ما أسباب موجة بيع الأسهم العالمية؟

أحد المارة يُلقي نظرة على لوحة عرض تُظهر أرقام الإغلاق بعد الخسائر القياسية التي تكبّدتها بورصة طوكيو للأوراق المالية (أ.ف.ب)
أحد المارة يُلقي نظرة على لوحة عرض تُظهر أرقام الإغلاق بعد الخسائر القياسية التي تكبّدتها بورصة طوكيو للأوراق المالية (أ.ف.ب)
TT

ما أسباب موجة بيع الأسهم العالمية؟

أحد المارة يُلقي نظرة على لوحة عرض تُظهر أرقام الإغلاق بعد الخسائر القياسية التي تكبّدتها بورصة طوكيو للأوراق المالية (أ.ف.ب)
أحد المارة يُلقي نظرة على لوحة عرض تُظهر أرقام الإغلاق بعد الخسائر القياسية التي تكبّدتها بورصة طوكيو للأوراق المالية (أ.ف.ب)

يوم الاثنين، ضربت الأسواق العالمية موجة من الاضطرابات الشديدة مع تزايد المخاوف بشأن مسار الاقتصاد الأميركي، وتراجع المتداولون بسرعة عن الرهانات التي هيمنت هذا العام.

وكانت اليابان في قلب العاصفة التي ضربت الأسواق في أواخر الصيف، فقد هبط مؤشر توبكس بأكثر من 12 في المائة في أكبر موجة بيع منذ انهيار «الاثنين الأسود» في عام 1987. وامتدت موجة البيع إلى الأسواق الأوروبية، وكانت على استعداد للوصول إلى «وول ستريت» في وقت لاحق من اليوم.

فما الذي يقف وراء موجة الاضطراب هذه؟

باختصار، أدت البيانات الاقتصادية الأميركية الأخيرة إلى إضعاف الرأي السائد أن صنّاع السياسات العالمية، بقيادة «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي، سوف يكونون قادرين على تهدئة التضخم دون كثير من الأضرار الجانبية، وفق «فاينانشيال تايمز».

شخص يتحدث عبر الهاتف أمام لوحات المؤشرات في بورصة الأوراق المالية الأسترالية (إي بي آي)

وأضاف تقرير الوظائف الأميركية، الصادر يوم الجمعة، الذي أظهر تباطؤاً حاداً في التوظيف أكثر مما توقعته «وول ستريت»، إلى المخاوف المتزايدة من تعرُّض أكبر اقتصاد في العالم لضغوط متزايدة بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض.

وأشار المسؤولون التنفيذيون للشركات، خلال موسم الأرباح الأخير، إلى أن المستهلكين، الذين يقدمون دوراً محورياً في الاقتصاد الأميركي، بدأوا في خفض الإنفاق. وقال استراتيجيو الأسهم في «جي بي مورغان»، يوم الاثنين: «مع دخول هذا العام كانت توقعات المستثمرين لنتيجة غولديلوكس»، مضيفين أن هذا السرد أصبح الآن «يخضع لاختبار شديد».

قالت «غولدمان ساكس»، في نهاية الأسبوع، إنها تعتقد الآن أن هناك فرصة بنسبة واحد من أربعة لسقوط الولايات المتحدة في الركود خلال العام المقبل، مقارنة بتوقعاتها السابقة بنسبة 15 في المائة.

علامات الركود الوشيك لا تقتصر على أميركا

تظهر مسوحات الأعمال في منطقة اليورو أن الكتلة الأوروبية تضرّرت من التوترات الجيوسياسية وضعف النمو العالمي وهشاشة ثقة المستهلك. كما تباطأ النشاط في قطاع المصانع المهيمن في الصين خلال الأشهر الثلاثة حتى يوليو (تموز).

تعرض الشاشات والألواح تطوّر مؤشر سوق الأوراق المالية القياسي في إسبانيا (إي بي آي)

وقال كبير خبراء الاقتصاد العالمي في «جي بي مورغان تشيس»، بروس كاسمان، إن المسوحات التي أُجريت الشهر الماضي للمديرين التنفيذيين في قطاع التصنيع «تتسق مع توقف مكاسب الناتج الصناعي العالمي».

لقد زادت اليابان من تعقيد الموقف مع استمرار التحول بعيداً عن سياسات أسعار الفائدة السلبية، التي بدأت في مارس (آذار)، وتسارعت الأسبوع الماضي. وقد تسبّب هذا في اضطرابات لدى سوق العملات انتشرت في أماكن أخرى.

لماذا الاضطرابات شديدة إلى هذا الحد؟

كانت أسواق الأسهم العالمية في ارتفاع حتى وقت قريب، مدفوعة بالآمال في سيناريو اقتصادي مثالي، واندفاع نحو أسهم التكنولوجيا الأميركية مدفوعاً بالحماس لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» في «وول ستريت»، وهو مقياس الأسهم الأكثر أهمية في العالم، بنحو 20 في المائة منذ بداية العام إلى أعلى مستوى إغلاق قياسي في 16 يوليو.

وتميل عمليات الانسحاب إلى أن تكون أسرع من عمليات الانهيار، فقد انخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنحو 6 في المائة منذ بلوغه ذروته في يوليو. وتشير تداولات العقود الآجلة إلى أن المقياس سيتحمل مزيداً من الانخفاض يوم الاثنين.

كما أدى ارتفاع الأسهم هذا العام إلى جعل الأسهم تبدو أكثر تكلفة، وهو عامل كان مصدر قلق دائم للمستثمرين. تُظهر بيانات «فاكت سات» أن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» كان يُتداول بدءاً من يوم الجمعة عند نحو 20.5 ضعف الأرباح المتوقعة على مدى الشهور الـ12 المقبلة، مقارنة بمتوسط ​​منذ عام 2000 بلغ 16.5.

«مقياس الخوف»

وارتفع مؤشر فيكس، الذي يُشار إليه غالباً باسم «مقياس الخوف»، في «وول ستريت»، إلى 50 نقطة مقارنة بـ16 نقطة قبل أسبوع، وهو أعلى مستوى له منذ جائحة «كوفيد - 19» في عام 2020، ما يشير إلى أن مزيداً من الاضطرابات قد تكون في انتظار الأسواق.

تأتي التقلبات أيضاً في بداية أغسطس (آب)، وهو الوقت الذي يحزم فيه كبار المستثمرين والتجار أمتعتهم لقضاء إجازاتهم الصيفية. بوجه عام، يؤدي هذا الوضع «منخفض السيولة» إلى تفاقم التحركات.

أشخاص يسيرون أمام شاشة تعرض مؤشر كوسبي القياسي بعد إغلاق التداول في سيول (أ.ف.ب)

ما دور قطاع التكنولوجيا؟

كان عديد من المستثمرين قلقين بشأن التأثير الهائل في الأسواق لعدد قليل من أسهم التكنولوجيا - السبعة الكبار في أميركا. وفقاً لهوارد سيلفربلات، المحلل الأول في مؤشرات «بي داو جونز»، فقد شكّلت «أبل»، و«مايكروسوفت»، و«ألفابت»، و«أمازون»، و«تسلا» و«ميتا»، و«إنيفيديا»، 52 في المائة من العائدات حتى الآن على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» حتى نهاية يوليو. وتتعرّض هذه الأسهم الآن لضغوط، إذ تحوّل تأثيرها الإيجابي في الأسواق إلى عامل محوري في عمليات البيع. وانخفض مؤشر ناسداك المركب، الذي يعتمد على التكنولوجيا، بأكثر من 10 في المائة عن ذروته في يوليو.

متداولون في بورصة نيويورك يتابعون تحرّك الأسعار (أ.ف.ب)

وقد تفاقمت حالة الكآبة بسبب الأخبار التي وردت هذا الأسبوع عن خفض شركة «بيركشاير هاثاواي»، التابعة لوارن بافيت، حصتها في شركة «أبل» إلى النصف بوصفه جزءاً من تحول أوسع نطاقاً بعيداً عن الأسهم؛ ما دفع المستثمر الملياردير إلى التخلص من 76 مليار دولار من الأسهم.

كما ظهرت مخاوف أخرى تركّز على التكنولوجيا. فقد انخفضت أسهم شركة «إنتل»، إحدى أشهر شركات صناعة الرقائق في الولايات المتحدة، بنحو 30 في المائة الأسبوع الماضي، بعد أن كشفت عن خطط لخفض 15 ألف وظيفة بصفتها جزءاً من خطة تحول شاملة. ونتيجة لذلك، انخفضت أسهم الرقائق الأخرى.

كما أثر القلق من أن طفرة الذكاء الاصطناعي من شأنها أن تدفع الطلب الهائل على الرقائق والخوادم المتخصصة في المشاعر. انخفضت أسهم شركة صناعة الرقائق الإلكترونية «إنفيديا»، التي أصبحت لمدة وجيزة الشركة الأكثر قيمة في العالم هذا العام، بنسبة 21 في المائة عن أعلى مستوياتها في يونيو (حزيران).

لماذا تضرّرت الأسهم اليابانية بشدة؟

لقد محت الأسهم اليابانية جميع مكاسبها لهذا العام بعد هبوط يوم الاثنين، متأثرة بارتفاع سريع في الين، بعد أن رفع بنك اليابان الأسبوع الماضي سعر الفائدة الرئيسي إلى 0.25 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في أواخر عام 2008. لقد تناقض الموقف الأكثر تشدداً في اليابان مع التوقعات بتحول حمائمي في السياسة النقدية الأميركية. وتسبّب هذا في تفكيك ما يُسمّى «صفقات الحمل» التي يقترض فيها المستثمرون في بلد ذي أسعار فائدة منخفضة للاستثمار في بلد ذي أسعار فائدة مرتفعة.

صور المشاة تنعكس على زجاج لوحة عرض تعرض أرقام الصباح في بورصة طوكيو للأوراق المالية (أ.ف.ب)

لقد أدى هذا التفاعل إلى ارتفاع قيمة الين بأكثر من 12 في المائة مقابل الدولار الأميركي -وهي خطوة زلزالية في أسواق العملات- منذ نهاية يونيو إلى 142.5 ين. والعملة الأقوى تشكّل رياحاً معاكسة كبيرة لمؤشرات الأسهم التي تعتمد على التصدير في البلاد.

إن سوق الأسهم اليابانية، التي يجري تداولها بنشاط، والتي تتعرّض بصورة كبيرة للاقتصاد العالمي، تشكل أيضاً مكاناً واضحاً للبدء في إبعاد المخاطر عن الطاولة، عندما تتحوّل صناديق الاستثمار العالمية الكبرى إلى حالة من الذعر.

وعلى الرغم من الخطاب الصعودي الأخير حول عودة اليابان، وارتفاعات الأسهم في طوكيو إلى مستويات غير مسبوقة في يوليو، فإن القصة لم تحظ إلا بدعم هش. فالمؤسسات والأفراد المحليون لم يشتروا السوق قط بقناعة قوية، وهذا يعني أن الثقل الذي كان وراء الارتفاع الأخير كان مدفوعاً إلى حد كبير من قِبَل الأجانب. وهذا يعني أن هؤلاء «السياح» الاستثماريين يمكنهم الانسحاب من السوق بسرعة غير عادية، وقد فعلوا ذلك.

هل يتحمّل «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي اللوم؟

عندما أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الأسبوع الماضي عند أعلى مستوى في 23 عاماً فوق 5 في المائة، كان البنك المركزي يفعل ما توقعه المستثمرون. لكن تقرير الوظائف الضعيف في يوليو، الذي أظهر تباطؤ التوظيف وارتفاع معدل البطالة، نشر الذعر فجأة من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ربما ترك الأمر لمدة طويلة جداً لبدء خفض تكاليف الاقتراض، ما زاد من مخاطر الركود في الولايات المتحدة. قد يُوضع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول على المحك إذا بدأت الأسواق الانهيار لفترة طويلة.


مقالات ذات صلة

شركات التكنولوجيا العملاقة تفقد تريليون دولار من قيمتها بسبب مخاوف الركود

الاقتصاد هاتف ذكي يحمل شعار «إنفيديا» على الوحدة الأم لأحد الكومبيوترات (رويترز)

شركات التكنولوجيا العملاقة تفقد تريليون دولار من قيمتها بسبب مخاوف الركود

قادت «أبل» و«إنفيديا» موجة بيع في أسهم التكنولوجيا، اليوم الاثنين، مع مخاوف الركود في الولايات المتحدة، وقرار «بيركشاير هاثاواي» خفض حصتها في مصانع «آيفون».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد مواطنون يشترون الخضراوات في سوق بمدينة إسطنبول (رويترز)

«التعليم» و«الإسكان» يكبحان تراجع التضخم في تركيا

سجل التضخم في أسعار المستهلكين في تركيا تراجعاً إلى 61.78 في المائة خلال يوليو (تموز) الماضي على أساس سنوي بأقل من التوقعات.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
الاقتصاد المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب يتحدث في تجمع انتخابي في جامعة ولاية جورجيا في أتلانتا (أ.ب)

ترمب: قيادة بايدن وهاريس غير الكفؤة تسببت في اضطرابات أسواق الأسهم

قال الرئيس السابق دونالد ترمب إن القيادة الأميركية غير الكفؤة لجو بايدن وكامالا هاريس تسببت في الاضطرابات، حيث هبطت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة والعالم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يتابع المتداولون تطورات الأسعار على الشاشات في بورصة فرنكفورت (د.ب.أ)

​صدمة في الأسواق: تراجع حاد وسط مخاوف من ركود الاقتصاد الأميركي

انهارت الأسواق العالمية وسط موجة بيع للأوراق المالية حيث تكبدت الأسهم الأوروبية والأميركية والآسيوية خسائر فادحة في ظل مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي الأميركي

«الشرق الأوسط» (برلين - نيويورك )
الاقتصاد مستثمر يراقب شاشة تعرض معلومات الأسهم في بورصة قطر بالدوحة (رويترز)

استمرار هبوط الأسواق العربية على وقع التوترات والمخاوف الاقتصادية

واصلت أسواق الأسهم الرئيسية بمنطقة الشرق الأوسط، الاثنين، التراجع الحاد في الأداء عقب الهبوط اللافت للأسواق الأميركية والأوروبية، وذلك وسط التوترات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

أرباح «البنك السعودي الأول» تقفز 30 % خلال الربع الثاني

منظر عام لمقر «البنك السعودي الأول» في العاصمة الرياض (رويترز)
منظر عام لمقر «البنك السعودي الأول» في العاصمة الرياض (رويترز)
TT

أرباح «البنك السعودي الأول» تقفز 30 % خلال الربع الثاني

منظر عام لمقر «البنك السعودي الأول» في العاصمة الرياض (رويترز)
منظر عام لمقر «البنك السعودي الأول» في العاصمة الرياض (رويترز)

قفز صافي أرباح «البنك السعودي الأول» بنسبة 30 في المائة إلى ملياري ريال (532.7 مليون دولار)، خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة مع 1.5 مليار ريال (399.5 مليون دولار) في الفترة ذاتها من العام السابق.

وأرجع البنك أسباب الارتفاع، في بيان على موقع سوق الأسهم السعودية الرئيسية «تداول»، بشكل رئيسي، إلى ارتفاع إجمالي دخل العمليات وانخفاض مخصص الزكاة وضريبة الدخل ومخصص خسائر الائتمان المتوقعة. وقد قابل ذلك ارتفاع في إجمالي مصاريف العمليات.

وارتفع إجمالي دخل العمليات بسبب زيادة صافي دخل العمولات الخاصة، وصافي دخل الأتعاب والعمولات، والمكاسب من الأدوات المالية المدرجة بالقيمة العادلة.

وقابل ذلك جزئياً زيادة الخسائر المحققة على أدوات الدين المدرجة بالقيمة العادلة من خلال الدخل الشامل الآخر ومصاريف العمليات الأخرى، بسبب زيادة رواتب ومصاريف الموظفين والاستهلاك، والإطفاء، والمصاريف العمومية، والإدارية.

وزاد إجمالي دخل العمولات الخاصة بنسبة 24 في المائة خلال الربع الثاني على أساس سنوي، نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة وحجم نمو القروض.

وعلى أساس فصلي، تراجع صافي دخل «البنك السعودي الأول» بنسبة 1.2 في المائة، ويعود ذلك لارتفاع مخصص الزكاة وضريبة الدخل وزيادة مخصص خسائر الائتمان المتوقعة.

وقابل ذلك جزئياً زيادة في إجمالي دخل العمليات بسبب انخفاض خسائر الاستثمارات المدرجة بالتكلفة المطفأة وزيادة صافي دخل الأتعاب والعمولات وصافي دخل العمولات الخاصة.

وأشار البنك إلى أن ربحية السهم ارتفعت خلال النصف الأول من العام الحالي إلى 1.9 ريال مقارنة مع 1.6 ريال في الفترة المماثلة من العام السابق.