حاكم المركزي اللبناني يؤكد الأولويات لـ«الشرق الأوسط»: تعزيز الاستقرار النقدي

وتوسيع ضخ السيولة للمودعين

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
TT

حاكم المركزي اللبناني يؤكد الأولويات لـ«الشرق الأوسط»: تعزيز الاستقرار النقدي

حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)
حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري (أ.ب)

تعكف حاكمية مصرف لبنان المركزي على اتخاذ المزيد من القرارات والإجراءات الطارئة بهدف تمتين حصانة القطاع المالي وديمومة العمليات المصرفية، بمواجهة التداعيات الناشئة والمحتملة لاحتدام العمليات الحربية، وبما يشمل حفظ الاستقرار النقدي وضخ السيولة وضمان حركة التحويلات عبر الحدود.

وأكد حاكم البنك المركزي (بالإنابة) الدكتور وسيم منصوري، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، الحرص الشديد على صدارة هذه الأولويات ضمن الإمكانات المتاحة في ظل الظروف الاستثنائية السائدة، لا سيما ما يخص توسيع مروحة المستفيدين من التعاميم الخاصة بصرف المستحقات النقدية للمودعين في البنوك، إلى جانب الاهتمام بانسياب صرف المخصصات الشهرية لمئات الآلاف من الموظفين والعاملين في القطاع العام.

وبالتوازي، يولي البنك المركزي، حسب منصوري، الأهمية عينها لاستمرار المعاملات المصرفية ضمن سياقها المعتاد عبر معالجة فورية لأي مشكلات مهنية طارئة، سعياً إلى تمكين الأفراد من الحصول على السيولة النقدية من جهة، ومعاونة البنوك في حل أي صعوبات مستجدة أو محتملة على خطوط التحويلات وفتح الاعتمادات المستندية وشحن الأموال، لا سيما ما يخص سداد فواتير المستوردات لمواد أساسية كالغذاء والدواء والمحروقات.

وقد توافق الحاكم مع مجلس إدارة جمعية المصارف على ضرورة متابعة تقديم الخدمات المصرفية للمواطنين في المناطق المعرضة أمنياً بأفضل الطرق المتاحة، كما تم الاتفاق على استمرار التعاون الكامل بين الطرفين بهدف تأمين أكبر قدر ممكن من الخدمات للمواطنين.

وفي سياق لا يقل أهمية وحساسية، رصد مسؤول مصرفي معني، تحركات منسّقة بين السلطة النقدية من جهة، والمصارف وشركات الصرافة من جهة مقابلة، تهدف إلى التصدّي التشاركي لمحاولات «خبيثة» للنيل من ثبات الاستقرار، عبر الانتعاش المفاجئ لأنشطة تطبيقات إلكترونية تعمل من خارج البلد، ونشر أسعار أعلى، ولو جزئياً في المرحلة الأولى، بهدف استعادة أجواء المضاربات على العملة الوطنية.

ويجري العمل، حسب المسؤول المصرفي، على إنشاء منصة محلية تلتزم الشفافية المطلقة لعرض السعر الحقيقي لتداولات الدولار في أسواق القطع ولدى الصرافين، الذي لم يتأثر ثباته مطلقاً عند مستوى السعر الرسمي البالغ 89.5 ألف ليرة للدولار الواحد، مما يؤول إلى تبديد هذه الشائعات، وريثما يتم الكشف عن مشغلّي هذه التطبيقات وأغراضهم.

وفي الأساس المبني على وقائع رقمية داعمة لثبات الاستقرار، يشير المسؤول المصرفي إلى أن التحكم الصارم من قبل البنك المركزي بتدفقات السيولة بالليرة، يشكل ضمانة موضوعية لحماية الاستقرار النقدي الساري. إذ لا يتعدى حجم الكتلة النقدية بالعملة الوطنية في الأسواق حدود 53 تريليون ليرة، حالياً، أي ما يوازي 600 مليون دولار تمثل فقط نحو 5.5 في المائة من مجموع احتياطي العملات الصعبة الذي تجاوز مستوى 10.7 مليار دولار، من خلال الزيادات المتواصلة شهرياً بمجموع بلغ نحو 2.1 مليار دولار بعد تسلم منصوري موقع الحاكم قبل سنة ونيف.

وضمن التدابير المستجدة، أبلغ المجلس المركزي الجهاز المصرفي بقراره تعديل التعميم الاساسي الرقم 166، والمتضمن شمول فئة المودعين كافة الذين قاموا بتحويلات من الليرة إلى الدولار بعد انفجار الأزمات في خريف عام 2019، من الحصول على حصة شهرية تبلغ 150 دولاراً أميركياً.

كذلك، عدّل المجلس المركزي التعميم الأساسي الرقم 147، بحيث فرض على المصارف قبول إعادة الشيكات الصادرة عنها وغير المستعملة إلى كل الحسابات مما يفسح المجال للمودعين بإعادة قيد أموالهم في حساباتهم، وبالتالي الاستفادة من تعاميم مصرف لبنان التي تنطبق على الحساب.

وتعكس سياسة مصرف لبنان الرامية إلى توسيع مروحة المستفيدين من تعاميمه، ارتياحاً ظاهراً في أوساط المودعين الذين حصلوا خلال الشهر الحالي على حصتين إضافيتين تكفل البنك المركزي بضخهما من احتياطياته، بحيث حصل المستفيدون من التعميم رقم 158 على 1200 دولار أو 900 دولار نقداً، وفقاً لتصنيفات طلبات الانضمام، بينما حصل المستفيدون من التعميم رقم 166 من مبلغ 450 دولاراً.

ووفق التقديرات، فإن الضخ الاستثنائي للسيولة الذي قاربت مبالغه نحو 150 مليون دولار، ساهم بفاعلية مشهودة في تلبية جزء من الاحتياجات الطارئة للمودعين في ظل احتدام الحرب، لا سيما بينهم الذين اضطروا للنزوح من مساكنهم في المناطق الأكثر استهدافاً بعمليات القصف، وحيث تشير التقديرات الرسمية إلى ارتفاعات قياسية وغير مسبوقة في أعداد النازحين وصولاً إلى نحو 1.4 مليون مهجّر من مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية للعاصمة والبقاع، وبمستويات أدنى في مناطق لبنانية أخرى.


مقالات ذات صلة

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

الاقتصاد البنك المركزي التركي

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 50 في المائة دون تغيير، للشهر الثامن، مدفوعاً بعدم ظهور مؤشرات على تراجع قوي في الاتجاه الأساسي للتضخم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد مبنى بنك إنجلترا في لندن (رويترز)

«بنك إنجلترا»: تأثير الموازنة على التضخم يثير الغموض بشأن خفض الفائدة

قال كبار مسؤولي بنك إنجلترا إن التأثيرات المحتملة للزيادات الضريبية في أول موازنة تقدّمها الحكومة على التضخم تُعدّ أكبر نقطة غموض فيما يتعلق بالفائدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مشاة يسيرون أمام مقر البنك المركزي في موسكو (رويترز)

«المركزي الروسي» يدرس خفض الفائدة في 2025 بشرط استقرار الاقتصاد

قالت محافظة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، إن البنك قد يبدأ في خفض سعر الفائدة الرئيس، الذي يبلغ حالياً 21 في المائة، في العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد متسوقة في إحدى الأسواق التركية (إكس)

تحركات تركية إضافية لكبح التضخم

أعلن وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك أن الحكومة ستتخذ إجراءات إضافية ضرورية لمعالجة التضخم المرتفع، متوقعاً تراجع التضخم إلى خانة الآحاد في عام 2026.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد أدريانا كوغلر (أ.ب)

مسؤولة كبيرة في «الفيدرالي» تدافع عن استقلالية «المركزي» عقب فوز ترمب

قدّمت مسؤولة في بنك الاحتياطي الفيدرالي دفاعاً مطولاً عن الاستقلال السياسي للبنك المركزي يوم الخميس، بعد أيام فقط من إعادة انتخاب الرئيس السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
TT

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه الاقتصادي بنجاح، دون الانجرار إلى حرب تجارية شاملة أو تفاقم العجز الفيدرالي.

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة تفوق 24 في المائة في عام 2024، مما جعله في الصدارة بين مؤشرات الأسهم في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة. وبمعدل 22 ضعفاً للأرباح المستقبلية المتوقعة، فإن علاوته مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق من أكثر من 40 دولة، تعد الأعلى منذ أكثر من عقدين، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وعلى الرغم من أن الأسهم الأميركية قد تفوقت على نظيراتها العالمية لأكثر من عقد من الزمان، فإن الفجوة في التقييم قد اتسعت هذا العام بفضل النمو الاقتصادي المتين والأرباح القوية للشركات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث ساعدت التطورات المثيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على تعزيز أسهم شركات رائدة مثل «إنفيديا».

ويعتقد بعض المشاركين في السوق أن أجندة ترمب الاقتصادية، التي تشمل تخفيض الضرائب، وتخفيف القيود التنظيمية، وحتى فرض الرسوم الجمركية، قد تعزز من تفوق الولايات المتحدة، متفوقة على المخاوف المتعلقة بتأثيراتها المزعزعة المحتملة على الأسواق وزيادة التضخم.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأميركية في بنك «باركليز»، فينو كريشنا: «نظراً للتوجهات المؤيدة للنمو في هذه الإدارة الجديدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب مواجهة الأسهم الأميركية، على الأقل في عام 2025». وكانت هناك مؤشرات على تزايد تفضيل المستثمرين للأسهم الأميركية مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما استقبلت صناديق الأسهم الأميركية أكثر من 80 مليار دولار في الأسبوع الذي تلا الانتخابات، في حين شهدت صناديق الأسهم الأوروبية والأسواق الناشئة تدفقات خارجة، وفقاً لبنك «دويتشه».

ويعد «مورغان ستانلي»، و«يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية، ومعهد الاستثمار «ويلز فارغو» من بين المؤسسات التي توصي بزيادة الوزن للأسهم الأميركية في المحافظ الاستثمارية أو تتوقع تفوقها في العام المقبل.

محرك الأرباح

أحد المحركات الرئيسية لقوة الأسهم الأميركية هو ميزة أرباح الشركات الأميركية، حيث من المتوقع أن ترتفع أرباح شركات «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 9.9 في المائة هذا العام وبنسبة 14.2 في المائة في 2025، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 1.8 في المائة هذا العام وبنسبة 8.1 في المائة في 2025.

وقال كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في «ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»، مايكل أرون: «الولايات المتحدة تظل المنطقة الجغرافية التي تحقق أعلى نمو في الأرباح وأكبر قدر من الربحية على مستوى العالم».

ويسهم الدور المهيمن للشركات التكنولوجية العملاقة في الاقتصاد الأميركي، وأوزانها الكبيرة في مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500»، في تعزيز هذا النمو. إذ تبلغ القيمة السوقية لأكبر خمس شركات أميركية («إنفيديا» و«أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون دوت كوم» وألفابت) أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بحوالي 11 تريليون دولار لجميع شركات «ستوكس 600»، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المائة في 2024 وبنسبة 2.2 في المائة في 2025، مقارنة بنسبة 0.8 في المائة هذا العام و1.2 في المائة في العام المقبل لمجموعة من حوالي 20 دولة تستخدم اليورو، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وقد تساعد خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الولايات المتحدة في تعزيز هذا التفوق، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، وفقاً لما قاله مايك مولاني، مدير أبحاث الأسواق العالمية في «بوسطن بارتنرز»، الذي يفضل الأسهم الأميركية. وقال مولاني: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على السلع الأوروبية، فإنهم سيتأثرون أكثر منا بشكل نسبي».

وقد دفع تحكم الجمهوريين في السلطة في واشنطن، ما يسهل على ترمب تنفيذ أجندته، اقتصاديي «دويتشه بنك» إلى رفع توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي في 2025 إلى 2.5 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة.

وبينما من المتوقع أن تعزز تخفيضات الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية النمو الاقتصادي، فإن الهوامش الضيقة نسبياً في الكونغرس الأميركي وحساسية الإدارة تجاه ردود الفعل السوقية قد تحدان من نطاق بعض السياسات «المتطرفة»، مثل الرسوم الجمركية، كما ذكر البنك في تقريره الأخير.

من جانبه، يتوقع «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 6600 في العام المقبل، مدفوعاً بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيضات الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية. وأغلق المؤشر عند 5948.71 يوم الخميس. مع ذلك، قد تؤدي حرب تجارية شاملة مع الصين ودول أخرى إلى التأثير سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة التضخم. وفي سيناريو يتم فيه فرض دول ردود فعل على الرسوم الجمركية الأميركية الواسعة، قد ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 5100، رغم أن الأسهم العالمية ستتراجع أيضاً، وفقاً لتوقعات «يو بي إس».

ويمكن أن تكون بعض القطاعات في السوق أكثر عرضة لتأثيرات سياسات ترمب، حيث أدت المخاوف بشأن خطط تقليص الفائض البيروقراطي إلى تراجع أسهم شركات المقاولات الحكومية الأسبوع الماضي، بينما تراجعت أسهم شركات الأدوية بعد اختيار ترمب للمشكك في اللقاحات روبرت ف. كينيدي جونيور لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

كما قد تثير التخفيضات الضريبية الواسعة القلق بشأن زيادة الدين الأميركي. وقد أسهمت المخاوف المتعلقة بالعجز في تراجع بيع السندات الحكومية الأميركية مؤخراً، مما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، قد تصبح الفجوة في التقييم بين الولايات المتحدة وبقية العالم واسعة لدرجة تجعل الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن، أو قد تصبح الأسهم الدولية رخيصة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تظل الاتجاهات طويلة المدى لصالح الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكثر من 180 في المائة مقارنة بارتفاع بنسبة 50 في المائة تقريباً لمؤشر «ستوكس» في أوروبا على مدار العقد الماضي. وقال رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة في «روبيكو»، كولين غراهام: «الزخم شيء رائع. إذا كان لديك شيء يستمر في التفوق، فإن المستثمرين سيتبعون الأموال».