من الانتعاش إلى النمو المحدود... الاقتصاد الإسرائيلي يتخبط بعد 320 يوماً من الحرب

«العقد الضائع» يعود للواجهة... ومخاوف من ركود طويل الأمد

دبابة تناور على الجانب الإسرائيلي من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)
دبابة تناور على الجانب الإسرائيلي من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)
TT

من الانتعاش إلى النمو المحدود... الاقتصاد الإسرائيلي يتخبط بعد 320 يوماً من الحرب

دبابة تناور على الجانب الإسرائيلي من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)
دبابة تناور على الجانب الإسرائيلي من الحدود بين إسرائيل وغزة (رويترز)

بعد 320 يوماً من الصراع بين إسرائيل و«حماس»، لا يزال الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من التأثيرات الشديدة للحرب، التي تزداد سوءاً شهراً بعد شهر. ومع استمرار العمليات العسكرية واستنزاف الموارد بشتى أنواعها، تقف إسرائيل عند مفترق طرق اقتصادي حرج، تتجلى آثاره بوضوح في الانخفاض الحاد في النمو، وارتفاع معدلات التضخم، وتفاقم العجز المالي، وخفض التصنيف الائتماني. كما تشير التوقعات إلى أن العجز المالي في موازنة 2024 سيتجاوز التقديرات السابقة بكثير بسبب الإنفاق الدفاعي. وفي هذا السياق، تتزايد المخاوف من استمرار الحرب، وسط التوترات الجيوسياسية والضغوط على الحكومة الإسرائيلية للتعامل مع التداعيات المالية والعسكرية طويلة الأمد.

تباطؤ النمو الاقتصادي

وفقاً للبيانات الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية، سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً سنوياً قدره 1.2 في المائة خلال الفترة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران)، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، إلا أنه انخفض بنسبة 1.4 في المائة مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي. وهذه النتائج جاءت أقل من توقعات خبراء الاقتصاد التي تراوحت بين 2.3 في المائة و5 في المائة. وعلى أساس نصيب الفرد، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 في المائة في الربع.

وجاءت هذه الأرقام بعد فترة انتعاش شهدها الاقتصاد في بداية العام، حيث سجل نمواً سنوياً قدره 17.3 في المائة خلال الربع الأول من 2024، عقب انكماش حاد بنسبة 20.6 في المائة في الربع الأخير من 2023، عندما تسبب اندلاع الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) في تقليص الإنفاق الاستهلاكي والتجارة والاستثمار بشكل ملحوظ.

وفي يوليو (تموز)، خفّض بنك إسرائيل توقعاته لنمو الاقتصاد، مشيراً إلى زيادة خطر التصعيد مع «حزب الله» على الحدود الشمالية، متوقعاً أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5 في المائة في عام 2024، و4.2 في المائة في عام 2025. وهذا أقل من توقعات النمو السابقة في أبريل التي بلغت 2 في المائة في عام 2024 و5 في المائة في عام 2025، في حين تتوقع وزارة المالية الإسرائيلية نمواً بنسبة 1.9 في المائة لهذا العام.

منظر عام لمدينة حيفا الساحلية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

تراجع الإنتاج وزيادة الاستهلاك

خلال الربع الثاني، انخفض إنتاج الأعمال بنسبة 1.9 في المائة، في حين تراجعت صادرات السلع والخدمات بنسبة 8.3 في المائة. ورغم زيادة طفيفة بنسبة 1.1 في المائة في الاستثمار في الأصول الثابتة، وصف الخبراء الاقتصاديون نمو الناتج المحلي الإجمالي في هذا الربع بأنه مخيب للآمال؛ نظراً لانكماش الصادرات وضعف الاستثمارات. إضافة إلى ذلك، لا تزال استثمارات البناء منخفضة بنسبة 26 في المائة على أساس سنوي بسبب نقص العمال الفلسطينيين، كما أن إغلاق الشركات الزراعية والتجارية في الشمال والجنوب أضر بالنمو الاقتصادي بشكل مباشر. في المقابل، ارتفع الاستهلاك الحكومي بنسبة سنوية بلغت 8.2 في المائة مقارنة بـ2.6 في المائة في الربع السابق، مما زاد من المخاوف بشأن اعتماد النمو الاقتصادي بشكل مفرط على الإنفاق العام المرتفع المرتبط باحتياجات الحرب. كما ارتفع الاستهلاك الخاص بنسبة 12 في المائة، متجاوزاً مستويات ما قبل الحرب.

خفض التصنيف الائتماني

تأتي بيانات النمو الضعيفة بعد خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من «إي بلس» إلى «إيه» من قبل وكالة «فيتش»، التي تتوقع استمرار الحرب حتى عام 2025. وحذرت الوكالة من أن التصعيد إلى جبهات متعددة قد يؤدي إلى إنفاق عسكري إضافي كبير، وتدمير البنية التحتية، وإلحاق المزيد من الضرر بالنشاط الاقتصادي والاستثمار. وأبقت على نظرتها المستقبلية «سلبية»، وهو ما يعني إمكانية خفض التصنيف مرة أخرى. وكانت «فيتش» ثالث وكالة ائتمان عالمية تخفض تصنيف إسرائيل هذا العام، بعد «ستاندرد آند بورز» و«موديز» بسبب ارتفاع المخاطر الجيوسياسية.

عجز مالي متزايد

في يوليو، اتسع العجز المالي إلى 8.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى الأشهر الاثني عشر السابقة، مقارنة بـ7.6 في المائة في يونيو، حيث تجاوز الإنفاق الحكومي في الشهر الماضي البالغ 49.4 مليار شيقل (13 مليار دولار) إيرادات الدولة البالغة 40.9 مليار شيقل. وكان هذا الشهر هو الرابع الذي يتجاوز فيه العجز سقف الهدف الحكومي البالغ 6.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المحدد لنهاية عام 2024، مع الإشارة إلى أن إسرائيل سجلت عجزاً في الموازنة بنسبة 4.2 في المائة في عام 2023.

وأشارت وزارة المالية حينها في تقريرها الشهري إلى أن «الزيادة تعود بشكل رئيسي إلى ارتفاع الإنفاق على الدفاع والأمن، وكذلك من قبل الوزارات المدنية بسبب الحرب، بالإضافة إلى المدفوعات الصارمة الناتجة عن الاتفاقيات».

فلسطينيون يعودون إلى الجهة الشرقية لمدينة خان يونس بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة (رويترز)

ثلاثية تضغط على الاقتصاد

ارتفع معدل التضخم السنوي في يوليو إلى 3.2 في المائة من 2.9 في المائة في الشهر السابق، مسجلاً أعلى قراءة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وكان هذا الارتفاع مدفوعاً بزيادة ضغوط الأسعار على الغذاء والإسكان والتعليم والثقافة والترفيه. في الوقت نفسه، ارتفع التضخم الأساسي إلى 2.9 في المائة في يوليو من 2.7 في المائة في يونيو، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي في ظل التحديات المستمرة.

كما شهدت إسرائيل ارتفاعاً ملحوظاً في معدلي الفقر والبطالة. فقد ارتفع معدل الفقر بنسبة 2.6 نقطة مئوية، ليصل إلى 25.3 في المائة في منتصف عام 2024، في حين ارتفع معدل البطالة بنسبة 1.7 نقطة مئوية، ليصل إلى 6.2 في المائة في يوليو 2024، مما يعني فقدان مئات الآلاف من فرص العمل.

قرارات السياسة النقدية

رغم تباطؤ النمو الاقتصادي، من غير المرجح أن يخفض بنك إسرائيل تكاليف الاقتراض في قراره القادم بشأن أسعار الفائدة، وذلك بسبب ارتفاع التضخم بشكل مستمر (3.2 في المائة)، وهو خارج نطاق الهدف المحدد من المصرف المركزي بين 1 في المائة و3 في المائة. ويرى خبراء الاقتصاد أن الأرقام الضعيفة للنمو تعود إلى مشكلات في العرض وليس في الطلب، مما يعني أن تخفيضات أسعار الفائدة قد لا تكون فعالة في تعزيز النمو. ويأتي هذا التوجه في ظل مؤشرات تسارع التضخم في مؤشر يوليو وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، التي تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي.

تراجع قياسي في السياحة

شهد قطاع السياحة تراجعاً حاداً في الفترة الأخيرة، حيث انخفض عدد السياح بشكل ملحوظ من نحو 300 ألف في سبتمبر (أيلول) إلى 89 ألفاً في أكتوبر، ثم إلى 38 ألفاً فقط في نوفمبر. وانسحب هذا الانخفاض الكبير على إيرادات القطاع، إذ تراجعت من 1.4 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2023 إلى 464 مليون دولار في الربع الأخير.

واستمر النزيف خلال النصف الأول من العام، حيث تراجع عدد الزوار بشكل حاد إلى 500 ألف زائر فقط، مقارنة بـ2.1 مليون زائر في الفترة نفسها من العام الماضي. وشهد القطاع تحولاً جذرياً بعد السابع من أكتوبر، إذ انقلبت موازين السياحة بشكل كامل، فبينما كانت الغالبية العظمى من السياح تأتي من خارج إسرائيل، أصبح الإسرائيليون يشكلون الآن نحو 30 في المائة من إجمالي عدد النزلاء في الفنادق، في حين انخفضت نسبة السياح الأجانب إلى 70 في المائة.

يتجول الناس في البلدة القديمة بالقدس عبر باب الخليل حيث يتسبب الصراع في إحداث دمار بقطاع السياحة (رويترز)

التوقعات المستقبلية

تتوقع وكالة «فيتش» أن تزيد الحكومة الإسرائيلية الإنفاق العسكري بشكل دائم بنحو 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمستويات ما قبل الحرب، مما يزيد من الضغوط على الموازنة ومستويات الديون. وقالت الوكالة إن المالية العامة تضررت، وتوقعت عجزاً في الميزانية بنسبة 7.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 لتمويل الإنفاق على الأمن والدفاع. ومن المتوقع أن تؤثر هذه النفقات سلباً على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل، التي من المتوقع أن ترتفع إلى 75 في المائة، مما قد يؤثر سلباً على التصنيف الائتماني لإسرائيل.

ونظراً للعواقب الجيوسياسية والمحلية لحالة الحرب المستمرة، فمن المتوقع أن يستمر تآكل مكانة إسرائيل الدولية، مع تزايد المخاوف بشأن الاستثمار فيها، وخاصة في قطاع التكنولوجيا.

وفيما يتصل بالعواقب الاقتصادية الطويلة الأجل للحرب في الشمال مع لبنان، فإن أي زيادة في علاوة المخاطر سوف تؤدي إلى زيادة كبيرة في مدفوعات الفائدة على الدين العام الإسرائيلي، الذي من المرجح أن يظل في مستوى يتراوح بين 1.3 في المائة و1.5 في المائة، مقارنة بمستوى ما قبل الحرب وهو 0.8 في المائة. بالإضافة إلى ذلك، فإن خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى المستوى الموصى به وهو 60 في المائة سوف يكون مهمة صعبة قد تستغرق أكثر من عقد من الزمان. وكانت آخر مرة تجاوزت فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل 80 في المائة خلال الانتفاضة الثانية، عندما وصلت إلى 93 في المائة في عام 2003. ورغم عدة سنوات من النمو السريع، كان انخفاض هذه النسبة بطيئاً، ولم تصل إلى 60 في المائة حتى عام 2017.

وبحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن انخفاض معدلات النمو في ثلاثة سيناريوهات (استمرار الوضع الحالي، والتصعيد في الشمال، والتوصل إلى اتفاق على أساس الصفقة المقترحة لإطلاق سراح الرهائن، ووقف القتال في غزة وانسحاب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من القطاع) إلى جانب زيادة في الإنفاق الأمني، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم خطر الركود الاقتصادي، مما قد يتسبب في مشاكل اقتصادية تذكر بفترة «العقد الضائع» التي أعقبت حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973 عندما استنفدت الموازنة وانخفض معدل النمو في الاقتصاد إلى النصف أو أكثر). وقد تتطلب هذه الظروف تخفيضات إضافية في موازنات الوزارات الحكومية المختلفة، مما سيؤدي إلى خفض التمويل المخصص للتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والبنية التحتية، وهي قطاعات تهدف إلى تعزيز الإنتاجية الاقتصادية في إسرائيل.


مقالات ذات صلة

البيت الأبيض: 75 % من سفن الشحن الأميركية تتجنب المرور عبر قناة السويس

الاقتصاد سفينة عملاقة تحمل حاويات تمر عبر قناة السويس (الموقع الإلكتروني لهيئة قناة السويس)

البيت الأبيض: 75 % من سفن الشحن الأميركية تتجنب المرور عبر قناة السويس

أفاد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، بأنّ ثلاثة أرباع حركة الشحن الأميركية التي يجب أن تمر عبر البحر الأحمر تضطر حالياً إلى تجنّب المرور عبر قناة السويس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أضرار لحقت بمصفاة نفط في هجوم طائرة من دون طيار روسية في منطقة خاركوف أوكرانيا (إ.ب.أ)

تراجع النفط على وقع ترقب محادثات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا

انخفضت أسعار النفط يوم الاثنين مع تقييم المستثمرين لآفاق محادثات وقف إطلاق النار الرامية إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني يصورون أنفسهم داخل القصر الرئاسي في الخرطوم بعد أن سيطر الجيش عليه... السودان 21 مارس 2025 (رويترز) play-circle 00:27

الجيش السوداني يعلن استعادة القصر الرئاسي... و«الدعم السريع»: المعركة مستمرة

قال الجيش السوداني، الجمعة، إنه سيطر القصر الرئاسي في الخرطوم، فيما كذّبت «قوات الدعم السريع» الخبر وقالت إن المعركة «لم تنته بعد».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
أوروبا أشخاص يتجمعون أمام مبنى البلدية في مدينة ليون الفرنسية (د.ب.أ)

فرنسا تُصدر دليلاً لإعداد المواطنين للغزو أو أي «تهديد وشيك»

ستُصدر فرنسا كتيبات إرشادية للبقاء على قيد الحياة لإعداد المواطنين للغزو وأي «تهديد وشيك» آخر للبلاد.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد مصفاة نفط من ماراكايبو في ولاية زوليا بفنزويلا (أ.ف.ب)

ارتفاع النفط بدفع من التوقعات القوية للطلب وضعف الدولار

ارتفعت أسعار النفط، الخميس، مدعومةً بتوقعات قوية للطلب في الولايات المتحدة بعد انخفاض مخزونات الوقود بأكثر من المتوقع وضعف الدولار.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

صناعة النفط الأميركية تحذر من الرسوم المقترحة على السفن الصينية

زوارق القطر تساعد ناقلة نفط على مغادرة الرصيف في ميناء بحري في لونغكو مقاطعة شاندونغ بالصين (أرشيفية - أ.ب)
زوارق القطر تساعد ناقلة نفط على مغادرة الرصيف في ميناء بحري في لونغكو مقاطعة شاندونغ بالصين (أرشيفية - أ.ب)
TT

صناعة النفط الأميركية تحذر من الرسوم المقترحة على السفن الصينية

زوارق القطر تساعد ناقلة نفط على مغادرة الرصيف في ميناء بحري في لونغكو مقاطعة شاندونغ بالصين (أرشيفية - أ.ب)
زوارق القطر تساعد ناقلة نفط على مغادرة الرصيف في ميناء بحري في لونغكو مقاطعة شاندونغ بالصين (أرشيفية - أ.ب)

حذّر معهد البترول الأميركي من أن رسوم المواني الأميركية المقترحة على السفن الصينية قد تضر بمكانة الولايات المتحدة بصفتها أحد أكبر مصدّري النفط في العالم، حيث من المتوقع أن ترتفع تكاليف الشحن في ظل هذا المخطط.

بناءً على تحقيق بموجب المادة حول «استهداف الصين للقطاعات البحرية واللوجيستية وبناء السفن من أجل الهيمنة»، اقترح الممثل التجاري الأميركي فرض رسوم تصل إلى 1.5 مليون دولار على كل دخول إلى المواني الأميركية على السفن التي تبنيها أحواض صينية أو تديرها شركات صينية.

وقال أليكس باديلا، نائب رئيس سياسة الشركات في معهد البترول الأميركي، في شهادة أدلى بها بجلسة استماع أمام الممثل التجاري الأميركي ومسؤولين حكوميين أميركيين آخرين في 26 مارس (آذار)، إن الرسوم المرتبطة بهذا الاقتراح قد تجعل من الصعب على شركات الطاقة الأميركية تصدير النفط والغاز الطبيعي المسال والمنتجات المكررة، عادّاً أن هذا الإجراء قد يعيق أيضاً واردات النفط الخام الأميركية اللازمة للتكرير المحلي.

وقال باديلا في جلسة الاستماع إن الرسوم المقترحة ستجعل صادرات الولايات المتحدة أقل قدرة على المنافسة عالمياً وتقوض هدف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي كثيراً ما أعلنه بجعل الطاقة الأميركية مهيمنة على السوق العالمية.

وجادل باديلا بأنه إذا تم تنفيذ الرسوم المقترحة، فقد تؤدي إلى تكاليف إضافية تصل إلى 30 مليار دولار سنوياً على المستهلكين الأميركيين، مع انخفاض صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 18.5 في المائة و5.19 في المائة على التوالي.

وقال: «نحن بحاجة إلى البدء من البداية ووضع شيء مختلف تماماً، شيء من شأنه أن يكون نهجاً أكثر استراتيجية وأكثر نجاحاً على الأرجح لتحفيز إعادة توطين القدرة التنافسية للولايات المتحدة في (بناء السفن)».

وأضاف: «نحن بحاجة إلى النظر بعناية فائقة في جميع المقايضات وعدم تقويض قدرتنا التنافسية الاقتصادية ومزايانا الجيوسياسية، خصوصاً في صادرات الطاقة».

ناقلات النفط الخام في ميناء لونغ بيتش بكاليفورنيا (رويترز)

تأثيرات النفط الخام

في عام 2024، تم نقل برميل واحد من كل خمسة براميل من النفط المنقول إلى الولايات المتحدة أو خارجها بواسطة ناقلة صينية الصنع، حيث بلغ إجمالي تدفقات التجارة الدولية الأميركية للخام والمنتجات المكررة 12.3 مليون برميل يومياً، وفقاً لمحللي «ستاندرد آند بورز إنسايتس كوموديتيز». وكتبوا: «توقعوا انخفاض القدرة التنافسية لمستوردي ومصدّري النفط الأميركي، لا سيما بالنسبة لاستئجار السفن قصيرة المدى والسفن الأصغر حجماً بسبب القيود الإضافية للناقلات. سيكون التأثير أكثر أهمية بالنسبة لواردات النفط الخام من أميركا اللاتينية وغرب أفريقيا، حيث يتم نقل الشحنات غالباً على متن سفن أصغر حجماً».

بالنسبة للمنتجات المكررة، يُظهر التحليل أنه من أصل 3.2 مليون برميل يومياً من حمولات المنتجات النفطية المنقولة مائياً، تم نقل 560 ألف برميل يومياً بواسطة ناقلات صينية الصنع. وقد تعامل ميناء هيوستن، بصفته أكبر ميناء للتحميل، مع ما يقرب من 30 في المائة (940 ألف برميل في اليوم) من إجمالي الحمولات، حيث ساهمت الناقلات صينية الصنع بـ190 ألف برميل في اليوم.

وقد أشار تحليل من شركة «دروري» للأبحاث البحرية إلى أن استخدام السفن المملوكة للصين لناقلات النفط الخام الكبيرة سيكون غير مجدٍ اقتصادياً وزائداً عن الحاجة بالنسبة لصناعة النفط الخام الأميركية، حيث «حتى أصغر ناقلة منتجات سيتعين عليها دفع رسوم باهظة، تقترب من 10 ملايين دولار، والتي يمكن أن تصل إلى 105.3 مليون دولار لناقلة نفط عملاقة لكل زيارة للميناء».

وأشار محللو «ستاندرد آند بورز إنسايتس كوموديتيز» إلى أن هذه السياسة يمكن أن تخلق سوقاً للناقلات من مستويين، حيث ستحصل السفن غير الصينية على علاوة على العمليات في المواني الأميركية. وكتبوا أنه في الحالات القصوى، قد يؤدي ذلك إلى تخصيص ناقلات مكوكية غير صينية لعمليات النقل من سفينة إلى أخرى بالقرب من المياه الأميركية، مما يؤدي إلى التحايل على الرسوم.

ناقلة نفط عملاقة تعمل بالغاز الطبيعي المسال (شينخوا)

التحقيق والعمل

يأتي اقتراح مكتب الممثل التجاري الأميركي في وقت ارتفعت حصة الصين من بناء السفن العالمية، في حين أن صناعة السفن الأميركية تنتج خمس سفن فقط في السنة مقابل 1700 سفينة صينية. ويقدر مكتب الممثل التجاري الأميركي أن حصة الصين من سوق بناء السفن قد نمت من أقل من 5 في المائة عام 1999 إلى أكثر من 50 في المائة عام 2023.

حتى 26 مارس (آذار)، تم تقديم أكثر من 500 تعليق إلى مكتب الممثل التجاري الأميركي بشأن اقتراح رسوم المواني، بالإضافة إلى 14 جلسة استماع تم الإدلاء بها في جلسة استماع استمرت يومين بمقر مكتب الممثل التجاري الأميركي هذا الأسبوع.

بدأ مكتب الممثل التجاري الأميركي تحقيقه بناءً على عريضة من خمس نقابات عمالية وطنية طالبت بإجراء تحقيق في «أفعال وسياسات وممارسات الصين التي تستهدف قطاعات النقل البحري واللوجيستيات وبناء السفن للهيمنة».

وقال مكتب الممثل التجاري الأميركي في بيان له إنه قرر المضي قدماً في الإجراءات بعد أن وجد تحقيقه أن «استهداف الصين للهيمنة غير معقول لأنه يزيح الشركات الأجنبية، ويحرم الشركات الموجهة نحو السوق وعمالها من الفرص التجارية، ويقلل من المنافسة ويخلق تبعية لجمهورية الصين الشعبية، مما يزيد من المخاطر ويقلل من مرونة سلسلة التوريد».

ولتجنب الرسوم، سيتطلب الاقتراح الحالي أن يكون مقر المشغلين خارج الصين، وأن يكون لديهم أساطيل تضم أقل من 25 في المائة من السفن المبنية في الصين، وألا تكون هناك طلبات أو تسليمات مقرها الصين في أحواض بناء السفن بالصين خلال العامين المقبلين.