تزامناً مع جهود السعودية في تعزيز النمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات المحلية، شهدت المملكة ارتفاعاً ملحوظاً في إجمالي القروض المقدَّمة من قِبل شركات التمويل في أعلى مستوياتها منذ ما يقارب أربع سنوات. وقفزت هذه القروض بنسبة 73 في المائة لتبلغ 84.9 مليار ريال (22.6 مليار دولار)، بنهاية عام 2023، مقارنة بـ49.3 مليار ريال (13.1 مليار دولار)، خلال الفترة نفسها من عام 2019. وحصد التمويل العقاري النسبة الكبرى من المبلغ الإجمالي بنسبة 28 في المائة، في حين تصدرت فئة التمويل الشخصي الزيادة الكبرى التي تخطت الـ666 في المائة، من 2.5 مليار ريال (666.6 مليون دولار) إلى 22.9 مليار ريال (6.1 مليار دولار).
تُعرف شركات التمويل بأنها مؤسسات مالية تختص في تقديم خدمات القروض والائتمان للأفراد والمؤسسات، وهي متباينة عن البنوك في نهجها العملي. وتهدف هذه الشركات إلى تمويل عمليات الشراء والبيع للسلع والخدمات، سواءً من خلال شراء عقود آجلة من التجار بنسبة فائدة محددة، أم من خلال منح قروض مباشرة للمستهلكين والشركات، وتعتمد على فرض نسب فائدة أعلى من تلك المفروضة من قِبل البنوك لتحقيق الأرباح.
وتتمثل أهمية شركات التمويل في تقديم حلول للأفراد والمؤسسات التي تواجه مشاكل مالية. ويبلغ حالياً عدد شركات التمويل المرخصة من قِبل البنك المركزي السعودي «ساما» 59 شركة، بمجموع أصول 65.5 مليار ريال، بنهاية عام 2023، بارتفاع 68 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2019. وارتفعت رؤوس أموال شركات التمويل 25 في المائة إلى 15.4 مليار ريال، خلال الفترة نفسها، وفقاً لبيانات «ساما». يروي محللون، لـ«الشرق الأوسط»، دوافع هذا الارتفاع في الإقراض وتأثيره على الاقتصاد الوطني، والتوقعات المستقبلية لنمو هذا القطاع. الرئيس الأول لإدارة الأصول في «أرباح كابيتال»، محمد الفراج، يشرح، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، دوافع الارتفاع، والتي «تمثلت في النمو الاقتصادي القوي الذي شهدته السعودية، خلال السنوات الأخيرة، وهو ما ساهم في زيادة الطلب على التمويل من قِبل الأفراد والشركات»، موضحاً أنه «كان لتوسع شركات التمويل في أنشطتها وخدماتها دور مهم في زيادة عدد العملاء»، وأن الحملات التوعوية لمنتجات التمويل أدت إلى زيادة الطلب عليها.
وأضاف الفراج أن القروض من شركات التمويل كان لها تأثير إيجابي على الاقتصاد الوطني، حيث ساعدت على زيادة الاستثمار بالمملكة، الأمر الذي أدى إلى خلق فرص عمل جديدة، وحفّز النمو الاقتصادي. كما ساهمت هذه القروض في زيادة الاستهلاك، وبالتالي زاد الطلب على السلع والخدمات.
ويرى الفراج أن قطاع شركات التمويل يتمتع بمستوى سيولة مرتفع، حيث انخفضت قيمة القروض المتعثرة بنهاية عام 2023، وبلغت نسبتها 5 في المائة من إجمالي القروض، وهي نسبة يعدها الفراج منخفضة نسبياً، مقارنة مع القطاعات المالية الأخرى، متوقعاً استمرار تراجعها، خلال الأعوام المقبلة، معززةً بالنمو الاقتصادي القوي في البلاد. كما توقّع الفراج أن يستمر قطاع شركات التمويل في النمو، خلال السنوات المقبلة، حيث بلغ مجموع صافي الدخل 1.6 مليار ريال، بنهاية عام 2023، مرتفعاً 20 في المائة من عام 2019. وأضاف أن شركات التمويل ستزيد أنشطتها وخدماتها، بالإضافة إلى دخول شركات جديدة السوق، مما سيزيد حدة المنافسة.
من جهته، أرجع الرئيس التنفيذي لشركة «كسب المالية»، إبراهيم النويبت، أسباب الارتفاع إلى التطورات التي تشهدها المملكة في التمويل العقاري، حيث بلغ التمويل السكني 23.1 مليار ريال، بنهاية عام 2023، مشكّلاً أعلى قيمة من إجمالي التمويلات بـ28 في المائة. لكنه توقّع أن تنسحب شركات التمويل العقاري من القطاع، وتتجه إلى تمويل الشركات والنشاطات الأخرى.
يُذكر أن مطلع العام الحالي شهد إعلان شركة «الوطنية للإسكان»، الذراع الاستثمارية لوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، تطبيق نسبة التمويل المخفضة «أقل هامش ربح تمويلي»، المقدَّم من صندوق التنمية العقارية على جميع المشاريع السكنية التي تعمل على تطويرها في الضواحي والمجتمعات العمرانية، بنسبة تصل إلى 2.59 في المائة، دون تحديد سقف رواتب، ولعدد أول 10 آلاف عقد بيع على الخريطة، وذلك مع أربعة بنوك محلية.