كيف سيؤثر خفض قيمة الجنيه في الأسعار والسوق السوداء بمصر؟

موظف يعدّ دولارات بمكتب صرافة في القاهرة (رويترز)
موظف يعدّ دولارات بمكتب صرافة في القاهرة (رويترز)
TT

كيف سيؤثر خفض قيمة الجنيه في الأسعار والسوق السوداء بمصر؟

موظف يعدّ دولارات بمكتب صرافة في القاهرة (رويترز)
موظف يعدّ دولارات بمكتب صرافة في القاهرة (رويترز)

خسر الجنيه المصري 60 في المائة من قيمته في مقابل الدولار، اليوم (الأربعاء)، بعدما رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بواقع 6 نقاط لتسجل معدلات قياسية للإيداع والإقراض، وسط محاولات للسيطرة على أزمة النقد الأجنبي. وسجل متوسط سعر الدولار في المصارف الحكومية والخاصة أكثر من 50 جنيهاً، مقابل 30.8 جنيه، حتى صباح الأربعاء.

وفي بيان الأربعاء، أكد البنك المركزي المصري «السماح لسعر الصرف أن يتحدد وفقاً لآليات السوق»، مشيراً إلى أهمية «توحيد سعر الصرف... في أعقاب إغلاق الفجوة بين سعرَي صرف السوقين الرسمية والموازية».

وأثار هذا القرار الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تساءل المواطنون عن جدواه وكيفية تأثيره في الأسعار وفي السوق السوداء بمصر.

وعلّقت د.هدى الملاح، مدير عام المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى في مصر، على القرار بقولها إن خفض قيمة الجنيه له إيجابيات وسلبيات على حد سواء.

وقالت الملاح لـ«الشرق الأوسط»: «فيما يخص الإيجابيات فإن هذا القرار سيشجع الاستثمار الأجنبي، وسيجلب تدفقات دولارية إلى خزينة الدولة، كما أنه سيجذب تحويلات العاملين بالخارج، الذين سيجدون أن إجراء التحويلات رسمياً عن طريق البنوك التي توفر لهم أسعاراً مرتفعة كانت متاحة قديماً فقط في السوق السوداء، هو إجراء أكثر أماناً وموثوقية من إجرائها عن طريق أشخاص أو وسطاء».

وأضافت: «أما فيما يتعلق بالسلبيات، فإن هذا القرار سيؤثر سلباً في الأسعار والمواطن المصري. فمتوسط الدخل بالبلاد منخفض وأغلب السلع يجري استيرادها من الخارج، خصوصاً السلع الكهربائية والغذائية. ومن ثم فإن انخفاض القوة الشرائية للجنيه أمام الدولار سيؤدي إلى أزمة كبيرة للمواطنين ما لم يتم اتخاذ بعض الإجراءات واتباع بعض السياسات الإصلاحية».

ومن بين هذه السياسات، حسب الملاح، الاهتمام بزيادة الإنتاج المحلي وتوفير مستلزماته، وتشجيع الشباب على القيام بمشروعات صغيرة ودعمهم وتوفير القروض لهم بفوائد مخفضة وتشديد الرقابة على أسعار التجار.

كما رأت أن القيام باستثمارات شبيهة بمشروع رأس الحكمة، الذي وصفته بأنه «فوق الممتاز»، قد يساعد على تحسين الأوضاع الاقتصادية في مصر ويسهم في توفير فرص عمل كثيرة للشباب.

وفيما يخص كيفية تأثير هذا القرار على السوق السوداء بمصر، ترى الملاح أن زيادة التدفقات الدولارية ووفرة الدولار بالبنوك بأسعار مرتفعة سيؤثر سلباً في السوق السوداء، لكن بشرط، هو أن تسهّل البنوك المعاملات على العملاء، وتفرِّق بين العملاء الشرفاء وتجار العملة، مشيرةً إلى أن المواطنين يواجهون كثيراً من الأسئلة من البنوك في الوقت الحالي بشأن مصدر عملاتهم ويخوضون إجراءات مطولة وغير لازمة لتبديل العملة، الأمر الذي يدفعهم للجوء إلى السوق السوداء في النهاية.

من جانبه، يرى الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي ورئيس مركز «العاصمة» للدراسات والأبحاث الاقتصادية، أن توقيت قرار خفض قيمة الجنيه لم يكن جيداً، مشيراً إلى أن البنك المركزي كان ينبغي أن ينتظر لحين استقرار الأسعار.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «القرار جاء قبل أيام من حلول شهر رمضان وبالتالي سيتأثر المواطنون بشدة في أثناء شراء متطلباتهم لهذا الشهر. كما أنه جاء بعد شعور البعض بانفراجة اقتصادية بعد انخفاض أسعار بعض السلع مثل الحديد والإسمنت والذهب والسيارات، فكان بمثابة قنبلة انفجرت في وجه المواطن المصري».

وتوقع الشافعي ارتفاع الأسعار بأكثر من 60 أو 70 في المائة في الفترة القادمة.

كما أنه يرى أن القضاء على السوق السوداء مرهون باتخاذ قرارات حاسمة لضبط تجار العملة والتجار المتورطين في احتكار وتخزين السلع، مؤكداً أنه «من دون وجود رقابة قوية على الأسواق لن يحدث أي تحسن».

بدوره، قال علاء عز أمين عام اتحاد الغرف التجارية المصرية، إن ترك سعر صرف الجنيه لآليات العرض والطلب بالسوق خطوة مهمة ستقضي نهائياً على السوق الموازية وتعزز الاستثمار الأجنبي في البلاد.

وأشار عز في بيان حصلت «وكالة أنباء العالم العربي» على نسخة منه، إلى أن ذلك الإجراء الإصلاحي يجب أن تتبعه إجراءات أخرى عاجلة خصوصاً فيما يخص الإصلاحات المالية والاستثمارية والتجارية، وخفض الإنفاق الحكومي مؤقتاً مع زيادة آليات الحماية الاجتماعية، وإلغاء جميع قرارات البنك المركزي منذ فبراير (شباط) 2022.

وقال البيان: «نتوقع التحرك الفوري للكم الهائل من المستثمرين الأجانب الذين أنهوا دراساتهم وإجراءات الاستثمار في مصر ثم جمدوها انتظاراً لهذه الخطوة المهمة، مما سيُحدث طفرة كبيرة في حجم الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الأشهر القادمة، وهذا ينطبق أيضاً على برنامج الطروحات الذي نتوقع انطلاقه بوتيرة سريعة الآن».

وأضاف أنه من المتوقع عودة الأموال الساخنة مرة أخرى بعد رفع سعر الفائدة مما سيزيد من الحصيلة الدولارية وسيؤدي لخفضٍ إضافيٍّ في أسعار العملات الأجنبية.

وقال إن السعر العادل للجنيه «سيؤدي لخفض كبير متدرج لأسعار السلع التي كانت مقوَّمة على أسعار عملات مبالغ فيها، والذي بدأ فعلاً في عدد من السلع مثل زيت الطعام الذي انخفض 20 في المائة. كما أن الوفرة التي ستتحقق ستؤدي إلى المنافسة بين الماركات المختلفة، المحلية والمستوردة، مما سيؤدي لخفضٍ إضافي في الأسعار».

من ناحيته، قال أمين سر لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب المصري عمرو القطامي، إن حزمة القرارات التي اتخذها البنك المركزي اليوم خطوة جادة لتصحيح مسار الاقتصاد المصري، متوقعاً أن تسهم في جذب الاستثمارات وزيادة الصادرات المصرية.

وأضاف القطامي في حديث مع «وكالة أنباء العالم العربي»: «رغم تأخر القرار فإنه سيُعيد التوازن إلى الاقتصاد، ويُنعش حركة التجارة في الأسواق، ويقضي بشكل كبير على السوق السوداء للعملات الأجنبية، الأمر الذي سينعكس على تسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج التي بدورها ستعمل على زيادة الإنتاج الصناعي في مصر.

كان سعر صرف الجنيه المصري قد ارتفع أمام الدولار في السوق الموازية ليصل (الثلاثاء)، إلى نطاق بين 43 و45 جنيهاً للعملة الأميركية، بعد أن كان قد تجاوز 70 جنيهاً في يناير (كانون الثاني).

وجاء ارتفاع سعر صرف الجنيه في أعقاب إعلان الحكومة المصرية الشهر الماضي، مشروعاً ضخماً بالشراكة مع الإمارات لتطوير منطقة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط باستثمارات إجمالية 35 مليار دولار تصل خلال شهرين.


مقالات ذات صلة

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

تحويلات المصريين بالخارج زادت بأكثر من 100 % في سبتمبر

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، اليوم الاثنين، أن تحويلات المصريين بالخارج ارتفعت لأكثر من مثليها على أساس سنوي في سبتمبر (أيلول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد ناقلة غاز طبيعي مسال تمر بجانب قوارب صغيرة (رويترز)

مصر تُجري محادثات لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل لاستيراد الغاز المسال

تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في تحول من الاعتماد على السوق الفورية الأكثر تكلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سيدة تتسوق في إحدى أسواق القاهرة (رويترز)

«المركزي المصري» يجتمع الخميس والتضخم أمامه وخفض الفائدة الأميركية خلفه

بينما خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي يدخل البنك المركزي المصري اجتماعه قبل الأخير في العام الحالي والأنظار تتجه نحو التضخم

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السعودية توقّع تسع صفقات استراتيجية لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد العالمية

وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر الاستثمار المقام في العاصمة السعودية الرياض (وزارة الاستثمار)
وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر الاستثمار المقام في العاصمة السعودية الرياض (وزارة الاستثمار)
TT

السعودية توقّع تسع صفقات استراتيجية لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد العالمية

وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر الاستثمار المقام في العاصمة السعودية الرياض (وزارة الاستثمار)
وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر الاستثمار المقام في العاصمة السعودية الرياض (وزارة الاستثمار)

أعلن وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، تسع صفقات استراتيجية جديدة ضمن برنامج «جسري» لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد العالمية، مؤكداً أن هذه الصفقات تأتي في إطار «رؤية 2030» للتحول الاقتصادي، وتهدف إلى تحسين الوصول إلى المواد الأساسية وتعزيز التصنيع المحلي، بالإضافة إلى تعزيز الاستدامة والمشاركة السعودية في سلاسل الإمداد العالمية.

وفي كلمة له خلال مؤتمر «الاستثمار العالمي 28» الذي يُعقد هذا الأسبوع في الرياض، بمشاركة أكثر من 100 دولة، أشار الفالح إلى أن هذه الصفقات تمثّل خطوة مهمة نحو تحقيق هدف المملكة في بناء سلاسل إمداد أكثر مرونة وكفاءة.

وأكد أن البرنامج يعكس رؤية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الذي كان له الدور البارز في إطلاق هذه المبادرة قبل عامين، مشيراً إلى أن البرنامج هو جزء من الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، ويشمل عدة برامج حكومية داعمة، مثل برنامج تطوير الصناعة الوطنية واللوجيستيات (ندلب).

وأضاف الفالح أن المملكة تسعى إلى تسهيل الوصول للمعادن الأساسية، وتشجيع التصنيع المحلي، وزيادة الوصول إلى أسواق الطاقة الخضراء العالمية. وأوضح أن «التوريد الأخضر» هو جزء من المبادرة السعودية؛ إذ ستعزّز المملكة سلاسل الإمداد عبر الاستثمار في الطاقة المتجددة.

وأشار الفالح إلى أن المملكة بصدد تطوير 100 فرصة استثمارية جديدة في 25 سلسلة قيمة، تتضمّن مشروعات رائدة في مجالات، مثل: الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي. وأوضح أن الحكومة السعودية تقدّم حوافز خاصة إلى الشركات الراغبة في الاستثمار بالمناطق الاقتصادية الخاصة.

وأوضح أن المملكة تستعد للتوسع في استثمارات جديدة تشمل قطاعات، مثل: أشباه الموصلات والتصنيع الرقمي، في إطار التعاون المستمر بين القطاعات الحكومية والقطاع الخاص لتعزيز قدرة المملكة على تحقيق أهداف «رؤية 2030».

واختتم الفالح كلمته بتأكيد التزام الحكومة السعودية الكامل بتحقيق هذه الرؤية، مشيراً إلى أن الوزارات الحكومية المعنية ستواصل دعم هذه المبادرة الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة وتوطين الصناعات المتقدمة في المملكة.