«اليورو» تحت الضغط: ماذا بعد الانتخابات الفرنسية؟

مخاوف أوروبية من حكومة يمينية... وإيطاليا تخشى عدوى الأزمة

علما فرنسا والاتحاد الأوروبي على واجهة دار البلدية في أميان (رويترز)
علما فرنسا والاتحاد الأوروبي على واجهة دار البلدية في أميان (رويترز)
TT

«اليورو» تحت الضغط: ماذا بعد الانتخابات الفرنسية؟

علما فرنسا والاتحاد الأوروبي على واجهة دار البلدية في أميان (رويترز)
علما فرنسا والاتحاد الأوروبي على واجهة دار البلدية في أميان (رويترز)

«لأنها فرنسا»؛ بهذه العبارة شرح جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك، قرار «بروكسل» عام 2016 منح مرونة لهذه الدولة المؤسسة الكبيرة في الاتحاد الأوروبي بشأن قواعد موازنة التكتل.

واستمر هذا الصبر حتى مع تحمل الاتحاد الأوروبي أزمة الديون السيادية التي كادت تؤدي إلى إغراق «اليورو» وأجبرت الدول الصغرى والأكثر مديونية، مثل اليونان والبرتغال، على تبني إجراءات تقشف صارمة، وفق «رويترز».

ولكن أي تسامح مع الاستثناء الفرنسي قد ينتهي إذا أسفرت الانتخابات الفرنسية المبكرة عن حكومة يمينية متطرفة متشككة في «اليورو»؛ مما قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع العواصم الأوروبية الأخرى واختبار أسس «مشروع اليورو» ذاتها.

ويصر حزب «التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبان على أنه لن يفجر الموازنة الفرنسية. ولكن تبقى الأسئلة حول كيفية تمويل خطط الإنفاق المكلفة ضمن قواعد الموازنة الجديدة لمنطقة اليورو، وما إذا كان «المصرف المركزي الأوروبي» قادراً على التدخل للمساعدة إذا انقلبت الأسواق المالية على فرنسا.

وقال الاقتصادي في «بيرينبرغ»، هولغر شميدينغ: «إذا كان بإمكان دولة ما تجاهل القواعد وتتلقى مساعدة من (المركزي)، فسيثير هذا شكوكاً كبيرة حول القيمة المستقبلية لـ(اليورو) ومدى تماسكه».

ومثل هذه المخاوف ليست على جدول الأعمال الرسمي لقمة الاتحاد الأوروبي المقرر انعقادها يوم الخميس. ولكن مع تقدم حزب «التجمع الوطني» في استطلاعات الرأي لجولة التصويت التي تبدأ في 30 يونيو (حزيران) الحالي، فمن المحتمل أن تشغل عقول زملاء الرئيس إيمانويل ماكرون.

وقالت مصادر رفيعة المستوى في الحكومة الألمانية إنها شعرت بالفزع من قرار ماكرون المفاجئ بالدعوة إلى انتخابات قد تؤدي إلى تشكيل حكومة بقيادة حزب «التجمع الوطني». وقارنه أحدهم بالمقامرة المشؤومة التي خاضها رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون بشأن الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وفي إيطاليا، مع أكبر حصيلة ديون من فرنسا، فإن مسحة من الشماتة بشأن مصائب فرنسا تقابلها مخاوف من أن الأزمة الفرنسية قد تمتد عبر جبال الألب، وفق ما قال فرنشيسكو غاليتي من شركة «بوليسي سونار» للاستشارات في روما.

وشبّه كبير الاقتصاديين الأول في «المركزي الأوروبي» وأحد مهندسي «اليورو»، أوتمار إيسينغ، ديون إيطاليا وفرنسا بـ«سيف ديموقليس المسلط فوق الاتحاد»، الذي من المحتم أن ينهار ما لم تعالَج المشكلة.

وحتى اليونان لن تمنح فرنسا أي تهاون، حيث أكد محافظ مصرفها المركزي، يانيس ستورناراس، أن جميع الدول الأعضاء يجب أن تحترم قواعد الاتحاد الأوروبي.

لا مجال للتساهل

تشير التقارير الاستطلاعية إلى أن حزب «التجمع الوطني» سيظهر بوصفه أكبر حزب؛ سواء بالأغلبية الواضحة أو من دونها، لمتابعة «التعايش» المحرج مع ماكرون حتى الانتخابات الرئاسية عام 2027.

وتتعرض القدرة المالية الفرنسية بالفعل للمساءلة بعدما وضع صندوق النقد الدولي علامات استفهام على كيفية تقليص عجز الموازنة الذي يبلغ نحو 5.1 في المائة هذا العام. كما خفضت وكالتان تصنيفها الائتماني.

وفي الواقع، ترجع خطايا فرنسا المالية إلى ما قبل تاريخ ماكرون بكثير؛ فقد سجلت عجزاً في الموازنة أكبر من نسبة 3 في المائة التي فرضها الاتحاد الأوروبي طيلة القسم الأعظم من الأعوام الخمسة والعشرين منذ دخلت هذه القواعد حيز التنفيذ.

وقالت الخبيرة الاقتصادية في جامعة «كوين ماري» بلندن ومؤلفة كتاب «ما الذي تعانيه فرنسا؟»، بريجيت غرانفيل، إن «رفض فرنسا في التسعينات المقترحات الألمانية بشأن اتحاد سياسي أكثر اكتمالاً، يعكس الرغبة في الاحتفاظ بالسيادة على مواردها المالية».

وتوقعت أن يخفف حزب «التجمع الوطني»، الذي تخلى منذ مدة طويلة عن دعواته إلى ترك عملة موحدة مقبولة على نطاق واسع من قبل الناخبين الفرنسيين، من خططه بما يكفي لإرضاء «بروكسل» إذا وصل إلى السلطة.

وقالت غرانفيل في مقابلة: «ليس لديهم خيار؛ إلا إذا كانوا يريدون ترك (اليورو)».

وقد طمأنت تصريحات «التجمع الوطني» بهذا المعنى المستثمرين، الذين كانوا يطالبون بعلاوة قدرها 70 نقطة أساس فقط لامتلاك سندات فرنسية مدتها 10 سنوات بدلاً من نظيراتها الألمانية الأكثر أماناً؛ وهو مستوى بعيد كل البعد عن الذروة التي بلغت 190 نقطة لفرنسا ونحو 560 نقطة لإيطاليا خلال فترة أزمة الديون عام 2011.

وقال فيليب لين، كبير الاقتصاديين في «المركزي الأوروبي»، لـ«رويترز» إن التحركات في سوق السندات الفرنسية لا تبدو «غير منظمة»، مما يعني أنها لا تستوفي أحد شروط تدخل «المركزي».

حكايات تحذيرية

ويشير المراقبون إلى حكايات تحذيرية تتراوح من اليونان؛ حيث ركعت الحكومة اليسارية على ركبتيها بسبب الضغوط المالية والسياسية، إلى بريطانيا؛ حيث اضطرت رئيسة الوزراء، ليز تروس، إلى الاستقالة بعد الكشف عن الموازنة التي أثارت قلق المستثمرين.

ويؤكد معظم المحللين أن «المركزي الأوروبي» لديه الأدوات اللازمة لوقف عدوى الأزمة الفرنسية من خلال شراء سندات الدول الأخرى التي تحترم الإطار المالي للاتحاد الأوروبي، مما يعني أن باريس قد تجد نفسها معزولة في أوقات الحاجة.

وقال عضو «المركزي الأوروبي» السابق، إيوالد نوفوتني: «هناك بالطبع احتمال أن تتدخل فرنكفورت إذا كان للمشكلات مع فرنسا نوع من الآثار السلبية الخارجية على دول أخرى، مثل إيطاليا».

واستشهد مسؤول في الاتحاد الأوروبي بروما بوصفها نموذجاً لباريس بعد أن خففت رئيسة الوزراء، جيورجيا ميلوني، من لهجتها المناهضة للاتحاد الأوروبي بمجرد انتخابها في عام 2022.

وقد ساعد هذا، إلى جانب دعمها موقف الاتحاد الأوروبي بشأن الحربين في أوكرانيا وغزة، إيطاليا في الإبقاء على المفوضية والأسواق المالية في صفها على الرغم من رفع توقعاتها للعجز بشكل متكرر.

وقال مدير مركز «بروغل» للأبحاث الاقتصادية في بروكسل، جيرومين زيتلماير، إن «خطاب حزب (التجمع الوطني) حتى الآن لا يشير إلى أنه يسعى إلى مواجهة كبيرة مع المفوضية الأوروبية يمكن أن تؤدي إلى أزمة مالية».

لكنه أشار إلى أنه إذا انتهى الأمر بمسؤوليه إلى إدارة وزارات رئيسية، فقد يعوقون تحركات الاتحاد الأوروبي لإصلاح أسواق الطاقة وتعزيز التحول الأخضر وتعزيز القدرة التنافسية للكتلة من خلال إصلاح أسواق رأس المال.

وأضاف: «إذا انتُخب اليمين المتطرف، فهذه أخبار سيئة بالنسبة إلى التكامل في الاتحاد الأوروبي؛ لأنهم سيسيطرون على المناصب الحكومية المشاركة في معظم أبعاد صنع سياسة الاتحاد».

وتابع: «السؤال هو ما إذا كان هذا الأمر قابلاً للعكس، أم وجودياً».


مقالات ذات صلة

ارتفاع الأسهم الأوروبية والعقود الآجلة الأميركية بعد موجة بيع سابقة

الاقتصاد متداولون في قاعة «بورصة نيويورك»... (رويترز)

ارتفاع الأسهم الأوروبية والعقود الآجلة الأميركية بعد موجة بيع سابقة

ارتفعت الأسهم الأوروبية والعقود الآجلة للأسهم الأميركية، يوم الخميس، بعد أن عانت أسواق الأسهم من عمليات بيع يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (لندن - سيدني)
الاقتصاد أفق مدينة فرنكفورت في حي المصارف (رويترز)

استمرار تراجع نشاط الأعمال في منطقة اليورو

شهد نشاط الأعمال في منطقة اليورو تراجعاً مرة أخرى هذا الشهر؛ حيث ظلّ في منطقة الانكماش بفعل انخفاض الطلب من الداخل والخارج.

«الشرق الأوسط» (برلين - فرنسا)
الاقتصاد أوراق مالية من عملة اليورو (رويترز)

ارتفاع عوائد السندات الأوروبية وسط توقعات بتيسير السياسة النقدية

شهدت عوائد السندات الحكومية في منطقة اليورو ارتفاعاً الاثنين بعد انخفاضها بنهاية الأسبوع الماضي حيث زادت الأسواق من رهاناتها على مسار التيسير النقدي

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد امرأة تتسوق في سوق كامبو دي فيوري بروما (رويترز)

تباطؤ تضخم منطقة اليورو إلى 1.7 % في سبتمبر

تباطأ التضخم في منطقة اليورو بشكل أكبر من التقديرات السابقة خلال سبتمبر (أيلول)، وفقاً للبيانات الرسمية المنقحة الصادرة يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
الاقتصاد أوراق نقدية بالدولار الأميركي واليورو (رويترز)

هبوط اليورو إلى أدنى مستوى في شهرين وصعود الدولار

هبط اليورو إلى أدنى مستوياته في أكثر من شهرين، قبيل خفض متوقع لأسعار الفائدة من قِبل «المركزي الأوروبي». وفي المقابل، بلغ الدولار أعلى مستوياته في 11 أسبوعاً.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة - لندن)

إيلون ماسك: الروبوتات «المؤنسنة» ستفوق عدد البشر بحلول 2040

إيلون ماسك متحدثاً في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (الشرق الأوسط)
إيلون ماسك متحدثاً في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (الشرق الأوسط)
TT

إيلون ماسك: الروبوتات «المؤنسنة» ستفوق عدد البشر بحلول 2040

إيلون ماسك متحدثاً في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (الشرق الأوسط)
إيلون ماسك متحدثاً في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار (الشرق الأوسط)

توقّع الرئيس التنفيذي لشركة «تسلا»، إيلون ماسك أن تتجاوز الروبوتات «المؤنسنة» عدد البشر بحلول عام 2040، مبيّناً أنه سيُقدر سعر الواحد منها بنحو 25 ألف دولار؛ إذ ستسهم في تقديم مختلف الخدمات للأفراد.

وتحدث ماسك، في مشاركة مرئية خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، عن مستقبل الذكاء الاصطناعي والتطورات المرتبطة به.

ويرجّح ماسك الوصول إلى المريخ بعد عامين من الآن، ولفت انتباه الحضور إلى التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مشدداً على أهمية ضمان «عقلانية» هذه التكنولوجيا.

كما نبّه رئيس «تسلا» إلى خطورة تراجع معدلات المواليد في كثير من الدول، الذي يعد أحد التحديات الكبرى التي تواجه العالم اليوم.

وتوقّع ماسك أن يتمكّن الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2029 من أداء أي مهمة يقوم بها البشر، مشيراً إلى الحاجة المستمرة للمهارات العالية في الحوسبة والتحول التقني.

ومن جهة أخرى، ذكر أن السيارات الذاتية ستبدأ العمل في كاليفورنيا وتكساس اعتباراً من العام المقبل، مؤكداً أنها ستكون أكثر أماناً من القيادة البشرية.

وأبان ماسك أن خطط الشركة المستقبلية تتضمن زيادة الإنتاج؛ فمن المتوقع أن يصل عدد سيارات «تسلا» على الطرق إلى 9 - 9.5 مليون بحلول نهاية العام المقبل. وعلى المدى البعيد، تهدف الشركة للوصول إلى إنتاج 100 مليون سيارة، مع بدء الإنتاج الضخم للمركبات دون عجلات قيادة تقليدية بحلول عام 2026.

وفي سياق آخر، أوضح ماسك أن البيروقراطية زادت في الولايات المتحدة خلال عهد بايدن، مما قد يؤثّر على تقدُّم الابتكارات في هذا المجال.