اليابان ترجئ حلم «فائض الموازنة» عاماً آخر... بعد عقود من العجز

الديون العامة أكثر من ضعف حجم الاقتصاد والمالية العامة مهلهلة

مركب يمر أمام مقر «أوساكا إكسبو» في جزيرة يوميشيما اليابانية (أ.ف.ب)
مركب يمر أمام مقر «أوساكا إكسبو» في جزيرة يوميشيما اليابانية (أ.ف.ب)
TT

اليابان ترجئ حلم «فائض الموازنة» عاماً آخر... بعد عقود من العجز

مركب يمر أمام مقر «أوساكا إكسبو» في جزيرة يوميشيما اليابانية (أ.ف.ب)
مركب يمر أمام مقر «أوساكا إكسبو» في جزيرة يوميشيما اليابانية (أ.ف.ب)

أظهر تقدير حكومي يوم الجمعة أن طموح اليابان لتحقيق فائض أولي في الميزانية لأول مرة منذ عقود سيتأخر عاماً، حيث تثقل ضغوط المزيد من الإنفاق على ميزانية الدولة هذا العام.

وقد يتم تأجيل التوقعات، التي قدمت في اجتماع للمجلس الاقتصادي الأعلى للحكومة، مرة أخرى، حيث تواجه حكومة الأقلية برئاسة رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا مطالب مختلفة من أحزاب المعارضة والتي قد تؤدي إلى تضخم الميزانية.

وتشير أحدث التقديرات إلى فائض أولي في الميزانية بقيمة 800 مليار ين (5.15 مليار دولار) للسنة المالية 2026، مما يشير إلى أن عائدات الضرائب ستتجاوز الإنفاق قليلاً. ويعد رصيد الميزانية الأولية، الذي يستبعد مبيعات السندات الجديدة وتكاليف خدمة الدين، مقياساً رئيسياً لمدى إمكانية تمويل التدابير السياسية دون اللجوء إلى الديون.

وفي الوقت الذي تكافح فيه اليابان أسوأ ديون عامة في العالم الصناعي بأكثر من ضعف حجم اقتصادها، تواجه المهمة العاجلة المتمثلة في إصلاح ماليتها العامة الممزقة. ويصبح هذا الأمر أكثر إلحاحاً مع قيام البنك المركزي بتقليص سياسته النقدية المفرطة التي استمرت لعقد من الزمان والتي أبقت تكاليف الاقتراض بالقرب من الصِّفر... ومع ذلك، فإن ارتفاع تكاليف خدمة الديون وتدابير التحفيز المتعددة لدعم التعافي الاقتصادي الهش أعاقت جهودها.

وفي المبادئ التوجيهية للسياسة الاقتصادية والمالية السنوية العام الماضي، أكدت الحكومة التزامها بتحقيق فائض بحلول السنة المالية 2025 التي تبدأ في أبريل (نيسان)، بعد تأجيل الهدف عدة مرات.

ومع ذلك، من المرجح الآن أن يكون الرصيد الأساسي للسنة المالية 2025 عجزاً قدره 4.5 تريليون ين، على عكس الفائض المقدر سابقاً بنحو 800 مليار ين، وذلك بسبب الميزانية الإضافية التي تم تجميعها في أواخر العام الماضي لحماية الأسر من ارتفاع تكاليف المعيشة.

وتخطط الحكومة لمناقشة ما إذا كانت ستضع هدفاً جديداً، ومن ثم تضمين نتائج المناقشة في المبادئ التوجيهية للسياسة الاقتصادية والمالية لهذا العام والتي سيتم إصدارها في يونيو (حزيران) المقبل.

وتقتصر مسودة الميزانية للعام المالي المقبل على إصدار السندات الجديدة إلى أدنى مستوى لها منذ 17 عاما على خلفية عائدات ضريبية قياسية، لكن الائتلاف الحاكم يواجه ضغوطا لتوسيع الإنفاق لاسترضاء المعارضة لتمرير الميزانية عبر البرلمان.

وفي حين تقيد مسودة الميزانية للعام المالي المقبل إصدار السندات الجديدة إلى أدنى مستوى لها منذ 17 عاما بسبب عائدات ضريبية قياسية، يواجه الائتلاف الحاكم ضغوطا لزيادة الإنفاق لكسب دعم المعارضة لتمرير الميزانية عبر البرلمان.

وباستثناء فترة فقاعة الأصول بين عامي 1986 و1991، كان رصيد الميزانية الأولية لليابان في عجز لمعظم فترة ما بعد الحرب، مما أدى إلى كومة ضخمة من الديون ضعف حجم اقتصادها.

وقال شينيشيرو كوباياشي، كبير الاقتصاديين في شركة «ميتسوبيشي يو إف جيه» للأبحاث والاستشارات: «إن تحقيق فائض يشبه وقف النزيف، لكن هذا ليس كافيا». وأضاف أنه «من المؤكد أن الشيخوخة السكانية السريعة في اليابان ستدفع تكاليف الضمان الاجتماعي إلى الارتفاع، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة يعني أن العديد من المشاريع العامة ستكون أكثر تكلفة».

وفي غضون ذلك، اقترب الين الياباني من تسجيل أقوى أداء أسبوعي له في أكثر من شهر يوم الجمعة مع تنامي التوقعات بأن يقدم بنك اليابان على رفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، مما أثر سلبا على الدولار وذلك قبل أيام من عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وقد ساعدت تصريحات مسؤولي بنك اليابان، إلى جانب البيانات اليابانية التي تشير إلى ضغوط الأسعار المستمرة والنمو القوي للأجور، في تعزيز ثقة السوق في احتمال حدوث تحول في أسعار الفائدة، حيث وضع المتداولون في الحسبان احتمالات بنسبة 80 في المائة لرفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل.

وارتفع الين بنسبة 1.5 في المائة مقابل الدولار هذا الأسبوع، وهو أقوى أداء أسبوعي له منذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني). وكان قد انخفض قليلا إلى 155.40 مقابل الدولار يوم الجمعة، لكنه لا يزال قريبا من أعلى مستوى له في شهر عند 155.10 الذي لامسه يوم الخميس.

وقالت تشارو تشانانا، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في «ساكسو»: «تشير بيانات التضخم والأجور إلى أن بنك اليابان قد يرفع أسعار الفائدة بشكل أكبر. ومع ذلك، فإن قوة الين قد تكون عابرة، خاصة إذا فاجأ محافظ بنك اليابان المركزي كازو أويدا الأسواق مرة أخرى بتعليقات متشائمة على الرغم من رفع أسعار الفائدة».

وفي أسواق الأسهم، تراجع المؤشر نيكي يوم الجمعة وسط حذر من رد فعل الأسواق على خطاب تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الأسبوع المقبل بينما أضر ارتفاع الين بأسهم شركات التصدير.

وأغلق «نيكي» منخفضا 0.31 في المائة عند 38451.46 نقطة، بعد أن هبط بنحو 1.3 في المائة في وقت سابق من الجلسة. وعلى مدار الأسبوع، خسر المؤشر 1.58 في المائة.

وقال هيرويوكي أوينو كبير المحللين لدى «سوميتومو ميتسوي تراست» لإدارة الأصول: «السبب وراء تراجع السوق هو القلق بشأن رد الفعل على تعليقات ترمب الذي من المقرر أن يتولى منصبه يوم الاثنين. المستثمرون لا يريدون المخاطرة بسبب تحول كبير محتمل في السوق».

وتراجعت الأسهم اليابانية مع ارتفاع قيمة الين وسط توقعات بأن يرفع بنك اليابان المركزي أسعار الفائدة الأسبوع المقبل. وذكر أوينو أن «رفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل يبدو مؤكدا تقريبا، لكن مسار بنك اليابان بالنسبة لأسعار الفائدة في المستقبل ليس واضحا بعد».


مقالات ذات صلة

بأكثر من 55 إدراجاً... السوق السعودية الأكثر نمواً عالمياً في 2024

الاقتصاد جانب من الجلسات الحوارية (ملتقى الأسواق المالية)

بأكثر من 55 إدراجاً... السوق السعودية الأكثر نمواً عالمياً في 2024

مع طرح أكثر من 55 إدراجاً في مجالات مختلفة خلال العام المنصرم، أصبحت السوق المالية السعودية الأكثر نموّاً على مستوى العالم في سوق الإدراجات.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد مبنى وزارة الصناعة والثروة المعدنية في السعودية (واس)

السعودية تُخصص 3 مجمعات للأنشطة التعدينية في منطقتي الشرقية والمدينة المنورة

خصصت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، 3 مواقع لإقامة مجمعات تعدينية في منطقتي المدينة المنورة والشرقية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من الضاحية المالية في جزيرة هونغ كونغ الصينية (أ.ف.ب)

بنوك الاستثمار العالمية تحسّن نظرتها لأسواق الصين

حسَّنت بنوك استثمار عالمية نظرتها وتوصياتها تجاه الاستثمار في الأسواق الصينية، وذلك وسط موجة صعود دعمها لقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ الأخير مع قادة الأعمال.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد متداوِل يتابع شاشاته وخلفه رسم بياني لمؤشر «داكس» في «بورصة فرنكفورت»... (رويترز)

تحسن «معنويات المستثمرين» في ألمانيا بأسرع وتيرة خلال عامين

تحسنت «معنويات المستثمرين» في ألمانيا بأسرع وتيرة منذ عامين في فبراير (شباط)، بدفع من توقعات بانتعاش الاقتصاد مع حكومة جديدة بعد الانتخابات المقررة يوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد أحد المشاة يسير أمام شاشة تعرض حركة الأسهم في وسط العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ب)

مستثمرو اليابان يتكالبون على الأصول الأجنبية بعد 3 أشهر من الفتور

تحول المستثمرون اليابانيون إلى مشترين صافين للأسهم الأجنبية في يناير الماضي، وسط ارتفاع عالمي للأسهم تجاهل التوترات التجارية

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

فرنسا تزيد وارداتها من الغاز الروسي 81 % خلال عامين

منشأة للغاز الطبيعي في فرنسا (رويترز)
منشأة للغاز الطبيعي في فرنسا (رويترز)
TT

فرنسا تزيد وارداتها من الغاز الروسي 81 % خلال عامين

منشأة للغاز الطبيعي في فرنسا (رويترز)
منشأة للغاز الطبيعي في فرنسا (رويترز)

زادت فرنسا، إحدى الدول الأوروبية الأفضل تجهيزاً بمحطات الغاز الطبيعي المسال، وارداتها من الغاز الروسي بنسبة 81 في المائة بين عامي 2023 و2024، ودفعت 2.68 مليار يورو (2.80 مليار دولار) لروسيا، وفق ما أفاد معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي الثلاثاء.

ولفتت المحللة في المركز المخصّص للأبحاث آنا ماريا جالر - ماكاريفيتش، إلى أن فرنسا تدير خمس محطات لإعادة التغويز، ما يمنحها أهمية في هذا المجال.

وقالت: «لا نعرف وجهة الغاز الطبيعي المسال بعد ذلك، ربما يُصدّر إلى ألمانيا» التي لم تكن تضم أي محطات قبل عام 2022، وتبقى قدرتها على الاستيراد نصف قدرة فرنسا. على سبيل المثال، استقبلت محطة دنوكيرك في فرنسا 27 في المائة من الواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي المسال الروسي العام الماضي.

ويصل 85 في المائة من واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي إلى أوروبا عبر فرنسا وإسبانيا وبلجيكا.

ولجأ الاتحاد الأوروبي إلى الغاز الطبيعي المسال ليحل بديلاً من الغاز الذي كان يتم نقله عبر خطوط أنابيب أُغلق معظمها بسبب الحرب في أوكرانيا.

ويُنقل الغاز الطبيعي بواسطة سفن في شكل سائل، ويُفرّغ في المواني ثم يُعاد تحويله إلى غاز لضخه في شبكات الغاز الأوروبية.

وجمعت آنا ماريا جالر - ماكاريفيتش بيانات كثيرة وتوصلت إلى مصادر الإمدادات الفرنسية بالغاز الطبيعي المسال: ثلثها روسي، وثلثها أميركي، و17 في المائة منها يأتي من الجزائر.

ويحول الاعتماد الكبير على الغاز الطبيعي المسال الروسي، دون تحقيق هدف المفوضية الأوروبية المتمثل في تخلي القارة عن الغاز الروسي بحلول عام 2027، وقالت المحللة: «علينا بالتالي أن نواصل خفض الطلب على الغاز».

وتراجع خفض استهلاك الغاز الذي بدأ خلال الأزمة التضخمية في عام 2022، وخفضت فرنسا استهلاكها حينها بنسبة 20 في المائة، لكن منذ عام 2024 لم يشهد الطلب انخفاضاً.

وقالت آنا ماريا جالر - ماكاريفيتش: «تم التخلي عن بعض تدابير توفير الطاقة»، مثل عزل المباني للحد من استهلاك الغاز خلال الشتاء.