عدد الجياع في العالم يواصل ارتفاعه مع تفاقم الأزمات العالمية

مسؤول في «فاو» لـ«الشرق الأوسط»: دول الخليج حمت نفسها من الصدمات الكبرى

واحد من كل خمسة في أفريقيا يعاني من الجوع (فاو)
واحد من كل خمسة في أفريقيا يعاني من الجوع (فاو)
TT

عدد الجياع في العالم يواصل ارتفاعه مع تفاقم الأزمات العالمية

واحد من كل خمسة في أفريقيا يعاني من الجوع (فاو)
واحد من كل خمسة في أفريقيا يعاني من الجوع (فاو)

نحو 733 مليون شخص واجهوا الجوع في العام الماضي، أي ما يعادل واحداً من كل أحد عشر شخصاً على مستوى العالم، وواحداً من كل خمسة في أفريقيا، وفقاً لأحدث تقرير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم نشرته خمس وكالات متخصصة تابعة للأمم المتحدة.

ويشكل الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم تحديات حاسمة تؤثر على ملايين الناس في جميع أنحاء العالم.

التقرير السنوي، الذي تم إطلاقه هذا العام في سياق الاجتماع الوزاري لفريق عمل التحالف العالمي لمكافحة الجوع والفقر التابع لمجموعة العشرين في البرازيل، حذر من أن العالم يتخلف بشكل كبير عن تحقيق هدف التنمية المستدامة الثاني؛ أي القضاء على الجوع، بحلول عام 2030، مشيراً إلى أن العالم تراجع 15 عاماً إلى الوراء، مع مستويات من نقص التغذية مماثلة لتلك التي كانت في الفترة 2008 - 2009.

ورغم بعض التقدم في مجالات محددة مثل التقزم والرضاعة الطبيعية الحصرية، لا يزال عدد مثير للقلق من الأشخاص يواجهون انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية مع ارتفاع مستويات الجوع في العالم.

يقول مدير شعبة اقتصاديات الأغذية الزراعية في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، ديفيد لابورد، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن مستويات الجوع العالمية شهدت زيادة كبيرة خلال جائحة «كوفيد» (أكثر من 152 مليون شخص)، وإن أي تسحن لم يسجل خلال العامين الماضيين.

ويعاني اليوم 733 مليون شخص في العالم من الجوع المزمن، و2.3 مليار شخص من انعدام الأمن الغذائي، بحسب لابورد، ارتكازاً إلى ما جاء في التقرير الأممي.

وقال: «لعبت الأزمة الاقتصادية العالمية وما ترتب عليها من تداعيات، دوراً حاسماً في زيادة انعدام الأمن الغذائي وأبقت هذه الأرقام عند مستويات عالية. وتشكل هذه العوامل مجتمعةً، إلى جانب الصدمات المناخية والنزاعات، الدوافع الرئيسية المسببة للجوع».

وأشار إلى أمرين إضافيين؛ الأول هو أن انعدام الأمن الغذائي يرتبط ارتباطاً جوهرياً بأوجه عدم المساواة، والثاني هو أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة (التضخم)، إلى جانب أسعار الفائدة المرتفعة - التي تسببت في خلق أزمة ديون في البلدان الفقيرة - تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة (داخل البلدان وفيما بينها).

مدير شعبة اقتصاديات الأغذية الزراعية في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) ديفيد لابورد

ولفت لابورد إلى أن المستويات الحالية للجوع تماثل تلك التي لوحظت في الفترة 2008 - 2009، خلال ذروة الركود الكبير الناجم عن الأزمة الماليةـ واستطرد قائلاً: «لكن في ذلك الوقت، كان الوضع العالمي مختلفاً، فقد كان الوضع الجيوسياسي أكثر استقراراً، وكان تغير المناخ والأحداث المناخية الشديدة لا تزال معتدلة مقارنة بحالها اليوم، وكانت أسعار الفائدة منخفضة (وظلت منخفضة لسنوات عديدة)، مما أدى إلى خلق حالة تعافٍ أكثر شمولاً. لكن هذا ليس هو الحال اليوم، فعلى الرغم من أننا نشهد بعض التعافي الاقتصادي البطيء نسبياً، فإن مستوياته متفاوتة ولم يكن له أي تأثير في خفض الجوع على مستوى العالم. ولم تتمكن سوى بعض البلدان، في آسيا أو أميركا اللاتينية، من تحقيق أداء أفضل».

البلدان الأكثر تأثراً

وأوضح لابورد أن البلدان الأكثر تأثراً بتزايد الجوع هي تلك التي تواجه النزاعات والصدمات المناخية والتباطؤ الاقتصادي وارتفاع مستوى عدم المساواة.

على سبيل المثال، شهدت البلدان المتأثرة بالنزاعات ارتفاعات في معدل انتشار الجوع من 25 في المائة في عام 2018 إلى 29 في المائة في عام 2023.

كما شهدت البلدان المتأثرة بالظواهر المناخية الشديدة زيادة في انتشار الجوع من 32 في المائة في عام 2018 إلى 35 في المائة في عام 2023.

وتواجه بعض البلدان، وخاصة في القرن الأفريقي أو منطقة الساحل، مزيجاً من الصدمات الكبيرة (النزاعات والمناخ).

امرأة وطفلها في جنوب السودان حيث حولت الحرب الأراضي الزراعية إلى ساحات قتال (فاو)

الدول العربية

ولكن إلى أي مدى تأثرت الدول العربية بالجوع؟ يجيب لابورد: «تأثرت الدول العربية بشدة بالتطورات الأخيرة. وإذا أخذنا مثالاً على ذلك منطقة شمال أفريقيا (بما في ذلك السودان)، فإن معدل انتشار الجوع هناك (تقييد السعرات الحرارية) يبلغ 7.8 في المائة، وهو أقل من المتوسط العالمي، لكنه الأعلى المسجل منذ عام 2008. وتمثل هذه النسبة 20.7 مليون شخص، أو زيادة بإجمالي 8 ملايين نسمة، مقارنة بعام 2015 عندما تم إطلاق جدول أعمال التنمية المستدامة».

وشرح أن ما تعانيه المنطقة لا يتعلق بالحرمان من السعرات الحرارية بقدر ما يتعلق بحالة انعدام الأمن الغذائي الأوسع (أي نقص الغذاء الكافي على أساس منتظم)؛ إذ أثّر انعدام الأمن الغذائي الحاد والمعتدل على 33.4 في المائة من السكان، أي بزيادة 5 في المائة مقارنة بمستوياته قبل 5 سنوات.

وفي بلدان عربية أخرى، فإن الوضع مثير للقلق لا سيما في اليمن وسوريا. وفي الوقت نفسه، لا تظهر الأرقام في العراق أي علامة على التحسن.

دول مجلس التعاون الخليجي

وعما إذا كانت جهود التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي تساعد في تعزيز مستويات الأمن الغذائي، قال لابورد: «يعد التوجه نحو اقتصاد أكثر تنوعاً، وتعزيز القدرة على الاعتماد على مصادر متنوعة للإمدادات الغذائية، من المحركات المهمة للمرونة والاستقرار في الأمن الغذائي. وتمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من حماية نفسها من الصدمات الكبرى، ويرجع ذلك أساساً إلى ارتفاع مستوى دخلها وقدرتها على دفع فاتورة وارداتها دون أي صعوبات». وأضاف: «سيظل النمو الاقتصادي على المدى الطويل عنصراً رئيسياً في خطط هذه البلدان، كما أن تنويع اقتصادها هو جزء من استراتيجيتها طويلة المدى».

وعن توقعات منظمة الأغذية والزراعة لخفض عدد الجياع في العالم في ظل غياب التمويل، حذر لابورد من أنه «إذا ظلت الأمور كما هي عليها الآن، دون مزيد من التمويل من جهة، ودون نزاعات أو صدمات مناخية كبرى جديدة من جهة أخرى، فإن تقديراتنا تشير إلى أن 581.7 مليون شخص سيظلون يعانون من الجوع المزمن بحلول عام 2030، منهم 308 ملايين في أفريقيا». وشدد على أن تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع، لن يكون ممكناً دون دفعة كبيرة من حيث التمويل.

تحسين الأمن الغذائي

وعما إذا كانت لديه اقتراحات حول الآليات التي يجب أن تتبعها الحكومات من أجل تحسين الأمن الغذائي، قال: «رغم استقرار الأرقام العالمية، فإننا نشهد تحسنات في آسيا وأميركا اللاتينية، ما يدل على أن السياسات والظروف الصحيحة يمكن أن تؤدي إلى خفض الأرقام». وأضاف: «الجوع ليس قدراً محتوماً. إن الاستثمار في شبكة الأمان الاجتماعي لحماية الفقراء، مع القيام بالتغييرات الهيكلية في نظم الأغذية الزراعية لجعلها أكثر مراعاة للبيئة وأكثر مرونة وعدالة هو الطريق الصحيح للمستقبل. لكنه يتطلب تحديد أولويات واضحة من قبل صانعي السياسات إلى جانب استراتيجية منسقة ومنظمة. ونقترح في التقرير عن حالة الجوع في عام 2024 إطاراً واضحاً لمناقشة الإجراءات وقياسها وتوجيهها».


مقالات ذات صلة

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم... أفغانستان تعاني الفقر

آسيا لاجئ أفغاني يحمل لافتة خلال احتجاج أمام مكتب الأمم المتحدة في جاكرتا بإندونيسيا الاثنين (إ.ب.أ)

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم... أفغانستان تعاني الفقر

بعد 3 سنوات على عودة «طالبان» إلى الحكم، تعاني أفغانستان ركوداً اقتصادياً كاملاً، فيما يغرق سكانها في الفقر وسط أزمة إنسانية متفاقمة.

«الشرق الأوسط» (كابل)
أفريقيا رجال شرطة نيجيرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عن عزمها على سحب قوتها العسكرية من النيجر (إ.ب.أ)

جيش النيجر يعلن مقتل 7 مدنيين في هجوم شنه «إرهابيون»

قُتل سبعة مدنيين هذا الأسبوع على يد «إرهابيين» في قرية بمنطقة تيلابيري في غرب النيجر، قرب بوركينا فاسو، حسبما أعلن الجيش الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (نيامي (النيجر))
الاقتصاد اتساع الفارق بين نمو دخل الفرد في أفقر الدول وأغناها على مدى السنوات الخمس الماضية (رويترز)

البنك الدولي: اتساع الفجوة بين أفقر الدول وأغناها لأول مرة هذا القرن

قال البنك الدولي في تقرير صدر الاثنين إن نصف أفقر 75 دولة بالعالم تشهد توسعاً بالفجوة بين دخلها ودخل أغنى الاقتصادات لأول مرة بهذا القرن

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هيكتور حجار (الوكالة الوطنية)

وزير الشؤون الاجتماعية: 82 % من اللبنانيين فقراء

يتخبط آلاف اللبنانيين منذ عام 2019، على خلفية الانهيار المالي الذي هزّ البلد، في فقر فاقمته أخيراً الحرب المستمرة جنوباً منذ نحو 6 أشهر.

بولا أسطيح (بيروت)
آسيا محمد يونس بعد تقديمه استئنافاً أمام المحكمة في دكا 3 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)

«مصرفي الفقراء» الحائز على نوبل للسلام يواجه السجن في بنغلاديش

يواجه محمد يونس، الحائز «جائزة نوبل للسلام»، والمعروف باسم «مصرفي الفقراء» اتهامات يصفها بأنها «سياسية» قد تقوده إلى السجن في بلده بنغلاديش.

«الشرق الأوسط» (دكا)

الذهب ينخفض 1% بسبب قوة الدولار

سبائك ذهبية (رويترز)
سبائك ذهبية (رويترز)
TT

الذهب ينخفض 1% بسبب قوة الدولار

سبائك ذهبية (رويترز)
سبائك ذهبية (رويترز)

هبطت أسعار الذهب خلال تعاملات جلسة الأربعاء، تحت ضغط من قوة الدولار وعدم اليقين، قبل تقرير التضخم الأميركي الرئيسي، الذي قد يوفر مزيداً من الوضوح بشأن اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي في سبتمبر (أيلول) المقبل.

وانخفض الذهب الفوري 1 في المائة إلى 2500.03 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش، بعد أن بلغ أعلى مستوى إغلاق له خلال جلسة الثلاثاء عند 2524.57 دولار.

واستقرت العملة الأميركية، بينما ارتفع مؤشر الدولار -الذي يقيس الأداء مقابل سلة من العملات- بنسبة 0.4 في المائة، ما جعل السلع المقوَّمة بالدولار أقل جاذبيةً للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى.

وتركّز الأسواق على بيانات الإنفاق الاستهلاكي الشخصي في الولايات المتحدة، وهو المقياس المفضل للتضخم لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، المقرّر صدوره يوم الجمعة.

وارتفع الذهب بنسبة 21 في المائة حتى الآن هذا العام، متجهاً نحو أكبر نمو سنوي منذ عام 2020، بدعم من توقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية، والطلب على الملاذ الآمن، مدفوعاً بعدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى المشتريات القوية من البنوك المركزية.

كان الارتفاع الذي بدأ في مارس الماضي، وشهد وصول الأسعار الفورية إلى أعلى مستوى قياسي عند 2531.60 دولار في 20 أغسطس (آب)، مدفوعاً بالطلب القوي في الصين، ومع توقّع خفض أسعار الفائدة على نطاق واسع بدأت صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة المدعومة بالذهب عمليات الشراء مرة أخرى بعد سنوات عدة من التدفقات الخارجة، وتتّجه نحو الشهر الرابع على التوالي لزيادة التدفقات في أغسطس.