أوروبا تسعى لحشد ثروة مواطنيها لمواجهة التحديات الاقتصادية

في محاولة منها لسد الفجوة مع الولايات المتحدة والصين

يتطلع السياسيون الآن إلى الودائع الضخمة التي تحتفظ بها المصارف في منطقة اليورو لدى المركزي الأوروبي والتي تبلغ 8.4 تريليون يورو (رويترز)
يتطلع السياسيون الآن إلى الودائع الضخمة التي تحتفظ بها المصارف في منطقة اليورو لدى المركزي الأوروبي والتي تبلغ 8.4 تريليون يورو (رويترز)
TT

أوروبا تسعى لحشد ثروة مواطنيها لمواجهة التحديات الاقتصادية

يتطلع السياسيون الآن إلى الودائع الضخمة التي تحتفظ بها المصارف في منطقة اليورو لدى المركزي الأوروبي والتي تبلغ 8.4 تريليون يورو (رويترز)
يتطلع السياسيون الآن إلى الودائع الضخمة التي تحتفظ بها المصارف في منطقة اليورو لدى المركزي الأوروبي والتي تبلغ 8.4 تريليون يورو (رويترز)

في وقت تسعى فيه أوروبا للحفاظ على مكانتها أمام المنافسين الاقتصاديين، يعتقد السياسيون بأن لديهم سلاحاً سرياً يتمثل في المدخرات غير المستغلة لمواطنيها.

ومن إيطاليا التي تبيع سندات حكومية للأسر، إلى الحديث الفرنسي عن منتج ادخار أوروبي شامل، أو بريطانيا التي تقدم إعفاءات ضريبية للاستثمار في الأسهم البريطانية، تسعى الحكومات في جميع أنحاء أوروبا إلى إيجاد طرق لحشد الثروة المنزلية، وفق «رويترز».

وتشترك هذه الخطط كلها في تفكير أساسي، ألا وهو «تمتلك أوروبا كمية كبيرة من النقد يمكن توجيهها نحو أهدافها، بدءاً من التحول الأخضر إلى تعزيز القدرات العسكرية».

ويأمل السياسيون في أن تساعد الأموال الخاصة، المستثمَرة في الأسهم المحلية أو ديون الحكومة، على سد الفجوة في النمو والإنتاجية مع الولايات المتحدة والصين، اللتين تقدمان إعانات ضخمة لصناعاتهما.

لكن المنتقدين يقولون إن مثل هذه المخططات تخاطر بخيبة أمل المدخرين، بينما تفشل في معالجة القصور الجذري في النموذج الاقتصادي الأوروبي، الذي يرون أنه يثبط الاستثمار.

وقالت الأستاذة في جامعة غرب إنجلترا، دانييلا جابور: «إنها طريقة لاختراع حل سهل لمشكلات معقدة للغاية».

* أموال خاملة

لطالما ادخر الأوروبيون أكثر من نظرائهم الأميركيين، وقد اتسعت الفجوة أخيراً، ربما بسبب عدم اليقين مثل الحرب في أوكرانيا.

ويتطلع السياسيون الآن إلى الودائع الضخمة التي تحتفظ بها المصارف في منطقة اليورو لدى «المركزي الأوروبي»، التي تبلغ 8.4 تريليون يورو، أمثال وزير المالية الفرنسي برونو لومير.

ويريد لومير الذي تحدّث عن أموال «نائمة» في الحسابات بدلاً من المساهمة في الازدهار، منتجَ ادخارٍ أوروبياً شاملاً. وفي الوقت نفسه، اقترح المشرّعون الفرنسيون إمكانية توجيه المدخرات نحو شركات الدفاع المحلية من خلال الودائع المضمونة من الدولة.

وخارج الاتحاد الأوروبي، اقترحت حكومة المملكة المتحدة نوعاً جديداً من الحسابات يسمح للبريطانيين باستثمار ما يصل إلى 5 آلاف جنيه إسترليني (6301.50 دولار) في شركات محلية معفاة من الضرائب.

لكن مثل هذه المخططات لها تاريخ متقلب.

ووفقاً لبيانات من شركة الاستشارات «أناليسيز»، فإن الإيطاليين الذين اشتروا في صناديق مدعومة من الحكومة تستثمر في مشروعات صغيرة ومتوسطة محلية، كان أداؤهم أقل من أداء الأسهم العالمية بنحو 35 نقطة مئوية في المتوسط خلال السنوات الـ5 الماضية.

ويرفض عديد من الاقتصاديين الفكرة ذاتها للأموال الخاملة، مشيرين إلى أن الودائع هي مصدر تمويل حيوي للمصارف.

وقال الخبير الاقتصاد السياسي في جامعة هارفارد، بنيامين براون: «مفهوم الأموال التي تكون نائمة لأنها في حساب مصرفي أمر سخيف بصراحة، لأنه لا يوجد شيء يمنع المصرف من تقديم قرض جديد عندما تتوفر له الفرصة».

وفي الواقع، أظهرت بيانات من المفوضية الأوروبية والمصرف المركزي الأوروبي أن الشركات الأوروبية قد وضعت باستمرار التمويل على رأس أقل مشكلاتها لمدة تقارب العقد، وأنها تولد إيرادات كافية لتمويل جميع استثماراتها.

ويجادل براون وآخرون بدلاً من ذلك أن انخفاض الاستثمار في أوروبا يعكس آفاق نمو ضئيلة مقارنة بالولايات المتحدة. ويقولون إن الشركات متعددة الجنسيات التي تستثمر في الخارج تعني أن منطقة اليورو تصدر رأس المال أيضاً.

وقال رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي الأوروبي في «ناتيكسيس»، ديرك شوماخر: «لديهم حل يبحث عن مشكلة. لا أعتقد بأن الإنفاق الاستثماري للشركات تعوقه ظروف التمويل المتشددة، بل بسبب نقص الطلب وكثير من التغييرات الهيكلية».

وأشار إلى المنافسة من الصين، وارتفاع أسعار الطاقة، ونقص العمالة الماهرة من بين عوامل أخرى.

ومن المقرر أن يقدم رئيس المصرف المركزي الأوروبي السابق ماريو دراغي تقريراً إلى زعماء الاتحاد الأوروبي هذا الصيف حول القضايا التي تعيق أوروبا.

* الدين العام

تقترض بعض الحكومات مباشرة من المواطنين. وكانت الأسر الإيطالية أكبر المشترين للدين العام للبلاد في العام الماضي، حيث تم طرح سندات حديثة اختصاراً لقضاء عطلة بحرية (وتُستخدم هذه العبارة للترويج لسندات الادخار الحكومية، وذلك من خلال ربط شرائها بتحقيق حلم قضاء عطلة بحرية ممتعة). وأعلنت بريطانيا سندات ادخارية جديدة، لتنضم بذلك إلى بلجيكا واليونان.

وتكمن الميزة الرئيسية للاستفادة من المستثمرين الأفراد في استقرارهم مقارنة بالمستثمرين المحترفين. بمعنى آخر، هم أقل عرضة لبيع وشراء السندات بشكل متكرر بناءً على تغيرات السوق قصيرة الأجل.

وقال براون: «هناك منتج ادخاري رائع نجح بشكل جيد عبر التاريخ، وهو يسمح للدولة بتوجيه الأموال العامة إلى المجالات ذات الأولوية، وهو السندات السيادية».

وقال هو وخبراء اقتصاديون آخرون إن زيادة الاستثمار من قبل الدولة، التي لا تحتاج إلى تحقيق عائد مالي فوري، يجب أن تكون جزءاً من الحل للتحديات طويلة المدى التي تواجه أوروبا مثل بناء اقتصاد أكثر خضرة.

ولكن من خلال منح الحكومات التي كانت تعاني في الغالب من عجز كبير منذ تفشي فيروس «كورونا» الوصول إلى مجموعة من رأس المال الصبور (استراتيجيات الاستثمار التي توفر العائدات الاجتماعية والبيئية بالإضافة إلى العوائد المالية مع التركيز على العوائد على المدى الطويل)، فإن هذه السندات التي تستهدف التجزئة تخاطر بتقويض الجهود الرامية إلى السيطرة على الإنفاق العام.

وقد تندم الأسر أيضاً على تركيز عدد كبير جداً من أصولها في وطنها. وقال مستشار الاستثمار المقيم في ميلانو، ماسيمو فامولارو: «إنها خطيئة مزدوجة: أن تتخلى عن التنويع وتعطي حكومتك الحافز الخاطئ».



النمو الصفري للاقتصاد البريطاني يقوّض تعهدات ستارمر بالانتعاش

الأعلام البريطانية ترفرف فوق جسر وستمنستر في لندن (رويترز)
الأعلام البريطانية ترفرف فوق جسر وستمنستر في لندن (رويترز)
TT

النمو الصفري للاقتصاد البريطاني يقوّض تعهدات ستارمر بالانتعاش

الأعلام البريطانية ترفرف فوق جسر وستمنستر في لندن (رويترز)
الأعلام البريطانية ترفرف فوق جسر وستمنستر في لندن (رويترز)

سجل الاقتصاد البريطاني نمواً صفرياً بين يوليو (تموز)، وسبتمبر (أيلول) الماضيين، ومن المتوقع أن يظل راكداً، خلال النصف الثاني من عام 2024، مما يقوِّض بشكل كبير وعد رئيس الوزراء كير ستارمر بإعادة تشغيل النمو الاقتصادي في البلاد.

وفي تعديل غير متوقَّع، ومع تصاعد الضغوط على حزب العمال بشأن أدائه الاقتصادي منذ تولّيه السلطة في يوليو، أظهرت الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني أن النمو في الربع الثالث جرى تعديله إلى صفر في المائة، وهو أقل من التقدير الأوليّ الذي كان يبلغ 0.1 في المائة، والذي جرى إجراؤه الشهر الماضي. كما جرى تعديل النمو، خلال الربع الثاني، من 0.5 في المائة إلى 0.4 في المائة، وفق صحيفة «الغارديان».

وأوضحت ليز ماكوين، مديرة الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاء الوطني، أن «الاقتصاد كان أضعف، في الربعين الثاني والثالث من هذا العام، مما اقترحت تقديراتنا الأولية، حيث شهدت القطاعات مثل المطاعم والشركات القانونية والإعلان أداءً أقل جودة بشكل خاص». وأضافت أن نسبة الادخار الأُسري انخفضت قليلاً في الفترة الأخيرة، رغم أنها لا تزال مرتفعة نسبياً، مقارنة بالمعايير التاريخية، في حين لم يُظهر الدخل المتاح الحقيقي للأسرة أي نمو يُذكر.

وتُظهر الصورة الاقتصادية الأخيرة أن المملكة المتحدة في طريقها لتسجيل ربعين متتاليين من النشاط الاقتصادي الثابت، وهو ما يشير إلى ركود محتمل. يأتي هذا التراجع في أعقاب تدهور ثقة الشركات والمستهلكين، وسط تصريحات قاتمة من الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى التحذيرات من زيادات ضريبية متوقعة في موازنة الخريف.

وحذّر بنك إنجلترا، الأسبوع الماضي، من أن النمو في المملكة المتحدة سيظل راكداً، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام. ورغم أن هذا لا يُعد ركوداً بالمعنى الفني - حيث يُعرف الركود بربعين من النمو السلبي - فإن هذه الصورة الاقتصادية تمثل ضربة إضافية للحكومة التي جعلت إحياء النمو الاقتصادي على رأس أولوياتها.

من جهتها، قالت وزيرة الخزانة راشيل ريفز: «إن التحدي الذي نواجهه في إصلاح اقتصادنا وتمويل ماليتنا العامة بشكل صحيح بعد 15 عاماً من الإهمال هو تحدٍّ هائل. لكن ذلك لا يفعل سوى تعزيز عزيمتنا لتقديم خدماتنا للعمال. وسوف تسهم الموازنة وخطتنا للتغيير في تحقيق نمو مستدام وطويل الأجل، وضخ مزيد من المال في جيوب الناس، من خلال زيادة الاستثمار والإصلاح المستمر».

في سياق مُواز، تتوقع الشركات البريطانية انخفاضاً حاداً في نشاط الأعمال، خلال العام المقبل، مما يعكس صورة اقتصادية أكثر تشاؤماً للمملكة المتحدة في عام 2025. وأشار مسح مؤشر النمو من اتحاد الصناعة البريطانية إلى أن الشركات تستعد لتقليص التوظيف والإنتاج، في الأشهر الثلاثة المقبلة، وفق صحيفة «الغارديان».

وتحاول الشركات التخفيف من أثر قرار راشيل ريفز، في موازنتها التي أُعلنت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي تقضي بجمع 25 مليار جنيه إسترليني (31.41 مليار دولار)، من خلال زيادة مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل. ورغم تأكيد المستشارة ضرورة هذه الأموال لسد «الثقب الأسود» في المالية العامة الذي خلفه أسلافها، فقد اعترفت بأنها قد تؤدي إلى زيادات أقل في الأجور، بينما عَدَّ آخرون أنها قد تضر الوظائف. وأوضح اتحاد الصناعة البريطانية أن زيادة مساهمات التأمين الوطني قد أسهمت في تفاقم «بيئة الطلب الضعيف» بالفعل.

وأظهر استطلاعٌ للرأي شمل 899 شركة، بين 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، و12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أن توقعات النمو كانت في أضعف مستوياتها منذ نوفمبر 2022، في أعقاب الفوضى التي تَلَت فترة ولاية ليز تروس القصيرة رئيسة للوزراء. وقد ساد التشاؤم في معظم القطاعات، حيث توقَّع قطاع الخدمات انخفاض النشاط، بينما توقَّع المصنّعون تراجعاً حاداً في الناتج، خلال الأشهر الثلاثة حتى مارس (آذار) 2025.

في سياق متصل، أظهرت بياناتٌ، نشرها اتحاد التجزئة البريطاني، أن تجار التجزئة يواجهون ضربة إضافية في العام الجديد، حيث انخفضت توقعات الإنفاق الاستهلاكي بمقدار ست نقاط، مما أثّر على جميع فئات التجزئة تقريباً. وقالت الرئيسة التنفيذية لاتحاد التجزئة، هيلين ديكينسون، إنه إذا تحققت هذه التوقعات، فقد يواجه تجار التجزئة ضغطاً إضافياً على الإنفاق في العام الجديد، وذلك بالتزامن مع كشفهم عن مبيعاتهم في يناير (كانون الثاني).

وتوّجت هذه التقارير سبعة أيام من البيانات الاقتصادية الصعبة للحكومة، في وقتٍ تحاول فيه تعزيز النمو الاقتصادي. وأشار مسحٌ آخر، نشره اتحاد الصناعة البريطانية، إلى أن إجمالي الطلبات في المصانع انهار في ديسمبر إلى أدنى مستوى منذ ذروة جائحة «كوفيد» في عام 2020.

وحذَّر المحللون من أن التباطؤ الاقتصادي، جنباً إلى جنب مع ارتفاع تكاليف الاقتراض، قد يُعرقل المالية العامة للحكومة، ويُجبر ريفز، في النهاية، على زيادة الضرائب. وفي الوقت نفسه، فإن احتمال اندلاع حرب تجارية مع الولايات المتحدة بعد تنصيب دونالد ترمب في يناير قد يؤثر أيضاً على خطط النمو الحكومية. في هذا السياق، هدد الرئيس المنتخب بفرض تعريفات جمركية على الصادرات إلى الولايات المتحدة، وهو ما قد يمتد إلى المملكة المتحدة.

من جهة أخرى، قال اتحاد الصناعة البريطانية إن الشركات تتطلع إلى الحكومة لتعزيز الثقة وتقديم حوافز للاستثمار، سواء من خلال إصلاح ضريبة التدريب المهني، أم دعم صحة القوى العاملة عبر زيادة الحوافز الصحية المهنية، أم إصلاح معدلات الأعمال.