تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

وسط تحذيرات من حرب تجارية وشيكة

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
TT

تقلبات اليورو تهدد الاستقرار العالمي

مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)
مسؤول في البنك المركزي النمساوي يتسلم أوراقاً نقدية جديدة من فئة 200 يورو (رويترز)

مع اقتراب اليورو من أسوأ شهر له منذ أوائل 2022، يحذر المحللون من أن التقلبات الحادة في العملة قد تصبح المصدر القادم لعدم الاستقرار في الأسواق العالمية، خاصة بعد أن أحدثت تقلبات الين الياباني، في أغسطس (آب) الماضي، اضطرابات عبر الأصول المختلفة.

وانخفض اليورو بنحو 3.8 في المائة أمام الدولار، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وهو الآن يقترب من مستوى 1 دولار الرئيسي، تحت ضغط عدة عوامل تشمل خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لفرض تعريفات تجارية، وضعف الاقتصاد في منطقة اليورو، وتصاعد النزاع بين روسيا وأوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تسهم رهانات النمو الأميركي في تقوية الدولار والأسواق الأميركية، وفق «رويترز».

ورغم ذلك، يبقى المستثمرون والمتداولون في العملات منقسمين حول المسار القادم للعملة الأوروبية، حيث يُعدّ الدولار نفسه مهدَّداً بتداعيات التضخم الناجم عن التعريفات وزيادة الديون الحكومية التي قد تُزعزع الثقة في الأسواق والاقتصاد الأميركي.

وقد تتصاعد حالة عدم اليقين إذا استمر اليورو في التراجع، مما يزيد من احتمالية حدوث تحولات مفاجئة قد تؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة على الاستراتيجيات الاستثمارية المرتبطة بسياسات ترمب، مثل تلك التي تراهن على انخفاض اليورو وارتفاع الأسهم الأميركية، وفقاً لما أشار إليه المحللون.

في هذا السياق، قال كيت جاكس، رئيس استراتيجية العملات الأجنبية في «سوسيتيه جنرال»: «نحن نشهد تقلبات هائلة، حيث بدأ المتداولون التساؤل: هل نتجاوز سعر صرف اليورو مقابل الدولار أم يعود إلى مستوياته السابقة؟». وأضاف: «الخلاصة هي أننا سنرى مزيداً من المناقشات الساخنة في كلا الاتجاهين بشأن اليورو، وأنا شخصياً لا أعتقد أن هذه الارتباطات العالية بين الأصول سوف تستمر».

وبدأت أزمة السوق، في أغسطس، بتقلبات الين مقابل الدولار، والتي فاجأت صناديق التحوط التي كانت تراهن ضد العملة اليابانية، وتحولت إلى بيع الأسهم لتمويل طلبات الهامش.

وحذّرت الجهات التنظيمية من أن الأسواق قد تصبح عرضة لمثل هذه الأحداث، عندما تتغير الروايات الاقتصادية بسرعة، وخاصة في ضوء المستويات العالية من الاستدانة في النظام.

وأضاف جاكس: «إذا تجاوزنا نقطة تكافؤ اليورو مع الدولار، فسنبدأ مواجهة المخاوف التي شهدناها من قبل في الأسواق».

التداعيات المحتملة

يُعد زوج اليورو/الدولار الأميركي هو الزوج الأكثر تداولاً في الأسواق العالمية. والتغيرات السريعة في سعر صرفه يمكن أن تعطل أرباح الشركات المتعددة الجنسيات، فضلاً عن التأثير على آفاق النمو والتضخم في البلدان التي تعتمد على استيراد أو تصدير السلع بالدولار.

وقال ثيموس فيوتاكيس، رئيس استراتيجية النقد الأجنبي في «باركليز»، إن «اليورو هو معيار رئيسي»، مما يعني أن الدول الحساسة للتجارة مثل الصين وكوريا الجنوبية وسويسرا قد تسمح لعملاتها بالضعف مقابل الدولار، إذا استمر اليورو في الانخفاض؛ من أجل الحفاظ على قدرة صادراتها على المنافسة مقابل منتجات منطقة اليورو.

وأشار فيوتاكيس إلى أن الجنيه البريطاني، الذي انخفض بنحو 2 في المائة أمام الدولار في نوفمبر ليصل إلى نحو 1.26 دولار، سيكون حساساً جداً تجاه أي تقلبات في تحركات اليورو.

وأصبحت الأسواق أيضاً أكثر حساسية لتحركات اليورو/الدولار، بعد أن لاحظ خبراء استراتيجيات العملة تدفقاً من المتداولين على عقود الخيارات التي تجمع الرهانات على النتائج المرتبطة بسياسات ترمب، مثل ضعف اليورو، وارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز».

وقال فيوتاكيس: «لقد رأينا كثيراً من المستثمرين يحاولون الاستثمار في هذه النتائج المشروطة»، منوهاً بالارتباطات بين تحركات العملة والأسواق الأوسع.

انقسام الآراء بشأن المستقبل

في الوقت نفسه، يبدو أن مديري الأصول على المدى الطويل منقسمون بشكل كبير بشأن الاتجاه المستقبلي لليورو والدولار، مما يشير إلى أن هذا الزوج من العملات قد يشهد تقلبات ملحوظة في الأشهر المقبلة.

وقال ويليم سيلز، كبير مسؤولي الاستثمار في وحدة الخدمات المصرفية الخاصة والثروات ببنك «إتش إس بي سي»: «نتوقع أن يهبط اليورو إلى 99 سنتاً، بحلول منتصف العام المقبل».

في المقابل، اقترح كبير مسؤولي الاستثمار في «أموندي»، أكبر مدير للأصول في أوروبا، فينسنت مورتييه، أن انخفاض أسعار الفائدة في منطقة اليورو قد يعزز النشاط الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي، وهو ما قد يساعد في رفع اليورو إلى 1.16 دولار، بحلول أواخر عام 2025.

وفي سوق خيارات العملة السريعة، كان المتداولون في أواخر يوم الثلاثاء يقدّرون احتمالات بنسبة 56 في المائة بأن ينتهي العام باستعادة اليورو بعض الأرض فوق مستواه الحالي عند نحو 1.047 دولار، على الرغم من أن البنوك الكبرى، مثل «جيه بي مورغان»، و«دويتشه بنك»، قالت إن التحرك إلى دولار واحد قد يحدث، خاصة إذا كان مرتبطاً بمزيد من التعريفات الجمركية.

وقد أدى ازدياد الرهانات على أن البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة بنصف نقطة مئوية إلى 2.75 في المائة، الشهر المقبل، إلى إضعاف اليورو بشكل كبير.

لكن الرواية السائدة بأن سياسات ترمب الاقتصادية، مثل ارتفاع التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية، سوف تُبقي أسعار الفائدة مرتفعة والدولار قوياً، بدأت تتعرض لبعض الضغوط.

في هذا السياق، قال ستيفن جين، الرئيس التنفيذي لشركة «يوريزون إس جيه إل كابيتال»، إن الولايات المتحدة قد تواجه ما يسمى «لحظة يقظة السندات»، إذا قام المقرضون في سوق سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ قيمتها 27 تريليون دولار، برفع تكلفة الديون؛ في محاولة للحد من التخفيضات الضريبية المموَّلة بالديون المفرطة. وأضاف: «من المحتمل أن يسمح هذا بالتيسير المالي، مما يسمح بهبوط هادئ للاقتصاد الأميركي، وخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، ومن ثم جعل الدولار مُبالغاً في قيمته».


مقالات ذات صلة

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

الاقتصاد مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

أشار صناع السياسة في «البنك المركزي الأوروبي»، يوم الثلاثاء، إلى أن أسعار الفائدة بمنطقة اليورو ستستمر في الانخفاض، مع القضاء على التضخم إلى حد كبير.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت (ألمانيا) - لشبونة)
الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)

ارتفاع عائدات السندات يكبد «بنك اليابان» خسائر فادحة

أبراج عملاقة في الحي المالي بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
أبراج عملاقة في الحي المالي بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

ارتفاع عائدات السندات يكبد «بنك اليابان» خسائر فادحة

أبراج عملاقة في الحي المالي بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
أبراج عملاقة في الحي المالي بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

أظهر تقرير أرباح بنك اليابان (المركزي) يوم الأربعاء، أن البنك تكبد خسائر قياسية في تقييم حيازاته من السندات الحكومية في النصف الأول من السنة المالية مع ارتفاع عائدات السندات بسبب رفع أسعار الفائدة.

وعادة ما تشهد البنوك المركزية انخفاض قيمة حيازاتها من السندات عندما ترفع أسعار الفائدة، حيث تؤثر مثل هذه التحركات على أسعار السندات التي تتحرك عكسياً مع العائدات.

وأظهر تقرير الأرباح أن حيازات البنك المركزي من السندات تكبدت خسائر في التقييم بلغت 13.66 تريليون ين (90.03 مليار دولار) في الأشهر الستة حتى سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو ما يزيد عن الخسارة البالغة 9.43 تريليون ين المسجلة في مارس (آذار).

وبلغت حيازات بنك اليابان من السندات الحكومية طويلة الأجل 582.99 تريليون ين في نهاية النصف الأول من السنة المالية، بانخفاض 1.6 تريليون ين عن العام السابق، وهو ما يمثل أول انخفاض في 16 عاماً.

وأظهر التقرير أن حيازات البنك المركزي من صناديق الاستثمار المتداولة حققت أرباحاً ورقية بلغت 33.07 تريليون ين، بانخفاض من 37.31 تريليون ين في مارس.

وأنهى بنك اليابان أسعار الفائدة السلبية وتوقف عن شراء الأصول الخطرة مثل صناديق الاستثمار المتداولة في مارس الماضي، في تحول تاريخي بعيداً عن برنامج التحفيز الضخم الذي استمر عقداً من الزمان. وفي يوليو (تموز)، رفع البنك أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى 0.25 في المائة، ووضع خطة لتقليص مشترياته الضخمة من السندات في محاولة لتقليص ميزانيته العمومية الضخمة.

وقال بنك اليابان إنه حصد 1.26 تريليون ين أرباحاً من حيازاته في صناديق المؤشرات المتداولة في النصف الأول من السنة المالية من أبريل (نيسان) إلى سبتمبر، ارتفاعاً من 1.14 تريليون ين في الفترة المقابلة من العام الماضي. وساعدت هذه العائدات في تعويض الخسائر التي تكبدها بنك اليابان لرفع تكاليف الاقتراض، مثل دفع الفائدة على الاحتياطيات الزائدة التي تحتفظ بها المؤسسات المالية لدى البنك المركزي.

وأظهر التقرير أن بنك اليابان دفع 392.2 مليار ين فائدة على الاحتياطيات الزائدة التي تحتفظ بها المؤسسات المالية لدى البنك المركزي في النصف الأول من السنة المالية، وهو ما يزيد 4.3 مرة عن المبلغ الذي دفعه قبل عام.

وفي الأسواق، أغلق المؤشر نيكي الياباني منخفضاً يوم الأربعاء بقيادة أسهم قطاع صيانة السيارات وسط مخاوف من تداعيات رسوم جمركية تعهد بفرضها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، فضلاً عن ارتفاع الين.

وتراجع المؤشر نيكي 0.8 في المائة ليغلق عند 38134.97 نقطة، وهبط المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 0.9 في المائة إلى 2665.34 نقطة.

وتعهد ترمب يوم الاثنين بفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من كندا والمكسيك والصين، وهو ما قال محللون استراتيجيون إنه أثار مخاوف من تعرض المنتجات اليابانية لرسوم مماثلة.

وصعد الين بفضل الطلب على الملاذ الآمن وسط الاضطرابات في الشرق الأوسط، ليجري تداوله في أحدث التعاملات مرتفعاً 0.57 في المائة إلى 152.235 ين للدولار.

وتراجع سهم تويوتا موتور 3.62 في المائة في هبوط كان الأكثر تأثيراً على المؤشر توبكس، كما انخفض سهم «موتور» 4.74 في المائة و«هوندا موتور» 3.04 في المائة. وخسر المؤشر الفرعي لأسهم شركات صناعة السيارات 3.39 في المائة في أداء هو الأسوأ بين المؤشرات الفرعية للقطاعات البالغ عددها 33 في بورصة طوكيو.

وانخفض سهم أدفانتست لصناعة معدات اختبار الرقائق 3.71 في المائة لتصبح أكبر الخاسرين على المؤشر نيكي. ومن بين أكثر من 1600 سهم في السوق الرئيس ببورصة طوكيو، ارتفع نحو 16 في المائة وانخفض نحو 82 في المائة، وظل نحو واحد في المائة دون تغيير.