السعودية تواصل الإنفاق التوسعي الموجه لتحقيق النمو الاقتصادي والاستدامة المالية

مختصون لـ«الشرق الأوسط»: المملكة تحرص على استمرارية المشروعات ورفع جودة الخدمات العامة 

العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تواصل الإنفاق التوسعي الموجه لتحقيق النمو الاقتصادي والاستدامة المالية

العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)
العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

غداة نشر وزارة المالية السعودية البيان التمهيدي لميزانية العام المالي 2025، قال مختصون لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة السعودية تظهر من خلال توقعاتها في الميزانية حرصها على الاستمرار في تمويل المشروعات الاقتصادية الكبرى، وخلق الوظائف الجديدة، وتنفيذ الخطط الاستراتيجية المرتبطة بـ«رؤية 2030»، لتسريعها وفق تطلعات الدولة لكي تصبح رافداً للاقتصاد الوطني في الأعوام المقبلة.

ووفق البيان التمهيدي للميزانية، فمن المتوقع أن يبلغ إجمالي الإيرادات نحو 1.184 تريليون ريال في 2025 وصولاً إلى نحو 1.289 تريليون ريال في 2027، في حين يُقدَّر أن يبلغ إجمالي النفقات نحو 1.285 تريليون ريال في العام المقبل ليرتفع إلى نحو 1.429 تريليون ريال في العام المالي 2027.

وأشار البيان إلى أن الحكومة تعتزم في العام المالي المقبل، وفي المدى المتوسط، ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الاستمرار في الإنفاق على الخدمات الأساسية للمواطنين والمقيمين. كما تواصل استثمار الموارد المالية المتاحة لتنويع القاعدة الاقتصادية عن طريق الإنفاق التحولي الذي يشتمل على الاستراتيجيات القطاعية والمناطقية، والمراجعة الدورية للجداول الزمنية للمشروعات، وبرامج «رؤية 2030»؛ وذلك لتجنب الضغط على النشاط الاقتصادي الذي قد ينشأ نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي.

كما تستهدف المملكة الاستمرار في تنويع قنوات التمويل ما بين إصدار السندات والصكوك والقروض، إضافة إلى التوسع في عمليات التمويل الحكومي البديل عن طريق تمويل المشروعات وتمويل البنى التحتية ووكالات ائتمان الصادرات، وذلك من ضمن استراتيجية وزارة المالية لدعم استمرارية واستكمال المشروعات التنموية في البلاد.

المشروعات التنموية

وقال المستشار وأستاذ القانون التجاري الدكتور أسامة العبيدي لـ«الشرق الأوسط»، إن البيان التمهيدي يعكس حرص الحكومة السعودية على الاستمرار في المشروعات التنموية الكبرى المحفزة للنمو الاقتصادي، وتعزيزه، ورفع جودة الخدمات العامة المقدمة للأفراد والأعمال على حد سواء، والمحافظة على استدامة مؤشر الدين العام، وعلى مستويات آمنة من الاحتياطي النقدي، واستكمال تنفيذ المبادرات والإصلاحات الاقتصادية في ظل «رؤية 2030».

وأوضح أن المملكة قررت مواصلة الإنفاق التوسعي لتحقيق نمو اقتصادي ملائم، والحفاظ على الاستدامة المالية، لافتاً إلى أن وجود عجز في الميزانية يعني مواصلة الاقتراض لسد هذا العجز.

وتهدف الميزانية التوسعية إلى الاستمرار في تمويل المشروعات الاقتصادية الكبرى، وتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق وظائف جديدة، وتنفيذ الخطط والمبادرات لتحقيق مستهدفات «رؤية 2030»، إضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث ازدادت الفرص الاستثمارية المتاحة، خصوصاً في قطاعَي التعدين والتقنية وغيرهما من القطاعات الواعدة، ما سيؤدي إلى زيادة في نمو الناتج الإجمالي المحلي.

وتابع أستاذ القانون التجاري، أن توقعات النمو جاءت أقل من التنبؤات السابقة؛ بسبب انخفاض أسعار النفط، وخفض المملكة إنتاجها؛ تنفيذاً لالتزاماتها وفق اتفاق «أوبك بلس»، ما أدى إلى انخفاض إيرادات المملكة النفطية، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق نمو اقتصادي أقل من التوقعات السابقة.

جودة الحياة

من ناحيته، بيّن أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الدكتور محمد مكني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن العجز في الميزانية العامة للدولة خلال 2025 محدود، ويبلغ نحو 26.9 مليار دولار، وهو مرتبط بالحرص على مواصلة الإنفاق حتى لا تتأثر المشروعات العملاقة المستهدفة، وكذلك جودة حياة المواطن.

وقال: «يلاحظ أن الميزانية جاءت استكمالاً للأهداف التوسعية لسياسة المملكة المعتاد عليها في السنوات السابقة في زيادة الإنفاق، وهناك مبشّرات فيما يخصّ القطاع غير النفطي وتوقعات نموه في الأعوام المقبلة بنحو 4 في المائة».

وبخصوص العام الحالي، «هناك عجز طفيف أيضاً في الميزانية العامة، إلا أنه من المتوقع ارتفاع الإيرادات غير النفطية بنسبة تتجاوز 3 في المائة»، وفق مكني.

وواصل أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام محمد بن سعود، أن المؤشرات الرئيسية التي تركز عليها الاقتصادات كافة، تتمثل في مستويات الإنفاق الاستهلاكي، وهذا البند يشهد نمواً في المملكة، وكذلك مؤشرات البطالة في البلاد التي تواصل التراجع خلال الفترة الماضية.

وتابع أن «القطاع النفطي كان يعاني في الفترات السابقة نظراً للسياسات المتبعة من قبل منظمتَي (أوبك) و(أوبك بلس)، وبسبب التخفيضات الطوعية المتخذة من قبل المملكة، إلا أنه من المتوقع أن يتحسّن في الفترة بين عامَي 2025 و2027».

التحسينات الاقتصادية

ومن المعلوم أن المملكة انتهجت سياسة إعادة أولويات الإنفاق، والتركيز على المشروعات التي يمكن إنجازها بشكل أسرع؛ لتصبح رافداً للاقتصاد الوطني خلال الأعوام ما قبل 2030، كما ستُمكّن تلك السياسات المستثمرين الأجانب والمحليين من زيادة التوسع وتحقيق أهدافهم الربحية.

وأضاف الدكتور مكني، أن «الإصلاحات التي قامت بها المملكة باتت ملموسة بشكل مباشر، وطالت مجموعة التحسينات كثيراً من القطاعات على مستوى الأنظمة والتشريعات، والأرقام المحققة في مؤشرات اقتصادية مهمة، إلى جانب سيناريوهات ثلاثة وضعتها وزارة المالية؛ لضمان استمرارية نمو الاقتصاد، وخلق فرص مستقبلية للمستثمرين، وكذلك انتعاش الأنشطة غير النفطية».

القطاعات الواعدة

وأكد البيان التمهيدي للميزانية العامة، أنه «في ضوء التطورات الاقتصادية التي تشهدها المملكة، واستكمالاً لتنفيذ عدد من المبادرات المالية والاقتصادية، وتبني سياسات مالية تسهم في تعزيز الاستقرار والاستدامة لميزانية الدولة للعام المالي 2025، يُتوقع أن تسجل ميزانية عام 2025 عجزاً بنحو 2.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي».

ولفت البيان إلى «تحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي مدعومةً بنمو الأنشطة غير النفطية؛ ما أسهم في ازدهار القطاعات الواعدة مثل السياحة والترفيه والنقل والخدمات اللوجيستية والصناعة، بالإضافة إلى تحسين جودة الحياة، وتمكين القطاع الخاص، وانخفاض معدل البطالة إلى أدنى مستوياته تاريخياً، وقد انعكس ذلك بشكل إيجابي على توقعات المنظمات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني لأداء الاقتصاد السعودي».

واستعرض البيان أبرز توقعات عام 2024، ومنها تسجيل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بنسبة 0.8 في المائة في عام 2024؛ مدعوماً بنمو الأنشطة غير النفطية الذي من المتوقع أن يسجل نحو 3.7 في المائة، إضافة إلى أنه من المتوقع أن يسهم انخفاض أسعار الفائدة مؤخراً في ارتفاع الطلب؛ ما قد يؤثر بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي.

كما تشير التوقعات الأولية إلى وصول الرقم القياسي لأسعار المستهلك (معدل التضخم) إلى نحو 1.7 في المائة بنهاية عام 2024.


مقالات ذات صلة

نسبة توطين الإنفاق العسكري بالسعودية تصل إلى 19.35 %

الاقتصاد العوهلي متحدثاً للحضور في منتدى المحتوى المحلي (الشرق الأوسط)

نسبة توطين الإنفاق العسكري بالسعودية تصل إلى 19.35 %

كشف محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية المهندس أحمد العوهلي عن وصول نسبة توطين الإنفاق العسكري إلى 19.35 في المائة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)

التراخيص الاستثمارية في السعودية ترتفع 73.7%

حققت التراخيص الاستثمارية المصدرة في الربع الثالث من العام الحالي ارتفاعاً بنسبة 73.7 في المائة، لتصل إلى 3.810 تراخيص.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد نائب رئيس هيئة الأركان العامة وقائد القوات البحرية الملكية السعودية مع باتريس بيرا خلال الملتقى البحري السعودي الدولي 2024 (الشرق الأوسط)

«مجموعة نافال» تتعاون مع الشركات السعودية لتوطين صناعة السفن البحرية

أكد نائب رئيس المبيعات في الشرق الأوسط والمدير الإقليمي لـ«مجموعة نافال» في السعودية باتريس بيرا، أن شركته تنتهج استراتيجية لتطوير القدرات الوطنية في المملكة.

بندر مسلم (الظهران)
الاقتصاد جانب من الاجتماع الاستراتيجي لـ«موانئ» (واس)

«موانئ» السعودية تلتقي كبرى شركات سفن التغذية لتعزيز الربط العالمي

اجتمعت الهيئة السعودية العامة للموانئ (موانئ) مع كبرى شركات سفن التغذية العالمية، بهدف تعزيز الربط العالمي، وزيادة التنافسية على المستويين الإقليمي والدولي.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد أحد المصانع المنتجة في المدينة المنورة (واس)

«كي بي إم جي»: السياسات الصناعية في السعودية ستضعها قائداً عالمياً

أكدت شركة «كي بي إم جي» العالمية على الدور المحوري الذي تلعبه السياسات الصناعية في السعودية لتحقيق «رؤية 2030».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

عصر ذهبي جديد للعملات المشفرة مع تجاوز قيمتها السوقية 3 تريليونات دولار

تمثيلات عملات الريبل والبتكوين والإيثيريوم واللايتكوين الرقمية (رويترز)
تمثيلات عملات الريبل والبتكوين والإيثيريوم واللايتكوين الرقمية (رويترز)
TT

عصر ذهبي جديد للعملات المشفرة مع تجاوز قيمتها السوقية 3 تريليونات دولار

تمثيلات عملات الريبل والبتكوين والإيثيريوم واللايتكوين الرقمية (رويترز)
تمثيلات عملات الريبل والبتكوين والإيثيريوم واللايتكوين الرقمية (رويترز)

وسط موجة من التفاؤل والتوقعات بتحولات جذرية، حافظت سوق العملات المشفرة على زخم صعودي قوي عقب فوز الرئيس المنتخب دونالد ترمب في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني). هذا الحدث لم يكن مجرد منعطف سياسي، بل شكل لحظة فارقة في تاريخ العملات المشفرة؛ إذ ارتفعت قيمة «البتكوين» بشكل هائل حيث وصلت إلى ما يقرب من 100 ألف دولار.

ولم تقتصر هذه الطفرة على «البتكوين» فقط، بل امتدت إلى العملات المشفرة البديلة، مما أدى إلى تجاوز القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة 3 تريليونات دولار، وهو إنجاز غير مسبوق يعكس عمق التحولات في سوق الأصول المشفرة. وفي ظل هذه الأجواء، يراهن المستثمرون على أن دعم الإدارة الجديدة للعملات المشفرة قد يمهد الطريق لعصر ذهبي لهذه الأصول، مدعوماً بمؤشرات قوية على زيادة الاهتمام المؤسسي والمشاركة المالية على نطاق واسع.

ويوم الخميس، تسارعت وتيرة ارتفاع سعر «البتكوين» نحو حاجز الـ100 ألف دولار، حيث تجاوزت قيمته 98 ألف دولار لأول مرة خلال التداولات الأوروبية، مسجلاً ارتفاعاً بنحو 4 في المائة وفق «رويترز». وقد شهدت العملة قفزة هائلة هذا العام؛ إذ تضاعف سعرها وارتفع بنحو 40 في المائة خلال الأسبوعين الأخيرين، عقب انتخاب ترمب رئيساً، إلى جانب فوز عدد من النواب المؤيدين للعملات المشفرة بمقاعد في الكونغرس.

وفي هذا السياق، صرّح توني سيكامور، المحلل لدى شركة «آي جي ماركتس»، قائلاً: «رغم أن السعر الحالي يبدو في منطقة مبالغ فيها، فإن الاتجاه العام يشير بوضوح إلى استهداف مستوى 100 ألف دولار بثبات».

كما تدفق أكثر من 4 مليارات دولار إلى صناديق تداول «البتكوين» المدرجة في الولايات المتحدة منذ الانتخابات. وشهد هذا الأسبوع نشاطاً قوياً في الخيارات المرتبطة بصندوق «بلاك روك» المدرج، حيث هيمنت الخيارات الشرائية التي تتوقع ارتفاع السعر على الخيارات البيعية التي تتوقع انخفاضه.

وفي موازاة ارتفاع سعر «البتكوين»، قفزت أسهم الشركات المرتبطة بالعملات المشفرة بشكل ملحوظ. فقد ارتفعت أسهم شركة «مارا هولدينغز»، المتخصصة في تعدين «البتكوين»، بنسبة تقارب 14 في المائة، بينما سجلت أسهم شركة «مايكروستراتيجي»، المعروفة باقتنائها كميات كبيرة من «البتكوين»، زيادة بنسبة 10 في المائة لتصل قيمتها السوقية إلى أكثر من 100 مليار دولار.

من جانبه، علّق ويل بيك، رئيس الأصول الرقمية في شركة «ويزدم تري»، قائلاً: «يتساءل الكثير من المتابعين عن قدرة الإدارة الحالية على تقديم الوضوح التنظيمي الذي ينتظره مجتمع العملات المشفرة. ومع ذلك، قد يكون من السابق لأوانه تحديد مدى تحقق ذلك بدقة».

وقد عززت السوق تفاؤلها بعد تقارير تفيد بتفاوض مجموعة «ترمب ميديا» للاستحواذ على منصة «باكت» للعملات المشفرة، مما أضاف زخماً إيجابياً. كما أن الاجتماع الخاص الذي عقده ترمب مع الرئيس التنفيذي لشركة «كوين بيس»، براين أرمسترونغ، أثار تكهنات حول احتمال تعيين شخصية مؤيدة للعملات المشفرة لرئاسة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قريباً. مثل هذا التوجه قد يعزز الثقة بالسوق، ويعطي دفعة إضافية لهذه العملات على الساحة الاقتصادية.

وفي خطوة تعكس الاهتمام المؤسسي المتزايد، بدأ، الثلاثاء، التداول في صناديق الاستثمار المتداولة بـ«البتكوين» (Bitcoin ETFs) على منصة «ناسداك»، مسجلةً حجم تداول بلغ نحو 2 مليار دولار في اليوم الأول. ويُبرز هذا الإقبال الكبير الدعم المتزايد من المؤسسات المالية، خاصة بعد اعتماد صناديق البتكوين الفورية (Spot Bitcoin ETFs) التي ساهمت في جذب مستثمرين مؤسسيين إلى هذا القطاع.

على صعيد موازٍ، أظهر مؤشر مشاعر المستثمرين حالة من التفاؤل المفرط، حيث بلغ مؤشر الخوف والطمع للعملات المشفرة مستوى 90 من 100، الثلاثاء، مشيراً إلى «الجشع الشديد». وتُعد هذه النتيجة دليلاً على التفاؤل الكبير الذي يسود بين المستثمرين، ما يعزز التوقعات بمواصلة «البتكوين» مسيرتها التصاعدية في الفترة المقبلة.