غزة تواجه كبرى الصدمات في التاريخ الاقتصادي الحديث... 18.5 مليار دولار خسائر البنية التحتية

قيمة الأضرار تجاوزت أرقام صراعَي عامي 2014 و2021 بأضعاف

تجاوز حجم الخسائر في الأرواح والأضرار السريعة وواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية أيَّ معايير حددتها السوابق التاريخية سواء داخل المنطقة أو في الصراعات العالمية الأخيرة (رويترز)
تجاوز حجم الخسائر في الأرواح والأضرار السريعة وواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية أيَّ معايير حددتها السوابق التاريخية سواء داخل المنطقة أو في الصراعات العالمية الأخيرة (رويترز)
TT

غزة تواجه كبرى الصدمات في التاريخ الاقتصادي الحديث... 18.5 مليار دولار خسائر البنية التحتية

تجاوز حجم الخسائر في الأرواح والأضرار السريعة وواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية أيَّ معايير حددتها السوابق التاريخية سواء داخل المنطقة أو في الصراعات العالمية الأخيرة (رويترز)
تجاوز حجم الخسائر في الأرواح والأضرار السريعة وواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية أيَّ معايير حددتها السوابق التاريخية سواء داخل المنطقة أو في الصراعات العالمية الأخيرة (رويترز)

قدّر البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الأضرار المباشرة التي لحقت بالبنية التحتية المبنية في غزة جراء القصف الإسرائيلي بنحو 18.5 مليار دولار، أي ما يعادل 97 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية وغزة في 2022. وهي بيانات غطّت الفترة من 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى 26 يناير (كانون الثاني) 2024، بمعنى أنه من المتوقع أن يكون مرتفعاً أكثر بعد هذه الفترة، مع العلم أن التقرير الصادر عن المؤسسات الثلاث يشير إلى أن تكلفة الأضرار تجاوزت أرقام صراعَي عامَي 2014 و2021 بأضعاف.

وأصدر البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة تقريراً حول التقييم الأوّلي الذي أجروه للأضرار الأولية الناجمة عن الصراع المستمر في قطاع غزة وآثاره الإنسانية والاقتصادية، بهدف تقديم تحليل شامل لحجم الدمار غير المسبوق وإبلاغ أصحاب المصلحة الوطنيين والمجتمع الدولي بالمدى الأوّلي لأضرار النزاع من الناحيتين المادية والنقدية، لتكون بمثابة أساس جاهز لدعم وتسهيل التقييم السريع للأضرار المستقبلية ووضع خريطة طريق للتعافي.

وفي حين استندت تقييمات الآثار المادية والاقتصادية إلى بيانات غطَّت الفترة من 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى 26 يناير 2024، فإن الأرقام المتعلقة بالضحايا والأثر البشري تم تحديثها حتى 14 مارس (آذار) 2024، واعتمد التقييم على بيانات كمية ونوعية قدمتها شركة «إبسوس»، التي تعاقد معها البنك الدولي منذ أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وأشار التقرير إلى أن تجارب تقييم الاحتياجات والأضرار السريعة غالباً ما تُظهر أن الاحتياجات النهائية للتعافي وإعادة الإعمار تميل إلى أن تكون أعلى عدة مرات بناءً على تجارب مختلفة لتقييم الاحتياجات والأضرار السريع (على سبيل المثال، بالنسبة إلى الصراع في غزة عام 2014، كانت الأضرار 1.4 مليار دولار، بينما كانت الاحتياجات 3.9 مليار دولار).

وتسبَّب الصراع في خسائر في الأرواح، وتهجير قسري، وإلحاق أضرار بالبنية التحتية الاجتماعية والمادية والإنتاجية بسرعة وحجم غير مسبوقين. وقد وصفها شركاء التنمية مراراً وتكراراً بأنها أزمة إنسانية خطيرة للغاية. وحتى نهاية يناير 2024، بلغت الأضرار المباشرة التي لحقت بالبنية التحتية المبنية في غزة نحو 18.5 مليار دولار، أي ما يعادل 97 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية وغزة في 2022.

كما أدى الصراع إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة. وحتى تاريخ 14 مارس، قُتل ما يزيد على 31 ألف شخص في غزة، وتُشير التقارير إلى أن نحو 70 في المائة منهم من النساء والأطفال. كذلك نزح 1.7 مليون شخص (أو نحو 75 في المائة من السكان) في غزة. وبشكل عام، تعد فترة الصراع العنيف من أكتوبر 2023 حتى الوقت الحاضر هي الحلقة الأكثر فتكاً وتدميراً في تاريخ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بمقاييس كثيرة.

الأثر في الاقتصاد الكلي

إن الصدمة التي يتعرض لها اقتصاد غزة نتيجة الصراع المستمر هي واحدة من كبرى الصدمات التي لوحظت في التاريخ الاقتصادي الحديث. فقد تجاوز حجم الخسائر في الأرواح والأضرار السريعة وواسعة النطاق التي لحقت في البنية التحتية، أيَّ معايير حددتها السوابق التاريخية سواء داخل المنطقة أو في الصراعات العالمية الأخيرة. وتسبب الصراع في أضرار واسعة النطاق ودائمة، مما أثّر في جميع القطاعات الاقتصادية تقريباً، مع عواقب وخيمة على الأصول الملموسة والدخل ورأس المال البشري.

ومن المتوقع أن تشكل عواقب هذه الصدمة عبئاً كبيراً وطويلاً على الأنشطة الاقتصادية لعدة سنوات مقبلة. ووفقاً للتقديرات الأولية لنهاية العام، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في غزة بنسبة 24 في المائة في 2023، على أساس سنوي.

وترسم الإحصائيات الخاصة بالربع الرابع من 2023 صورة أكثر إثارة للقلق، إذ تشير إلى انكماش بنسبة 86 في المائة في اقتصاد غزة في هذا الربع وحده، مقارنةً بالفترة نفسها من العام والربع السابقين. ومن المتوقع أن تتصاعد التداعيات السلبية في عام 2024، بسبب الآثار المتأخرة. واستناداً إلى بيانات الأضرار، وإذا بدأت عملية إعادة الإعمار بعد عام 2024، فمن المتوقع أن يتفاقم الانكماش الاقتصادي في غزة بشكل كبير هذا العام، ليتجاوز 50 في المائة (على أساس سنوي في عام 2024)، مع استمرار آثار تدمير رأس المال.

واقع كارثي على القطاعات كافة

أصبحت غالبية الفلسطينيين في غزة الآن فقراء متعددي الأبعاد، و74 في المائة منهم عاطلون عن العمل. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي في غزة بنسبة 86 في المائة في الربع الأخير من عام 2023، أي ما يعادل انخفاضاً بنسبة 24 في المائة على أساس سنوي. وتَركز أكثر من 72 في المائة من الأضرار على المباني السكنية، وتعرض قطاع التجارة والصناعة والخدمات لـ9 في المائة من الأضرار، بينما تضرر 19 في المائة من البنية التحتية والخدمات الحيوية الأخرى، وتركزت 80 في المائة من الأضرار في محافظات غزة وشمال غزة وخان يونس. وتحملت بلدية غزة وحدها 7.29 مليار دولار من إجمالي الأضرار، تليها جباليا بـ2.01 مليار دولار، وخان يونس بـ1.82 مليون دولار، وبيت لاهيا بـ1.08 مليار دولار من إجمالي الأضرار. ومن المتوقع أن ترتفع التكاليف المقدرة الواردة في هذه المذكرة بشكل كبير بالإضافة إلى حجم الأضرار مع استمرار الصراع.

وتشمل القطاعات التي عانت أكبر الأضرار المقدرة، قطاع الإسكان بنحو 13.29 مليار دولار، إذ لن يتمكن أكثر من 1.08 مليون شخص من العودة إلى منازلهم، وقطاع التجارة والصناعة والخدمات بـ1.65 مليار دولار، إذ تلقت ما يقارب أربعة من كل خمسة منشآت في القطاع أضراراً جسيمة أو دُمرت بالكامل مما أثّر في جميع الصناعات وأوقف الأنشطة الاقتصادية وأدى إلى ارتفاع معدل البطالة بأكثر من 50 في المائة. ويُقدر عدد المنشآت التجارية والصناعية والخدماتية في غزة بنحو 56 ألف منشأة يعمل بها 173 ألف شخص وقد تعرض ما يقارب 80 في المائة من المنشآت للدمار أو الضرر. ومن ثمَّ الزراعة بـ629 مليون دولار، والصحة بـ554 مليون دولار حيث تعرضت 29 مستشفى تمثل أكثر من ثلاثة أرباع المستشفيات لأضرار تزيد قيمتها على 222 مليون دولار، والمياه والصرف الصحي والنظافة بـ503 ملايين دولار. كما بلغت قيمة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية التعليمية 341 مليون دولار وتشير التقديرات إلى تدمير 56 منشأة مدرسية وتضرر 219 منها جزئياً.

ووفقاً للتوقعات الصادرة عن أحدث تصنيف مرحلي متكامل لانعدام الأمن الغذائي (IPC)، فإن أكثر من نصف سكان غزة على حافة المجاعة ويعاني جميع السكان انعداماً حاداً للأمن الغذائي وسوء التغذية.

ويشكّل الفلسطينيون في غزة الآن 80 في المائة من إجمالي عدد الأشخاص الذين يواجهون المجاعة أو الجوع الشديد على مستوى العالم. ولا تزال كمية المساعدات الإنسانية التي تصل إلى الفلسطينيين في غزة غير كافية على الإطلاق مقارنةً بالاحتياجات. ووفقاً لتوقعات التصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي، واجه ما يقرب من 2.13 مليون شخص في جميع أنحاء قطاع غزة مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد المصنف على أنه المرحلة 3 من التصنيف في الفترة ما بين 15 فبراير (شباط) و15 مارس، بما في ذلك نحو 677 ألفاً شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الكارثي (المرحلة 5 من التصنيف) الذي يتميز بنقص الغذاء والجوع واستنفاد القدرة على الصمود. وحسب منظمة «يونيسيف»، يعاني طفل واحد من كل 6 أطفال دون سن الثانية من العمر، سوء التغذية الحاد.

وتشير التقديرات إلى أن 17 ألف طفل قد انفصلوا عن أسرهم، مما يجعلهم عرضة بشكل خاص لمختلف أشكال الاستغلال وسوء المعاملة. وبسبب الصدمة المستمرة المرتبطة بالعنف المستمر، تدهورت الصحة العقلية بشكل حاد، خصوصاً بين الفئات الضعيفة بمن في ذلك النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوو الإعاقة.

كما دُمِّر الكثير من المواقع ذات القيمة التراثية المهمة، ويشير التقييم الأوّلي إلى أضرار تقدَّر بنحو 319 مليون دولار. كذلك تظهر في القطاع الزراعي مستويات كبيرة من الدمار، حيث تقدر الأضرار الإجمالية بـ629 مليون دولار، مما يهدد سبل العيش ويزيد من انعدام الأمن الغذائي لسكان غزة. وتقدر الأضرار التي لحقت بقطاعي النقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بمبلغ 448 مليون دولار، مما أثر في الاتصالات والتنقل وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان. أما الأضرار البيئية فتقدَّر بـ411 مليون دولار. وستتكلف إزالة الأنقاض وحدها نحو 327 مليون دولار وستتطلب جهداً يستمر لسنوات.

تشمل القطاعات التي عانت أكبر الأضرار المقدَّرة قطاع الإسكان بنحو 13.29 مليار دولار حيث لن يتمكن أكثر من 1.08 مليون شخص من العودة إلى منازلهم (رويترز)

مقارنة مع صراعات 2021 و2014

إن مستوى الدمار في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 لم يسبق له مثيل. وفي القطاعات الاجتماعية وحدها، يزيد الضرر بأكثر من 90 مرة عمّا كان عليه خلال صراع عام 2021 وأعلى بـ17 مرة مما كان عليه في صراع عام 2014. وتبلغ التكلفة الإجمالية للأضرار حتى نهاية يناير 2024 نحو 18.5 مليار دولار مقارنةً بـ338 مليون دولار من الأضرار الناجمة عن صراع 2021 و1.38 مليار دولار خلال صراع 2014.

وكانت الأضرار التي لحقت بقطاع الإسكان، التي بلغت 13.29 مليار دولار، شديدة بشكل خاص حتى الآن مقارنةً بالأحداث السابقة، حيث بلغت نحو 144 مليون دولار في أعقاب صراع عام 2021، و780 مليون دولار عام 2014، وفي قطاع التجارة والصناعة والخدمات بلغت التكلفة 1.65 مليار دولار. وهذا المبلغ أكبر 41 مرة في الصراع الحالي من المبلغ المقدَّر بـ40 مليون دولار بعد صراع 2021. كما أن الأضرار التي لحقت بقطاعات البنية التحتية (الخدمات البلدية، والنقل، والمياه والصرف الصحي، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات) خلال هذا الصراع المستمر أكبر 9 مرات مما حدث بعد صراع عام 2014. وبالأرقام، يسجل حالياً ما قيمته 1.2 مليار دولار، مقارنةً مع 76.7 مليون دولار في 2021، و133 مليون دولار عام 2014.

أما الأضرار في إجمالي القطاعات الاجتماعية (السكن، والصحة، والتعليم، والتراث الفني) فبلغت في الصراع الحالي 14.5 مليار دولار، مقارنةً مع 160 مليون دولار عام 2021، و840 مليون دولار في صراع عام 2014. وفي القطاعات الإنتاجية (المالية، والتجارة والصناعة والخدمات، والزراعة) بلغت قيمة الأضرار الحالية نحو 2.2 مليار دولار مقارنةً مع 82 مليون دولار عام 2021، و410 ملايين دولار في صراع عام 2014.

الوضع الاقتصادي بعد النزاع

قبل النزاع، كانت غزة تعاني بالفعل بطالةً شديدة بلغت معدلاتها 45 في المائة، وكانت بطالة الشباب تقارب 60 في المائة قبل بدء الأعمال العدائية. وقد تدهور الوضع بشكل ملحوظ، إذ وصلت نسبة العاطلين عن العمل في القوى العاملة في غزة إلى نحو 74 في المائة بحلول نهاية يناير 2024. وتعود هذه البطالة إلى عوامل مثل فقدان الوظائف الدائمة بسبب مزيج من الدمار غير المسبوق للأصول المادية والإصابات الشخصية والنزوح الداخلي وتوقف النشاط الاقتصادي.

ودُفع عدد كبير من الفلسطينيين في غزة إلى الفقر بسبب صدمة متعددة الطبقات أثّرت في القدرة الإنتاجية، وذلك نتيجة تدمير الأراضي الزراعية وموانئ الصيد والأساطيل المحلية، وتدمير محال المواد الغذائية، وكذلك ندرة المياه والطحين والوقود والكهرباء، بالإضافة إلى نفوق الماشية الجائعة التي لم تعد توفر القوت أو أن تكون مصدراً للغذاء. وقد تفاقمت هذه العوامل بسبب النزوح الداخلي واسع النطاق، وتدمير المنازل والأصول، إلى جانب الركود الاقتصادي الحاد. وأدت هذه التطورات مجتمعةً إلى تفاقم مستويات الفقر بالنسبة لأولئك الذين كانوا معرضين للمخاطر مسبقاً.

كما ارتفع الفقر متعدد الأبعاد في غزة بشكل كبير بسبب الأعمال العدائية التي أدت إلى انقطاع وصول الأطفال إلى المدارس، وكذلك الصعوبات المتعلقة بالوصول إلى الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية. ويُقدّر أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين في غزة يعيشون حالياً في فقر على الأقل على المدى القصير.

وارتفع التضخم في أسعار المستهلك في غزة بنسبة 33 في المائة في الربع الرابع من عام 2023 مقارنةً بالربع السابق، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى اضطرابات الإمدادات الناجمة عن النزاع. وأدى النقص الهائل في السلع الأساسية إلى الحد بشدة من قدرة مئات الآلاف من الأسر على شرائها، بغضّ النظر عن قدرتهم على تحمل تكلفتها. وارتفعت أسعار المواد الغذائية في غزة بنسبة 39 في المائة على أساس ربع سنوي (مقارنةً بالربع السابق) في الربع الرابع من عام 2023. كما أدى التوقف التام لإمدادات الوقود والغاز عبر المعابر إلى زيادة بنسبة 143 في المائة في سعر النقل في غزة خلال الربع الرابع من عام 2023، على أساس ربع سنوي مقارنةً بالربع السابق.

خطوات حاسمة لإعادة الحياة الطبيعية

وفي حين أن التعافي وإعادة الإعمار سيتطلبان جهداً كبيراً يستمر لسنوات، إلا أن تدابير التعافي المبكر يجب أن تبدأ بمجرد أن يسمح الوضع بذلك ويتم الانتهاء من زيادة المساعدات الإنسانية. وتشمل إجراءات التعافي المبكر ذات الأولوية التي ينبغي أخذها في الاعتبار تمكين واستئناف الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية، لاستعادة الشعور بالحياة الطبيعية وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي الذي تشتد الحاجة إليه. ويجب أيضاً إعطاء الأولوية لتوفير حلول سريعة وفعالة من حيث التكلفة وقابلة للتطوير للمأوى وإعادة الإسكان للنازحين، إلى جانب استئناف الخدمات الأساسية في قطاعات الطاقة والمياه والاتصالات. وبالإضافة إلى المساعدات الإنسانية والغذائية، ينبغي أن تركز تدخلات المرحلة الأولى على تحسين إنتاج الغذاء واستعادة سبل العيش من خلال برامج النقد مقابل العمل. ولتمكين القطاع الخاص من الاستجابة للاحتياجات الملحّة وخلق فرص العمل، تشمل الإجراءات ذات الأولوية إنشاء هياكل مؤقتة للمؤسسات التي توفر السلع والخدمات الأساسية (مثل المخابز والصيدليات وتجار التجزئة والموزعين)، وإنشاء أنظمة الدفع الرقمية لتمكين المعاملات الإلكترونية، وتجديد المرافق المتضررة جزئياً. وأخيراً، تشمل الأولويات كذلك تحديد وإزالة الذخائر غير المنفجرة، فضلاً عن إزالة (وإعادة تدوير) ما يقرب من 26 مليون طن من الأنقاض. وستعتمد جدوى معظم هذه التدابير إلى حد كبير على دخول المواد والمعدات، والوصول الآمن إلى المواقع، ووضوح الترتيبات الإدارية والأمنية.


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رحّبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية النائب الإسرائيلي غادي آيزنكوت (رويترز)

آيزنكوت يتهم إسرائيل بـ«فشلها في خطة الحرب على غزة بشكل خطير»

قال النائب عن حزب الوحدة الوطنية الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، إن خطة إسرائيل لحربها ضد «حماس» في غزة «فشلت بشكل خطير»، واتهم الحكومة الإسرائيلية بالضياع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
TT

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه الاقتصادي بنجاح، دون الانجرار إلى حرب تجارية شاملة أو تفاقم العجز الفيدرالي.

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة تفوق 24 في المائة في عام 2024، مما جعله في الصدارة بين مؤشرات الأسهم في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة. وبمعدل 22 ضعفاً للأرباح المستقبلية المتوقعة، فإن علاوته مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق من أكثر من 40 دولة، تعد الأعلى منذ أكثر من عقدين، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وعلى الرغم من أن الأسهم الأميركية قد تفوقت على نظيراتها العالمية لأكثر من عقد من الزمان، فإن الفجوة في التقييم قد اتسعت هذا العام بفضل النمو الاقتصادي المتين والأرباح القوية للشركات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث ساعدت التطورات المثيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على تعزيز أسهم شركات رائدة مثل «إنفيديا».

ويعتقد بعض المشاركين في السوق أن أجندة ترمب الاقتصادية، التي تشمل تخفيض الضرائب، وتخفيف القيود التنظيمية، وحتى فرض الرسوم الجمركية، قد تعزز من تفوق الولايات المتحدة، متفوقة على المخاوف المتعلقة بتأثيراتها المزعزعة المحتملة على الأسواق وزيادة التضخم.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأميركية في بنك «باركليز»، فينو كريشنا: «نظراً للتوجهات المؤيدة للنمو في هذه الإدارة الجديدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب مواجهة الأسهم الأميركية، على الأقل في عام 2025». وكانت هناك مؤشرات على تزايد تفضيل المستثمرين للأسهم الأميركية مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما استقبلت صناديق الأسهم الأميركية أكثر من 80 مليار دولار في الأسبوع الذي تلا الانتخابات، في حين شهدت صناديق الأسهم الأوروبية والأسواق الناشئة تدفقات خارجة، وفقاً لبنك «دويتشه».

ويعد «مورغان ستانلي»، و«يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية، ومعهد الاستثمار «ويلز فارغو» من بين المؤسسات التي توصي بزيادة الوزن للأسهم الأميركية في المحافظ الاستثمارية أو تتوقع تفوقها في العام المقبل.

محرك الأرباح

أحد المحركات الرئيسية لقوة الأسهم الأميركية هو ميزة أرباح الشركات الأميركية، حيث من المتوقع أن ترتفع أرباح شركات «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 9.9 في المائة هذا العام وبنسبة 14.2 في المائة في 2025، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 1.8 في المائة هذا العام وبنسبة 8.1 في المائة في 2025.

وقال كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في «ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»، مايكل أرون: «الولايات المتحدة تظل المنطقة الجغرافية التي تحقق أعلى نمو في الأرباح وأكبر قدر من الربحية على مستوى العالم».

ويسهم الدور المهيمن للشركات التكنولوجية العملاقة في الاقتصاد الأميركي، وأوزانها الكبيرة في مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500»، في تعزيز هذا النمو. إذ تبلغ القيمة السوقية لأكبر خمس شركات أميركية («إنفيديا» و«أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون دوت كوم» وألفابت) أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بحوالي 11 تريليون دولار لجميع شركات «ستوكس 600»، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المائة في 2024 وبنسبة 2.2 في المائة في 2025، مقارنة بنسبة 0.8 في المائة هذا العام و1.2 في المائة في العام المقبل لمجموعة من حوالي 20 دولة تستخدم اليورو، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وقد تساعد خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الولايات المتحدة في تعزيز هذا التفوق، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، وفقاً لما قاله مايك مولاني، مدير أبحاث الأسواق العالمية في «بوسطن بارتنرز»، الذي يفضل الأسهم الأميركية. وقال مولاني: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على السلع الأوروبية، فإنهم سيتأثرون أكثر منا بشكل نسبي».

وقد دفع تحكم الجمهوريين في السلطة في واشنطن، ما يسهل على ترمب تنفيذ أجندته، اقتصاديي «دويتشه بنك» إلى رفع توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي في 2025 إلى 2.5 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة.

وبينما من المتوقع أن تعزز تخفيضات الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية النمو الاقتصادي، فإن الهوامش الضيقة نسبياً في الكونغرس الأميركي وحساسية الإدارة تجاه ردود الفعل السوقية قد تحدان من نطاق بعض السياسات «المتطرفة»، مثل الرسوم الجمركية، كما ذكر البنك في تقريره الأخير.

من جانبه، يتوقع «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 6600 في العام المقبل، مدفوعاً بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيضات الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية. وأغلق المؤشر عند 5948.71 يوم الخميس. مع ذلك، قد تؤدي حرب تجارية شاملة مع الصين ودول أخرى إلى التأثير سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة التضخم. وفي سيناريو يتم فيه فرض دول ردود فعل على الرسوم الجمركية الأميركية الواسعة، قد ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 5100، رغم أن الأسهم العالمية ستتراجع أيضاً، وفقاً لتوقعات «يو بي إس».

ويمكن أن تكون بعض القطاعات في السوق أكثر عرضة لتأثيرات سياسات ترمب، حيث أدت المخاوف بشأن خطط تقليص الفائض البيروقراطي إلى تراجع أسهم شركات المقاولات الحكومية الأسبوع الماضي، بينما تراجعت أسهم شركات الأدوية بعد اختيار ترمب للمشكك في اللقاحات روبرت ف. كينيدي جونيور لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

كما قد تثير التخفيضات الضريبية الواسعة القلق بشأن زيادة الدين الأميركي. وقد أسهمت المخاوف المتعلقة بالعجز في تراجع بيع السندات الحكومية الأميركية مؤخراً، مما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، قد تصبح الفجوة في التقييم بين الولايات المتحدة وبقية العالم واسعة لدرجة تجعل الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن، أو قد تصبح الأسهم الدولية رخيصة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تظل الاتجاهات طويلة المدى لصالح الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكثر من 180 في المائة مقارنة بارتفاع بنسبة 50 في المائة تقريباً لمؤشر «ستوكس» في أوروبا على مدار العقد الماضي. وقال رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة في «روبيكو»، كولين غراهام: «الزخم شيء رائع. إذا كان لديك شيء يستمر في التفوق، فإن المستثمرين سيتبعون الأموال».