يأتي انعقاد المنتدى اللوجستي العالمي بنسخته الأولى في الرياض، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في توقيت مهم، في وقت يقف القطاع اللوجستي العالمي عند نقطة حاسمة، وفيما تسلط التحديات العالمية الضوء على الحاجة لضمان سلامة وأمن سلاسل الإمداد، وهو ما يفرض مناقشة مستقبل الخدمات اللوجستية وإعادة تشكيل حركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد.
ومن منبر المنتدى، أعلنت السعودية أنها تهدف إلى تحويل الشرق الأوسط مركزاً للنقل والخدمات اللوجستية، لبناء نظام إقليمي متعدد المحاور يعزز سلاسل الإمداد العالمية، كاشفة أن 4 مطارات ستكون متاحة للإدارة من قبل القطاع الخاص، العام المقبل. كما شدّدت على أهمية المبادرات الحكومية الاستراتيجية لإعادة رسم مستقبل قطاع اللوجستيات، وبناء سلسلة إمداد عالمية أكثر ترابطاً ومرونة، من خلال التعاون والابتكار.
وشهد المنتدى، الذي تنظمه وزارة النقل والخدمات اللوجستية في السعودية، حضور عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، وقادة المنظمات الدولية والاتحادات الصناعية والخبراء والأكاديميين والمحللين، بمشاركة 130 متحدثاً و80 عارضاً من 30 دولة.
ويناقش مواضيع محورية في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، مثل تمكين الأسواق العالمية، والاستثمار في البنية التحتية اللوجستية، ومرونة الخدمات اللوجستية في مواجهة الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر، إضافة إلى مناقشة العصر الجديد لموانئ الطاقة، وتمكين المواهب لتحويل صناعات الغد.
الجاسر
افتتح وزير النقل والخدمات اللوجستية، المهندس صالح الجاسر، أعمال النسخة الأولى من المنتدى، تحت شعار «إعادة رسم خريطة الخدمات اللوجستية العالمية»، مبيناً أن القطاع اللوجستي العالمي يقف اليوم عند نقطة حاسمة، حيث تسلط التحديات العالمية الضوء على الحاجة إلى ضمان سلامة وأمن سلاسل الإمداد، واستمرارية عمل الخدمات اللوجستية التي تعدّ العمود الفقري للتجارة العالمية.
ولفت إلى أن الحدث يشكل فرصة لتعزيز وتحويل وحماية الشبكات اللوجستية العالمية التي تربط الجميع، بالشكل الذي يوفر ازدهاراً للاقتصاديات، ويضمن وصول البضائع إلى وجهتها.
وشدّد الجاسر على ضرورة تسريع وتيرة التحول في قطاعات النقل والخدمات اللوجستية وجعلها مركزاً عالمياً للتجارة والخدمات اللوجستية، مؤكداً أن المملكة مستمرة في تطوير بنيتها التحتية اللوجستية، وفق «رؤية 2030»، بدعم من استثمارات حكومية كبيرة تهدف إلى تعزيز كفاءة سلاسل الإمداد وربط الأسواق العالمية.
وبيّن أن الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، التي أطلقها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، في منتصف عام 2021، تستهدف استثمار أكثر من تريليون ريال (266.6 مليار دولار) بحلول عام 2030، حيث تم بالفعل تخصيص 200 مليار ريال من هذه المبالغ، التي مكّنت القطاع اللوجستي السعودي من التقدم بشكل بارز، ما أسهم في تحسين تصنيفاتها العالمية.
وتعمل المملكة حالياً على الانتهاء من تصميم مشروع لربط العاصمة الرياض بمدينة جدة وموانئ البحر الأحمر عبر خط للسكك الحديدية.
وأشار الجاسر إلى أن المملكة كانت منذ قرون تقع عند تقاطع بعض من أهم شبكات التجارة في التاريخ، مثل طريق البخور، وطريق التوابل، والطريق البحري لطريق الحرير، وهي تسعى اليوم إلى تشكيل مستقبلها اللوجستي، من خلال البنية التحتية المتطورة، مثل مطار الملك سلمان الدولي، والموانئ البحرية الحديثة، وزيادة طول شبكة السكك الحديدية، مؤكداً أن هذه المرافق تُعد أساسية لتحقيق «رؤية 2030»، وهي التي تستمر في دفع المملكة نحو أن تصبح قوة لوجستية عالمية.
ونوّه بتحقيق منظومة النقل والخدمات اللوجستية إنجازات متنوعة، أسهمت في ارتفاع مؤشر الأداء اللوجستي للمملكة الصادر عن البنك الدولي 17 مرتبة، و14 مرتبة في مؤشر الاتصال العالمي للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، لافتاً الانتباه إلى تمكن شبكة السكك الحديدية السعودية العام الماضي من تقليل ما يعادل مليون رحلة شاحنة من الطرق، ما أسهم في تقليل انبعاثات الكربون.
القطاع الخاص
وفي الجلسة الحوارية الأولى التي جمعت عدداً من الوزراء بعنوان «الخدمات اللوجيستية تبني الأمم، والأمم تبني الخدمات اللوجيستية»، سلّط المتحدثون الضوء على أهمية الاستفادة من التقنيات الحديثة لمواجهة تحديات النقل والخدمات اللوجيستية وتسهيل حركة سلاسل الإمداد.
وأكد وزير الاستثمار، المهندس خالد الفالح، أن أساس الاستثمار في الوقت الحالي يقع على عاتق النقل والاتصالات واللوجستيات، وأن المملكة تقوم بإنشاء مراكز لوجستية خاصة، لافتاً إلى أهمية تطوير واستخدام التقنيات لمواجهة التحديات والصعوبات التي تجابه قطاع النقل واللوجستيات، كاشفاً في الوقت نفسه عن وجود مشاريع كثيرة لتطوير هذه التقنيات.
ولفت إلى أنه في مجال الخدمات اللوجستية، فإن المبدأ الأساسي هو تخارج الحكومة من ممارسة الأعمال، لذلك فإن تمكين القطاعات المختلفة وتحويلها إلى القطاع الخاص أمر أساسي، ومن المهم إعطاء المجال للقطاع الخاص في إدارة المرافق اللوجستية. كاشفاً أنه سيتم تخصيص 4 مطارات خلال السنوات المقبلة، من ضمنها مطار أبها الذي جذب 100 شركة.
ونوّه بأن المستثمرين مهتمون بقطاع النقل والخدمات اللوجستية السعودي، مبيناً أن القطاع سيتطلب كثيراً من رؤوس الأموال، قائلاً: «من دون النقل والمواصلات واللوجستيات لن يقوم الاقتصاد العالمي».
وأشار إلى أن «الأكثر أهمية بالنسبة لنا في المنطقة، هو إقليمية سلاسل التوريد العالمية، حيث كانت العولمة جيدة للاقتصاد العالمي، ولن يختفي هذا النظام، لكنه سيتطور إلى نظام إقليمي متعدد المحاور للنقل والخدمات اللوجستية». وأكد أن موقع منطقة الشرق الأوسط يؤهلها للعب دور مركزي في هذا المجال؛ «وسنعمل على بناء مركزنا اللوجستي الإقليمي الخاص بنا، بل نحن في طور إنشائه بالفعل، ولن نبدأ من الصفر».
وقال الفالح: «أنا سعيد برؤية التوقيع على شيء مهم، وهو تطوير التواصل البحري بين السعودية ومصر، والإمارات معنا، وعمان معنا كذلك، ونحن بالضرورة يمكن أن نشكل شبكة واحدة، وشبكة السكك الحديدية الخليجية ستشكل إضافة إلى ما هو قائم بالفعل، هناك 30 ميناء تشكل نسبة 80 في المائة من النقل». وأكد أن الموانئ سيكون عليها مزيد من الطلب، مشيراً إلى أهمية الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وتهيئة وسائل النقل لذلك، مضيفاً أن السعودية لديها القدرة والإمكانات لأن تكون دولة مهمة في إنتاج الطاقة الخضراء.
من جهته، أبان وزير النقل والخدمات اللوجستية، المهندس صالح الجاسر، أنه من المهم حماية البحر الأحمر ليتم تدفق التجارة من دون أي تهديدات، داعياً إلى مزيد من الاهتمام بتوظيف التقنيات الجديدة للتغلب على بعض هذه التحديات والمخاطر، موضحاً أن المملكة اتخذت إجراءات بديلة حيث ركّزت نقل غالبية التجارة إلى ناحية الشرق، حيث ميناءي الجبيل والدمام، وأن بلاده نجحت في زيادة تجارتها (صادرات وواردات) بنسبة 5 في المائة رغم التحديات الراهنة.
بدوره، أشار وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، إلى أهمية انعقاد هذا الحدث في المملكة خلال الوقت الراهن للتركيز على قضايا قطاع النقل واللوجيستيات، لافتاً إلى حضور الإمارات في 78 دولة، حيث تقوم بتشغيل وإدارة 112 ميناءً عبر هذه الدول، كما تعمل على مواجهة المشكلات البيروقراطية التي تواجه هذا القطاع، وتسهيل حركة سلاسل الإمداد وخدمة البلوك تشين.
وزير النقل المصري كامل الوزير أوضح أن بلاده وضعت خطة للتطوير الشامل، كان في مقدمتها تطوير قطاع النقل واللوجيستيات، كما قامت بتطوير 15 ميناءً تجارياً بمشاركة شركات عالمية وإماراتية.
وأفاد أن ما يحدث في غزة ولبنان يؤثر على حركة الملاحة في قناة السويس، التي تمثل شرياناً بحرياً عالمياً لنقل السلع والطاقة، مشيراً إلى أن الملاحة في القناة شهدت نتيجة هذه الأحداث انخفاضاً بلغ 60 في المائة من عدد السفن العابرة.
وفي جلسة حوارية أخرى، أكد رئيس الهيئة العامة للطيران المدني، عبد العزيز الدعيلج، أن المملكة تتمتع بموقع جغرافي استثنائي، حيث تقع على مفترق طرق بين 3 قارات، مع وجود نحو 50 في المائة من سكان العالم على بُعد رحلة طيران لا تتجاوز 5 ساعات من المملكة، وهو ما يجعل بلاده مرتبطة بالأسواق الحيوية بسرعة وكفاءة لا مثيل لهما، من خلال الشحن الجوي، خصوصاً في عالم تواجه فيه سلاسل الإمداد ضغوطاً متزايدة بسبب العوامل الجيوسياسية.
اتفاقيات
إلى ذلك، شهد اليوم الأول لفعاليات المنتدى اللوجستي العالمي 2024 توقيع أكثر من 40 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بحضور قادة ورواد قطاع الخدمات اللوجستية من مختلف أنحاء العالم، بهدف تبادل المعرفة لتعزيز كفاءة ومرونة واستدامة القطاع.
وأعلنت شركة تطوير مطار الملك سلمان الدولي توقيع مذكرة تفاهم مع «ewpartners»، المتخصصة في مجال الاستثمار الخاص والتحالفات الاستراتيجية والمبادرات الاستثمارية، للاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمملكة كحلقة وصل بين 3 قارات، ودفع عجلة النمو، ورفع مستوى التميز التشغيلي في قطاع الخدمات اللوجستية.
وسيركز التعاون على مناقشة فرصة إنشاء مركز اقتصادي للتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية، ليكون أحد المراكز التي أعلنت عنها وزارة النقل والخدمات اللوجستية، لتحسين سلاسل الإمداد وتسهيل الاستثمار والتجارة، بما يحقق مستهدفات البلاد.
ووقّعت الهيئة العامة للنقل السعودية، ووزارة النقل في مصر، مذكرة تفاهم لتعزيز الربط البحري، حيث تركز على تعزيز التعاون في هذا المجال، بما في ذلك اليخوت والعبارات وسفن الرحلات البحرية، بهدف تعزيز السياحة وتقوية الروابط بين البلدين.
كما شهد الحدث الإعلان عن تأسيس شراكة بين وزارة النقل والخدمات اللوجستية، والخطوط الحديدية السعودية، تحت مظلة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، تهدف إلى تعزيز التطوير المهني للشباب الواعدين في قطاع النقل.