مخاوف الركود تتغلب على توقعات خفض الفائدة في الأسواق العالمية

متداول يعمل في بورصة نيويورك للأوراق المالية (رويترز)
متداول يعمل في بورصة نيويورك للأوراق المالية (رويترز)
TT

مخاوف الركود تتغلب على توقعات خفض الفائدة في الأسواق العالمية

متداول يعمل في بورصة نيويورك للأوراق المالية (رويترز)
متداول يعمل في بورصة نيويورك للأوراق المالية (رويترز)

أدت حالة القلق الزائدة بشأن التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة وشهر سبتمبر (أيلول)، الذي يعد شهراً ضعيفاً تقليدياً لأسواق الأسهم، إلى عاصفة مثالية جديدة من تقلبات الأسواق العالمية، مما ترك المستثمرين يتدافعون بحثاً عن الحماية ويخشون جولة أخرى من فوضى العملة.

وبعد التعافي السريع للأصول ذات المخاطر، مثل الأسهم والسندات ذات العائد المرتفع من موجة بيع فوضوية في أوائل أغسطس (آب)، فقد المتداولون تفاؤلهم قصير الأمد بأن خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة سيدعم النمو. وبدلاً من ذلك، يبدو أنهم يتقدمون بالفعل على بيانات الوظائف الأميركية يوم الجمعة والتي قد تكرر تقرير الشهر الماضي الضعيف، مع تسبب بيانات التصنيع الأميركية الضعيفة يوم الثلاثاء في عمليات بيع جديدة، وفق «رويترز».

وانخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» للأسهم في «وول ستريت» بأكثر من 2 في المائة يوم الثلاثاء، في حين تراجع مؤشر «توبكس» الياباني العام بنسبة 3.7 في المائة يوم الأربعاء في أكبر انخفاض يومي منذ انهيار السوق في 5 أغسطس، وسجلت الأسهم الأوروبية انخفاضاً. في الوقت نفسه، وصل مؤشر «الخوف» لتقلبات الأسهم الأميركية المتوقعة إلى أعلى مستوى له في شهر، حيث هدد التداول المتقلب في العملات الدولار والعملات الآمنة الأخرى.

وقال رئيس قسم الاقتصاد الكلي في «لومبارد أودير»، فلوريان يلبو: «كانت الأسواق تتعامل مع حالة من عدم اليقين بشأن التضخم ولكن كان النمو مستقراً. يبدو أن الوضع يتغير الآن، والقلق الجديد هو مدى عمق التباطؤ الاقتصادي».

اضطراب الأسواق

تأتي البداية المضطربة لشهر سبتمبر في أعقاب هزيمة عالمية مبكرة في أغسطس مع زيادة أسعار الفائدة اليابانية وبيانات الوظائف الأميركية التي دمرت صفقات التداول الشعبية ضد الين.

وفي إشارة إلى الألم الذي عانى منه المستثمرون في أغسطس، تعرضت أسهم التكنولوجيا عالية القيمة التي استثمروا فيها لضربة موجعة. وتراجعت أسهم شركة «إنفيديا»، العملاقة في مجال الذكاء الاصطناعي، بنسبة 10 في المائة يوم الثلاثاء، وهو أكبر انخفاض في القيمة السوقية لشركة أميركية في يوم واحد على الإطلاق. وتراجعت أسهم مجموعة «إيه إس إم إل» الهولندية لتوريد معدات أشباه الموصلات بنحو 5 في المائة يوم الأربعاء.

وقال كبير مسؤولي الاستثمار في شركة الاستثمار «سانت جيمس بليس»، جاستن أونويكويوسي إن «أحد المخاطر الكبيرة هو أن يكون لديك هذا التركيز في السوق، وكل ما يتطلبه الأمر هو أن يكون أحد تلك الأسماء (التكنولوجية الكبيرة) متقلباً لتتأثر السوق بأكملها».

وجاء هذا الاضطراب بعد قلق المستثمرين من أن الأسهم والسندات بدأت شهر سبتمبر بقصص مختلفة، فقد سعرت أسواق الأسهم أرباحاً قوية للشركات في حين ارتفعت السندات الحكومية بتوقعات خفض عميق في أسعار الفائدة الأميركية ومخاطر الركود.

وتراجعت عوائد السندات الأميركية لمدة 10 سنوات، عند نحو 3.8 في المائة، للأشهر الأربعة الماضية. وابتعدت عوائد السندات الألمانية يوم الأربعاء عن الذروة التي وصلت إليها في شهر واحد يوم الاثنين.

وأوصت شركة «بي سي إيه» للأبحاث ببيع الأسهم وشراء السندات. وقالت في مذكرة للعملاء: «نحن نخصص احتمالات عالية لنقطة تحول نحو الركود».

ومن المتوقع أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة لأول مرة منذ عام 2020 في 18 سبتمبر، مع توقع الأسواق المالية الآن احتمال بنسبة 43 في المائة لخفض بمقدار 50 نقطة أساس في معدل الفائدة إلى 4.5 في المائة - 4.75 في المائة.

كما ارتفع مؤشر واسع النطاق لأداء سندات الشركات ذات العائد المرتفع بنسبة 2.5 في المائة منذ انخفاضه لفترة وجيزة في أوائل أغسطس.

وقال مدير صندوق الائتمان في «ناينتي وان»، داربان هاران إنه كان حذراً بشأن السندات ذات العائد المرتفع في الولايات المتحدة، التي يتم بيعها من قِبل المقترضين ذوي الملفات المالية الأضعف والتي تجعلها أكثر حساسية للصدمات الاقتصادية.

وأضاف: «السندات ذات العائد المرتفع في الولايات المتحدة أكثر عرضة لإعادة التسعير بسبب التقييمات ومخاوف الركود الأميركي».

اضطراب الدولار

قال محللون إن العملات التقليدية الآمنة قد لا تتألق في موجة البيع العالمية هذه، بسبب حالة عدم اليقين بشأن ما إذا كان الدولار سيحتفظ بجاذبيته المعتادة عندما تنخفض الأصول ذات المخاطر أم سيعاني بدلاً من ذلك لأن المتداولين يعتقدون أن الركود الأميركي يلوح في الأفق.

ويراهن المضاربون على المدى القصير على انخفاض الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى بنحو 9 مليارات دولار، وهو الموقف الذي قد يشعل مزيداً من التقلبات في سوق العملات إذا ثبت خطأ ذلك، أو يضعف الأسهم الأميركية إذا كان صحيحاً.

وقال رئيس استراتيجية العملات الأجنبية لمجموعة العشرة في «بي إن بي باريبا»، أليكس جيكوف، إن صناديق تتبع الاتجاهات، وهي الأطراف الرئيسية في موجة البيع التي شهدها أغسطس، راهنت بشكل كبير على ضعف الدولار. وإذا جاءت بيانات الوظائف الأميركية قوية هذا الأسبوع فقد يرتفع الدولار، وهو ما قد يدفع المضاربين إلى الخروج بسرعة من تلك المراكز القصيرة ويؤثر على العملات التي يفضلها المضاربون حالياً مثل الجنيه الإسترليني.

ويتجه مؤشر تقلبات أسعار الصرف الأجنبي مرة أخرى نحو الذروة التي سجلها في أوائل أغسطس.

وقال كبير استراتيجيي النقد الأجنبي في «سوسيتيه جنرال»، كيت جوكس إن الدولار والأسهم الأميركية قد يسحبان بعضهما بعضاً إلى الأسفل على المدى الأبعد بسبب الكم الهائل من الأموال التي تدفقت الآن إلى أسهم «وول ستريت» من الخارج، دون التحوط من مخاطر العملة.

وأضاف أن «الخطر الذي يهدد الدولار هو أن الناس لا يبتعدون عن الدولار فحسب، بل إنهم يبتعدون أيضاً عن الأسهم الأميركية».


مقالات ذات صلة

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

الاقتصاد البنك المركزي التركي

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 50 في المائة دون تغيير، للشهر الثامن، مدفوعاً بعدم ظهور مؤشرات على تراجع قوي في الاتجاه الأساسي للتضخم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد المصرف المركزي التركي (رويترز)

«المركزي» التركي يمدد تعليق أسعار الفائدة للشهر الثامن

مدَّد البنك المركزي التركي تعليق أسعار الفائدة للشهر الثامن على التوالي، إذ قرر إبقاء سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع دون تغيير عند 50 في المائة.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
الاقتصاد مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

مقترحات ترمب الاقتصادية تعيد تشكيل سياسة «الفيدرالي» بشأن الفائدة

قبل بضعة أسابيع، كان المسار المتوقع لبنك الاحتياطي الفيدرالي واضحاً. فمع تباطؤ التضخم وإضعاف سوق العمل، بدا أن البنك المركزي على المسار الصحيح لخفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

دي غالهو من «المركزي الأوروبي»: التعريفات الجمركية لترمب لن تؤثر في توقعات التضخم

قال فرنسوا فيليروي دي غالهو، عضو صانع السياسات في البنك المركزي الأوروبي، يوم الخميس، إن زيادات التعريفات تحت إدارة ترمب الجديدة لن تؤثر في توقعات التضخم.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
TT

«كوب 29» يشتعل في اللحظات الحاسمة مع اعتراضات من كل الأطراف

سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)
سيارات تُحضر بعض الوفود إلى مقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو (رويترز)

قبل ساعات قليلة من «الختام المفترض» لمؤتمر «كوب 29» للمناخ في العاصمة الأذرية باكو على بحر قزوين، سيطر الخلاف على المباحثات؛ إذ عبرت جميع الأطراف تقريباً عن اعتراضها على «الحل الوسطي» الذي قدمته إدارة المؤتمر ظهر يوم الجمعة في «مسودة اتفاق التمويل»، والذي اقترح أن تتولى الدول المتقدمة زمام المبادرة في توفير 250 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 لمساعدة أكثر الدول فقراً، وهو الاقتراح الذي أثار انتقادات من جميع الأطراف.

وتتولى حكومات العالم الممثلة في القمة في باكو عاصمة أذربيجان، مهمة الاتفاق على خطة تمويل شاملة لمعالجة تغيّر المناخ، لكن المؤتمر الذي استمر أسبوعين تميز بالانقسام بين الحكومات الغنية التي تقاوم الوصول إلى نتيجة مكلفة، والدول النامية التي تدفع من أجل المزيد.

وقال خوان كارلوس مونتيري غوميز، الممثل الخاص لتغيّر المناخ في بنما، والذي وصف المبلغ المقترح بأنه منخفض للغاية: «أنا غاضب للغاية... إنه أمر سخيف، سخيف للغاية!»، وأضاف: «يبدو أن العالم المتقدم يريد أن يحترق الكوكب!».

وفي الوقت نفسه، قال مفاوض أوروبي لـ«رويترز» إن مسودة الاتفاق الجديدة باهظة الثمن ولا تفعل ما يكفي لتوسيع عدد البلدان المساهمة في التمويل. وأضاف المفاوض: «لا أحد يشعر بالارتياح من الرقم؛ لأنه مرتفع ولا يوجد شيء تقريباً بشأن زيادة قاعدة المساهمين».

ومن جانبها، حثت أذربيجان الدول المشاركة على تسوية خلافاتها والتوصل إلى اتفاق مالي يوم الجمعة، مع دخول المفاوضات في المؤتمر ساعاتها الأخيرة. وقالت رئاسة المؤتمر في مذكرة إلى المندوبين صباح الجمعة: «نشجع الأطراف على مواصلة التعاون في مجموعات وعبرها بهدف تقديم مقترحات تقلص الفجوة وتساعدنا على إنهاء عملنا هنا في باكو».

صحافيون ومشاركون يراجعون مسودة الاتفاق الختامي بمقر انعقاد مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذرية باكو ظهر يوم الجمعة (أ.ب)

وحددت المسودة أيضاً هدفاً أوسع لجمع 1.3 تريليون دولار من تمويل المناخ سنوياً بحلول عام 2035، والذي سيشمل التمويل من جميع المصادر العامة والخاصة. وهذا يتماشى مع توصية من خبراء الاقتصاد بأن تتمكن البلدان النامية من الوصول إلى الحصول على تريليون دولار على الأقل سنوياً بحلول نهاية العقد. لكن المفاوضين حذروا من أن سد الفجوة بين تعهدات الحكومة والتعهدات الخاصة قد يكون صعباً.

وكان من المقرر أن تختتم قمة المناخ في مدينة بحر قزوين بحلول نهاية يوم الجمعة، لكن التوقعات كانت تصب في اتجاه التمديد، على غرار مؤتمرات «الأطراف» السابقة التي تشهد جميعها تمديداً في اللحظات الأخيرة من أجل التوصل إلى اتفاقات.

وقال لي شو، مدير مركز المناخ الصيني في «جمعية آسيا»، وهو مراقب مخضرم لمؤتمرات «الأطراف»: «إن إيجاد (نقطة مثالية) في المحادثات قريباً أمر بالغ الأهمية. أي شيء آخر غير ذلك قد يتطلب إعادة جدولة الرحلات الجوية».

وعاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى باكو من اجتماع «مجموعة العشرين» في البرازيل يوم الخميس، داعياً إلى بذل جهود كبيرة للتوصل إلى اتفاق، وحذر من أن «الفشل ليس خياراً».

وبدوره، قال دانييل لوند، المفاوض عن فيجي، لـ«رويترز»، إن «الطريق لا يزال طويلاً... إنه رقم (الوارد بالمسودة) منخفض للغاية مقارنة بنطاق الحاجة القائمة وفهم كيفية تطور هذه الاحتياجات».

كما عكس المؤتمر انقسامات كبيرة إزاء قضايا مثل ما إذا كان يجب تقديم الأموال في صورة منح أو قروض، والدرجة التي ينبغي بها حساب أنواع التمويل الخاص المختلفة في تحقيق الهدف السنوي النهائي.

وانتقد المفاوضون والمنظمات غير الحكومية إدارة المؤتمر. وهم يأخذون على الأذربيجانيين الافتقار إلى الخبرة في قيادة مفاوضات بين ما يقرب من 200 دولة. وقال محمد آدو، ممثل شبكة العمل المناخي: «هذا هو أسوأ مؤتمر للأطراف على ما أذكر».

كما شابت المفاوضات حالة من الضبابية بشأن دور الولايات المتحدة، أكبر مصدر في العالم لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، قبل عودة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، الذي لا يؤمن بقضية المناخ، إلى البيت الأبيض.

وقال المبعوث الأميركي جون بوديستا: «نحن، بصراحة، نشعر بقلق عميق إزاء الخلل الصارخ في التوازن» في النص. في حين أعرب المفوض الأوروبي وبكي هوكسترا عن موقف مشابه بقوله إن النص «غير مقبول في صيغته الحالية».

ويكرر الأوروبيون القول إنهم يريدون «الاستمرار في توجيه الدفة»، وهو مصطلح تم اختياره بعناية، كدليل على حسن النية. لكن العجز المالي الذي تعانيه بلدان القارة العجوز يحد من قدراتهم.

وتساءل المفاوض البنمي خوان كارلوس مونتيري غوميز: «نحن نطلب 1 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فهل هذا كثير جداً لإنقاذ الأرواح؟». في حين أعربت الوزيرة الكولومبية سوزان محمد عن أسفها، قائلة: «إنهم يدورون في حلقة مفرغة وهم يؤدون ألعابهم الجيوسياسية».

ومن جانبها، دعت الصين، التي تؤدي دوراً رئيساً في إيجاد التوازن بين الغرب والجنوب، «جميع الأطراف إلى إيجاد حل وسط»... لكن بكين وضعت «خطاً أحمر» بقولها إنها لا تريد تقديم أي التزامات مالية. وهي ترفض إعادة التفاوض على قاعدة الأمم المتحدة لعام 1992 التي تنص على أن المسؤولية عن تمويل المناخ تقع على البلدان المتقدمة.