين (رويترز)
عامل يفحص وحدة طاقة شمسية بمصنع في الصين (رويترز)
TT

فرص في سلاسل التوريد العالمية لمستقبل الطاقة الخضراء بالمنطقة

عامل يفحص وحدة طاقة شمسية بمصنع في الصين (رويترز)
عامل يفحص وحدة طاقة شمسية بمصنع في الصين (رويترز)

تتمتع منطقة الشرق الأوسط بموقع فريد يؤهلها لتصبح منتجاً ومصدّراً رئيسياً للمعادن الحيوية ومكونات الطاقة الخضراء، مما يساهم في بناء سلاسل توريد عالمية أكثر تنوعاً وقدرة على الصمود. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الفرصة يتطلب استثمارات استراتيجية وابتكاراً.

مخاطر الاعتماد على مُوَرِّد واحد

مع تسارع تحول الطاقة في ظل تنافس القوى العالمية وفرض قيود تجارية محتملة، يصبح تنويع سلاسل توريد المعادن الحيوية وتقنيات الطاقة الخضراء – التي تعتمد حالياً على سوق واحد – أمراً ضرورياً.

تُعد معادن مثل النحاس والليثيوم والنيكل والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة أساسية لأنظمة الطاقة الخضراء. ورغم انتشار رواسب هذه الموارد، فإن الإنتاج يتركز في دول قليلة: تتصدر أستراليا في إنتاج الليثيوم، وتشيلي في النحاس، وجمهورية الكونغو الديمقراطية في الكوبالت. أما عملية التكرير، فتسيطر عليها الصين بشكل كبير.

إضافةً إلى ذلك، تتحكم الصين في أكثر من 80 في المائة من تصنيع الألواح الشمسية، بدءاً من مراحل إنتاج السيليكون والشرائح وحتى التجميع النهائي. وهي أيضاً أكبر منتج لبطاريات الليثيوم أيون، إذ تزوّد 70 في المائة من السوق العالمية، مدعومةً بسيطرتها على 80 في المائة من تعدين الغرافيت وقدرات التصنيع منخفضة التكلفة، مما جعلها المورّد الرائد للمركبات الكهربائية عالمياً.

بطاريات الليثيوم أيون تعد عنصراً أساسياً في تشغيل السيارات الكهربائية (رويترز)

هذه الهيمنة على إنتاج المعادن الحيوية وتقنيات الطاقة الخضراء تُعرِّض سلاسل التوريد العالمية لخطر الاضطرابات. ومع تسارع تحول الطاقة، يصبح تنويع مصادر التوريد أمراً حاسماً.

إمكانات في مجال المعادن الحيوية

تزخر منطقة الشرق الأوسط بالمعادن الحيوية. فعلى سبيل المثال، تمتلك السعودية احتياطيات كبيرة من النحاس والزنك والحديد والألمنيوم والمنغنيز والكروم، وتستثمر بكثافة في التعدين والتكرير محلياً. وتهدف المملكة إلى رفع مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي من 17 مليار دولار إلى 75 مليار دولار بحلول 2035. ولدى دول مجلس التعاون الخليجي أهداف مماثلة: من المتوقع أن تصل صناعات التعدين في الإمارات إلى 10 مليارات دولار بحلول 2025، بينما تركز عُمان على توسيع عمليات تعدين النحاس.

هذه الدول، بالإضافة إلى بعض دول المنطقة خارج مجلس التعاون الخليجي (مثل الأردن)، مؤهلة للاستفادة من احتياطاتها الواسعة من المعادن –مستفيدةً من موقعها الجغرافي الاستراتيجي وشراكاتها التجارية القائمة لتعزيز دورها في الإنتاج والتصدير أو إعادة التصدير. وبذلك، يمكنها تعزيز سلاسل التوريد العالمية، وزيادة مرونة اقتصاد المنطقة في مستقبل منخفض الكربون، والمساهمة في تحقيق الأهداف المناخية والطاقة الخضراء محلياً وعالمياً.

مصنع تابع لشركة «معادن» في السعودية (الشرق الأوسط)

تجارة مكونات الطاقة الخضراء

رغم ثرواتها الطبيعية، لا تزال المنطقة تعتمد بشكل كبير على الواردات في مكونات الطاقة الخضراء:

المركبات الكهربائية:

  • ارتفعت واردات المركبات الكهربائية إلى دول المنطقة 1.5 مرة في 2023، بقيمة بلغت 2.9 مليار دولار (ما يعادل 2 في المائة من الواردات العالمية). ومن المتوقع أن تصل القيمة إلى 8 مليارات دولار بحلول 2028. وتتصدر الإمارات والأردن والسعودية قائمة المستوردين.

  • تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي (خصوصاً السعودية والإمارات وقطر) في تصنيع المركبات الكهربائية. على سبيل المثال، من المقرر أن تطرح العلامة السعودية «CEER» -المدعومة من صندوق الاستثمارات العامة- أولى مركباتها في 2025.
  • نشطت المنطقة أيضاً في تصدير أو إعادة تصدير المركبات الكهربائية، حيث تتصدر الإمارات (تليها المغرب) قائمة المصدرين، مع تركيز الإمارات على الأسواق الإقليمية وأفريقيا، بينما يركز المغرب على التصدير إلى أوروبا.

الألواح الشمسية:

  • ارتفعت واردات الألواح الشمسية إلى المنطقة بنسبة 57 في المائة في 2023 إلى 2.5 مليار دولار (4 في المائة من الواردات العالمية)، بينما بقيت الصادرات متواضعة عند 259 مليون دولار (0.4 في المائة من الصادرات العالمية)، مع تصدر الأردن والإمارات قائمة المصدرين.

خلايا وبطاريات الليثيوم:

  • شهدت المنطقة نمواً مطرداً في واردات خلايا وبطاريات الليثيوم بين 2019 و2023، مع تصدر السعودية والإمارات. لكن الصادرات وإعادة التصدير لا تزال منخفضة.
  • بينما تعتمد الدول غير الخليجية بشكل كبير على الصين، تتمتع السعودية والإمارات بتنويع أكبر في الموردين، مع وجود الولايات المتحدة مصدراً رئيسياً.

طاقة الرياح:

  • رغم أن حصة المنطقة من السوق العالمية تبلغ 4.7 في المائة فقط، فإنها تنمو بثبات، مع تصدر السعودية ومصر والمغرب قائمة المستوردين. وتسود الصين بنسبة 78 في المائة من إجمالي الواردات، مع هيمنة شبه كاملة في مصر والأردن والسعودية (99 في المائة).

خريطة طريق للمستقبل

يعتمد اندماج المنطقة في سلاسل التوريد العالمية -أو قيادة أجزاء منها- على تطوير سياسات قوية، واستثمارات ضخمة، وشراكات فعالة بين القطاعين العام والخاص.

فيما يلي خمس توصيات لمواجهة التحديات واغتنام الفرص:

1. تنويع مصادر التوريد: تقليل الاعتماد على مورد واحد للمكونات الرئيسية عبر تنويع العلاقات مع الموردين، والاستثمار في تقنيات بديلة، وتعزيز التصنيع المحلي.

2. تطوير التصنيع المحلي والإقليمي: تحفيز الإنتاج المحلي للمكونات عبر حوافز ضريبية ودعم مالي وتسهيل الأنظمة، مما يوفر وظائف ويقلل الاعتماد على الواردات.

3. إنشاء مناطق تجارة حرة ومراكز إعادة تصدير: الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمنطقة لاستيراد المواد الخام وتجميع المكونات وإعادة تصديرها، مع تعزيز البنية اللوجيستية والاتفاقيات التجارية.

4. تعزيز الاتفاقيات التجارية: إقامة شراكات مع دول رائدة في مجال المعادن والتقنيات المتقدمة لتعزيز مرونة السلاسل ودعم الصناعات المحلية.

5. الاستثمار في الابتكار: دعم البحث والتطوير في المواد المستدامة وتقنيات التدوير عبر تعاون عابر للحدود وشراكات بين الصناعة والأكاديميين.

يستند المقال إلى تقرير «تعزيز سلاسل التوريد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للطاقة الخضراء» الذي أصدرته SRMG Think


مقالات ذات صلة

انقطاع التيار الكهربائي يُغرق كوبا في الظلام

أميركا اللاتينية أحد شوارع العاصمة الكوبية هافانا يغرق في العتمة (إ.ب.أ)

انقطاع التيار الكهربائي يُغرق كوبا في الظلام

شهدت كوبا ليل الجمعة انقطاعاً عاماً للتيار الكهربائي بسبب انهيار الشبكة الوطنية، حسبما أعلن مسؤولون، هو الرابع خلال خمسة أشهر.

«الشرق الأوسط» (هافانا)
الولايات المتحدة​ لي زيلدين مدير وكالة حماية البيئة الأميركية حالياً يظهر أمام لجنة البيئة والأشغال العامة في مجلس الشيوخ الأميركي في مبنى الكابيتول واشنطن 16 يناير 2025 (إ.ب.أ)

وكالة الحماية البيئة الأميركية تلغي منحاً بقيمة 20 مليار دولار

ألغت وكالة حماية البيئة الأميركية اتفاقيات مِنح تعود إلى فترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قيمتها 20 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد إحدى محطات الطاقة الشمسية في السعودية (واس)

إطلاق مشروع جديد للطاقة الشمسية بسعة 2 ميغاواط في السعودية

أطلقت شركة «إس آي جي» و«يلو دور إنرجي»، الأربعاء، مشروعاً جديداً للطاقة الشمسية بسعة 2 ميغاواط في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المبنى الرئيسي للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم (وكالة الأنباء العمانية)

عمان تُطلق استراتيجية المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم 2025 - 2030

 أطلقت المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم العمانية، استراتيجيتها للفترة بين 2025 و2030، ضمن جهود الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة.

«الشرق الأوسط» (الدقم)
الاقتصاد مسؤولون من «سيمنس للطاقة» و«هاربن إلكتريك إنترناشونال» خلال توقيع الاتفاقيات الخاصة بمشروع إقامة محطتين للطاقة في السعودية (سيمنس للطاقة)

«سيمنس للطاقة» تفوز بمشروع إقامة محطتين للكهرباء في السعودية بـ1.6 مليار دولار

حصلت شركة «سيمنس» الألمانية للطاقة على مشروع بقيمة 1.6 مليار دولار لتوفير التقنيات لمحطتين للكهرباء تعملان بالغاز في السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«صندوق النقد» للتوصل لاتفاق مع باكستان بشأن المراجعة الأولى للقرض الجديد

متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
TT

«صندوق النقد» للتوصل لاتفاق مع باكستان بشأن المراجعة الأولى للقرض الجديد

متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)
متسوقون يشترون المكسرات المجففة بإحدى الأسواق في كراتشي (رويترز)

كشف رئيس بعثة صندوق النقد الدولي بباكستان، ناثان بورتر، عن إحراز تقدم كبير في المفاوضات مع السلطات الباكستانية نحو التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين بشأن المراجعة الأولى لبرنامجه الجديد بقيمة 7 مليارات دولار.

وأضاف رئيس البعثة، في بيان صحافي، أن بعثة الصندوق ستواصل المفاوضات مع السلطات الباكستانية، عبر الفيديو، خلال الأيام المقبلة، بحسب ما نشرته صحيفة «ذا نيوز» الباكستانية السبت.

وتابع البيان: «أحرز صندوق النقد الدولي والسلطات الباكستانية تقدما كبيرا نحو التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين، بشأن المراجعة الأولى بموجب الاتفاق الممتد، لمدة 37 شهرا في إطار برنامج تسهيل الصندوق الممتد».

وزار فريق الصندوق بقيادة بورتر، باكستان في الفترة من 24 فبراير (شباط) حتى 14 مارس (آذار)، لإجراء مناقشات حول المراجعة الأولى للبرنامج الاقتصادي الباكستاني الذي يدعمه برنامج تسهيل الصندوق الممتد وإمكانية التوصل إلى ترتيب جديد بموجب برنامج تسهيل الصلابة والاستدامة للصندوق.

وتواصل باكستان، الواقعة في جنوب آسيا، مسارها نحو التعافي الاقتصادي، الذي تدعمه تسهيلات مالية بقيمة 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، تم منحها في سبتمبر (أيلول) 2024.

إلى ذلك، دعت غرفة التجارة والصناعة الباكستانية الأفغانية المشتركة إسلام آباد إلى اتخاذ إجراء فوري لتسوية أزمة التجارة مع «طالبان» ودول آسيا الوسطى.

وألقى رئيس الغرفة الضوء على الآثار السلبية لإغلاق معبر تورخام الحدودي ورسوم العبور على اقتصاد باكستان والتجارة الإقليمية، حسب وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء السبت.

وقال جونيد ماكدا، رئيس الغرفة، إن زيادة الحواجز التجارية وارتفاع تكاليف النقل والإغلاق المستمر لمعبر تورخام الحدودي تضر بشكل حاد بالأعمال التجارية عبر الحدود.

وحذر ماكدا أيضا من الضرر المحتمل على المدى الطويل على اقتصاد باكستان بسبب الوضع المستمر، موضحا أن هذا يجبر التجار على استخدام الموانئ الإيرانية بدلا من الطرق الباكستانية مما سيضر بشبكة التجارة في البلاد.

يشار إلى أن معبر تورخام الحدودي مغلق منذ أكثر من 20 يوما، بسبب التوترات الحدودية بين باكستان و«طالبان».

وذكرت وزارة الشؤون الخارجية الباكستانية أن المعبر سيبقى مغلقا حتى توقف «طالبان» أنشطة البناء في المنطقة.